الموضوع: أو
عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 12:03 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("أو"
"أو": حرف عطف ذكر له المتأخّرون معاني انتهت إلى اثني عشر:
أحدها: الشّك، نحو: {لبثنا يومًا أو بعض يوم}.
والثّاني: الإبهام، نحو: {وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.
الشّاهد في الأولى.
وقول الشّاعر:
نحن أو أنتم الألى ألفوا الحق ... فبعدا للمبطلين وسحقًا
والثّالث: التّخيير، وهي الواقعة بعد الطّلب، وقبل ما يمتنع فيه الجمع، نحو: تزوج هند "أو" أختها، وخذ من مالي درهما "أو" دينارا
فإن قلت فقد مثل العلماء بآيتي الكفّارة والفدية للتّخيير مع إمكان الجمع.
قلت يمتنع الجمع بين الإطعام والكسوة والتحرير اللّاتي كل منهنّ كفّارة وبين الصّيام والصّدقة والنسك اللّاتي كل منهنّ فدية بل تقع واحدة منهنّ كفّارة"أو" فدية والباقي قربة مستقلّة خارجة عن ذلك.
والرّابع: الإباحة، وهي الواقعة بعد الطّلب وقبل ما يجوز فيه الجمع، نحو: جالس العلماء "أو"الزهاد، وتعلم الفقه "أو" النّحو، وإذا دخلت "لا" الناهية امتنع فعل الجميع، نحو: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} إذ المعنى "لا" تطع أحدهما فأيّهما فعله فهو أحدهما.
وتلخيصه أنّها تدخل للنّهي عمّا كان مباحا وكذا حكم النّهي الدّاخل على التّخيير وفاقا للسيرافي.
وذكر ابن مالك أن أكثر ورود "أو" للإباحة في التّشبيه، نحو: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة}، والتّقدير نحو: {فكان قاب قوسين أو أدنى} فلم يخصها بالمسبوقة بالطّلب.
والخامس: الجمع المطلق "كالواو" قاله الكوفيّون والأخفش والجرمي واحتجّوا بقول توبة:
وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وقيل "أو" فيه للإبهام وقول جرير:
جاء الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
والّذي رأيته في ديوان جرير إذ كانت، وقوله:
وكان سيان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح
أي: وكان الشّأن ألا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيان لوجود القحط، وإنّما قدرنا كان شأنية لئلّا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة وقول الراجز:
إن بهــــــا أكتــــــــــــل أو رزامــــــــــــــــا ... خويربين ينقفــــــــــان الهامــــــــــــــــــــا
إذ لم يقل خويربا كما تقول زيد"أو" عمرو لص ولا تقول لصان.
وأجاب الخليل عن هذا بأن خويربين بتقدير أشتم.
لا نعت تابع وقول النّابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فألفوه كما ذكرت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
ويقويه أنه روي ونصفه،
وقوله:
قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهرة أو سافع
ومن الغريب أن جماعة منهم ابن مالك ذكروا مجيء"أو" بمعنى "الواو" ثمّ ذكروا أنّها تجيء بمعنى "ولا" نحو: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم}، وهذه هي تلك بعينها، وأنما جاءت "لا" توكيدا للنّفي السّابق، ومانعة من توهم تعليق النّفي بالمجموع لا بكل واحد، وذلك مستفاد من دليل خارج عن اللّفظ وهو الإجماع ونظيره قولك "لا" يحل لك الزّنى والسّرقة، ولو تركت "لا" في التّقدير لم يضر ذلك.
وزعم ابن مالك أيضا أن "أو" الّتي للإباحة حالة محل "الواو"، وهذا أيضا مردود لأنّه لو قيل جالس الحسن وابن سيرين كان المأمور به مجالستهما معًا، ولم يخرج المأمور عن العهدة بمجالسة أحدهما هذا هو المعروف من كلام النّحويين، ولكن ذكر الزّمخشريّ عند الكلام على قوله تعالى: {تلك عشرة كاملة} أن "الواو" تأتي للإباحة، نحو: جالس الحسن وابن سيرين، وأنه إنّما جيء بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الإباحة في: {فصيام ثلاثة أيّام في الحج وسبعة إذا رجعتم}، وقلده في ذلك صاحب الإيضاح البياني ولا تعرف هذه المقالة لنحوي.
