عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 09:02 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

(فصل)
"إنّ" و"أنّ" المشددتين المكسورة والمفتوحة و"إنْ" و"أنْ" المخففتين المكسورة والمفتوحة
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (
وأما "إنْ" المكسورة الخفيفة فهي على وجهين:
أحدهما: المخففة من الثقيلة: ومعناها التوكيد كالثقيلة وتستعمل على وجهين:
تستعمل عاملة على معنى التثقيل كقولك "إن" زيدًا قائمٌ، قال الشاعر:
كليب إن الناس الذين عهدتهم ..... بجمهور حزوى فالرياض لدى النخل
روي بنصب الناس.
وقرأ بعضهم: {وإن كلًا لما ليوفينهم ربك أعمالهم}، وهذا الوجه قليل.
وتستعمل مهملة ويلزم خبرها "اللام" ولا يجوز خلوها منها لئلا تلتبس بالنافية، فإنك إن قلت: "إن" زيدٌ قائمٌ وأنت تريد الإيجاب توهم السامع أنك تريد: "ما" زيدٌ قائمٌ فتأتي "باللام" للفرق، قال النابغة:
وإن مالك للمرتجى إن تقعقعت ..... رحى الحرب أو دارت علي خطوب
وقال آخر:
إن القوم والحي الذي أنا منهم ......لأهل مقامات وشاء وجامل
وقال آخر:
شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا .... حلت عليك عقوبة المتعمد
وقد ورد في كتاب الله جل جلاله كثير ، كقوله تعالى: {وإن كنت لمن الساخرين}، {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}، {وإن نظنك لمن الكاذبين}، {إن كدت لتردين}، {وإن كادوا ليفتنونك} إلا أن يدل الكلام على الإثبات فيجوز حذف اللام كقول الشاعر:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالكٍ .... وإن مالكٌ كانت كمرام المعادن
أراد مدح قومه، وبتقديرها نافية يمتنع المدح.
وهذه "اللام" "لام" التوكيد عند سيبويه وسائر البصريين، وأهل الكوفة يبدلون الخفيفة من الثقيلة عملًا ومعنى ويقدرونها حيث جاءت نافية ويقدرون "اللام" بمعنى "إلا" والتقدير: و"ما" كنت "إلا" من الساخرين.
وزعم قوم منهم أبو علي الفارسي أنها ليست "لام" التوكيد كما قال سيبويه، ولا بمعنى "إلا" كما قال الكوفيون، وإنما هي "لام" جيء بها للفرق بين الإثبات والنفي.
وأما قطرب فإنه يجعل "إن" في جميع ما تقدم بمعنى "قد" ويقول: التقدير: "قد" كنت لمن الساخرين، و"قد" وجدنا أكثرهم لفاسقين، وسيأتي ذكر مذهبه إن شاء الله.

الوجه الثاني: الخفيفة وترد على ستة أوجه:
أحدهما: الشرطية كقوله تعالى: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} وتختص بالمستقبل في المعنى، وكذا غيرها من أدوات الشرط، فإن وقع فعل ماض كان مؤولًا بالمستقبل كقول الله سبحانه حكاية عن عيسى عليه الصلاة والسلام: {إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي}، قال ابن السراج: معناه: "إن" ثبت في المستقبل أني قلته في الماضي، فالشرط ثبوته في المستقبل، ومن شرطها أنها لا تعلق إلا بشيء مشكوك فيه كقولك: "إن" أتاك زيد فأكرمه وأما بالمعلوم فلا يجوز تعليقها به فلا تقول: "إن" طلعت الشمس فأتني، وهذا لا يمنع استعمالها في كتاب الله فإن القرآن عربي فكل ما يجوز أن تنطق به العرب يجوز في كتاب الله تعالى، وكل ما لا يجوز لو نطقت به العرب فلا يجوز في كتاب الله تعالى، وخصوص الربوبية لا يدخل تحت اللغات.
الثاني: النافية كقوله تعالى: {إن الكافرون إلا في غرورٍ}، وتستعمل على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تدخل "إلا" في الخبر نحو: "إن" زيد "إلا" قائم، و"إن" قام "إلا" زيد، قال الله تعالى: {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم}، وقال تعالى: {إن هو إلا نذيرٌ مبين}، {إن كانت إلا صيحة واحدةً}، وذلك كثير في الكتاب العزيز.
والوجه الثاني: أن تدخل "لما" بتشديد "الميم" في الخبر موضوع "إلا"، وتكون مثلها في المعنى كقولك: "إن" زيدًا "لما" قائم، قال الله تعالى: {إن كل نفسٍ لما عليها حافظ}، {وإن كلٌ لما جميع لدينا محضرون}، {وإن كل ذلك لما متاعُ الحياة الدنيا}، وقد قرئت هذه الآيات بتشديد "لما" وتخفيفها فمن شدد فعلى الوجه الذي ذكرت، ومن خفف فأما من جعل "إن" مخفف من الثقيلة و"ما" زائدة، وإمَّا من جعلها نافية و"اللام" بمعنى "إلا"، كما قدمناه عن أهل الكوفة.

