الموضوع: حرف الواو
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 26 ذو الحجة 1438هـ/17-09-2017م, 06:57 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "الواو"
"الواو" المفردة
"الواو" المفردة، انتهى مجموع ما ذكر من أقسامها إلى خمسة عشر.
1 - الأول: العاطفة، ومعناها مطلق الجمع، فتعطف الشّيء على مصاحبة، نحو:{فأنجيناه وأصحاب السّفينة}، وعلى سابقه، نحو:{ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم}، وعلى لاحقه، نحو:{كذلك يوحي إليك وإلى الّذين من قبلك}.
وقد اجتمع هذان في:{ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم}، فعلى هذا إذا قيل: قام زيد "و" عمرو، احتمل ثلاثة معان.
قال ابن مالك: وكونها للمعية راجح وللترتيب كثير، ولعكسه قليل انتهى.
ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب أو تراخ، نحو:{إنّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}، فإن الرّد بعيد إلقائه في اليم، والإرسال على رأس أربعين سنة.
وقول بعضهم إن معناها الجمع المطلق غير سديد؛ لتقييد الجمع بقيد الإطلاق، وإنّما هي للجمع لا بقيد.
وقول السيرافي إن النّحويين واللغويين أجمعوا على أنّها لا تفيد التّرتيب مردود، بل قال بإفادتها إيّاه قطرب والربعي والفراء وثعلب وأبو عمر الزّاهد وهشام والشّافعيّ.
ونقل الإمام في البرهان عن بعض الحنفيّة أنّها للمعية، وتنفرد عن سائر أحرف العطف بـ عشر حكما.
أحدها: احتمال معطوفها للمعاني الثّلاثة السّابقة.
والثّاني: اقترانها "بإما" نحو:{إمّا شاكرا وإمّا كفورا}.
والثّالث: اقترانها بـ "لا" إن سبقت بنفي ولم تقصد المعيّة، نحو: ما قام زيد "ولا" عمرو، ولتفيد أن الفعل منفي عنهما في حالتي الاجتماع
والافتراق، ومنه:{وما أموالكم ولا أولادكم بالّتي تقربكم عندنا زلفى}، والعطف حينئذٍ من عطف الجمل عند بعضهم على إضمار العامل، والمشهور أنه من عطف المفردات، وإذا فقد أحد الشّرطين امتنع دخولها، فلا يجوز نحو: قام زيد "ولا" عمرو، وإنما جاز{ولا الضّالّين}؛ لأن في غير معنى النّفي، وإنّما جاز قوله:
فاذهب فأي فتى في النّاس أحرزه ... من حتفه ظلم دعجٌ ولا حيل
لأن المعنى لا فتى أحرزه مثل:{فهل يهلك إلّا القوم الفاسقون}، ولا يجوز ما اختصم زيد "ولا" عمرو؛ لأنّه للمعية لا غير، وأما{وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظّلمات ولا النّور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات}، "فلا" الثّانية والرّابعة والخامسة زوائد لأمن اللّبس.
والرّابع: اقترانها "بلكن"، نحو:{ولكن رسول الله}.
والخامس: عطف المفرد السّبي على الأجنبيّ، عند الاحتياج إلى الرّبط، كـ مررت برجل قائم زيد "و" أخوه، ونحو: زيد قائم عمرو "و" غلامه، وقولك في باب الاشتغال: زيدا ضربت عمرا "و" أخاه.
والسّادس: عطف العقد على النيف، نحو: أحد "و" عشرون.
والسّابع: عطف الصّفات المفرقة مع اجتماع منعوتها، كقوله:
بكيت وما بكا رجل حزين ... على ربعين مسلوب وبال
والثّامن: عطف ما حقه التّثنية أو الجمع، نحو قول الفرزدق:
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمّد ومحمّد
وقول أبي نواس:
أقمنا بها يومًا ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحل خامس
وهذا البيت يتساءل عنه أهل الأدب، فيقولون كم أقاموا؟ والجواب: ثمانية؛ لأن يومًا الأخير رابع، وقد وصف بأن يوم الترحل خامس له، وحينئذٍ فيكون يوم الترحل هو الثّامن بالنّسبة إلى أول يوم.
