الموضوع: أم
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 07:11 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب: مواضع "أمْ"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "أمْ"
اعلم أن لـ "أم" ستة مواضع:
أحدها: أن تكون عطفًا بعد "ألف" الاستفهام، وتكون معادلة "لألف" الاستفهام، وهي معها بمعنى "أيهما" أو "أيهم"، كقولك: «أقام زيدٌ "أم" عمروٌ؟» ومعناه: "أيهما" قام؟ أذا "أم" ذا؟ فجعلت "الألف" مع أحد الاسمين المسئول عنهما و"أم" مع الآخر، فهذا معنى التعديل "للألف"، ومثله «أزيد في الدار "أم" عمروٌ "أم" خالد؟» بمعنى: "أيهم" في الدار؟ وإذا كان السؤال عن الاسم فتقديمه أحسن، كقولك: «أزيدًا لقيت "أم" عمرًا؟» تقديم الاسم أحسن، لأنك عنه تسأل، ويجوز تقديم الفعل، وإذا قلت: «أضربت زيدًا "أم" شتمته» كان تقديم الفعل أحسن، لأنك عنه تسأل.

والموضع الثاني: تكون "أم" عطفًا بعد "ألف" التسوية، كقولك: «سواء علي أزيد في الدار "أم" عمروٌ» و«ما أبالي أذهب زيدٌ "أم" عمرو»، و«ما أدري أزيدٌ في الدار "أم" عمرو»، فهذا على لفظ الاستفهام، وهو خبر وليس باستفهام، و"ألف" الاستفهام ها هنا للتسوية تريد: تسوية الأمرين عندك، ولا تريد الاستفهام، وإنا تخبر أن الأمرين عندك واحد، كأنك قلت: سواءٌ علي "أيهما" في الدار، وسواء علي "أيهما" ذهب، وما أدري "أيهما" في الدار، قال الله تعالى: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم}، وقال: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، {وسواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا}.
ومنه قول حسان:
ما أبالي أنب بالحزن تيس .... أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم
كأنه قال: ما أبالي "أي" الفعلين كان، والنبيب: صوت التيس عند النزو.
والعطف بعد "ألف" الاستفهام وبعد "ألف" التسوية جميعًا بـ "أم"، وهي معادلة "الألف" في هذين الوجهين، بمعنى "أي" وتقول: «ليت شعري: أزيد في الدار "أم" عمرو؟» فهذا بمعنى: ليت شعري "أيهما" في الدار؟ فإن قلت: ليت شعري: أزيد في الدار "أم" عمرو؟ فهو بمعنى: ليت شعري: أأحدهما في الدار؟
وإذا استفهمت بحرفٍ غير "الألف" من حروف الاستفهام عطفت بعده بـ "أو" ولم تعطف بـ "أم"، لأن "أم" لا تعادل من حروف الاستفهام إلا "الألف" خاصة، وذلك قولك: «هل تقوم "أو" تقعد؟» و«هل تأتينا "أو" تحدثنا؟» قال الله تعالى: {هل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزًا}، وقال: {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون}، وتقول: «ما أدري هل تأتينا "أو" تحدثنا؟»، و«ليت شعري: هل يخرج زيدٌ "أو" يقيم؟» تكون في التسوية كما هو في الاستفهام بـ "أو" وقال زهير:
ألا ليت شعري: هل يرى الناس ما أرى .... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
وقال مالك بن الريب:
ألا ليت شعير: هل تغيرت الرحى .... رحى الحزن أو أمست بفلجٍ كما هيا
فإن حذفت حرف الاستفهام عطفت بـ "أو" تقول: «ما أبالي زيدٌ قام "أو" قعد»، قال الشاعر:
فلست أبالي بعد موت مطرفٍ .... حتوف المنايا أكثرت أو أقلت
فعطف بـ "أو" فأما قول عمر بن أبي ربيعة:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا ....بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان
فعطف بـ "أم" فإنه على إضمار "ألف" الاستفهام، أراد: أبسبعٍ رمين الجمر "أم" بثمان؟