(مسألة نحوية)
إذا ولي "إن" النافية جملة اسمية مجردة من الاستثناء لم تعمل عند سيبويه والفراء عمل "ما" النافية؛ لأنه حرف نفي دخل على مبتدأ وخبر، أو خبر فلا تغيره كما لا تغيره "ألف" الاستفهام، وكان القياس في "ما" المشبه بها ألا تعمل شيئًا كما هو لغة بني تميم، لكن لم أعملها بعض العرب وجب اتباعهم فيما سمع منهم في "ما" ولا يقاس عليها لأن القياس يمنعه.
وذهب الكسائي والمبرد إلى جوازه لوجود معنى النفي ولهم قول الشاعر:
إن هو مستوليًا على أحدٍ ..... إلا على حزبه الملاعين
وما سمع من أهل العامية: "إن" أحدٌ خيرًا من أحد "إلا" بالعافية ومنه قراءة ابن جبير: {إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم}.
الثالث: أن تستعمل بدون ذلك كقوله عز وجل: {قل إن أدري أقريب ما توعدون}، وقوله تعالى: {إن عندكم من سلطان بهذا}، وقوله تعالى: {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} أي: في الذي "ما" مكناكم فيه، وقد تكون في جواب القسم، تقول: والله "إن" فعلت أي: "ما" فعلت.
الثالث: تكون زائدة للتوكيد كقول الشاعر:
فما إن طبنا جبنٌ ولكن .... منايانا ودولةُ آخرينا
أي: "فما" عادتنا، وقال النابغة:
ما إن أتيت بشيءٍ أنت تكرهه ..... إذن فلا رفعت سوطي إلى يدي
وقال امرؤ القيس:
حلفتُ لها بالله حلفةَ فاجر .... لناموا فما إن من حديث ولا صال
الرابع: تكون بمعنى "قد" ذكره قطرب نحو قول الله سبحانه: {إن كنا عن عبادتكم لغافلين}، وكقوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى} وأشباهه كما تقدم حكاية ذلك عنه.
الخامس: زعمه الكوفيون أنها تكون للتعليل بمعنى "إذ" كقوله تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} بمعنى "إذ"؛ لأنه جل وعز لم يخبرهم بعلوهم "إلا" بعد "ما" كانوا مؤمنين، وقوله عليه الصلاة والسلام: «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» ونحو ذلك مما يكون الفعل فيه متحقق الوقوع وأجاب البصريون بأن ذلك شرط جيء به للتهييج كما تقول لابنك: "إن" كنت ابني "فلا" تفعل.
السادس: تكون بمعنى "إمَّا" المكسورة قال النمر بن تولب:
فلو كان من حتفه ناجيًا .... لكان هو الصدع الأعصما
سقته الرواعد من صيف .... وإن من خريفٍ فلن يعدما
هكذا ذكروه وقد تقدم في فصل "إمَّا" ما فيه من الاختلاف والإشكال وبقي عندي معنى سابع فهمته من كلامهم ولم أجد أحدًا ذكره على ما ذكرته وهو أن يكون معناها التفصيل كقول دريد بن الصمة:
لقد كذبتك عينك فاكذبنها .... فإن جزعًا وإن إجمالُ صبر
أي: "إمَّا" كان جزعًا و"إمَّا" كان إجمال صبر.
ولا يجوز أن تكون للشرط فإنها لو كانت للجزاء لاحتاجت إلى الجواب، ولا يجوز أن يكون ما قبلها جوابًا لها، لأن "الفاء" إذا دخلت على الجزاء تعين أن يكون جوابًا متأخرًا عنها، وقال ناس: هو على الجزاء ولكنه محذوف كأنه قال: "إن" كان جزعًا شقيت به و"إن" كان إجمال صبر سعدت به).
[مصابيح المغاني: 167 - 175]

