عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:02 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لدنك ذريّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء}
أمّا قوله: {هنالك دعا زكريّا ربّه} فمعناه: عند ذلك، أي عند رؤية زكريّا ما رأى عند مريم من رزق اللّه الّذي رزقها، وفضله الّذي آتاها من غير تسبّب أحدٍ من الآدميّين في ذلك لها، ومعاينته عندها الثّمرة الرّطبة الّتي لا تكون في حين رؤيته إيّاها عندها في الأرض، طمع في الولد مع كبر سنّه من المرأة العاقر، فرجا أن يرزقه اللّه منها الولد مع الحال الّتي هما بها، كما رزق مريم على تخلّيها من النّاس ما رزقها من ثمرة الصّيف في الشّتاء، وثمرة الشّتاء في الصّيف، وإن لم يكن مثله ممّا جرت بوجوده في مثل ذلك الحين العادات في الأرض، بل المعروف في النّاس غير ذلك، كما أنّ ولادة العاقر غير الأمر الجارية به العادات في النّاس، فرغب إلى اللّه جلّ ثناؤه في الولد، وسأله ذرّيّةً طيّبةً، وذلك أنّ أهل بيت زكريّا فيما ذكر لنا، كانوا قد انقرضوا في ذلك الوقت.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: فلمّا رأى زكريّا من حالها ذلك يعني فاكهة الصّيف في الشّتاء، وفاكهة الشّتاء في الصّيف، قال: إنّ ربًّا أعطاها هذا في غير حينه، لقادرٌ على أن يرزقني ذرّيّةً طيّبةً، ورغب في الولد، فقام فصلّى، ثمّ دعا ربّه سرًّا، فقال: {ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّأس شيبًا ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرًا فهب لي من لدنك وليًّا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيًّا}
وقوله: {ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء} وقال: {ربّ لا تذرني} فردًا وأنت خير الوارثين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: فلمّا رأى ذلك زكريّا - يعني فاكهة الصّيف في الشّتاء، وفاكهة الشّتاء في الصّيف عند مريم - قال: إنّ الّذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه، قادرٌ أن يرزقني ولدًا، قال اللّه عزّ وجلّ: {هنالك دعا زكريّا ربّه} قال: فذلك حين دعا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، قال: فدخل المحراب، وغلّق الأبواب، وناجى ربّه، فقال: {ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّأس شيبًا} إلى قوله: {ربّ رضيًّا} {" فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض أهل العلم، قال: فدعا زكريّا عند ذلك بعد ما أسنّ، ولا ولد له، وقد انقرض أهل بيته، فقال: {ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء} ثمّ شكا إلى ربّه، فقال: {ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّأس شيبًا}، إلى: {واجعله ربّ رضيًّا}، {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب} الآية
وأمّا قوله: {ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً} فإنّه يعني بالذّرّيّة النّسل، وبالطّيّبة المباركة.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً} يقول: مباركةً
وأمّا قوله: {من لدنك} فإنّه يعني من عندك.
وأمّا الذّرّيّة: فإنّها جمعٌ، وقد تكون في معنى الواحد، وهي في هذا الموضع واحد؛ وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ قال في موضعٍ آخر مخبرًا عن دعاء زكريّا: {فهب لي من لدنك وليًّا} ولم يقل أولياء، فدلّ على أنّه سأل واحدًا، وإنّما أنّث طيّبةً لتأنيث الذّرّيّة، كما قال الشّاعر:
أبوك خليفةٌ ولدته أخرى = وأنت خليفةٌ ذاك الكمال
فقال: ولدته أخرى، فأنّث، وهو ذكرٌ لتأنيث لفظ الخليفة، كما قال الآخر:
فما يزدري من حيّةٍ جبليّةٍ = سكابٍ إذا ما عضّ ليس بأدردا
فأنّث الجبليّة لتأنيث لفظ الحيّة، ثمّ رجع إلى المعنى فقال: إذا ما عضّ لأنّه كان أراد حيّةً ذكرًا، وإنّما يجوز هذا فيما لم يقع عليه فلانٌ من الأسماء كالدّابّة والذّرّيّة والخليفة، فأمّا إذا سمّي رجلٌ بشيءٍ من ذلك، فكان في معنى فلانٍ لم يجز تأنيث فعله ولا نعته.
وأمّا قوله: {إنّك سميع الدّعاء} فإنّ معناه أنّ سامع الدّعاء غير أنّ سميعًا أمدح، وهو بمعنى ذو سمعٍ له.
وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ معناه أنّك تسمع ما تدعى به.
فتأويل الآية: فعند ذلك دعا زكريّا ربّه فقال: ربّ هب لي من عندك ولدًا مباركًا، إنّك ذو سمعٍ دعاء من دعاك). [جامع البيان: 5/360-363]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء (38) فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه وسيّدًا وحصورًا ونبيًّا من الصّالحين (39)
قوله تعالى: قال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً إنك سميع الدعاء
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يعني قوله: ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً قال: فقام، فصلّى ثمّ دعا اللّه سرًّا، فقال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيبة إنك سميع الدّعاء
قوله تعالى: ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء
- وبه عن السّدّيّ قوله: ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً طيّبةً يقول:
مباركةً إنّك سميع الدّعاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/641-644]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير في قوله وجد عندها رزقا قال وجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه فهنالك دعا ربه أي عند ذلك دعا ربه فقال إن الذي رزق مريم هذا في غير حينه لقادر على أن يرزقني ولدا من امرأتي العاقر). [تفسير مجاهد: 126] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 38
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال: إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه قادر على أن يرزقني ولدا فذلك حين دعا ربه.
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن الحسن قال: لما وجد زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل قال لها: أنى لك هذا في غير حينه فقالت: هذا رزق من عند الله يأتي به الله {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} فطمع زكريا في الولد فقال: إن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي ويهب لي منها ولدا فعند ذلك {دعا زكريا ربه} وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم، قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله قال: يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك - يعني من عندك - ذرية طيبة يعني تقيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ذرية طيبة} يقول: مباركة). [الدر المنثور: 3/525-526]

تفسير قوله تعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيدٍ، في قول الله سبحانه وتعالى: {أولي الأيدي والأبصار} [سورة ص: 45]: قال: الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصرهم ما هم فيه من دينهم،
وقوله تعالى: {وسيدًا وحصورًا} [سورة آل عمران: 39]، قال: السيد: المطيع ربه ولا يعصيه، والحصور: الذي لا يأتي النساء). [الزهد لابن المبارك: 2/691]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى أن الله يبشرك بيحيى قال شافهته الملائكة بذلك قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أياما إلا رمزا قال إيماء وكانت عقوبة عوقب بها إذ سأل الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بما بشرته به). [تفسير عبد الرزاق: 1/120]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى مصدقا بكلمة من الله قال يعني بعيسى ابن مريم وسيدا وحصورا قال الحصور الذي لا يأتي النساء). [تفسير عبد الرزاق: 1/120]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وأنا عن عبد الصمد بن معقل بن أخي وهب وقال سمعت وهبا يقول نادى مناد من السماء أن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء وأن جرجس سيد الشهداء). [تفسير عبد الرزاق: 2/5]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة عن الحسن عن النبي قال ما أذنب يحيى بن زكريا ذنبا ولا هم بامرأة). [تفسير عبد الرزاق: 2/5]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله جبارا عصيا قال كان ابن المسيب يذكر قال: قال النبي ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا وقال قتادة عن الحسن قال: قال النبي ما أذنب يحيى ذنبا قط ولا هم بامرأة). [تفسير عبد الرزاق: 2/6]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال أنا عبد الصمد قال سمعت وهبا يقول نادى مناد من
[تفسير عبد الرزاق: 2/149]
السماء أن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء وأن جرجس سيد الشهداء). [تفسير عبد الرزاق: 2/150]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدثنا سفيان [الثوري] عن جويبرٍ عن الضّحّاك {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه وسيّدًا وحصورًا} قال: حليما تقيا [الآية: 39].