والموضع الثالث: تكون "أم" بمعنى "بل" وتسمى المنقطعة لأنها منقطعة مما قبلها، وما بعدها قائم بنفسه غير متعلقٍ بما قبله، وذلك قولك: «هل زيدٌ عندك "أم" عمرو»، و«هل زيدٌ منطلقٌ "أم" عمروٌ» فـ "أم" ها هنا إضراب عن الأول بمعنى "بل" كأنك قلت: "بل" عمرو عندك؛ وليست بمعنى "أي" على منهاج قولك: «أزيد في الدار "أم" عمرو»، وأنت تريد: "أيهما" في الدار؛ لأن "أم" بمعنى "أي" بديلة "الألف"، لا تقع إلا بعدها كما ذكرنا فيما قبل.
وقد تقع "أم" في هذا الوجه بعد الخبر، كما تقع بعد الاستفهام؛ لأنها للرجوع عن الأول، كقولك: «قام زيدٌ "أم" عمروٌ» معناه: "بل" قام عمرو، رجعت عن الأول وأثبت الثاني، كأنك ذكرت الأول غالطًا ثم رجعت، وحكي عنهم: «إنها لإبل "أم" شاء» والمعنى: "بل" هي شاء، وإنما جعلت "أم" ها هنا بمعنى "بل" لأنها بمعنى الرجوع عن الأول، كقولك إذا رأيت شخصًا من بعيدٍ فقدرت أنه زيدٌ فقلت: «إنه زيد» ثم استبان لك أنه عمروٌ فقلت: «"أم" عمروٌ» ورجعت عن الأول، و"بل" إنما هي رجوع عن الأول، فلذلك جعلت "أم" بمعنى "بل".
وقال علقمة بن عبدة في "أم" بمعنى "بل":
هل ما علمت وما استودعت مكتوم .... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته .... إثر الأحبة يوم البين مشكوم

وقال آخر:
فوالله ما أدري أسلمى تغولت .....أم النوم أم كل إلي حبيب
معناه: "بل" كل إلي حبيب، وأما قول الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ .... غلس الظلام من الرباب خيالا
فقد يجوز أن تكون "أم" بمعنى "بل" ويجوز أن تكون عطفًا بعد استفهام مضمر، أراد: أكذبتك عينك "أم" رأيت بواسطٍ، وقد قال بعضهم في قوله عز وجل: {أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين}، إن معناه: "بل" أنا خيرٌ.

والموضع الرابع: تكون "أم" بمعنى "ألف" الاستفهام كقولك: «"أم" تريد أن نخرج؟» معناه: أتريد أن نخرج؟ قال الله عز وجل: {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه}، أتى بـ "أم" ولم يسبقها استفهام فيرد عليه "أم"، وإنما جعلها هي الاستفهام بمعنى: أتقولون افتراه جعل "أم" بمعنى "ألف" الاستفهام، وكذلك قوله: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم}، {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون}، {أم له البنات}، {أم لهم نصيبٌ من الملك}، {أم تقولون إن إبراهيم}، {أم يقولون شاعرٌ}، {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، {أم اتخذ مما يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين} معنى "أم" في كل ذلك "ألف" الاستفهام، لأنه لم يتقدمها استفهام، ونحوها كثير في القرآن.
وأما قوله تعالى: {أتخذناهم سخريًا أم زاغت عنهم الأبصار}، من قرأها بقطع "الألف" فـ "أم" مردودة عليها، ومن قرأها موصولة "الألف" فـلـ "أم" وجهان: أحدها أن تكون مردودة على قوله: {ما لنا لا نرى رجالًا}، والثاني أن تكون "أم" هي الاستفهام بمعنى "الألف"، وأراد: أزاغت عنهم الأبصار.