(فصل)
"إنّ" و"أنّ" المشددتين المكسورة والمفتوحة و"إنْ" و"أنْ" المخففتين المكسورة والمفتوحة
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (
وأما المفتوحة فتستعمل على وجهين: اسم، وحرف.
والاسم أيضًا على ضربين:
أحدهما: ضمير المتكلم في قول بعضهم: "أن" فعلت، بسكون "النون" والأكثرون يبنونها على الفتح للفرق بينها وبين الحرف الناصب ويثبتون "ألفًا" في حال الوقف لبيان الحركة، فإن وصلت الكلام سقطت "الألف" إلا في لغة رديئة كما قال:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني ..... حميدًا قد تذريت السناما
الثاني: ضمير المخاطب في قولك: "أنت" و"أنت" و"أنتما"، و"أنتم" و"أنتن"، على قول الجمهور "أن" الضمير هو الاسم و"التاء" حرف خطاب.

وأما الحرف فتستعمل أيضًا على وجهين:
أحدهما: المخففة من الثقيلة وهي حرف مصدري ومعناها التوكيد، وتستعمل على وجهين:
أحدهما: أن تنصب بها الاسم على نية تثقيلها كقولك: علمت "أن" زيدًا قائمٌ وهذا منعه الكوفيون، وعليهم قول الشاعر:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ..... فراقك لم أبخل وأنت صديق
وقال كعب بن زهير:
لقد علم الضيف والمرملون.... إذا اغبر أفقٌ وهبت شمالا
بأنك ربيع وغيث مريع .... وقدمًا تكون هناك الثمالا
لكنه قليل حتى قيل: إنه مختص بالضرورة والأجود هو الاستعمال الثاني.
الثاني: أن ترفع ما بعدها على الخبر وتضمر اسمها فيها وهذا وفاق كقوله تعالى: {علم أن سيكون منكم مرضى}قال الأعشى:
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا .... أن هالك كل من يحفى وينتعل

الثاني: الخفيفة وترد على سبعة أوجه:
أحدها: أن تكون ناصبة للفعل مؤولة بالمصدر كقوله تعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لكم}، وذلك إذا تقدمها فعل يطلب الاستقبال كقولك: أريد "أن" تقوم وأما إذا تقدمها ما يدل على إثبات الحال والحقيقة ارتفع الفعل بعدها وكانت مخففة من الثقيلة كقولك: علمت "أن" يقوم، وتيقنت "أن" لا يقوم فإن وقع قبلها الظن وشبه جاز الرفع والنصب لاحتماله الأمرين واستعماله فيهما وقد يرتفع الفعل بعدها كقول الشاعر:
أن تقرآن على أسماء ويحكما .... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا
وعليه قراءة ابن محيصن (لمن أراد أن تتم الرضاعة) قال البصريون إنها "أن" الناصبة للفعل أهملت حملًا على أختها "ما" المصدرية وهذه معناها الخبر.
الثاني: تكون بمعنى "أي" المفسرة كقوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا}، وقوله تعالى: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}، وقوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي}، ولا تأتي إلا بعد كلام تام لأنها تفسير، ونقل عن الكوفيين إنكار "أن" المفسرة.
الثالث: أن تكون زائدة للتوكيد كقوله تعالى: {ولما أن جاءت رسلنا لوطًا سيء بهم}،