سفيان [الثوري] عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ قال: الحصور: الذي لا يأتي النساء). [تفسير الثوري: 76]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن عبد الله بن عمرٍو قال: ما من أحدٍ إلاّ يلقى اللّه بذنبٍ إلاّ يحيى بن زكريّا، ثمّ تلا: {وسيّدًا وحصورًا} ثمّ رفع شيئًا صغيرًا من الأرض، فقال: ما كان معه مثل هذا، ثمّ ذبح ذبحًا). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 224]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن جبيرٍ: {وحصورًا} [آل عمران: 39] : «لا يأتي النّساء»). [صحيح البخاري: 6/33]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال سعيد جبيرٍ وحصورًا لا يأتي النّساء وقع هذا بعد ذكر المسوّمة وصله الثّوريّ في تفسيره عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ به وأصل الحصر الحبس والمنع يقال لمن لا يأتي النّساء أعمّ من أن يكون ذلك بطبعه كالعنّين أو بمجاهدة نفسه وهو الممدوح والمراد في وصف السّيّد يحيى عليه السّلام). [فتح الباري: 8/209]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن جبير وحصورًا لا يأتي النّساء
..
وأما قول ابن جبير في الحصور فأخبرناه عبد القادر بن محمّد بسنده المتقدّم إلى سفيان الثّوريّ عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبير قال الحصور الّذي لا يأتي النّساء) ). [تغليق التعليق: 4/187-189]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن جبيرٍ: وحصورا لا يأتي النّساء
أشار به إلى قوله تعالى: {إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيّدًا وحصورًا ونبيًّا من الصّالحين} (آل عمران: 39) وقال سعيد ابن جبير معنى حصورا لا يأتي النّساء، ووصل هذا المعلق عبد فقال: حدثنا جعفر بن عبد الله السّلميّ عن أبي بكر الهذليّ عن الحسن وسعيد بن جبير وعطاء وأبي الشعثاء أنهم قالوا: السّيّد الّذي يغلب غضبه، والحصور الّذي لا يغشى النّساء، وأصل الحصر الحبس والمنع يقال لمن لا يأتي النّساء وهو أعم من أن يكون بطبعه كالعنين أو المجاهدة نفسه وهو الممدوح وهو المراد في وصف السّيّد يحيى، عليه الصّلاة والسّلام). [عمدة القاري: 18/137]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن جبير) سعيد مما وصله عنه في قوله تعالى: {وسيدًا} ({وحصورًا}) [آل عمران: 39] أي (لا يأتي النساء) منعًا لنفسه مع ميلها إلى الشهوات وكماله ومن لم يكن له ميل لها لا يسمى حصورًا ولا بد فيه من المنع لأن السجن إنما سمي منعًا لما أنه يمنع من الخروج). [إرشاد الساري: 7/50]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {سيداً وحصوراً} قال: السيد: الكريم على الله، والحصور: الّذي لا يقرب النّساء). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه وسيّدًا وحصورًا ونبيًّا من الصّالحين}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة: {فنادته الملائكة} على التّأنيث بالتّاء، يراد بها جمع الملائكة، وكذلك تفعل العرب في جماعة الذّكور إذا تقدّمت أفعالها أنّثت أفعالها ولا سيّما الأسماء الّتي في ألفاظها التّأنيث كقولهم: جاءت الطّلحات، وقد قرأ ذلك جماعةٌ من أهل الكوفة بالياء، بمعنى: فناداه جبريل فذكروه للتأويل، كما قد ذكرنا آنفًا أنّهم يؤنّثون فعل الذّكر للفظٍ، فكذلك يذكّرون فعل المؤنّث أيضًا للفظٍ.
واعتبروا ذلك فيما أرى بقراءةٍ يذكر أنّها قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ.
- وهو ما: حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ أنّ قراءة ابن مسعودٍ: فناداه جبريل وهو قائمٌ يصلّي في المحراب
وكذلك تأوّل قوله: {فنادته الملائكة} جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فنادته الملائكة} وهو جبريل أو: قالت الملائكة، وهو جبريل {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى}
فإن قال قائلٌ: وكيف جاز أن يقال على هذا التّأويل: {فنادته الملائكة} والملائكة جمعٌ لا واحدٌ؟
قيل: ذلك جائزٌ في كلام العرب بأن تخبر عن الواحد بمذهب الجمع، كما يقال في الكلام: خرج فلانٌ على بغال البرد، وإنّما ركب بغلاً واحدًا، وركب السّفن، وإنّما ركب سفينةً واحدةً، وكما يقال: ممّن سمعت هذا الخبر؟
فيقال: من النّاس، وإنّما سمعه من رجلٍ واحدٍ؛ وقد قيل: إنّ منه قوله: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم} والقائل كان فيما ذكر واحدًا، وقوله: {وإذا مسّ النّاس ضرٌّ} والنّاس بمعنى واحدٍ، وذلك جائزٌ عندهم فيما لم يقصد فيه قصدٌ واحدٌ
وإنّما الصّواب من القول عندي في قراءة ذلك أنّهما قراءتان معروفتان، أعنّي التّاء والياء فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، وذلك أنّه لا اختلاف في معنى ذلك باختلاف القرائن، وهما جميعًا فصيحتان عند العرب، وذلك أنّ الملائكة إن كان مرادًا بها جبريل كما روي عن عبد اللّه فإنّ التّأنيث في فعلها فصيحٌ في كلام العرب للفظها إن تقدّمها الفعل، وجائزٌ فيه التّذكير لمعناها وإن كان مرادًا بها جمع الملائكة فجائزٌ في فعلها التّأنيث، وهو من قبلها للفظها، وذلك أنّ العرب إذا قدّمت على الكثير من الجماعة فعلها أنّثته، فقالت: قالت النّساء، وجائزٌ التّذكير في فعلها بناءً على الواحد إذا تقدّم فعله، فيقال: قال الرّجال.
وأمّا الصّواب من القول في تأويله، فأن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّ الملائكة نادته، والظّاهر من ذلك أنّها جماعةٌ من الملائكة دون الواحد وجبريل واحدٌ فلن يجوز أن يحمل تأويل القرآن إلاّ على الأظهر الأكثر من الكلام المستعمل في ألسن العرب، دون الأقلّ ما وجد إلى ذلك سبيلٌ، ولم يضطرّنا حاجةٌ إلى صرف ذلك إلى أنّه بمعنى واحدٍ، فيحتاج له إلى طلب المخرج بالخفيّ من الكلام والمعاني.