والسّادس: الإضراب كـ "بل"، فعن سيبويه إجازة ذلك بشرطين تقدم نفي "أو" نهي، وإعادة العامل نحو: ما قام زيد"أو" ما قام عمرو، ولا يقم زيد "أو" لا يقم عمرو، ونقله عنه ابن عصفور ويؤيّده أنه قال في: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}، ولو قلت "أو" لا تطع كفورا انقلب المعنى يعني أنه يصير إضرابا عن النّهي الأول ونهيا عن الثّاني فقط.
وقال الكوفيّون وأبو عليّ وأبو الفتح وابن برهان تأتي للإضراب مطلقًا احتجاجا بقول جرير:
ماذا ترى في عيال قد برمت بهم ... لم أحص عدتهم إلّا بعداد
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتلـــــــت أولادي
وقراءة أبي السمال: {أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} بسكون "واو""أو" واختلف في: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون}، فقال
الفراء "بل" يزيدون هكذا جاء في التّفسير مع صحّته في العربيّة، وقال بعض الكوفيّين بمعنى "الواو"، وللبصريين فيها أقوال قيل للابهام، وقيل للتّخيير أي إذا رآهم الرّائي تخير بين أن يقول هم مئة ألف "أو" يقول هم أكثر نقله ابن الشجري عن سيبويه وفي ثبوته عنه نظر، ولا يصح التّخيير بين شيئين الواقع أحدهما، وقيل هي للشّكّ مصروفا إلى الرّائي ذكره ابن جني، وهذه الأقوال غير القول بأنّها بمعنى "الواو" مقولة في: {وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب}،{فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
والسّابع: التّقسيم، نحو: الكلمة اسم "أو" فعل "أو" حرف ذكره ابن مالك في منظومته الصّغرى، وفي شرح الكبرى ثمّ عدل عنه في التسهيل وشرحه، فقال تأتي للتفريق المجرّد من الشّك والإبهام والتخيير، وأما هذه الثّلاثة فإن مع كل منها تفريقا مصحوبا بغيره، ومثل بنحو: {إن يكن غنيا أو فقيرا}،{وقالوا كونوا هودا أو نصارى}، قال وهذا أولى من التّعبير بالتقسيم لأن استعمال "الواو" في التّقسيم أجود نحو الكلمة اسم وفعل وحرف، وقوله:
... كما النّاس مجروم عليه وجارم
ومن مجيئه "بأو" قوله:
فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل
انتهى.
ومجيء "الواو" في التّقسيم أكثر لا يقتضي أن"أو" لا تأتي له بل إثباته الأكثرية "للواو" يقتضي الثبوت في "أو" بقلة.
وقد صرح بثبوته في البيت الثّاني، وليس فيه دليل لاحتمال أن يكون المعنى لا بد من أحدهما فحذف المضاف كما قيل في: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان}، وغيره عدل عن العبارتين فعبر بالتفصيل، ومثله بقوله تعالى: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى}،{قالوا ساحر أو مجنون}، إذا المعنى وقالت اليهود كونوا هودا وقالت النّصارى كونوا نصارى، وقال بعضهم ساحر وقال بعضهم مجنون "فأو" فيهما لتفصيل الإجمال في {قالوا}.
وتعسف ابن الشجري، فقال في الآية الأولى إنّها حذف منها مضاف و"واو"، وجملتان فعليتان وتقديره، وقال بعضهم يعني اليهود كونوا هودا، وقال بعضهم يعني النّصارى كونوا نصارى، قال فأقام {أو نصارى} مقام ذلك كله، وذلك دليل على شرف هذا الحرف انتهى.
والثّامن: أن تكون بمعنى "إلّا" في الاستثناء.
وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقولك لأقتلنه "أو" يسلم، وقوله:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما
وحمل عليه بعض المحقّقين قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة}، فقدر {تفرضوا} منصوبًا "بأن" مضمرة لا مجزومًا بالعطف على {تمسّوهنّ} لئلّا يصير المعنى لا جناح عليكم فيما يتعلّق بمهور النّساء "إن" طلقتموهن في مدّة انتفاء أحد هذين الأمرين مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمّى فكيف يصح نفي الجناح عند انتفاء أحد الأمرين، ولأن المطلقات المفروض لهنّ قد ذكرن ثانيًا بقوله تعالى: {وإن طلقتموهن} الآية، وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم ولو كان (تفرضوا) مجزومًا لكانت الممسوسات والمفروض لهنّ مستويات في الذّكر، وإذا قدرت"أو" بمعنى "إلّا" خرجت المفروض لهنّ عن مشاركة الممسوسات في الذّكر.
وأجاب ابن الحاجب عن الأول بمنع كون المعنى مدّة انتفاء أحدهما بل مدّة لم يكن واحد منهما وذلك بنفيهما جميعًا لأنّه نكرة في سياق النّفي الصّريح بخلاف الأول فإنّه لا ينفي إلّا أحدهما.
وأجاب بعضهم عن الثّاني بأن ذكر المفروض لهنّ إنّما كان لتعيين النّصف لهنّ لا لبيان أن لهنّ شيئا في الجملة.
وقيل"أو" بمعنى "الواو"، ويؤيّده قول المفسّرين إنّها نزلت في رجل أنصاري طلق امرأته قبل المسيس، وقبل الفرض وفيها قول آخر سيأتي.
والتّاسع: أن تكون بمعنى "إلى"، وهي كالّتي قبلها في انتصاب المضارع بعدها "بأن" مضمرة، نحو: لألزمنك "أو" تقضيني حقي، وقوله:
لأستسلهن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلّا لصابر
ومن قال في: {أو تفرضوا} إنّه منصوب جوز هذا المعنى فيه، ويكون غاية لنفي الجناح لا لنفي المسيس، وقيل "أو" بمعنى "الواو"
والعاشر: التّقريب نحو ما أدري أسلم "أو" ودع قاله الحريري وغيره.
والحادي عشر: الشّرطيّة، نحو: لأضربنه عاش "أو" مات، أي: "إن" عاش بعد الضّرب و"إن" مات، ومثله لآتينك أعطيتني "أو" حرمتني قاله ابن الشجري.
الثّاني عشر: التّبعيض، نحو: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى} نقله ابن الشجري عن بعض الكوفيّين، والّذي يظهر لي أنه إنّما اراد معنى التّفصيل السّابق فإن كل واحد ممّا قبل أو التفصيلية، وما بعدها بعض لما تقدم عليهما من المجمل، ولم يرد أنّها ذكرت لتفيد مجرّد معنى التّبعيض.

تنبيه
التّحقيق أن "أو" موضوعة لأحد الشّيئين"أو" الأشياء، وهو الّذي يقوله المتقدمون، وقد تخرج إلى معنى"بل" و"إلى" معنى "الواو"، وأما بقيّة المعاني فمستفادة من غيرها.
ومن العجب أنهم ذكروا أن من معاني صيغة افعل التّخيير والإباحة ومثلوه بنحو خذ من مالي درهما "أو" دينارا "أو" جالس الحسن "أو" ابن سيرين ثمّ ذكروا أن"أو" تفيدهما، ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك.
ومن البين الفساد هذا المعنى العاشر و"أو" فيه إنّما هي للشّكّ على زعمهم، وإنّما استفيد معنى التّقريب من إثبات اشتباه السّلام بالتوديع إذ حصول ذلك مع تباعد ما بين الوقتين ممتنع "أو"مستبعد.
وينبغي لمن قال إنّها تأتي للشرطية أن يقول وللعطف لأنّه قدر مكانها و"إن"،والحق أن الفعل الّذي قبلها دال على معنى حرف الشّرط كما قدره هذا القائل، وأن "أو" على بابها ولكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشّرط دخل المعطوف في معنى الشّرط). [مغني اللبيب: 1 / 398 - 438]


رد مع اقتباس