التّاسع: عطف مالا يستغنى عنه، كاختصم زيد "و" عمرو، واشترك زيد "و" عمرو، وهذا من أقوى الأدلّة على عدم إفادتها التّرتيب، ومن ذلك جلست بين زيد "و" عمرو، ولهذا كان الأصمعي يقول الصّواب:
... بين الدّخول وحومل
لا فحومل.
وأجيب بأن التّقدير بين نواحي الدّخول فهو كقولك: جلست بين الزيدين فالعمرين، أو بأن الدّخول مشتمل على أماكن، وتشاركها في هذا الحكم "أم" المتّصلة في نحو: سواء عليّ أقمت "أم" قعدت، فإنّها عاطفة مالا يستغنى عنه.
والعاشر والحادي عشر: عطف العام على الخاص وبالعكس، فالأول نحو:{رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات}، والثّاني نحو:{وإذ أخذنا من النّبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} الآية.
ويشاركها في هذا الحكم الأخير "حتّى"، كـ مات النّاس "حتّى" الأنبياء، وقدم الحاج "حتّى" المشاة، فإنّها عاطفة خاصّا على عام.
والثاني عشر: عطف عامل حذف وبقي معموله على عامل آخر مذكور يجمعهما معنى واحد، كقوله:
... وزججن الحواجب والعيونا
أي: وكحلن العيون ولجامع بينهما التحسين.
ولولا هذا التّقييد لورد اشتريته بدرهم فصاعدا، إذ التّقدير: فذهب الثّمن صاعدا.
والثّالث عشر: عطف الشّيء على مرادفه، نحو:{إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله}، ونحو:{أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة}، ونحو: {عوجا ولا أمتا}، وقوله عليه الصّلاة والسّلام: «ليلني منكم ذوو الأحلام والنهى».
وقول الشّاعر:
... وألفى قولها كذبا ومينا
وزعم بعضهم أن الرّواية كذبا مبينًا، فلا عطف ولا تأكيد، ولك أن تقدر الأحلام في الحديث جمع حلم بضمّتين، فالمعنى ليلني البالغون العقلاء، وزعم ابن مالك أن ذلك قد يأتي في "أو" و"أن"، منه:{ومن يكسب خطيئة أو إثمًا}.
والرّابع عشر: عطف المقدم على متبوعه للضّرورة، كقوله:
ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام
والخامس عشر: عطف المخفوض على الجوار، كقوله تعالى:{وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم}، فيمن خفض الأرجل، وفيه بحث سيأتي.
تنبيه
زعم قوم أن "الواو" قد تخرج عن إفادة مطلق الجمع، وذلك على أوجه:
أحدها: أن تستعمل بمعنى "أو"، وذلك على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون بمعناها في التّقسيم، كقولك الكلمة اسم "و" فعل "و" حرف، وقوله:
... كما النّاس مجروم عليه وجارم
وممّن ذكر ذلك ابن مالك في التّحفة، والصّواب أنّها في ذلك على معناها الأصليّ، إذ الأنواع مجتمعة في الدّخول تحت الجنس، ولو كانت "أو" هي الأصل في التّقسيم لكان استعمالها فيه أكثر من استعمال "الواو".
والثّاني: أن تكون بمعناها في الإباحة قاله الزّمخشريّ، وزعم أنه يقال جالس الحسن وابن سيرين، أي: أحدهما، وأنه لهذا قيل:{تلك عشرة كاملة} بعد ذكر ثلاثة وسبعة؛ لئلّا يتوهّم إرادة الإباحة.
والمعروف من كلام النّحويين أنه لو قيل جالس الحسن وابن سيرين كان أمرا بمجالسة كل منهما، وجعلوا ذلك فرقا بين العطف "بالواو" والعطف "بأو".
والثّالث: أن تكون بمعناها في التّخيير قاله بعضهم في قوله:
وقالوا نأت فاختر لها الصّبر والبكا ... فقلت البكا أشفى إذن لغليلي
قال معناه "أو" البكاء، إذ لا يجتمع مع الصّبر.
ونقول يحتمل أن الأصل فاختر من الصّبر والبكاء، أي: أحدهما، ثمّ حذف من كما في:{واختار موسى قومه}، ويؤيّده أن أبا عليّ القالي رواه "بمن".