وبما قلنا في ذلك من التّأويل قال جماعةٌ من أهل العلم، منهم قتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وعكرمة، ومجاهدٌ وجماعةٌ غيرهم، وقد ذكرنا ما قالوا من ذلك فيما مضى). [جامع البيان: 5/363-365]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى}
وتأويل قوله {وهو قائمٌ} فنادته الملائكة في حال قيامه مصلّيًا، فقوله: {وهو قائمٌ} خبرٌ عن وقت نداء الملائكة زكريّا.
وقوله: {يصلّي} في موضع نصبٍ على الحال من القيام، وهو رفعٌ بالياء.
وأمّا المحراب: فقد بيّنّا معناه، وأنّه مقدّم المسجد.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {أنّ اللّه يبشّرك} فقرأته عامّة القرّاء: {أنّ اللّه} بفتح الألف من أنّ بوقوع النّداء عليها بمعنى فنادته الملائكة بذلك.
وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة: (إنّ اللّه يبشّرك) بكسر الألف بمعنى: قالت الملائكة: إنّ اللّه يبشّرك، لأنّ النّداء قولٌ؛ وذكروا أنّها في قراءة عبد اللّه: (فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب يا زكريّا إنّ اللّه يبشّرك) قالوا: إذا بطل النّداء أن يكون عاملاً في قوله: {يا زكريّا}، فباطلٌ أيضًا أن يكون عاملاً في إنّ.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: {أنّ اللّه يبشّرك} بفتح أنّ بوقوع النّداء عليه، بمعنى: فنادته الملائكة بذلك.
وليست العلّة الّتي اعتلّ بها القارئون بكسر إنّ، من أنّ عبد اللّه كان يقرؤها كذلك، وذلك أنّ عبد اللّه إن كان قرأ ذلك كذلك، فإنّما قرأها بزعمهم. وقد اعترض ب {يا زكريّا} بين إنّ وبين قوله: {فنادته}، وإذا اعترض به بينهما، فإنّ العرب تعمل حينئذٍ النّداء في أنّ، وتبطله عنها. أما الإبطال، فإنّه بطل عن العمل في المنادى قبله، فأسلكوا الّذي بعده مسلكه في بطول عمله، وأمّا الإعمال؛ فلأنّ النّداء فعلٌ واقعٌ كسائر الأفعال.
وأمّا قراءتنا فليس نداء زكريّا ب يا زكريّا معترضًا به بين أنّ وبين قوله: فنادته، وإذا لم يكن ذلك بينهما، فالكلام الفصيح من كلام العرب إذ نصبت بقولٍ: ناديت اسم المنادى، وأوقعوه عليه أن يوقعوه كذلك على أنّ بعده وإن كان جائزًا إبطال عمله، فقوله: نادته، قد وقع على مكنيّ زكريّا؛ فكذلك الصّواب أن يكون واقعًا على أنّ وعاملاً فيها، مع أنّ ذلك هو القراءة المستفيضة في قراءة أمصار الإسلام، ولا يعترض بالشّاذّ على الجماعة الّتي تجيء مجيء الحجّة.
وأمّا قوله: {يبشّرك} فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة: {أنّ اللّه يبشّرك} بتشديد الشّين وضمّ الياء على وجه تبشير اللّه زكريّا بالولد، من قول النّاس: بشّرت فلانًا البشرى بكذا وكذا، أي أتته بشارات البشرى بذلك.
وقرأ ذلك جماعةٌ من قرّاء الكوفة وغيرهم: (إنّ اللّه يبشرك) بفتح الياء وضمّ الشّين وتخفيفها، بمعنى: أنّ اللّه يسرّك بولدٍ يهبه لك، من قول الشّاعر:
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفةً = أتتك من الحجّاج يتلى كتابها
وقد قيل: إنّ بشرت لغة أهل تهامة من كنانة وغيرهم من قريشٍ، وأنّهم يقولون: بشرت فلانًا بكذا فأنا أبشره بشرًا، وهل أنت باشرٌ بكذا؟ وينشد لهم البيت في ذلك:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلا = غبرًا أكفّهم بقاعٍ ممحل.
فأعنهم وابشر بما بشروا به = وإذا هم نزلوا بضنكٍ فانزل
فإذا صاروا إلى الأمر، فالكلام الصّحيح من كلامهم بلا ألفٍ، فيقال: ابشر فلانًا بكذا، ولا يكادون يقولون: بشّره بكذا، ولا أبشره.
وقد روي عن حميد بن قيسٍ أنّه كان يقرأ: يبشرك بضمّ الياء وكسر الشّين وتخفيفها.
- وقد: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن معاذٍ الكوفيّ، قال: من قرأ يبشّرهم مثقّلةً، فإنّه من البشارة، ومن قرأ يبشرهم مخفّفةً بنصب الياء، فإنّه من السّرور، يسرّهم
والقراءة الّتي هي القراءة عندنا في ذلك ضمّ الياء وتشديد الشّين، بمعنى التّبشير؛ لأنّ ذلك هي اللّغة السّائرة، والكلام المستفيض المعروف في النّاس مع أنّ جميع قرّاء الأمصار مجمعون في قراءة: {فبم تبشّرون} على التّشديد.
والصّواب في سائر ما في القرآن من نظائره أن يكون مثله في التّشديد وضمّ الياء.
وأمّا ما روي عن معاذٍ الكوفيّ من الفرق بين معنى التّخفيف والتّشديد في ذلك، فلم نجد أهل العلم بكلام العرب يعرفونه من وجهٍ صحيحٍ، فلا معنى لما حكي من ذلك عنه، وقد قال جرير بن عطيّة:
يا بشر حقّ لبشرك التّبشير = هلاّ غضبت لنا وأنت أمير
فقد علم أنّه أراد بقوله التّبشير: الجمال والنّضارة والسّرور، فقال التّبشير ولم يقل البشر، فقد بيّن ذلك أنّ معنى التّخفيف والتّثقيل في ذلك واحدٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى} قال: شّافهته الملائكة بذلك.
وأمّا قوله: {بيحيى} فإنّه اسمٌ أصله يفعل من قول القائل: حيي فلانٌ فهو يحيا، وذلك إذا عاش فيحيى يفعل من قولهم حيي، وقيل: إنّ اللّه جلّ ثناؤه سمّاه بذلك لأنّه يتأوّل اسمه أحياه بالإيمان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى} يقول: عبدٌ أحياه اللّه بالإيمان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة قوله: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى} قال: إنّما سميّ يحيى؛ لأنّ اللّه أحياه بالإيمان). [جامع البيان: 5/366-370]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّ اللّه يبشّرك يا زكريّا بيحيى ابنًا لك {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} يعني بعيسى ابن مريم.
