الموضوع: حرف الياء
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1438هـ/17-09-2017م, 07:50 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "الياء"
باب "الياء" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ):(باب "الياء"
اعلم أن "الياء" جاءت في كلام العرب مفردة ومركبة مع غيرها من الحروف.

باب "الياء" المفردة
اعلم أنها تنقسم قسمين: قسمٌ أصلٌ، وقسمٌ بدلٌ من أصلٍ، فالقسم التي هي أصلٌ لها اثنا عشر موضعًا:
الموضع الأول: أن تكون للمضارعة نحو: يقوم ويقعد ويخرج، وقد تقدم معنى المضارعة في باب "التاء"، وهذه "الياء" هي أصلٌ في المضارعة إذا كانت حرف علةٍ خالصة بخلاف "الهمزة" و"التاء" و"النون" التي وضعت لأجلها، وقد ذكر معنى ذلك في أبوابها.
ولهذه "الياء" دليل على أصليتها في المضارعة، وذلك أنه إذا كان بعدها "واوٌ"، وبعد "الواو" كسرةٌ فإن "الواو" تُحذف لوقوعها بينها وبين الكسرة نحو: يعد ويزن ويقف، والأصل: يوعد ويوزن، ويوقف، لأنها من الوعد والوزن والوقف، وأجريت "التاء" و"الهمزة" مجراها في ذلك لأنها معها في معنى المضارعة كما أن «أأكرم» وأمثاله استثقل فحذفت "همزته" التي للتعدية لاجتماع "الهمزتين" فقيل: أُكرم، وأجريت باقي حروف المضارعة مجراها في حذف "الهمزة" بعدها لاجتماعها في المضارعة.
فأما يطأ ويسع ويدع فالأصل فيها كسر "الطاء" و"السين" و"الدال" فلذلك حُذفت "الواو" التي كانت فيها بين الكسرة و"الياء" لأن الأصل: يوسع ويوطئ ويودع، فلما حذفت "الواو" فتح ذلك كله من أجل حرف الحلق بعده، فأما يذر فعومل معاملة يدعُ لأنه في معناه.
وهذه "الياء" تدل على الغائب المذكر نحو: زيدٌ يقوم، والغائبين المذكرين نحو: الزيدان يقومان، وعلى الجمع المذكر نحو: الزيدون يقومون، وعلى الجمع المؤنث الغائب نحو: الهنداتُ يقمن، قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وقال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ}، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وقال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}، وقال الشاعر:
ويقلن شيبٌ قد علا ..... ك وقد كبيرت فقلت إنه
الموضع الثاني: أن تكون للنصب والخفض في التثنية والجمع الذي على حد ما نحو قولك: رأيت الزيدين والزيدين، ومررت بالعمرين والعمرين، والخلاف فيها وفي "نونها" قد تقدم في باب "الألف" فلا نعيده.
الموضع الثالث: أن تكون علامة تأنيثٍ في الفعل المضارع للمؤنثة المخاطبة، وذلك نحو أنت تقومين يا هندُ، وأنت تخرجين، قال الله تعالى: {فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}، وهي "كتاء" التأنيث المتصلة بفعل الماضي في نحو: قامت وقعدت، وهذا مذهب أبي الحسن الأخفش، والنحويون كلهم يخالفون له فيما أعلم لأنهم يزعمون أنها اسمٌ وهو الصحيح الذي يعضده النظرُ والقياس، ولا يصح أن تكون حرفًا لوجوهٍ:
منها: أنها لو كانت حرفًا علامةً لم تثبت معها "تاء" المضارعة لاجتماع علامتي تأنيث، كما لم تثبت مع "تاء" التأنيث فلا يُقال: فاطمتات.
ومنها: أنها لو كانت حرفًا علامةً لجاز أن تحذف مع بعض المؤنث، كما يُفعل "بتاء" التأنيث حسبما ذكر في بابها.
ومنها: أنها لو كانت حرفًا لاجتمعت مع "ألف" التثنية للمؤنثتين المخاطبتين فيقال: تفعليان كما قيل، فعلتا، ذلك لم يكن.
