عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 10:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين} أي: أحسبتم أن تدخلوا الجنّة ولم تبتلوا بالقتال والشّدائد، كما قال تعالى في سورة البقرة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا [حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ]} [البقرة:214] وقال تعالى: {الم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون [ولقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين]} [العنكبوت:1-3]؛ ولهذا قال هاهنا: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين} أي: لا يحصل لكم دخول الجنّة حتّى تبتلوا ويرى اللّه منكم المجاهدين في سبيله والصّابرين على مقارنة الأعداء). [تفسير القرآن العظيم: 2/127]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد كنتم تمنّون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي: قد كنتم -أيّها المؤمنون-قبل هذا اليوم تتمنّون لقاء العدوّ وتتحرّقون عليهم، وتودّون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الّذي تمنّيتموه وطلبتموه، فدونكم فقاتلوا وصابروا.
وقد ثبت في الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا تمنّوا لقاء العدوّ، وسلوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف".
ولهذا قال: {فقد رأيتموه} يعني: الموت شاهدتموه في لمعان السّيوف وحدّ الأسنّة واشتباك الرّماح، وصفوف الرّجال للقتال.
والمتكلّمون يعبّرون عن هذا بالتخييل، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوسٍ كالمحسوس كما تتخيل الشّاة صداقة الكبش وعداوة الذئب). [تفسير القرآن العظيم: 2/127]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا وسيجزي اللّه الشّاكرين (144) وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن اللّه كتابًا مؤجّلا ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشّاكرين (145) وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا واللّه يحبّ الصّابرين (146) وما كان قولهم إلا أن قالوا ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (147) فآتاهم اللّه ثواب الدّنيا وحسن ثواب الآخرة واللّه يحبّ المحسنين (148)}
لمّا انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشّيطان: ألا إنّ محمّدًا قد قتل. ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم: قتلت محمّدًا. وإنّما كان قد ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فشجّه في رأسه، فوقع ذلك في قلوب كثيرٍ من النّاس واعتقدوا أنّ رسول اللّه قد قتل، وجوّزوا عليه ذلك، كما قد قصّ اللّه عن كثيرٍ من الأنبياء، عليهم السّلام، فحصل وهن وضعفٌ وتأخر عن القتال ففي ذلك أنزل اللّه [عزّ وجلّ] على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: له أسوة بهم في الرّسالة وفي جواز القتل عليه.
قال ابن أبي نجيح، عن أبيه، أنّ رجلًا من المهاجرين مر على رجلٍ من الأنصار وهو يتشحّط في دمه، فقال له: يا فلان أشعرت أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم قد قتل؟ فقال الأنصاريّ: إن كان محمّدٌ [صلّى اللّه عليه وسلّم] قد قتل فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} رواه [الحافظ أبو بكرٍ] البيهقيّ في دلائل النّبوّة.
ثمّ قال تعالى منكرًا على من حصل له ضعفٌ: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} أي: رجعتم القهقرى {ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا وسيجزي اللّه الشّاكرين} أي: الّذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه، واتّبعوا رسوله حيًّا وميّتًا.
وكذلك ثبت في الصّحاح والمساند والسّنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعدّدةٍ تفيد القطع، وقد ذكرت ذلك في مسندي الشّيخين أبي بكرٍ وعمر، رضي اللّه عنهما؛ أنّ الصّدّيق -رضي اللّه عنه-تلا هذه الآية لمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال البخاريّ: حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن عقيل عن ابن شهابٍ، أخبرني أبو سلمة؛ أنّ عائشة، رضي اللّه عنها، أخبرته أنّ أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، أقبل على فرس من مسكنه بالسّنح حتّى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم النّاس حتّى دخل على عائشة فتيمّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو مغشى بثوبٍ حبرةٍ، فكشف عن وجهه [صلّى اللّه عليه وسلّم] ثمّ أكبّ عليه وقبّله وبكى، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي. واللّه لا يجمع اللّه عليك موتتين؛ أمّا الموتة الّتي كتبت عليك فقد متّها.
وقال الزّهريّ: وحدّثني أبو سلمة عن ابن عبّاسٍ، أنّ أبا بكرٍ خرج وعمر يحدّث النّاس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فأقبل النّاس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكرٍ: أمّا بعد، من كان يعبد محمّدًا فإنّ محمّدًا قد مات، ومن كان يعبد اللّه فإنّ اللّه حيّ لا يموت، قال اللّه تعالى: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} إلى قوله: {وسيجزي اللّه الشّاكرين} قال: فواللّه لكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ اللّه أنزل هذه الآية حتّى تلاها أبو بكرٍ، فتلقّاها النّاس منه كلّهم، فما سمعها بشرٌ من النّاس إلّا تلاها.
وأخبرني سعيد بن المسيّب أنّ عمر قال: واللّه ما هو إلّا أن سمعت أبا بكرٍ تلاها فعقرت حتّى ما تقلّني رجلاي وحتّى هويت إلى الأرض.
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القنّاد، حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّ عليًّا كان يقول في حياة رسول اللّه: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} واللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه، واللّه لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه حتّى أموت، واللّه إنّي لأخوه، ووليّه، وابن عمّه، ووارثه فمن أحقّ به منّي؟). [تفسير القرآن العظيم: 2/128-129]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن اللّه كتابًا مؤجّلا} أي: لا يموت أحدٌ إلّا بقدر اللّه، وحتّى يستوفي المدة الّتي ضربها اللّه له؛ ولهذا قال: {كتابًا مؤجّلا} كقوله {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ} [فاطر:11] وكقوله {هو الّذي خلقكم من طينٍ ثمّ قضى أجلا وأجلٌ مسمًّى عنده} [الأنعام:2].
وهذه الآية فيها تشجيعٌ للجبناء وترغيبٌ لهم في القتال، فإنّ الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه كما قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا العبّاس بن يزيد العبديّ قال: سمعت أبا معاوية، عن الأعمش، عن حبيب بن صهبان، قال: قال رجلٌ من المسلمين -وهو حجر بن عديّ-: ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدوّ، هذه النّطفة؟ -يعني دجلة- {وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن اللّه كتابًا مؤجّلا} ثمّ أقحم فرسه دجلة فلمّا أقحم أقحم النّاس فلمّا رآهم العدوّ قالوا: ديوان، فهربوا .
وقوله: {ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} أي: من كان عمله للدّنيا فقد نال منها ما قدّره اللّه له، ولم يكن له في الآخرة [من] نصيبٍ، ومن قصد بعمله الدّار الآخرة أعطاه اللّه منها مع ما قسّم له في الدّنيا كما قال: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيبٍ} [الشّورى:20] وقال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذمومًا مدحورًا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا} [الإسراء: 18، 19] وهكذا قال هاهنا: {وسنجزي الشّاكرين} أي: سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدّنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/129-130]

رد مع اقتباس