ونصب قوله مصدّقًا على القطع من يحيى؛ لأنّ مصدّقًا نعتٌ له وهو نكرةٌ، ويحيى غير نكرةٍ.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الرّحمن بن الأسود الطّفاويّ، قال: حدّثنا محمّد بن ربيعة، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، قال: قالت امرأة زكريّا لمريم: إنّي أجد الّذي في بطني يتحرّك للّذي في بطنك، قال: فوضعت امرأة زكريّا يحيى، ومريم عيسى، ولذا قال: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال يحيى: مصدّقٌ بعيسى.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن الرّقاشيّ، في قول اللّه: {يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: مصدّقًا بعيسى ابن مريم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: حدّثنا قتادة، في قوله: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: مصدّقًا بعيسى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} يقول: مصدّقٌ بعيسى ابن مريم، وعلى سننه ومنهاجه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} يعني بعيسى ابن مريم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} يقول: مصدّقًا بعيسى ابن مريم، يقول: على سننه ومنهاجه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: كان أوّل رجلٍ صدّق عيسى وهو كلمةٌ من اللّه وروحٌ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} يصدّق بعيسى.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} فإنّ يحيى أوّل من صدّق بعيسى، وشهد أنّه كلمةٌ من اللّه، وكان يحيى ابن خالة عيسى، وكان أكبر من عيسى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: عيسى ابن مريم هو الكلمة من اللّه اسمه المسيح.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: أخبرني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: قوله: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: كان عيسى ويحيى ابني خالةٍ، وكانت أمّ يحيى تقول لمريم: إنّي أجد الّذي في بطني يسجد للّذي في بطنك، فذلك تصديقه بعيسى، سجوده في بطن أمّه، وهو أوّل من صدّق بعيسى وكلمة عيسى، ويحيى أكبر من عيسى.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: الكلمة الّتي صدّق بها عيسى.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لقيت أمّ يحيى أمّ عيسى، وهذه حاملٌ بيحيى وهذه حاملٌ بعيسى، فقالت امرأة زكريّا: يا مريم استشعرت أنّي حبلى، قالت مريم: استشعرت أنّي أيضًا حبلى، قالت امرأة زكريّا: فإنّي وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه}.
- حدّثني محمّد بشار، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قول اللّه {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} قال: مصدّقًا بعيسى ابن مريم
وقد زعم بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل البصرة أنّ معنى قوله: {مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه} بكتابٍ من اللّه، من قول العرب: أنشدني فلانٌ كلمة كذا، يراد به قصيدة كذا، جهلاً منه بتأويل الكلمة، واجتراءً على ترجمة القرآن برأيه). [جامع البيان: 5/370-373]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وسيّدًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وسيّدًا} وشريفًا في العلم والعبادة.
ونصب السّيّد عطفًا على قوله مصدّقًا.
وتأويل الكلام: أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بهذا وسيّدًا
والسّيّد: الفيعل، من قول القائل: ساد يسود.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وسيّدًا} إي واللّه لسيّدٌ في العبادة والحلم والعلم والورع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سلمٌان، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: حدّثنا قتادة في قوله: {وسيّدًا} قال: السّيّد لا أعلمه إلا قال في العلم والعبادة.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، قال: السّيّد: الحليم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ: {وسيّدًا} قال: الحليم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {وسيّدًا} قال: السّيّد: التّقيّ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {وسيّدًا} قال: السّيّد: الكريم على اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، قال: زعم الرّقاشيّ أنّ السّيّد: الكريم على اللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وسيّدًا} قال: السّيّد: الحليم التّقيّ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وسيّدًا} قال: يقول: تقيًّا حليمًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، في قوله: {وسيّدًا} قال: حليمًا تقيًّا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، في قوله: {وسيّدًا} قال: السّيّد: الشّريف.
- حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن عبد الملك، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وسيّدًا} قال: السّيّد: الفقيه العالم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وسيّدًا} قال: يقول: حليمًا تقيًّا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة: {وسيّدًا} قال: السّيّد الّذي لا يغلبه الغضب). [جامع البيان: 5/374-376]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وحصورًا ونبيًّا من الصّالحين}
يعني بذلك: ممتنعًا من جماع النّساء من قول القائل: حصرت من كذا أحصر: إذا امتنع منه؛ ومنه قولهم: حصر فلانٌ في قراءته: إذا امتنع من القراءة فلم يقدر عليها، وكذلك حصر العدوّ: حبسهم النّاس ومنعهم إيّاهم التّصرّف، ولذلك قيل للّذي لا يخرج مع ندمائه شيئًا: حصورٌ، كما قال الأخطل:
وشاربٍ مربح بالكأس نادمني = لا بالحصور ولا فيها بسوّار
ويروى بسآّر، ويقال أيضًا للّذي لا يخرج سرّه ويكتمه: حصورٌ؛ لأنّه يمنع سرّه أن يظهر، كما قال جريرٌ:
ولقد تسقّطني الوشاة فصادفوا = حصرًا بسرّك يا أميم ضنينا
وأصل جميع ذلك واحدٌ، وهو المنع والحبس
وبمثل الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن خلفٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن شعيبٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، في قوله: {وسيّدًا وحصورًا} قال: الحصور: الّذي لا يأتي النّساء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، أنّه قال: حدّثني ابن العاص أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: كلّ بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنبٌ، إلاّ ما كان من يحيى بن زكريّا، قال: ثمّ دلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده إلى الأرض، فأخذ عويدًا صغيرًا، ثمّ قال: وذلك أنّه لم يكن له ما للرّجال إلاّ مثل هذا العود، وبذلك سمّاه اللّه سيّدا وحصورًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا أنس بن عياضٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، قال: سمعت سعيد بن المسيّب، يقول: ليس أحدٌ إلاّ يلقى اللّه يوم القيامة ذا ذنبٍ إلاّ يحيى بن زكريّا، كان حصورًا معه مثل الهدبة.
- حدّثنا أحمد بن الوليد القرشيّ، قال: حدّثنا محمد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال ابن العاص إمّا عبد اللّه وإمّا أبوه: ما أحدٌ يلقى اللّه إلاّ وهو ذو ذنبٍ، إلاّ يحيى بن زكريّا. قال: وقال سعيد بن المسيّب: {وسيّدًا وحصورًا} قال: الحصور: الّذي لا يغشى النّساء، ولم يكن ما معه إلاّ مثل هدبة الثّوب.
- حدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن عبد الملك، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب في قوله: {وحصورًا} قال: الحصور؛ الّذي لا يشتهي النّساء، ثمّ ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواةً فقال: ما كان معه إلاّ مثل هذه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الحصور: الّذي لا يأتي النّساء
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، مثله.
- حدّثني عبد الرّحمن بن الأسود، قال: حدّثنا محمّد بن ربيعة، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ: {وحصورًا} قال: الّذي لا يأتي النّساء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الحصور: الذى لا يقرب النّساء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، قال: زعم الرّقاشيّ: الحصور: الّذي لا يقرب النّساء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: الحصور: الّذي لا يولد له، وليس له ماءٌ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وحصورًا} قال: هو الّذي لا ماء له.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وحصورًا} كنّا نحدّث أنّ الحصور الّذي لا يقرب النّساء.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: حدّثنا قتادة في قوله: {وسيّدًا وحصورًا} قال: الحصور: الّذي لا يأتي النّساء
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: الحصور: الّذي لا ينزل الماء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ: {وحصورًا} قال: الحصور: الّذي لا يأتي النّساء.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وحصورًا} قال: الحصور: الّذي لا يريد النّساء.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن: {وحصورًا} قال: لا يقرب النّساء
وأمّا قوله: {ونبيًّا من الصّالحين} فإنّه يعني: رسولاً لربّه إلى قومه، ينبئهم عنه بأمره ونهيه، وحلاله وحرامه، ويبلّغهم عنه ما أرسله به إليهم.
ويعني بقوله: {من الصّالحين} من أنبيائه الصّالحين.
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى النّبوّة وما أصلها بشواهد ذلك والأدلّة الدّالّة على الصّحيح من القول فيه بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 5/376-381]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فنادته
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة قال: ثمّ شافهته الملائكة بذلك.