وقال الشاطبي رحمه الله في باب البسملة:
... وصل واسكتا
فقال شارحو كلامه المراد التّخيير، ثمّ قال محققوهم: ليس ذلك من قبل "الواو"، بل من جهة أن المعنى وصل إن شئت، واسكتن إن شئت، وقال أبو شامة وزعم بعضهم أن "الواو" تأتي للتّخيير مجازًا.
والثّاني: أن تكون بمعنى "باء" الجرّ، كقولهم: أنت أعلم ومالك، وبعت الشّاء شاة ودرهما قاله جماعة، وهو ظاهر.
والثّالث: أن تكون بمعنى "لام" التّعليل قاله الخارزنجي، وحمل عليه "الواوات" الدّاخلة على الأفعال المنصوبة في قوله تعالى:{أو يوبقهن بما
كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الّذين}،{أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولما يعلم الله الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}،{يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون}، والصّواب أن "الواو" فيهنّ للمعية كما سيأتي.
2 - و 3 والثّاني والثّالث من أقسام "الواو": "واوان" يرتفع ما بعدهما.
إحداهما: "واو" الاستئناف، نحو:{لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء}، ونحو: لا تأكل السّمك "و" تشرب اللّبن فيمن رفع، ونحو:{من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم} فيمن رفع أيضا، ونحو:{واتّقوا الله ويعلمكم الله}، إذ لو كانت "واو" العطف لا نتصب نقر ولا نتصب، أو انجزم تشرب، ولجزم يذر كما قرأ الآخرون، وللزم عطف الخبر على الأمر، وقال الشّاعر:
على الحكم المأتي يومًا إذا قضى ... قضيته ألا يجور ويقصد
وهذا متعيّن للاستئناف؛ لأن العطف يجعله شريكا في النّفي، فيلزم التّناقض.
وكذلك قولهم دعني "ولا" أعود؛ لأنّه لو نصب كان المعنى ليجتمع تركك لعقوبتي، وتركي لما تنهاني عنه، وهذا باطل؛ لأن طلبه لترك العقوبة إنّما هو في الحال، فإذا تقيد ترك المنهي عنه بالحال لم يحصل غرض المؤدب، ولو جزم فإمّا بالعطف ولم يتقدّم جازم، أو بـ "لا" على أن تقدر ناهية، ويرده أن المقتضي لترك التّأديب إنّما هو الخبر عن نفي العود لا نهيه نفسه عن العود، إذ لا تناقض بين النّهي عن العود وبين العود، بخلاف العود والإخبار بعدمه، ويوضحه أنّك تقول أنا أنهاه وهو يفعل، ولا تقول أنا لا أفعل وأنا أفعل معًا.
والثّانية: "واو" الحال الدّاخلة على الجملة الاسمية، نحو: جاء زيد "و" الشّمس طالعة، وتسمى "واو" الابتداء، ويقدرها سيبويه والأقدمون "بإذ"، ولا يريدون أنّها بمعناها "إذ" لا يرادف الحرف الاسم، بل إنّها وما بعدها قيد للفعل السّابق، كما أن "إذ" كذلك، ولم يقدرها "بإذا" لأنّها لا تدخل على الجمل الاسمية.
ووهم أبو البقاء في قوله تعالى:{وطائفة قد أهمتهم أنفسهم}، فقال "الواو" للحال، وقيل بمعنى "إذ"، وسبقه إلى ذلك مكي، وزاد عليه فقال "الواو" للابتداء، وقيل للحال، وقيل بمعنى "إذ" انتهى، والثّلاثة بمعنى واحد، فإن أراد بالابتداء الاستئناف فقولهما سواء.
ومن أمثلتها داخلة على الجملة الفعلية، قوله:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلب
ولو قدرت للعطف لانقلب المدح ذما.
وإذا سبقت بجملة حالية احتملت عند من يجيز تعدد الحال العاطفة والابتدائية، نحو:{اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر}.