ومنها: أنه لم يوجد فعلٌ مضارعٌ فيه علامة التأنيث مختصة فيقاس هذا عليه.
ولا حجة بوقوعها لأنه موضعُ النزاع فصح أنها ضميرٌ اسمٌ لا علامة حرف وإنما ذكرت لها في هذا الكتاب موضعًا لكونه مذهبًا لبعض الأئمة من النحويين فيتوهم أنه صحيحٌ، فذكرته تنبيهًا على ذلك وإثباتًا لفساده.
الموضع الرابع: أن تكون للتصغير في عمرو وعمير وخالد وخويلد، وموقعها أبدًا فيه ثالثةٌ ساكنة، وإنما وُضعت ساكنة، لأنه أصل المزيد، ذا الحركة لمعنًى زائدٍ فلا يسأل عنه، وإنما وُضعت ثالثةً لأنها لو وُضعت أولًا لثقلت بالضم، ولو جعلت ثانيةً لانقلبت "واوًا" لأجل الضمة كما انقلبت "ياء" فيصل وصيرف حين قيل: فويصل وصويرف، وهي لمعنى تلزمُ المحافظة عليها له، فوقعت ثالثة لذلك، ولو كانت آخرًا لتعرضت للحذف والتغير كأكثر حروف العلة وهي محافظ عليها لما ذكر، وكانت في الثالث تسلمُ فلزمته، ولم تدخل بعد الرابع حملًا على الثلاثي لأنه الكثير، وكذلك في الخماسي والسداسي إذا أكثرها جاء لزيادة الثلاثي والرباعي الأصل، فاعلمه.
الموضع الخامس: أن تكون مشددة للنسب وذلك قولك: أنصاري في المنسوب إلى الأنصار، وكوفي في المنسوب إلى الكوفة وكأنها عوضٌ من المنسوب إليه، ولذلك شددت لتقوى بالتشديد.
وحكمها أن يكون ما قبلها مكسورًا أبدًا ليصح، لأن الاعتماد في النسب عليها، وهي شديدة الاتصال، فالكلمة قبلها تجري مجرى حرفٍ منها، فتجري بوجوه الإعراب من رفعٍ ونصبٍ وخفضٍ كما يجري آخر الكلمة، ولو لم تكن مشددة لدخلها الحذف والتغيير، وللمنسوب بها أحكامٌ وتفاصيل، ليس هذا الكتابُ موضوعًا له، وإنما حظنا فيه ذكر الحروف وما لها من الأحكام، والله الموفق.
الموضع السادس: أن تكون لإشباع الكسرة كما كانت "الواو" و"الألف" لذلك، ومحله الشعر كقوله:
.... .... .... .... .... يُحبك عظمٌ في التراب تريب
وقوله:
.... .... .... .... .... .... .... تنقاد الصياريف
وقد ذُكر في باب "الألف".
الموضع السابع: أن تكون لإطلاق القافية كما كانت "الواو" و"الألف" و"الهاء"، وهي مختصة بذلك لا غير، إذا كانت زائدة على الكلمة نحو قوله:
ويوم عقرتُ للعذارى مطيتي .... فيا عجبًا من رحلها المتحمل
وقول الراجز:
.... .... .... .... .... فخندفُ هامةُ هذا العألم
وهي تقع موقع "النون" أو "الألف" من أجزاء العروض المذكورة في باب "الواو"، وقوله «تحمل»، وقول الراجز: «ذا العألم» وزنه من أجزاء العروض مستفعلن، و"الياء" في موضع "النون"، وكذلك حُكم حرف الإطلاق حيث وقعت من القوافي.
وقد تُشارك "الياء" التي تختص بالإطلاق "ياءُ" الضمير كقوله:
إني بحبلك واصلٌ حبلي .... وبريش نبلك رائشُ نبلي
وتشاركها أيضًا "الياء" الأصلية كقوله:
.... .... .... .... .... يجور بها الملاح طورًا ويهتدي
ولكن ذلك فيها بالفرض والأولى بالقصد، فاعلمه.
