الموضوع: هل
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 26 ذو الحجة 1438هـ/17-09-2017م, 11:34 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("هل"
"هل": حرف موضوع لطلب التّصديق الإيجابي دون التّصوّر، ودون التّصديق السلبي فيمتنع، نحو: "هل" زيدا ضربت؟ لأن تقديم الاسم يشعر بحصول التّصديق بنفس النّسبة، ونحو: "هل" زيد قائم "أم" عمرو؟ إذا أريد "بأم" المتّصلة، و"هل" لم يقم زيد؟
ونظيرها في الاختصاص بطلب التّصديق "أم" المنقطعة، وعكسهما "أم" المتّصلة.
وجميع أسماء الاستفهام فإنّهنّ لطلب التّصوّر لا غير، وأعم من الجميع "الهمزة" فإنّها مشتركة بين الطلبين.
وتفترق "هل" من "الهمزة" من عشرة أوجه:
أحدها: اختصاصها بالتصديق.
والثّاني: اختصاصها بالإيجاب، تقول: "هل" زيد قائم؟ ويمتنع: "هل" لم يقم؟ بخلاف "الهمزة"، نحو: {ألم نشرح}،{ألن يكفيكم}،{أليس الله بكاف عبده}،وقال:
ألا طعان ألا فرسان عادية ...
والثّالث: تخصيصها المضارع بالاستقبال، نحو: "هل" تسافر؟ بخلاف"الهمزة"، نحو: أتظنه قائما.
وأما قول ابن سيدة في شرح الجمل لا يكون الفعل المستفهم عنه إلّا مستقبلا فسهو، قال الله سبحانه وتعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا}، وقال زهير:
فمن مبلغ الأحلاف عني رسالة ... وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
والرّابع والخامس والسّادس: أنّها لا تدخل على الشّرط، ولا على "إن"، ولا على اسم بعده فعل في الاختيار بخلاف "الهمزة" بدليل: {أفإن مت فهم الخالدون}،{أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون}،{أئنك لأنت يوسف}،{أبشرا منا واحدًا نتبعه}.
والسّابع والثّامن: أنّها تقع بعد العاطف لا قبله، وبعد "أم"، نحو: {فهل يهلك إلّا القوم الفاسقون}، وفي الحديث: «وهل ترك لنا عقيل من رباع»، وقال:
ليت شعري هل ثمّ هل آتينهم ... أو يحولن دون ذاك حمام
وقال تعالى:{قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنور}.
التّاسع: أنه يراد بالاستفهام بها النّفي، ولذلك دخلت على الخبر بعدها "إلّا" في نحو: {هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان}، و"الباء" في قوله:
... ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم
وصحّ العطف في قوله:
وإن شفائي عبرة مهراقة ... وهل عند رسم دارس من معول
إذ لا يعطف الخبر الإنشاء.
فإن قلت قد مر لك في صدر الكتاب أن "الهمزة" تأتي لمثل ذلك، مثل: {أفأصفاكم ربكم بالبنين}، ألا ترى أن الواقع أنه سبحانه لم يصفهم بذلك، قلت: إنّما مر أنّها للإنكار على مدعي ذلك، ويلزم من ذلك الانتفاء لا أنّها للنّفي ابتداء، ولهذا لا يجوز أقام "إلّا" زيد، كما يجوز: "هل" قام "إلّا" زيد؟ {فهل على الرّسل إلّا البلاغ المبين}،{هل ينظرون إلّا السّاعة}.
وقد يكون الإنكار مقتضيا لوقوع الفعل على العكس من هذا وذلك إذا كان بمعنى ما كان ينبغي لك أن تفعل، نحو: أتضرب زيدا وهو أخوك؟
ويتلخص أن الإنكار على ثلاثة أوجه:
إنكار على من ادّعى وقوع الشّيء، ويلزم من هذا النّفي.
وإنكار على من أوقع الشّيء، ويختصان "بالهمزة".
وإنكار لوقوع الشّيء، وهذا هو معنى النّفي، وهو الّذي تنفرد به "هل" عن "الهمزة".
والعاشر: أنّها تأتي بمعنى "قد"، وذلك مع الفعل، وبذلك فسر قوله تعالى:{هل أتى على الإنسان حين من الدّهر}، جماعة منهم ابن عبّاس رضي الله عنهما والكسائيّ والفراء والمبرد، قال في مقتضبه: "هل" للاستفهام، نحو: "هل" جاء زيد؟ و"قد" تكون بمنزلة "قد"، نحو قوله جلّ اسمه: {هل أتى على الإنسان}، انتهى.