4 - و 5 الرّابع والخامس "واوان" ينتصب ما بعدهما: وهما "واو" المفعول معه، كـ سرت "و" النيل، وليس النصب بها خلافًا للجرجاني، ولم يأت في التّنزيل بيقين، فأما قوله تعالى:{فأجمعوا أمركم وشركاءكم} في قراءة السّبعة {فأجمعوا} بقطع "الهمزة"، و{شركاءكم} بالنّصب، فتحتمل "الواو" فيه ذلك، وأن تكون عاطفة مفردا على مفرد بتقدير مضاف، أي: وأمر شركائكم، أو جملة على جملة بتقدير فعل، أي: واجمعوا شركاءكم بوصل "الهمزة"، وموجب التّقدير في الوجهين أن أجمع لا يتعلّق بالذوات بل بالمعاني، كقولك: أجمعوا على قوله كذا بخلاف جمع فإنّه مشترك بدليل:{فجمع كيده}،{الّذي جمع مالا وعدده}، ويقرأ:{فأجمعوا} بالوصل فلا إشكال، ويقرأ برفع الشّركاء عطفا على "الواو" للفصل بالمفعول، و"الواو" الدّاخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول، فالأول كقوله:
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إليّ من لبس الشفوف
والثّاني شرطه أن يتقدّم "الواو" نفي أو طلب، وسمى الكوفيّون هذا "الواو" "واو" الصّرف، وليس النصب بها خلافًا لهم، ومثالها:{ولما يعلم الله الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.
وقوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ...
والحق أن هذه "واو" العطف كما سيأتي.
6 - و 7 السّادس والسّابع: واوان ينجر ما بعدهما.
إحداهما: "واو" القسم، ولا تدخل إلّا على مظهر، ولا تتعلّق إلّا بمحذوف، نحو:{والقرآن الحكيم}، فإن تلتها "واو" أخرى، نحو:{والتين والزّيتون}، فالتالية "واو" العطف، وإلّا لاحتاج كل من الاسمين إلى جواب، و"واو" "رب"، كقوله:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
ولا تدخل إلّا على منكر، ولا تتعلّق إلّا بمؤخر، والصّحيح أنّها "واو" العطف، وأن الجرّ "بربّ" محذوفة خلافًا للكوفيين والمبرد، وحجتهم افتتاح القصائد بها كقول رؤبة:
وقاتم الأعمال خاوي المخترق
وأجيب بجواز تقدير العطف على كل شيء في نفس المتكلّم، ويوضح كونها عاطفة أن "واو" العطف لا تدخل عليها كما تدخل على "واو" القسم.
قال:
حببت أبا مروان من أجر تمره ... وأعلم أن اليمن بالمرء أرفق
وواللّه لولا تمرة ما حببته ...
8 - والثّامن: "واو" دخولها كخروجها، وهي الزّائدة أثبتها الكوفيّون والأخفش وجماعة، وحمل على ذلك:{حتّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} بدليل الآية الأخرى.
وقيل هي عاطفة، والزائدة "الواو" في:{وقال لهم خزنتها}، وقيل هما عاطفتان، والجواب محذوف، أي: كان كيت وكيت، وكذا البحث في: {فلمّا أسلما وتله للجبين وناديناه} الأولى أو الثّانية زائدة على القول الأول أو هما عاطفتان، والجواب محذوف على القول الثّاني،
والزّيادة ظاهرة في قوله:
فما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظا وينوي من سفاهته كسري
وقوله:
ولقد رمقتك في المجالس كلها ... فإذا وأنت تعين من يبغيني
9 - والتّاسع: "واو" الثّمانية، ذكرها جماعة من الأدباء كالحريري، ومن النّحويين الضّعفاء كابن خالويه، ومن المفسّرين كالثّعلبيّ، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا ستّة سبعة وثمانية، إيذانًا بأن السّبعة عدد تامّ، وأن ما بعدها عدد مستأنف، واستدلّوا على ذلك بآيات.
إحداها:{سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم} إلى قوله سبحانه {سبعة وثامنهم كلبهم}، وقيل هي في ذلك لعطف جملة على جملة، إذ التّقدير: هم سبعة، ثمّ قيل الجميع كلامهم، وقيل العطف من كلام الله تعالى، والمعنى نعم هم سبعة وثامنهم كلبهم، وإن هذا تصديق لهذه المقالة، كما أن:{رجما بالغيب} تكذيب لتلك المقالة، ويؤيّده قول ابن عبّاس رضي الله عنهما حين جاءت "الواو" انقطعت العدة، أي: لم يبق عدّة يلتفت إليها.
فإن قلت: إذا كان المراد التّصديق فما وجه مجيء:{قل ربّي أعلم بعدّتهم ما يعلمهم إلّا قليل}.
