الموضوع: أو
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 18 ذو الحجة 1438هـ/9-09-2017م, 11:58 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (بابُ "أو"
اعلم أن لها في الكلام موضعين:
الموضع الأول: أن تكون حرف عطفٍ فتعطفُ مفردًا على مفرد، وجملة على جملة، ويكون لها في هذا الموضع خمسةُ معان.
أحدها: أن تكون تخييرًا فلا تقع إلا بعد الطلب نحو قولك: كل سمكًا
"أو" اشرب لينا، أي: افعل أحد هذين.
الثاني: أن تكون إباحةً، ولا تقع أيضًا إلا بعد الطلب، نحو قولك: جالس الحسن
"أو" ابن سيرين.
والفرق بين التخيير والإباحة أن للمكلف المخاطب أن يجمع بين الشيئين في الإباحة وليس له ذلك في التخيير، يفعل أحد الشيئين ويترك الآخر، وإن تركها معًا عوقب
"أو" ذم، وكذلك إن جمع بينهما، وتظهر هذه الفائدة في الأحكام الشرعية في علم الأصول.
الثالث من المعاني: أن تكون للشك نحو قولك: ما أدري أزيدٌ قام
"أو" عمروُ، ولا تقع إلا بعد الخبر لا غير كما مثل.
والرابع: أن تكون للإبهام، وذلك في الخبر أيضًا ولا يكون ذلك إلا في حق السامع دون المخبر نحو قولك: زيدٌ قام
"أم" عمرو، والفرق بينهما أن الشك لا يعلمه المخبر والإبهام يعلمه ويبهم على السامع لمعنى ما.
الخامس: أن تكون تفصيلًا، نحو قولك: «زيدٌ منطلقٌ
"أو" عمروٌ شاخص» ومعناه أن الانطلاق لزيدٍ والشخوص لعمروٍ، ومنه قوله تعالى: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} أي قالت اليهود للنصارى: كونوا هودًا تهتدوا، وقالت النصارى لليهود: كونوا نصارى تهتدوا.
فأما قوله تعالى: {فأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} فـ
"أو" هنا عند بعضهم بمعنى "بل" وعند بعضهم بمعنى "الواو"، والصحيح أنها التي للإبهام، فهي راجعة لبعض المعاني المتقدمة الذكر.
وأما قول الشاعر:
وكان سيان أن لا يسرحوا نعمًا .... أو يسرحوه بها واغبرت السوح
وقال الآخر:
وقد زعمت ليلى بأني فاجرٌ .... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
فـ "أو" هنا بمعنى "الواو"، وهو قليل لا يقاس عليه، وإنما الباب الكثير ما ذكرنا.
واعلم أن
"أو" إذا وقع قبلها الاستفهام فيصحُ أن يكون "بالهمزة" وبغيرها من أدوات الاستفهام، بخلاف "أم" عند بعضهم، وأنها لا تتقدر معها إذا كانت بـ "أي"، كما تقدرت مع "أم"، فإن جوابها يكون: نعم "أو" لا، بخلاف "أم"، وإنما ذلك لأنها عطفت استفهامًا على استفهامٍ، فكأن كل واحدٍ منهما قائمٌ بنفسه بخلاف "أم"، فإنها مع ما قبلها مقدرة بـ "أي"، فلذلك لا يكون جوابها إلا أحد الشيئين "أو" الأشياء، وقد بين ذلك في بابها.

الموضع الثاني: أن تكون ناصبةً بإضمار "أن" فيكون معناها معنى إلا مع "أن" نحو قولك: لألزمنك "أو" تقضيني حقي ولأسيرن في البلاد "أو" أستغني، قال الشاعر:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى .... تعش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
وقال آخر:
فقلت له لا تبك عينك إنما .... نحاولُ ملكًا أو نموت فنعذرا
"كي" وتجمع فيها المعاني الثلاثة في كل موضعٍ، وهذا ليس بصحيحٍ، لأن البيتين المذكورين لا يصح فيهما معنى "كي" وإن كان يصح فيهما معنى "إلى أن" وإن حملهم على هذا صلاح التقديرات الثلاثة في نحو: لألزمنك "أو" تقضيني حقي، ولأسيرن في البلاد "أو" أستغني، وإنما الصحيح أنها لازمة لمعنى "إلا أن" في كل موضعٍ، فعليه المعول دون "إلى أن" و"كي"، لأن ذلك لا يطرد فيها في كل موضع.
واعلم أن
"أو" هذه إذا حقق معناها رجعت إلى معنى العاطفة اسمًا على اسم، فإذا قال القائل: لألزمنك "أو" تقضيني حقي، فالمعنى: أنا ملازم لك "أو" قاضٍ أنت حقي، فكأنه في الأصل: ليكون مني لزوم لك "أو" قضاءٌ منك لحقي، فكأنك عطفت مصدرًا على مصدرٍ، وبذلك صح عندنا إضمارُ "أن" بعدها ليصير ما بعدها مصدرًا معطوفًا في المعنى على مصدر آخر من معنى الكلام، خلافًا للكوفيين: فإنهم ينصبون بها نفسها، ولو كانت ناصبةً بنفسها لكانت ناصبةً في كل موضع، فعدم اطراد ذلك يدل على فساد مذهبهم، فقف عليه). [رصف المباني: 131 - 134]


رد مع اقتباس