والموضع الخامس: أن تكون زائدة كما قال ساعدة بن جؤية:
يا ليت شعري ولا منجى من الهرم .... أم هل على العيش بعد الشيب من ندم
"أم" زائدة ها هنا، يقول: يا ليت شعري هل يندم أحدٌ على أن يعيش بعد الشيب، وقال أبو زيد: "أم" في قوله عز وجل: {أفلا تبصرون أم أنا خيرٌ} "أم" زائدة، كأنه قال: أفلا تبصرون أنا خير من هذا الذي هو مهين، وأنشد قول الراجز:
يا دهن أم ما كان مشيي رقصًا ..... بل قد تكون مشيتي توقصًا
المعنى: وما كان مشيي، والتوقص مشي يقارب الخطو، و«يادهن» ترخيم يا دهناء.

والموضع السادس: تكون "أم" بدلًا من "الألف" و"اللام" في بعض اللغات، يقول أهل اليمن: «رأيت "أم" رجل»، و«مررت "بأم" رجل» يريدون: رأيت الرجل، ومررت بالرجل، فيجرونها مجرى "الألف" و"اللام" في جميع كلامهم، ذكر ذلك الأخفش سعيد في كتاب: «معاني الكلام» وقال أبو عبيد: في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور، فقال: طاب "أم" ضرب: قال: فأمره عثمان أن يلقي سلاحه، قال الأصمعي: أراد طاب الضرب، يعني أنه قد حل القتال، وقال: وهذه لغة أهل اليمن أو قال حمير، وأنشدني:
ذاك خليلي وذو يعاتبني ..... يرمي ورائي بامسهم وامسلمه
يريد بالسهم والسلمة، والسلمة الحجر وجمعها سلام). [الأزهية: 124 - 133]