وبالغ الزّمخشريّ فزعم أنّها أبدا بمعنى "قد"، وأن الاستفهام إنّما هو مستفاد من "همزة" مقدرة معها، ونقله في المفصل عن سيبويه،
فقال وعند سيبويه أن "هل" بمعنى "قد"، إلّا أنهم تركوا "الألف" قبلها؛ لأنّها لا تقع إلّا في الاستفهام، و"قد" جاء دخولها عليها في قوله:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
انتهى.
ولو كان كما زعم لم تدخل إلّا على الفعل "كقد"، ولم أر في كتاب سيبويه رحمه الله ما نقله، إنما قال في باب عدّة ما يكون عليه الكلم ما نصه: و"هل" وهي للاستفهام، ولم يزد على ذلك.
وقال الزّمخشريّ في كشافه {هل أتى}، أي: "قد" أتى على معنى التّقرير والتقريب جميعًا، أي: أتى على الإنسان قبل زمان قريب طائفة من الزّمان الطّويل الممتد لم يكن فيه شيئا مذكورا، بل شيئا منسيا نطفة في الأصلاب، والمراد بالإنسان الجنس بدليل: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة}، انتهى.
وفسرها غيره "بقد" خاصّة، ولم يحملوا "قد" على معنى التّقريب، بل على معنى التّحقيق.
وقال بعضهم معناها التوقع، وكأنّه قيل لقوم يتوقعون الخبر عمّا أتى على الإنسان وهو آدم عليه الصّلاة والسّلام، قال والحين زمن كونه طينا، وفي تسهيل ابن مالك أنه يتعيّن مرادفة "هل" "لقد" إذا دخلت عليها "الهمزة"، يعني كما في البيت، ومفهومه أنّها لا تتعيّن لذلك إذا لم تدخل عليها، بل "قد" تأتي لذلك كما في الآية، و"قد" لا تأتي له، و"قد" عكس قوم ما قاله الزّمخشريّ، فزعموا أن "هل" لا تأتي
بمعنى "قد" أصلا، وهذا هو الصّواب عندي إذ لا متمسك لمن أثبت ذلك إلّا أحد ثلاثة أمور:
أحدها: تفسير ابن عبّاس رضي الله عنهما، ولعلّه إنّما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير، وليس باستفهام حقيقيّ، وقد صرح بذلك جماعة من المفسّرين، فقال بعضهم: "هل" هنا للاستفهام التقريري، والمقرر به من أنكر البعث، و"قد" علم أنهم يقولون: نعم "قد" مضى دهر طويل لا إنسان فيه، فيقال لهم فالّذي أحدث النّاس بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم، وهو معنى قوله تعالى: {ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون}، أي: فهلا تذكرون فتعلمون أنه من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد عدمه. انتهى.
وقال آخر مثل ذلك، إلّا أنه فسر الحين بزمن التّصوير في الرّحم، فقال المعنى: ألم يأت على النّاس حين من الدّهر كانوا فيه نطفا، ثمّ علقا، ثمّ مضغا إلى أن صاروا شيئا مذكورا.
وكذا قال الزّجاج إلّا أنه حمل الإنسان على آدم عليه الصّلاة والسّلام، فقال المعنى: ألم يأت على الإنسان حين من الدّهر كان فيه ترابا وطينا إلى أن نفخ فيه الرّوح انتهى.
وقال بعضهم: لا تكون "هل" للاستفهام التقريري، وإنّما ذلك من خصائص "الهمزة"، وليس كما قال.
وذكر جماعة من النّحويين أن "هل" تكون بمنزلة "إن" في إفادة التوكيد والتّحقيق، وحملوا على ذلك:{هل في ذلك قسم لذي حجر}، وقدروه جوابا للقسم وهو بعيد.
والدّليل الثّاني: قول سيبويه الّذي شافه العرب وفهم مقاصدهم، وقد مضى أن سيبويه لم يقل ذلك.
والثّالث: دخول "الهمزة" عليها في البيت، والحرف لا يدخل على مثله في المعنى، وقد رأيت عن السيرافي أن الرّواية الصّحيحة "أم" "هل"، و"أم" هذه منقطعة بمعنى "بل" فلا دليل، وبتقدير ثبوت تلك الرّواية، فالبيت شاذ فيمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين لمعنى واحد على سبيل التوكيد، كقوله:
... ولا للما بهم أبدا دواء
"بل" الّذي في ذلك البيت أسهل؛ لاختلاف اللّفظين، وكون أحدهما على حرفين فهو كقوله:
فأصبح لا يسألنه عن بما به ... أصعد في علو الهوى أم تصوبا ).
[مغني اللبيب: 4 / 324 - 345]


رد مع اقتباس