قلت: وجه الجملة الأول توكيد صحة التّصديق بإثبات علم المصدق، ووجه الثّانية الإشارة إلى أن القائلين تلك المقالة الصادقة قليل، أو أن الّذي قالها منهم عن يقين قليل، أو لما كان التّصديق في الآية خفيا لا يستخرجه إلّا مثل ابن عبّاس قيل ذلك، ولهذا كان يقول أنا من ذلك القليل هم سبعة وثامنهم كلبهم.
وقيل هي "واو" الحال، وعلى هذا فيقدر المبتدأ اسم اشارة، أي: هؤلاء سبعة ليكون في الكلام ما يعمل في الحال، ويرد ذلك أن حذف عامل الحال إذا كان معنويا ممتنع، ولهذا ردوا على المبرد قوله في بيت الفرزدق:
... وإذا ما مثلهم بشر
إن مثلهم حال ناصبها خبر محذوف، أي: وإذ ما في الوجود بشر مماثلا لهم.
الثّانية: آية الزمر إذ قيل:{فتحت} في آية النّار؛ لأن أبوابها سبعة، {وفتحت} في آية الجنّة إذ أبوابها ثمانية.
وأقول لو كان "لواو" الثّمانية حقيقة لم تكن الآية منها، إذ ليس فيها ذكر عدد البتّة، وإنّما فيها ذكر الأبواب، وهي جمع لا يدل على عدد خاص، ثمّ "الواو" ليست داخلة عليه، بل هي جملة هو فيها، وقد مر أن "الواو" في {وفتحت} مقحمة عند قوم، وعاطفة عند آخرين. وقيل هي "واو" الحال، أي: جاؤوها مفتحة أبوابها، كما صرح بمفتحة حالا في:{جنّات عدن مفتحة لهم الأبواب}، وهذا قول المبرد والفارسي وجماعة، قيل وإنّما فتحت لهم قبل مجيئهم إكراما لهم عن أن يقفوا حتّى تفتح لهم.
الثّالثة:{والناهون عن المنكر} فإنّه الوصف الثّامن، والظّاهر أن العطف في هذا الوصف بخصوصه، إنّما كان من جهة أن الأمر والنّهي من حيث هما أمر ونهي متقابلان بخلاف بقيّة الصّفات، أو لأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف والناهي عن المنكر آمر بالمعروف، فأشير إلى الاعتداد بكل من الوصفين، وأنه لا يكتفي فيه بما يحصل في ضمن الآخر.
وذهب أبو البقاء على إمامته في هذه الآية مذهب الضّعفاء، فقال: إنّما دخلت "الواو" في الصّفة الثّامنة إيذانًا بأن السّبعة عندهم عدد تامّ، ولذلك قالوا سبع في ثمانية، أي: سبع أذرع في ثمانية أشبار، وإنّما دخلت "الواو" على ذلك لأن وضعها على مغايرة ما بعدها لما قبلها.
الرّابعة:{وأبكارا} في آية التّحريم، ذكرها القاضي الفاضل وتبجح باستخراجها، وقد سبقه إلى ذكرها الثّعلبيّ.
والصّواب: أن هذه "الواو" وقعت بين صفتين: هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصّفات السّابقة، فلا يصح إسقاطها، إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة، و"واو" الثّمانية عند القبائل بها صالحة للسقوط.
وأما قول الثّعلبيّ: إن منها "الواو" في قوله تعالى:{سبع ليال وثمانية أيّام حسوما} فسهو بين، وإنّما هذه "واو" العطف، وهي واجبة الذّكر، ثمّ إن {أبكارًا} صفة تاسعة لا ثامنة، إذ أول الصّفات {خيرا منكن} لا {مسلمات}، فإن أجاب بأن مسلمات، وما بعده تفصيل لخيرا منكن، فلهذا لم تعد قسيمة لها قلنا، وكذلك {ثيبات وأبكارا} تفصيل للصفات السّابقة فلا نعدهما معهنّ.
10 - والعاشر: "الواو" الدّاخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها، وإفادتها أن اتصافه بها أمر ثابت، وهذه "الواو" أثبتها الزّمخشريّ، ومن قلّده وحملوا على ذلك مواضع "الواو" فيها كلها "واو" الحال، نحو:{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} الآية، {سبعة وثامنهم كلبهم}،{أو كالّذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها}،{وما أهلكنا من قرية إلّا ولها كتاب معلوم}.