باب: الفرق بين "أوْ" و"أمْ"
في النسق والاستفهام والجواب فيهما

قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: الفرق بين "أوْ" و"أمْ"
في النسق والاستفهام والجواب فيهما
اعلم أن "أو" هي للسؤال عن شيءٍ بغير عينه والجواب فيها: نعم، أو لا، و"أم" لسؤال عن شيء بعينه، والجواب فيها أن تذكر أحد الاسمين، وذلك إذا سأل سائلٌ: «أقام زيدٌ "أو" عمروٌ» فإنه لا يعلم أقام أحدهما "أو" لم يقم فاستفهم عن قيام أحدهما، هل وقع "أم" لا، والجواب أن تقول له: نعم أو لا، ولا يجوز أن تقول له زيد "أو" عمروٌ، لأن معناه أقام أحد هذين فالجواب: نعم "أو" لا، وكذلك إذا قال: «أزيدٌ عندك "أم" عمروٌ» و«أتصدقت بدرهم "أو" بدينار»، فإنه لا يدري أن عندك أحدهما، ولا أنك تصدقت بأحدهما، والجواب أن تقول له: نعم "أو" لا.
وإذا قال: «أقام زيدٌ "أم" عمروٌ» فعطف بـ "أم" فقد علم بأن أحدهما قام، لكنه لم يعلم أيهما هو، فاستفهم ليعرف القائم منهما، والجواب أن تقول له: زيدٌ، "أو": عمروٌ، ولا يجوز أن تقول: نعم، ولا: لا، لأن تأويله: أيهما قام أذا "أم" ذا؟ فجوابه التعيين، كقولك: زيد "أو" عمرو، وكذلك إذا قال: «أتصدقت بدرهم "أم" بدينار» فقد علم أنك تصدقت بأحدهما، ولم يعرفه بعينه، والجواب أن تقول: تصدقت بدرهم "أو": تصدقت بدينار، ولا يجوز أن تقول: نعم، ولا: لا، لأن معناه "بأيهما" تصدقت، فالجواب التعيين، وكذلك إذا قلت: «أتقوم "أو" تقعد» فالجواب: نعم، "أو": لا، فإن قلت: «أتقوم "أم" تقعد» فعطفت بـ "أم" فالجواب أن تقول: أقوم، "أو" أقعد، فإن قلت: «أزيدٌ أفضل "أم" عمروٌ»، لم تعطف إلا بـ "أم" لأن المعنى "أيهما" أفضل، ولو قلت: "أو" لم يجز لأنها تصير، المعنى أأحدهما أفضل وليس هذا بكلام، ولكنك لو قلت: «أزيدٌ "أو" عمروٌ أفضل "أم" بكر؟» جاز؛ لأن المعنى: أأحد هذين أفضل "أم" بكر؟ وجواب هذا أن تقول: بكر إن كان هو الأفضل، أو تقول: أحدهما – بهذا اللفظ، من غير أن تذكر زيدًا "أو" عمرًا، لأنك إنما تسأل: أأحدهما أفضل "أم" بكر، وإنما أدخلت "أو" بين زيدٍ وعمروٍ دون "أم" لأنك لم ترد أن تعادل بينهما، وأن تجعل عمرًا عديلًا لزيدٍ، وإنما أردت أن تجعلهما بمنزلة اسم واحد تعال بينهما وبين بكرٍ بــ "أم" كأنك قلت: أأحدهما أفضل "أم" بكر، ومثله قول صفية بنت عبد المطلب:
كيف رأيت زَبْرًا .... أأقطًا أو تمرًا
"أم" قريشًا (م) صارمًا هزبرا؟
«زبر» مكبر «زبير» تعني ابنها الزبير بن العوام، رأته صارع آخر فصرعه الزبير، فقالت للمصروع: كيف رأيت زبرًا؟ أي الزبير، أأقطًا "أو" تمرًا "أو" قرشيًا، أدخلت "أو" بين «الأقط» و«التمر»، لأنها لم ترد أن تجعل التمر عديلًا للأقط بمعنى: "أيهما"، وإنما أرادت أن تجعلهما بمنزلة اسمٍ واحدٍ، تعادل بينه بين قرشي، أي أشيئًا من هذين رأيته "أم" قرشيًا؟ والمعنى أرأيته طعامًا تأكله ويلين لضرسك "أم" خشنًا على قرنه كالأسد والسيف؟ وقال آخر هو الحارث بن كلدة:
كتبت إليهم كتبًا مرارًا .... فلم يرجع إلى لهم جواب
وما أدري أغيرهم تناءٍ .... وطول العهد أم مال أصابوا؟

فعطف «طول العهد» على «تناء» "بالواو"، وعطف «المال» بـ "أم" لأنه لم يرد أن يجعل طول العهد عديلًا للتنائي، وإنما جعل التنائي وطول العهد بمنزلة اسمٍ واحدٍ عادل بينهما وبين المال بـ "أم"، كأنه قال: وما أدري أغيرهم هذا "أم" غيرهم مال أصابوه؟ وحذف "الهاء" من الصفة.
فإن قيل: «الدر "أو" الياقوت أفضل "أم" الزجاج؟» فالجواب: أحدهما، لا غير، وتقول: «سواء علي أقمت "أم" قعدت» فتعطف بـ "أم" ولا يجوز ها هنا "أو" لأن قبلها "ألف" الاستفهام، فتعطف بـ "أم" والتأويل سواء علي أيهما فعلت.
فإن قلت: «سواء علي قمت "أو" قعدت» بغير استفهام لم تعطف إلا بـ "أو" لأنها بتأويل الجزاء، تريد: إن قمت "أو" قعدت فهما سواء.
فإن قلت: «من يأتيك "أو" يحدثك؟» و«أيهم تضرب "أو" تقتل؟» لم تعطف إلا بـ "أو" من قبل أنك إنما تستفهم عن الفاعل والمفعول، والجواب أن تقول: فلان "أو" فلان). [الأزهية: 134 - 138]


رد مع اقتباس