وكقول الخنساء:
ولما أن رأيت الخيل قبلًا .... تباري بالخدود شبا العوالي
وقول الآخر:
= كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم =
على رواية الخفض.
الرابع: تكون شرطية، ذكره ابن هشام عن الكوفيين ورجحه بأمور:
أحدها: توارد المفتوحة، والمكسورة على المحل الواحد والأصل التوافق وقرئ بالوجهين في قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}، وقوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنئان قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام} وقوله تعالى: {أنضرب عنكم الذكر صفحًا أن كنتم قومًا مسرفين}.
ثانيها: مجيء "الفاء" بعدها كثيرًا كقول الشاعر:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر .... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
ثالثها: عطفها على "إن" المكسورة كقول الشاعر:
إمَّا أقمت وإمَّا أنت مرتحلًا .... فالله يكلأ ما تأتي وما تذر
الرواية بكسر الأولى وفتح الثانية فلو كانت مصدرية لزم عطف المفرد على الجملة.
الخامس: النفي "كأن" المكسورة ونسبه بعضهم إلى أبي القاسم الزجاجي في قوله تعالى: {أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم} وقال بعضهم: معناه: لا تؤمنوا "بأن" يؤتى أحد مثل "ما" أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، وقوله: {قل إن الهدى هدى الله} اعتراض بين الفعل والمفعول.
السادس: تأتي بمعنى "إذ" كما تقدم في المكسورة أيضًا، قاله بعضهم، كقوله تعالى: {بل عجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم} وقوله تعالى: {يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم}، وقوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك}، وقوله تعالى: {إنا نطمع أن يغفر لنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين}، وغير ذلك من الآيات.
ومنه قول الشاعر:
سألتاني الطلاق أن رأتاني.... قل مالي قد جئتماني بنكر
وأما قول الفرزدق:
أتغضب أن أذنا قتيبة حزتا .... جهارًا ولم تغضب لقتل ابن حازم
فيروى بكسر "الهمزة" وتكون بمعنى "إذ" على قول الكوفيين، ويحمله البصريون على معنى التبيين أي أتغضب "أن" تبين في المستقبل "أن" أذني قتيبة حزتا فيما مضى، كما قال الآخر:
= إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ =
أو على إقامة السبب مقام المسبب والأصل: أتغضب "أن" افتخر مفتخر بسبب حزه أذني قتيبة، "إذ" الحز سبب للافتخار الذي هو سبب الغضب.
وقال الخليل والمبرد: الصواب فتح "الهمزة" أي؛ لأن أذنا، قال ابن هشام: والصواب أنها في ذلك كله مصدرية وقبلها "لام" العلة مقدرة.
قلت: وكأنه اعتقد أنهم يخالفون في هذا المعنى، وليس كذلك فإن قولهم: تكون بمعنى "إذ"، المراد به التي للتعليل وقد صرح بذلك من نقل مقالتهم وهو أبو الحسن الهروي فقال: "أن" تكون بمعنى "إذ" و"إن" شئت بمعنى "لأن"، و"إن" شئت بمعنى "من أجل"، وذكر من الآيات جملًا متعددة، والمعنى متفق بلا خلف، فلينتبه لهذا فإنه حسن جيد وهو يغني عن المعنى السابع الذي يلي هذا، والله أعلم.
السابع: أن تكون بمعنى "لئلا"، كقوله تعالى: {يبين الله لكم أن تضلوا}، أي: "لئلا" تضلوا، وقوله تعالى: {يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا}، وقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا}، وقوله تعالى: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}، ونحو ذلك من الآيات، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
نزلتم منزل الأضياف منا .... فعجلنا القرى أن تشتمونا
وقول الآخر:
أزمان قومي والجماعة كالذي.... لزم الرحالة أن تميل مميلا
قال ابن هشام: والصواب أنها مصدرية، والأصل كراهة كذا ومخافة كذا وهو قول البصريين). [مصابيح المغاني: 175 - 184]


رد مع اقتباس