والمسوغ لمجيء الحال من النكرة في هذه الآية أمران:
أحدهما: خاص بها وهو تقدم النّفي.
والثّاني: عام في بقيّة الآيات، وهو امتناع الوصفية، إذ الحال متى امتنع كونها صفة جاز مجيئها من النكرة، ولهذا جاءت منها عند تقدمها عليها، نحو: في الدّار قائما رجل، وعند جمودها، نحو: هذا خاتم حديدا، ومررت بماء قعدة رجل، ومانع الوصفية في هذه الآية أمران:
أحدهما: خاص بها وهو اقتران الجملة "بإلا"، إذ لا يجوز التفريغ في الصّفات، لا تقول ما مررت بأحد إلّا قائم، نص على ذلك أبو عليّ وغيره.
والثّاني: عام في بقيّة الآيات، وهو اقترانها "بالواو".
11 - والحادي عشر: "واو" ضمير الذّكور، نحو: الرّجال قاموا، وهي اسم، وقال الأخفش والمازني حرف، والفاعل مستتر، وقد تستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم، نحو قوله تعالى:{يا أيها النّمل ادخلوا مساكنكم}، وذلك لتوجيه الخطاب إليهم، وشذ قوله:
شربت بها والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دانوا فتصوبوا
والّذي جرأه على ذلك قوله بنو لا بنات، والّذي سوغ ذلك أن ما فيه من تغيير نظم الواحد شبهه بجمع التكسير، فسهل مجيئه لغير العاقل، ولهذا جاز تأنيث فعله، نحو:{إلّا الّذي آمنت به بنو إسرائيل} مع امتناع قامت الزيدون.
12 - الثّاني عشر: "واو" علامة المذكرين في لغة طيء، أو أزد شنوءة، أو بلحارث، ومنه الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكه بالنّهار».
وقوله:
يلومونني في اشتراء النخيل ... أهلي فكلهم ألوم
وهي عند سيبويه حرف دال على الجماعة، كما أن "التّاء" في قالت حرف دال على التّأنيث، وقيل هي اسم مرفوع على الفاعلية، ثمّ قيل إن ما بعدها بدل منها، وقيل مبتدأ والجملة خبر مقدم، وكذا الخلاف في نحو: قاما أخواك وقمن نسوتك.
وقد تستعمل لغير العقلاء إذ نزلوا منزلتهم، قال أبو سعيد نحو: أكلوني البراغيث إذ وصفت بالأكل لا بالقرص، وهذا سهو منه فإن الأكل من صفات الحيوانات عاقلة وغير عاقلة.
وقال ابن الشجري عندي: أن الأكل هنا بمعنى العدوان والظّلم، كقوله:
أكلت بنيك أكل الضّب حتّى ... وجدت مرارة الكلأ الوبيل
أي: ظلمتهم، وشبه الأكل المعنويّ بالحقيقي.
والأحسن في الضّب في البيت ألا يكون في موضع نصب على حذف الفاعل، أي: مثل أكلك الضّب بل في موضع رفع على حذف المفعول، أي: مثل أكل الضّب أولاده؛ لأن ذلك أدخل في التّشبيه، وعلى هذا فيحتمل الأكل الثّاني أن يكون معنويا؛ لأن الضّب ظالم لأولاده بأكله إيّاهم، وفي المثل أعق من ضب.
وقد حمل بعضهم على هذه اللّغة {ثمّ عموا وصموا كثير منهم}،{وأسروا النّجوى الّذين ظلموا}، وحملهما على غيره هذه اللّغة أولى لضعفها، وقد جوز في:{الّذين ظلموا} أن يكون بدلا من "الواو" في: وأسروا، أو مبتدأ خبره إمّا وأسروا، أو قول محذوف عامل في جملة الاستفهام، أي: يقولون هل هذا، وأن يكون خبرا لمحذوف، أي: هم الّذين، أو فاعلا بأسروا، و"الواو" علامة كما قدمنا، أو بيقول محذوفا، أو بدلا من "واو"{استمعوه}، وأن يكون منصوبًا على البدل من مفعول يأتيهم، أو على إضمار أذمّ أو أعني، وأن يكون مجرورا على البدل من النّاس في:{اقترب للنّاس حسابهم}، أو من "الهاء" و"الميم" في:{لاهية قلوبهم}، فهذه أحد عشر وجها.