الموضع الثامن: أن تكون للتذكر "كالواو" و"الألف" كقولك في الوقف على الكلمة الأولى التي لا تتم إلا بغيرها، وكانت آخرها كسرة، وذلك في نحو أنت تفعلين: أنتي، ولم تضرب الرجل: تضربي، ومنه قوله:
.... .... .... .... .... لما تزل بركابنا وكأن قد
"فالياء" في البيت جمعت معنيين، أحدهما الإطلاق والآخر التذكر، لأن المعنى: وكأن قد زالت، فلما حُذف «زال» - وهو يراد – جعل "الياء" للتذكر عوضًا منه، ووقعت إطلاقًا كما ترى.
وإذا وقعت آخر الكلمة في الوصل "ياءٌ" وحذفت ما بعدها ووقفت أشبعت تلك
"الياء" قدر يائين كما تفعلُ في "الألف"، ومثل ذلك أيضًا يُفعلُ في "الواو"، فتقول: أعطى زيدٌ درهمًا: أعطا، أو في ضربتم زيدًا: ضربتمو، وفي غلامي يقوم: غلاميي، حتى يُعلم في ذلك أن ذلك المد إنما هو عوضٌ من المحذوف على معنى التذكر.
الموضع التاسع: أن تكون في آخر الضمير المفرد المذكر، دلالة على التذكير، كما كانت "الألف" فيه دلالةً على التأنيث نحو: بهي، كما تقول في "الألف": بها وكذلك في ضمير الجمع المذكر دلالة على الجمع، وذلك في بهيمي وعليهمي، كما كانت "الألف" دلالة على التثنية في بهما، و"الواو" دلالة على الجمع المذكر في بهمو، وهما لغتان: بهمو بهمي، وعليهمو وعليهمي، كما أن المذكر أيضًا فيه لغتان: "الواوُ" و"الياءُ"، فتقول: عليهمي وعليهمو، واليهمي واليهمو، وتصرف القراء في ذلك في القرآن على مهيع هذه اللغات.
الموضع العاشر: أن تكون للوقف خاصة، وذلك نوعان:
نوع في الاستثبات بـ من [حكاية] عن النكرة المخفوضة على اللغتين المذكورتين في باب "الواو"، فتقول في الاستثبات بها عمن قال: مررتُ برجلٍ ورجلين ورجالٍ وامرأةٍ وامرأتين ونساء: مني في الوقف، لذلك كله على اللغة الواحدة، وتُلحق العلامات على اللغة الأخرى فتقول في رجلٍ في الخفض: مني، وفي رجلين: منين، وفي رجال: منين وفي امرأة: منه بفتح "النون"، وفي الاثنتين: منتين بفتح "التاء" وإسكان "النون"، وفي الجمع في نساء، منات، وكل ذلك في الوقف، فإذا وصلت حذفت في اللغتين فقلت: من يا هذا.
والنوع الثاني: في الوقف على المعرب المخفوض المنون فتقول في: مررتُ بزيدٍ في الوقف: بزيدي، وفي جئت برجل في الوقف: جئت برجلي، ولا يفعلون بالمبني لأن "الياء" عوض من التنوين في الأصل، وهي إحدى السبع اللغات في الوقف على المعرب المنون كما ذُكر في باب "الواو".
الموضع الحادي عشر: أن تكون للإنكار في الوقف أيضًا بعد التنوين أو غيره، فتقول إذا أنكرت نحو: قام زيدٌ: أزيدنيه،
"الياء" للإنكار و"الهاء" للوقف، وإذا أنكرت نحو جئت أمس: أأمسيه، "الياءُ" للإنكار و"الهاءُ" للوقف أيضًا.