قوله تعالى: الملائكة
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فنادته الملائكة وهو جبريل.
قوله تعالى: وهو قائمٌ يصلّي في المحراب
- ذكره أبي، ثنا عبد اللّه بن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا جعفر بن سليمان قال:
سمعت ثابتًا يقول: خدمة اللّه في الأرض الصلاة ولو علم الله شيئا أفضل منه ما قال: فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب
قوله تعالى: أنّ اللّه يبشّرك بيحيى
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: أنّ اللّه يبشّرك بيحيى قال: عبدٌ أحياه اللّه بالإيمان.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: أنّ اللّه يبشّرك بيحيى قال: سمّى اللّه يحيى.
- وقال قتادة: إنّما سمّى اللّه يحيى، لأنّ اللّه أحياه بالإيمان.
قوله تعالى: مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ يعني في قوله: مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه قال: عيسى بن مريم صلّى اللّه عليه وسلّم كلمةٌ من اللّه، يعني تكوّن بكلمةٍ من اللّه. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ ، وعكرمة والحسن وقتادة والسّدّيّ والرّقاشيّ، وجابر بن زيدٍ والرّبيع بن أنسٍ والضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: وسيدا
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي عن ابن عبّاسٍ قوله: وسيّدًا يقول: حليمًا تقيًّا. قال أبو محمّدٍ وروي عن الضّحّاك في أحد قوليه مثل ذلك، وروي عن أبي العالية وسعيد بن جبيرٍ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، ومطرٍ أنّهم قالوا: حليمًا فقط.
وروي عن أبي صالحٍ أنّه قال: تقيًّا فقط.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن زيادٍ، أنبأ ابن المبارك، أنبأ أبو بكرٍ الهذليّ، عن عكرمة في قوله: وسيدا قال: السّيّد الّذي لا يغلبه غضبه.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن أبيه: أراه عن عطيّة: في قوله: وسيّدًا قال: السّيّد في خلقه ودينه.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن الضّحّاك في أحد قوليه: قال: حسن الخلق.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ وسيّدًا زعم الرّقاشيّ السّيّد: الكريم على اللّه.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ وسيّدًا قال: ليس له شركٌ.
قوله تعالى: وحصورًا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن غالبٍ البغداديّ، حدّثني سعيد بن سليمان، ثنا عبّادٌ يعني ابن العوّام، ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن العاص، لا يدرى عبد اللّه أو عمرٌو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله:
وسيّدًا وحصورًا قال ثمّ تناول شيئًا من الأرض فقال: كان ذكره مثل هذا.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ أنّه سمع سعيد بن المسيّب، عن عبد اللّه بن عمرو ابن العاص يقول: ليس أحدٌ يلقى اللّه إلا يلقاه بذنبٍ غير يحيى بن زكريّا. قرأ سعيدٌ: وسيّدًا وحصورًا ثمّ أخذ شيئًا من الأرض فقال: الحصور ما كان ذكره مثل ذي، وأشار يحيى القطّان بطرف أصبعه السّبّابة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سلمة بن سابور، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قال: الحصور: الّذي لا يأتي النّساء.
قال أبو محمّدٍ وروي عن عبد اللّه بن مسعودٍ وسعيد بن جبيرٍ، وأبي صالحٍ، وأحد قولي الضّحّاك وعكرمة ومجاهدٍ، وعطيّة، وجابر بن زيدٍ أنّهم قالوا: هو الّذي لا يأتي النّساء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في الحصور الّذي لا ينزل الماء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا الوليد بن القاسم، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال: الحصور: الّذي لا يولد له، ولا ماء له، قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ قالا: الّذي لا يولد له.
والوجه الثّالث:
- حدّثني أبي، ثنا إبراهيم بن محمّد بن يوسف الفريابيّ، ثنا ضمرة، عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه في قوله: وسيّدًا وحصورًا قال: منثني الذّكر.
قوله تعالى: ونبيًّا من الصّالحين
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن حمّادٍ زغبة، ومحمّد بن سلمة المراديّ، قالا:
ثنا حجّاج بن سليمان بن القمريّ، عن اللّيث بن سعدٍ، عن محمّد ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كلّ ابن آدم يلقى اللّه بذنبٍ قد أذنبه، يعذّبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريّا فإنّه كان سيّدًا وحصورًا ونبيًّا من الصّالحين، ثمّ أهوى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى قذاةٍ من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة.
قال أبي: لم يكن هذا الحديث عند أحدٍ غير الحجّاج ولم يكن في كتاب اللّيث، وحجّاجٍ شيخٌ معروفٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/641-644]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا
[تفسير مجاهد: 125]
ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله مصدقا بكلمة من الله قال يعني عيسى بن مريم وسيدا وحصورا قال الذي لا يقرب النساء آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا يقول تومئ إيماء). [تفسير مجاهد: 126]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن عطاء عن سعيد بن جبير قال الحصور الذي لا يأتي النساء). [تفسير مجاهد: 126]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 39.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {فنادته الملائكة} قال: جبريل.
وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن أبي حماد قال: في قراءة ابن مسعود ((فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب)).
وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود قال: ذكروا الملائكة ثم تلا (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) (النجم الآية 27) وكان يقرأها ((فناداه الملائكة))
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن مسعود أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ فناداه الملائكة بالتاء.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم قال: كان عبد الله يذكر الملائكة في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ {فنادته الملائكة} بالتاء {إن الله} بنصب الألف {يبشرك} مثقلة، قوله تعالى {وهو قائم يصلي}.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ثابت قال: الصلاة خدمة الله في الأرض ولو علم الله شيئا أفضل من الصلاة ما قال {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي}، قوله تعالى: {في المحراب}.
أخرج عبد المنذر عن السدي، المحراب المصلى.
وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا هذه المذابح، يعني المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: اتقوا هذه المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد بن أبي الجعد قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد، يعني الطاقات.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أي ذر قال: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي أنه كره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم أنه كان يكره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد أنه كان يكره المذابح في المساجد
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب أنه كره المذابح في المسجد.
وأخرج ابن جرير عن معاذ الكوفي قال: من قرأ {يبشر} مثقلة فإنه من البشارة ومن قرأ {يبشر} مخففة بنصب الباء فإنه من السرور.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: إن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {أن الله يبشرك بيحيى} قال: إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان.
وأخرج ابن عدي والدارقطني في الأفراد والبيهقي، وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعا خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا.
وأخرج الفرياني، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {مصدقا بكلمة من الله} قال: عيسى بن مريم والكلمة يعني تكون بكلمة من الله
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير عن مجاهد قال: قالت امرأة زكريا لمريم: اني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك فوضعت امرأة زكريا يحيى عليه السلام ومريم عيسى عليه السلام وذلك قوله {مصدقا بكلمة من الله} قال: يحيى مصدق بعيسى.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك في قوله {مصدقا بكلمة من الله} قال: كان يحيى أول من صدق بعيسى وشهد أنه كلمة من الله، قال: وكان يحيى ابن خالة عيسى وكان أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {مصدقا بكلمة من الله} يقول: مصدق بعيسى وعلى سنته ومنهاجه.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس {مصدقا بكلمة من الله} قال: كان عيسى ويحيى ابني خالة وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه، وهو أول من صدق بعيسى وكلمة عيسى، ويحيى أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لقيت أم يحيى أم عيسى وهذه حامل بيحيى وهذه حامل بعيسى فقالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله تعالى {مصدقا بكلمة من الله}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وسيدا} قال: حليما تقيا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: السيد الكريم على الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وابن جرير عن عكرمة قال: السيد الذي لا يغلبه الغضب.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: السيد الفقيه العالم.
