الموضوع: أمَّا وإمَّا
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 08:08 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب: "إمَّا" و"أمَّا"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: "إمَّا" و"أمَّا"
اعلم أن "إمَّا" المكسورة لها أربعة مواضع:
تكون: شكًا بمعنى "أو" كقولك: «رأيت "إما" زيدًا و"إما" عمرًا».
وتكون: تخييرًا، كقول: «كل "إما" تمرًا و"إمَّا" سمكًا» أي اختر أحد هذين، ولا تجمعهما.
وتكون: إباحة، كقولك: «جالس "إمّا" زيدًا و"إمَّا" عمرًا»، أي: قد أبحت لك مجالستهما، وهي تكون مكررة في هذه المواضع، قال الله تعالى: {إمَّا أن تعذب وإمَّا أن تتخذ فيهم حسنًا}، إنما هو: هذا "أو" هذا، وكذلك قوله: {إما أن تلقي وإمَّا أن نكون نحن الملقين}، {إما يعذبهم وإمَّا يتوب عليهم}، {إمَّا العذاب وإما الساعة}، {إمَّا منًا بعد وإمَّا فداء}، هذا كله تخيير، ونصب
«منّا» و«فداء» على تقدير: و"إمَّا" مننتم منًّا أو فاديتم فداءٍ.
وأما قوله: {إنّا هديناه السبيل إمَّا شاكرًا وإمَّا كفورًا} فقال الفراء: معناه إنّا هديناه السبيل "إن" شكر "أو" كفر، تكون "إن" للشرط، و"ما" زائدة، وقال غيره من البصريين: إن "إمَّا" ها هنا بمعنى التخيير، أراد: إنا هديناه السبيل وخيرناه، وليس يقع الشك من الله تعالى.
وقد يجوز أن تأتي بـ "إما" غير مكررة إذا كان في الكلام عوضٌ من تكريرها، تقول: «"إما" أن تكلمني و"إلا" فاسكت» المعنى: "إما" أن تكلمني و"إما" أن تسكت.
قال المثقب العبدي يخاطب عمرو بن هند الملك
فإما أن تكون أخي بصدقٍ ....فأعرف منك غثي من سميني
وإلا فاطر حني واتخذني .... عدوًا أتقيك وتتقيني
فلو أنا على حجرٍ ذبحنا .... جرى الدميان بالخبر اليقين
أنشد أبو بكر بن درير هذا البيت الأخير مع بيتين غير هذين:
لعمرك إنني وأنا رياح .... على طول التجاور منذ حين
ليبغضني وأبغضه وأيضًا .... يراني دونه وأراه دوني
فلو أنا على حجرٍ ذبحنا .... جرى الدميان بالخبر اليقين
يريد أنهما لشدة العداوة لا تختلط دماؤهما، فلو ذبحا على حجرٍ لافترق الدميان.
وقال الفراء: قد أفردت العرب "إما" من غير أن تذكر "إما" سابقة، وهي تعني بها "أو" وأنشد:
تلم بدارٍ قد تقادم عهدها .... وإما بأمواتٍ ألم خيالها
أراد: أو بأموات.
واعلم أن "إما" لا تقع في النهي، لا يجوز أن تقول: «لا تضرب "إما" زيدًا و"إما" عمرًا» لأنها تخيير، وأنت قد نهيته عن الفعل، فالكلام مستحيل.
والموضع الرابع: تكون "إما" جزاء بمعنى "إن" وتكون "ما" زائدة للتوكيد، وتدخل معها "نون" التوكيد، كقولك: «"إما" تقومن أقم» و«و"إما" تأتيني آتيك»، و«"إما" ترين زيدًا فأكرمه»، والتقدير: "إن" تأتني، و"إن" تر، قال الله تعالى: {وإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}. المعنى: فإن تثقفهم.
وقال: {فإما ترين من البشر أحدًا فقولي إني نذرت للرحمن صومًا}، وقال: {وإما تخافن من قومٍ خيانة فانبذ إليهم على سواء}، وإنما أدخلت "نون" التوكيد في الجزاء بـ "إن" إذا وصلت بـ "ما" للفرق بين "إما" إذا كانت للجزاء وبينها إذا كانت للتخيير في قولك: «"إما" تقوم و"إما" تقعد» فإن حذفت "ما" من "إن" لم يجز إدخال "النون"، لا تقول: «"إن" تقومن أقم» لأن حرف الجزاء لا يجلب "نون" التوكيد.
وقد جاء في الشعر الجزاء بـ "إما" بغير "نون" التوكيد، قال الأعشى.
إما ترينا حفاةً لا نعال لنا.... أنا كذلك ما نحفي وننتعل
واعلم أن "إما" في الشك والتخيير حرف واحد وأما في الجزاء فهي مركبة من "إن" التي للجزاء، و"ما" فهي في التقدير حرفان.