فإذا دخلت على المنون كسرت التنوين لها، وإذا دخلت على غير منونٍ مبنيٍ أو غير مبني: فإن كان آخره ساكنًا "ألفًا" بقي وألحقت زائدًا عليه "إن" وكسرته لها فقلت: أرجلاإنيه، وإن كان غير "ألفٍ" كسر لها [نحو] آالرجليه في: الرجل.
الموضع الثاني عشر: أن تكون في نفس الكلمة من بيتها فلا تُعلل لأنها مبدأ لغةٍ، وفيها ما هو لعلة المد كما ذُكر في "الواو"، فتكون ثانية في الاسم نحو: صيقل وصيرف وفي الفعل نحو: بيطر وسيطر، وثالثة في الاسم للمد ككريم ولغيره كعثير وحذيم ورابعةً فيه نحو: سرجين ودهلين للمد، وفي الفعل: سلقيت وجعبيت وخامسة في الاسم نحو: عنتريس للمد فيه، وفي الفعل نحو: احرنبيت واسلنقيت ، ويستدل على الزيادة فيها بالاشتقاق وهو الأكثر، وبغيره في الاستدلالات التي ذكر التصريفيون.
القسم التي هي بدلٌ من أصلٍ: على قسمين: قسمٌ تكون بدلًا من "واو"، وقسمٌ تكون بدلًا من "ألفٍ".
القسم التي تكون بدلًا من "واوٍ" لها موضع واحد، وذلك إذا وقعت "الواو" ساكنةً قبل الآخر للمد نحو: منصور وغضرفوط، ثم صغرته أو كسرته فإنك تقولُ: منيصير وغضريط ومناصير وغضاريط، وكذلك تقول في عجوز ورسول فيهما: عجير وعجائز، ورسيل ورسايل، وإنما ذلك لوقوع الكسرة فيهما قبل "الواو" وهما ضدان، فإذا صيرت "ياء" خُففت لتناسبهما، وبعد ذلك من القلب إلى "الياء" تُقلب "همزةً" في مثل: عجائز ورسائل، وقد تقدم ذلك في باب "الهمزة" المبدلة.


القسم التي هي بدلٌ من ألفٍ لها موضعان:
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من "ألفٍ" قبل آخر الكلمة زائدةً للمد إذا صُغر أو كُسر، كقولك في مفتاح: مفيتيح ومفاتيح، وفي دينار، دنينير ودنانير، وفسطاط: فسيطيط وفساطيط، وضراب: ضريب وضرايب، وإنما قُلبت "الألف" في نحو هذا "ياءً" لكون ما بعدها مكسورًا في التصغير والتكسير، فتثقل اللفظة مع "الواو" في مثل ما تقدم في الموضع قبل هذا، ولا يكون ما قبل "الألف" في هذا الموضع إلا مفتوحًا فجعلت "الياء" عوضًا لتناسب الكسرة لأنهما أخوان فتخف الكلمة.
وكذلك المصدر من «فاعلت» يلزم قلب "الألف" فيه "ياء" فيقال إذا جاء على «فيعال»: قاتلتُ قيتالًا وضاربت ضيرابًا، والحكم في التعليل في هذا كالذي قبله، ولا يُدعى في هذا أن المصدر أصلٌ للفعل، "فالألفُ" في الفعل [ليست] مبدلة عن "الياء" لأنه لا يُراعى في الإعلال مصدرٌ ولا فعلٌ في تقدم أحدهما على الآخر أو أصالته له، فإنه قد يوجد الإعلال فيهما كقام قيامًا، وقد يوجد الإعلال في الفعل دون المصدر نحو: قام قومةً وقال قولًا، وقد يوجد في المصدر دون الفعل نحو وعد عدة ووزن زنةً، فدل على أن المراعى الثقل.
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "ألف" الندبة للفرق بين المذكر والمؤنث في ضمير الخطاب للمؤنث نحو قولك في غلامك: واغلامكيه، فرقًا بينه وبين: واغلامكاه في المذكر، ولولا ذلك القلب لالتبس أحدهما بالآخر، فاعلمه). [رصف المباني:443 - 451]


رد مع اقتباس