وأخرج أحمد في الزهد والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك قال: السيد الحسن الخلق والحصور الذي حصر عن النساء.
وأخرج أحمد والبيهقي في "سننه" عن مجاهد قال: (الحصور) الذي لا يأتي النساء
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: نادى مناد من السماء إن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء وإن جورجيس سيد الشهداء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: (السيد) الحليم والحصور الذي لا يأتي النساء.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله {وسيدا وحصورا} قال: السيد الحليم والحصور الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحصور الذي لا ينزل الماء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود قال: الحصور الذي لا يقرب النساء، ولفظ ابن المنذر: العنين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا فإن الله يقول: {وسيدا وحصورا} قال: وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب وأشار بأنملته، وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن أبي هريرة من وجه آخر عن ابن عمرو، موقوفا وهو أقوى إسنادا من المرفوع.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر عن أبي هريرة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان {وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} ثم أهوى النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة: رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأة
جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال والذي يضل الأعمى ورجل حصور ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا.
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن صالح عن بعضهم رفع الحديث لعن الله والملائكة رجلا تحصر بعد يحيى بن زكريا
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله {وحصورا} قال: لا يشتهي النساء ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال: ما كان معه مثل هذه.
وأخرج الطسي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {وحصورا} قال: الذي لا يأتي النساء، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر: وحصور عن الخنا يأمر النا * س بفعل الحراب والتشمير). [الدر المنثور: 3/526-534]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك يفعل اللّه ما يشاء}
يعني أنّ زكريّا قال إذ نادته الملائكة: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا بكلمةٍ من اللّه وسيّدًا وحصورًا ونبيًّا من الصّالحين} {أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر} يعني: من بلغ من السّنّ ما بلغت لم يولد له؛ {وامرأتي عاقرٌ} والعاقر من النّساء: الّتي لا تلد، يقال منه: امرأةٌ عاقرٌ، ورجلٌ عاقرٌ كما قال عامر بن الطّفيل:
لبئس الفتى أن كنت أعور عاقرًا = جبانًا فما عذري لدى كلّ محضر
وأمّا الكبر: فمصدر كبر فلانٌ فهو يكبر كبرًا.
وقيل: {بلغني الكبر}، وقد قال في موضعٍ آخر: {وقد بلغت من الكبر} [مريم] لأنّ ما بلغك فقد بلغته، وإنّما معناه: قد كبرت، وهو كقول القائل: وقد بلغني الجهد بمعنى: أنّي في جهدٍ
فإن قال قائلٌ: وكيف قال زكريّا وهو نبيّ اللّه: {ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ} وقد بشّرته الملائكة بما بشّرته به، عن أمر اللّه إيّاها به؟ أشكّ في صدقهم؟ فذلك ما لا يحوز أن يوصف به أهل الإيمان باللّه، فكيف الأنبياء والمرسلون؟ أم كان ذلك منه استنكارًا لقدره ربّه؟ فذلك أعظم في البليّة
قيل: كان ذلك منه صلّى اللّه عليه وسلّم على غير ما ظننت، بل كان قيله ما قال من ذلك.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: لمّا سمع النّداء، يعني زكريّا لمّا سمع نداء الملائكة، بالبشارة بيحيى جاءه الشّيطان فقال له: يا زكريّا إنّ الصّوت الّذي سمعت ليس هو من اللّه، إنّما هو من الشّيطان يسخر بك، ولو كان من اللّه أوحاه إليك، كما يوحي إليك في غيره من الأمر، فشكّ مكانه، وقال: {أنّى يكون لي غلامٌ} ذكر، يقول: ومن أين {وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عكرمة، قال: فأتاه الشّيطان، فأراد أن يكدّر عليه نعمة ربّه، فقال: هل تدري من ناداك؟ قال: نعم، ناداني ملائكة ربّي، قال: بل ذلك الشّيطان، لو كان هذا من ربّك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك، فقال: {ربّ اجعل لي آيةً}
فكان قوله ما قال من ذلك، ومراجعته ربّه فيما راجع فيه بقوله: {أنّى يكون لي غلامٌ} للوسوسة الّتي خالطت قلبه من الشّيطان، حتّى خيّلت إليه أنّ النّداء الّذي سمعه كان نداءً من غير الملائكة، فقال: {ربّ أنّى يكون لي غلامٌ} مستثبتًا في أمره ليتقرّر عنده بآيةٍ يريه اللّه في ذلك أنّه بشارةٌ من اللّه على ألسن ملائكته، ولذلك قال: {ربّ اجعل لي آيةً}،
وقد يجوز أن يكون قيله ذلك مسألةً منه ربّه: من أيّ وجهٍ يكون الولد الّذي بشّر به؟ أمن زوجته فهي عاقرٌ، أم من غيرها من النّساء؟ فيكون ذلك على غير الوجه الّذي قاله عكرمة والسّدّيّ، ومن قال مثل قولهما). [جامع البيان: 5/381-383]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {كذلك اللّه} أي هو ما وصف به نفسه أنّه هيّنٌ عليه أن يخلق ولدًا من الكبير الّذي قد يئس من الولد، ومن العاقر الّتي لا يرجى من مثلها الولادة، كما خلقك يا زكريّا من قبل خلق الولد منك ولم تك شيئًا؛ لأنّه اللّه الّذي لا يتعذّر عليه خلق شيءٍ أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيءٍ شاءه؛ لأنّ قدرته القدرة الّتي لا يشبهها قدرةٌ.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {كذلك اللّه يفعل ما يشاء} وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا). [جامع البيان: 5/383]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء (40)
قوله تعالى: قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال:
ربّ أنّى يكون لي غلامٌ يقول: من أين.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الربيع ابن أنسٍ: أنّى يكون لي قال: كيف يكون لي.