وأما الآية الأولى فإذا قدرت "الواوان" فيها علامتين، فالعاملان قد تنازعا الظّاهر، فيجب حينئذٍ أن تقدر في أحدهما ضميرا مستترا راجعا إليه، وهذا من غرائب العربيّة، أعني وجوب استتار الضّمير في فعل الغائبين.
ويجوز كون كثير مبتدأ وما قبله خبرا، وكونه بدلا من "الواو" الأولى، مثل: اللّهمّ صل عليه الرؤوف الرّحيم.
"فالواو" الثّانية حينئذٍ عائدة على متقدم رتبة ولا يجوز العكس؛ لأن الأولى حينئذٍ لا مفسّر لها، ومنع أبو حيّان أن يقال على هذه اللّغة جاؤوني من جاءك؛ لأنّها لم تسمع إلّا مع ما لفظه جمع.
وأقول إذا كان سبب دخولها بيان أن الفاعل الآتي جميع كان لحاقها هنا أولى؛ لأن الجمعية خفية.
وقد أوجب الجميع علامة التّأنيث في: قامت هند، كما أوجبوها في: قامت امرأة، وأجازوها في: غلت القدر وانكسرت القوس، كما أجازوها في: طلعت الشّمس ونفعت الموعظة.
وجوز الزّمخشريّ في:{لا يملكون الشّفاعة إلّا من اتخذ عند الرّحمن عهدا} كون من فاعلا، و"الواو" علامة.
وإذا قيل: جاؤوا زيد "و" عمرو "و" بكر لم يجز عند ابن هشام أن يكون من هذه اللّغة، وكذا تقول في: جاءا زيد "و" عمرو، وقول غيره أولى لما بينا من أن المراد بيان المعنى، وقد رد عليه بقوله:
... وقد أسلماه مبعد وحميم
وليس بشيء لأنّه إنّما يمنع التّخريج لا التّركيب، ويجب القطع بامتناعها في نحو: قام زيد "أو" عمرو؛ لأن القائم واحد، بخلاف قام أخواك "أو" غلاماك؛ لأنّه اثنان، وكذلك تمتنع في: قام أخواك "أو" زيد.
وأما قوله تعالى:{إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما}.
فمن زعم أنه من ذلك فهو غالط، بل "الألف" ضمير الوالدين في:{وبالوالدين إحسانا}، وأحدهما "أو" كلاهما، بتقدير يبلغه: أحدهما "أو" كلاهما، "أو" أحدهما بدل بعض، وما بعده بإضمار فعل، ولا يكون معطوفًا؛ لأن بدل الكل لا يعطف على بدل البعض، لا تقول أعجبني زيد وجهه وأخوك، على أن الأخ هو زيد؛ لأنّك لا تعطف المبين على المخصّص.
فإن قلت: قام أخواك "و" زيد جاز، قاموا "بالواو" إن قدرته من عطف المفردات، وقاما "بالألف" إن قدرته من عطف الجمل، كما قال السّهيلي في:{لا تأخذه سنة ولا نوم} إن التّقدير: ولا يأخذه نوم.
13 - والثّالث عشر: "واو" الإنكار، نحو: آلرجلوه بعد قول القائل قام الرجل، والصّواب ألا تعد هذه لأنّها إشباع للحركة، بدليل آلرجلاه في النصب، وآلرجليه في الجرّ، ونظيرها "الواو" في منو في الحكاية، وفي أنظور من قوله:
... من حوثما سلكوا أدنو فأنظور
و"واو" القوافي كقوله:
... سقيت الغيث إيتها الخيامو
14 - الرّابع عشر: "واو" التّذكّر، كقول من أراد أن يقول: يقوم زيد، فنسى زيد، فأراد مد الصّوت ليتذكر إذ لم يرد قطع الكلام يقومو، والصّواب أن هذه كالّتي قبلها.
15 - الخامس عشر: "الواو" المبدلة من "همزة" الاستفهام المضموم ما قبلها، كقراءة قنبل:(وإليه النشور وأَمِنْتم)،(قال فرعون وآمنتم به)،
والصّواب ألا تعد هذه أيضا؛ لأنّها مبدلة، ولو صحّ عدها لصحّ عد "الواو" من أحرف الاستفهام). [مغني اللبيب: 4 / 349 - 420]


رد مع اقتباس