وأما "أما" المفتوحة فهي حرف واحد، وهي إخبار ولا يليها إلا الاسم، وتدخل على الابتداء، وهي متضمنة معنى الجزاء، ولا بد لها من جوابٍ "بالفاء" لأن فيها معنى الجزاء، ويرتفع ما بعدها بالابتداء، إذا لم يقع عليه فعل، كقولك: «"أما" زيدٌ فمنطلق»، «زيدٌ»: ابتداء، و«منطلق» خبره، وأدخلت "الفاء" لجواب "أما" لأن فيها معنى الجزاء، كأنك قلت: زيدٌ مهما يكن من أمره فمنطلق.
ولا تدخل "الفاء" على خبر الابتداء إلا بعد "إما"، وإذا كان في الكلام معنى الجزاء، كقولك: «الذي يقوم فله درهم» لأن الدرهم يجب له بالقيام، ولو قلت: «زيدٌ فقائم»، أو «زيدٌ فله درهم» لم يجز، لأنه ليس له قبل "الفاء" ها هنا شيءٌ فيه معنى الجزاء، ومثله: «"أما" طعامك فيطيب»، و«"أما" زيدٌ فقائم»، «"أما" أبوك فرأيته» و«"أما" زيدٌ فأبوه منطلق»، قال الله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين}، {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين}، فإن وقع بعد "الفاء" فعل يعمل في الاسم الذي بعد "أما" نصبته به، وزال معنى الابتداء كما يزول في غير هذا الموضع بدخول العوامل، فتقول: «"أما" زيد فرأيت»، و«"أما" أخاك فأكرمت»، يجري الكلام في الإعراب مع دخولها مجراه قبل دخولها، قال الله عز وجل: {فأما اليتيم فلا تقهر}، نصب «اليتيم» بوقوع الفعل عليه، وقال: {وأما ثمود فهديناهم}، فرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم، وقد قرأ بعض القراء: {وأما ثمود فهديناهم} بالنصب وينشد هذا البيت على وجهين: على الرفع وعلى النصب، قال بشر بن أبي خازم:
فأما تميم تميم بن مر .... فألفاهم القوم وربى نياما
«روبى»: الذين استثقلوا نومًا، الواحد: روبان.
واعلم أن: "أما" المفتوحة مستغنية بنفسها عن التكرير، فإن كرتها فلعطفك كلامًا على كلام، كما قال الله عز وجل: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث}، وكما قال عمرو بن كلثوم:
فأما يوم خشيتنا عليهم .... فتصبح خيلنا عصبًا ثبينا
وأما يوم لا نخشى عليهم .... فنمعن غارة متلببينا
وفي كلام العرب "أما" أخرى، وهي مركبة من حرفين، من "أن" و"ما" وذلك قولك: «"أما" أنت منطلقًا انطلقت معك»، و«"أما" أنت سائرًا سرت معك» قال سيبويه: تقديره: أن كنت سائرًا سرت معك، فحذفت "كان" من اللفظ وأضمرت، وزيدت "ما" لتكون عوضًا من حذف الفعل، كما كانت "الهاء" و"الألف" عوضًا في «الزنادقة» و«اليماني» ولا تكون "أما" هذه إلا مفتوحة والخبر منصوب على خبر "كان" وأنشد سيبويه:
أبا خراشة أما أنت ذا نفرٍ .... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
قال سيبويه: إن أظهرت الفعل كسرت "إما" ولم يجز فتحها، فقلت: «"إما" كنت منطلقًا انطلقت معك» ولا يجوز حذف الفعل مع "إما" المكسورة؛ لأن "إن" هذه للجزاء ضمت إليها "ما" ولا يجوز حذف الفعل بعد حرف الجزاء، لأن الجزاء لا يكون إلا بفعلٍ، ولا يجوز إظهاره مع المفتوحة عند سيبويه، والمبرد يجيز إظهار الفعل مع المفتوحة فتقول: «"أما" كنت منطلقًا انطلقت معك»، وإن شئت أدخلت "ما" زائدة فيجوز معها إظهار الفعل، كما كان يجوز قبل دخولها، فتقول: «"أما" كنت منطلقًا انطلقت معك».
ومن العرب من يقول: "أيما" في معنى "أما" أنشد الفراء:
مبتلةً هيفاءُ أيما وشاحها ....فيجري وأيما الحجل منها فلا يجري
"أيما" معناه: "أما"، وقال عمرو بن أبي ربيعة في مثله:
رأت رجلًا أيما إذا الشمس عارضت .... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر).
[الأزهية: 139 - 148]


رد مع اقتباس