قوله تعالى: وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: فلمّا سمع النّداء جاءه الشّيطان فقال له: يا زكريّا إنّ الصّوت الّذي سمعت ليس من اللّه إنّما هو من الشّيطان يسخر بك، ولو كان من اللّه أوحى إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر، فشكّ مكانه. قال: أنّى يكون لي غلامٌ يقول: من أين وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء،... وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: كذلك قال: يعني هكذا). [تفسير القرآن العظيم: 2/644-645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 40 - 41.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما سمع زكريا النداء جاءه الشيطان فقال له: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ليسخر بك ولو كان من الله أوحى إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر، فشك مكانه وقال {أنى يكون لي غلام} ). [الدر المنثور: 3/534-538]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سلمة بن نبيطٍ عن الضحاك في { ثلاثة أيام إلا رمزا} قال: الرمز: الإشارة [الآية: 41]). [تفسير الثوري: 77]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (الإبكار: أوّل الفجر، {والعشيّ} [الأنعام: 52] : ميل الشّمس - أراه - إلى أن تغرب "). [صحيح البخاري: 6/33]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الإبكار أوّل الفجر والعشيّ ميل الشّمس إلى أن تغرب وقع هذا أيضًا عند غير أبي ذرٍّ وقد تقدّم شرحه في بدء الخلق). [فتح الباري: 8/209]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما تفسير الإبكار والعشي 41 آل عمران في كتاب بدء الخلق). [تغليق التعليق: 4/189]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الإبكار أوّل الفجر والعشيّ ميل الشّمس أراه إلى أن تغرب
أشار به إلى قوله: {واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والأبكار} (آل عمران: 41) . وقال الزّمخشريّ: العشى من حين تزول الشّمس إلى أن تغيب والأبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضّحى وقرئ والأبكار بفتح الهمزة جمع بكر كشجر وأشجار). [عمدة القاري: 18/138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الإبكار) هو (أول الفجر و) أما (العشي) فهو (ميل الشمس أراه) بضم الهمزة أي أظنه (إلى أن تغرب) وهذا ساقط لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/50]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ وفي قوله عزّ وجلّ: {ثلاثة أيامٍ إلا رمزاً} قال: إيماءً بشفتيه). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 74]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {سبح بالعشي والإبكار} أوّل الفجر، والعشيّ من ميل الشّمس إلى أن تغيب). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا واذكر ربّك كثيرًا وسبّح بالعشيّ والإبكار}
يعني بذلك جلّ ثناؤه خبرًا عن زكريّا، قال زكريّا، يا ربّ إن كان هذا النّداء الّذي نوديته، والصّوت الّذي سمعته صوت ملائكتك، وبشارةً منك لي، فاجعل لي آيةً يقول: علامةً أنّ ذلك كذلك، ليزول عني ما قد وسوس إليّ الشّيطان فألقاه في قلبي من أنّ ذلك صوت غير الملائكة، وبشارةٌ من عند غيرك.
- كما: حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قال ربّ اجعل لي آيةً} قال: قال يعني زكريّا: يا ربّي فإن كان هذا الصّوت منك، فاجعل لي آيةً
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى الآية، وأنّها العلامة، بما أغنى عن إعادته.
وقد اختلف أهل العربيّة في سبب ترك العرب همزها، ومن شأنها همز كلّ ياءٍ جاءت بعد ألفٍ ساكنةٍ، فقال بعضهم: ترك همزها لأنّها كانت أيّةً فثقل عليهم التّشديد، فأبدلوه ألفًا لانفتاح ما قبل التّشديد، كما قالوا: أيّما فلانٍ فأخزاه اللّه.
وقال آخرون منهم: بل هي فاعلةٌ منقوصةٌ، فسألوا فقيل لهم: فما بال العرب تصغّرها أييّةً، ولم يقولوا أويّةً؟ فقالوا: قيل ذلك كما قيل في فاطمة: هذه فطيمة، فقيل لهم: فإنّهم يصغّرون فاعلةً على فعيلةٍ إذا كان اسمًا في معنى فلانٍ وفلانةٍ، فأمّا في غير ذلك، فليس من تصغيرهم فاعلةً على فعيلةٍ.
وقال آخرون: إنّه فعلةٌ، صيّرت ياؤها الأولى ألفًا، كما فعل بحاجةٍ وقامةٍ، فقيل لهم: إنّما تفعل العرب ذلك في أولاد الثّلاثة.
وقال من أنكر ذلك من قيلهم: لو كان كما قالوا لقيل في نواةٍ نايةٌ، وفي حياةٍ: حايةٌ). [جامع البيان: 5/384-385]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} فعاقبه اللّه فيما ذكر لنا بمسألته الآية، بعد مشافهة الملائكة إيّاه بالبشارة، فجعل آيته على تحقيق ما سمع من البشارة من الملائكة بيحيى أنّه من عند اللّه آيةً من نفسه، جمع تعالى ذكره بها العلامة الّتي سألها ربّه على ما يبيّن له حقيقة البشارة أنّها من عند اللّه، وتمحيصًا له من هفوته، وخطأ قيله ومسألته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} إنّما عوقب بذلك لأنّ الملائكة شافهته مشافهةً بذلك فبشّرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إيّاه، فأخذ عليه بلسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلاّ ما أومأ وأشار، فقال اللّه تعالى ذكره كما تسمعون: {آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقًا} قال: شافهته الملائكة، فقال: {ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} يقول: إلاّ إيماءً، وكانت عقوبةً عوقب بها؛ إذ سأل الآية مع مشافهة الملائكة إيّاه بما بشّرته به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} قال: ذكر لنا واللّه أعلم أنّه عوقب؛ لأنّ الملائكة شافهته مشافهةً، فبشّرته بيحيى، فسأل الآية بعد فأخذ بلسانه.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: ذكر لنا واللّه أعلم أنّه عوقب؛ لأنّ الملائكة شافهته فبشّرته بيحيى، قالت: {أنّ اللّه يبشّرك بيحيى} فسأل بعد كلام الملائكة إيّاه الآية، فأخذ عليه لسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلاّ رمزًا، يقول: يومئ إيماءً.
- حدّثني أبو عبيدٍ الرّصابيّ، قال: حدّثنا محمّد بن حميرٍ، قال: حدّثنا صفوان بن عمرٍو، عن جويبر بن نفيرٍ، في قوله: {قال ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} قال: ربا لسانه في فيه حتّى ملأه، ثمّ أطلقه اللّه بعد ثلاثٍ
وإنّما اختارت القرّاء النّصب في قوله: {ألاّ تكلّم النّاس} لأنّ معنى الكلام: قال: آيتك أن لا تكلّم النّاس فيما يستقبل ثلاثة أيّامٍ، فكانت أن هي الّتي تصحب الاستقبال دون الّتي تصحب الأسماء فتنصبها، ولو كان المعنى فيه: آيتك أنّك لا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ: أي أنّك على هذه الحال ثلاثة أيّامٍ، كان وجه الكلام الرّفع، لأنّ أن كانت تكون حينئذٍ بمعنى الثّقيلة خفّفت، ولكن لم يكن ذلك جائزًا لما وصفت من أنّ ذلك بالمعنى الآخر.
وأمّا الرّمز فإنّ الأغلب من معانيه عند العرب الإيماء بالشّفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحيانًا، وذلك غير كثيرٍ فيهم، وقد يقال للخفيّ من الكلام الّذي هو مثل الهمس بخفض الصّوت: الرّمز، ومنه قول جؤيّة بن عائذٍ:
وكان يكلّم الأبطال رمزًا = وهمهمةً لهم مثل الهدير
يقال منه: رمز فلانٌ فهو يرمز ويرمز رمزًا، ويترمّز ترمّزًا، ويقال: ضربه ضربةً فارتمز منها: أي اضطرب للموت، قال الشّاعر:
خررت منها لقفاي أرتمز
وقد اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي عنى اللّه عزّ وجلّ به في إخباره عن زكريّا من قوله: {آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} وأيّ معاني الرّمز عنى بذلك؟ فقال بعضهم: عنى بذلك: آيتك أن لا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ تحريكًا بالشّفتين من غير أن ترمز بلسانك الكلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إلاّ رمزًا} قال: تحريك الشّفتين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} قال: إيماؤه بشفتيه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: بل عنى اللّه بذلك الإيماء والإشارة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {إلاّ رمزًا} قال: الإشارة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {إلاّ رمزًا} قال: الرّمز: أن يشير بيده أو رأسه ولا يتكلّم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ رمزًا} قال: الرّمز: أن أخذ بلسانه، فجعل يكلّم النّاس بيده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إلاّ رمزًا} قال: والرّمز: الإشارة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} الآية. قال: جعل آيته أن لا يكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا، إلاّ أنّه يذكر اللّه، والرّمز: الإشارة، يشير إليهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {إلاّ رمزًا} إلا إيماءً
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إلاّ رمزًا} يقول: إشارةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: {إلاّ رمزًا} إلاّ إشارةً.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا} قال: أمسك بلسانه فجعل يومئ بيده إلى قومه أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا). [جامع البيان: 5/385-390]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكر ربّك كثيرًا وسبّح بالعشيّ والإبكار}
يعني بذلك: قال اللّه جلّ ثناؤه لزكريّا: يا زكريّا آيتك أن لا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا بغير خرسٍ، ولا عاهةٍ، ولا مرضٍ {واذكر ربّك كثيرًا} فإنّك لا تمنع ذكره، ولا يحال بينك وبين تسبيحه وغير ذلك من ذكره.
- وقد: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قال: لو كان اللّه رخّص لأحدٍ في ترك الذّكر لرخّص لزكريّا حيث قال: {آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزًا واذكر ربّك كثيرًا} أيضًا.
وأمّا قوله: {وسبّح بالعشيّ} فإنّه يعني: عظّم ربّك بعبادته بالعشيّ، والعشيّ: من حين تزول الشّمس إلى أن تغيب، كما قال الشّاعر:
فلا الظّلّ من برد الضّحى تستطيعه = ولا الفيء من برد العشيّ تذوق
فالفيء إنّما تبتدئ أوبته عند زوال الشّمس، وتتناهى بمغيبها.
وأمّا الإبكار: فإنّه مصدرٌ من قول القائل: أبكر فلانٌ في حاجةٍ، فهو يبكر إبكارًا، وذلك إذا خرج فيها من بين مطلع الفجر إلى وقت الضّحى، فذلك إبكارٌ، يقال فيه: أبكر فلانٌ، وبكّر يبكّر بكورًا فمن الإبكار قول عمر بن أبي ربيعة:
أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر = ومن البكور قول جريرٍ:
ألا بكرت سلمى فجدّ بكورها = وشقّ العصا بعد اجتماعٍ أميرها
ويقال من ذلك: بكّر النّخل يبكّر بكورًا، وأبكر يبكّر إبكارًا، والباكور من الفواكه: أوّلها إدراكًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وسبّح بالعشيّ والإبكار} قال: الإبكار: أوّل الفجر، والعشيّ: ميل الشّمس حتّى تغيب
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله). [جامع البيان: 5/390-392]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلّا رمزًا واذكر ربّك كثيرًا وسبّح بالعشيّ والإبكار (41)
قوله تعالى: قال ربّ اجعل لي آيةً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال زكريّا: ربّ فإن كان هذا الصّوت منك ف اجعل لّي آيةً قال: آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلا رمزًا
قوله تعالى: قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيام
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عليٍّ الصّيرفيّ، حدّثني أبو قتيبة، ثنا ورقاء بن عمر، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ في قوله: ثلاثة أيّامٍ إلا رمزًا قال: اعتقل لسانه من غير مرضٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال آيتك ألا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلا رمزًا اعتقل لسانه ثلاثة أيّامٍ وثلاث ليالٍ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، عن معمرٍ عن قتادة قال آيتك ألا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلا رمزًا قال إيماءٌ وكانت عقوبةٌ عوقب بها إذ سأل الآية بعد مشافهة الملائكة إيّاه بما بشّرته.
قوله تعالى: إلا رمزا
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سلمة بن الفضل، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: الرّمز بالشّفتين.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا أبو أسامة، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ: في قوله: ثلاثة أيّامٍ إلا رمزًا قال: كلامٌ بالشّفتين. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عكرمة وخصيفٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ قال: الإشارة، قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ والحسن، والضّحّاك ، ومحمّد بن كعبٍ، وقتادة، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وزيد بن أسلم نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- ذكر عن صفوان بن عمرٍو، عن عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ في قوله:
ثلاثة أيّامٍ إلا رمزًا ربا لسانه في فيه حتى ملئه، ثمّ أطلقه اللّه بعد ثلاثٍ.
قوله: واذكر ربّك كثيرًا
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ يعني: واذكر ربّك كثيرًا قال: لا يكون العبد من الذّاكرين اللّه كثيرًا حتّى يذكر اللّه قائمًا ومضطجعًا.
- حدّثنا أبي، ثنا محمد بن عمر زنيجٌ، ثنا أبو تميلة، ثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ قال: لو رخّص اللّه لأحدٍ في ترك الذّكر، لرخّص لزكريّا، قال اللّه تعالى: ألا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلّا رمزًا واذكر ربّك كثيرًا [3485] حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ ابن أبي زائدة، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ في قوله: وسبّح بالعشيّ والإبكار قال: صلاة المكتوبة.
قوله تعالى: بالعشيّ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وسبّح بالعشيّ قال: العشيّ: ميل الشّمس إلى أن تغيب
قوله تعالى: والإبكار
- وبه عن مجاهدٍ: والإبكار قال: الإبكار أوّل الفجر). [تفسير القرآن العظيم: 2/645-647]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن عطاء بن السائب في قوله إلا رمزا قال
[تفسير مجاهد: 126]
اعتقل لسانه من غير مرض). [تفسير مجاهد: 127]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وسبح بالعشي يعني من ميل الشمس إلى أن تغيب). [تفسير مجاهد: 127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: أتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه قال: هل تدري من ناداك قال: نعم، ناداني ملائكة ربي قال: بل ذلك الشيطان لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك فقال {رب اجعل لي آية}، أما قوله تعالى {وامرأتي عاقر}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال اسم أم يحيى أشيع.
قوله تعالى: {قال كذلك الله يفعل ما يشاء}.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {كذلك} يعني هكذا، وفي قوله {رب اجعل لي آية} قال: قال زكريا: رب فان كان هذا الصوت منك فاجعل لي آية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {رب اجعل لي آية} قال بالحمل به.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام} قال: إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: اعتقل لسانه من غير مرض.
وأخرج عن السدي قال: اعتقل لسانه ثلاثة أيام وثلاث ليال.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن جبير بن نفير قال: ربا لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام ثم أطلقه الله بعد ثلاث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إلا رمزا} قال: الرمز بالشفتين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {إلا رمزا} قال: ايماؤه بشفتيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {إلا رمزا} قال: الإشارة
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الرمز أن يشير بيده أو رأسه ولا يتكلم.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: الرمز أن أخذ بلسانه فجعل يكلم الناس بيده.
وأخرج الطسي في مسائله، وابن الأنباري في الوقف والإبتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {إلا رمزا} قال: الإشارة باليد والوحي بالرأس قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر: ما في السماء من الرحمن مرتمز * إلا إليه وما في الأرض من وزر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال: لو رخص الله لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام حيث قال
{آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا} ولو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص للذين يقاتلون في سبيل الله قال الله (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا)
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وسبح بالعشي والإبكار} قال {بالعشي} ميل الشمس إلى أن تغيب {والإبكار} أول الفجر). [الدر المنثور: 3/534-538]


رد مع اقتباس