الموضوع: مِن
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 05:01 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي




باب: مواضع "مِنْ"

قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "مِنْ"
اعلم أن لها أربعة مواضع:
تكون لابتداء الغاية، كقول: «سرت
"من" الكوفة»، أعلمت أن ابتداء غاية سيرك كان "من" الكوفة، وكذلك إذا كتبت: «"من" فلانٍ إلا فلانٍ» فالمعنى أن ابتداء الكتاب "من" فلانٍ وانتهاءه إلى فلانٍ.
وتكون للتبعيض: كقولك: «أنفقت
"من" الدراهم» و«أخذت "من" ماله»، و«أكلت "من" الغريف»، أي بعضه، و«زيدٌ "من" القوم» أي بعضهم، و«زيدٌ "من" البصرة» أي "من" أهل البصرة، وهو بعضهم، وكذلك: «ويحه "من" رجلٍ»، إنما أراد أن يجعل التعجب "من" بعض الرجال.
وكذلك: «هو أفضل
"من" زيدٍ»، إنما أراد أن يفضله على زيد، ولا يعم، فجعله ابتداء فضله "من" زيدٍ ولم يعلم موضع الانتهاء.
فإن قلت: «ما أحسنه "من" رجلٍ» فـ "من" تحتمل وجهين،
أحدهما: أن تكون لابتداء الغاية، كأنك بينت ابتداء فضله في الحسن ولم تذكر انتهاءه.
والوجه الثاني: أن تكون للتبعيض كأنك قلت: ما أحسنه "من" الرجال، إذا ميزوا رجلًا رجلًا فـ «رجل» واحدٌ في موضع جماعةٍ، فإن قلت «ما أحسنه "من" الرجال» فـ "من" للتبعيض لا غير.
والموضع الثالث: تكون "من" لتبيين الجنس، كقولك: «الثياب "من" الخز»، و«الأبواب "من" الحديد»، ومنه قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}، أي: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان؛ لأن الرجس هو أعم "من" الأوثان، لأنه قد يكون وثنًا وغير وثنٍ، وجميع ذلك يجب أن يُجتنب، فبين بـ "من" الرجس المراد ها هنا، وهو الرجس الذي هو الوثن.
وأما قوله عز وجل: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان}، فـ
"من" تحتمل وجهين: أحدهما التبعيض، كأنه قيل: بعض عمل الشيطان، والآخر التبيين، كأنه قيل: رجس هو عمل الشيطان.
وأما قول سيبويه: «هذا باب علم ما الكلم من العربية» فإنها لتبيين الجنس لأن الكلم قد يكون عربيًا وعجميًا، فبين المراد، وهو العربية، كأنه قال: ما الكلم الذي هو العربية؟
والموضع الرابع: تكون
"من" زائدة للتوكيد، كقولك: «هل "من" رجلٍ في الدار؟»، و«هل "من" طعامٍ عندك؟»، فـ "من" ها هنا زائدة للتوكيد، وموضع «"من" رجلٍ» و«"من" طعامٍ» رفع بالابتداء، كأنه قال: هل رجلٌ في الدار، وهل طعامٌ عندك، وكذلك قولهم: «ما جاءني "من" رجل»، أي: رجل، «وما جاءني "من" أحدٍ»، أي: ما جاءني أحد؛ لأن الفعل لابد له من فاعل، ومنه قوله تعالى: {ما أريد منهم من رزقٍ}، و{ما لكم من إلهٍ غيره}، {وما من إله إلا الله}.
قال الأنصاري:
فما حملت من ناقةٍ فوق رحلها .... أبر وأوفى ذمة من محمد
فأما قوله عز وجل: {فكلوا مما أمسكن عليكم } فقد قال بعض النحويين: إن "من" ها هنا زائدة والمعنى: فكلوا ما أمسكن عليكم، وهذا غلطٌ عند سيبويه؛ لأن "من" إنما تزاد في غير الواجب خاصة، نحو النفي والاستفهام، وهي على مذهبه ها هنا للتبعيض، أي: كلوا "منه" اللحم دون الفرث والدم، فإنه محرم عليكم.
وأما قوله تعالى: {وينزل من السماء من جبالٍ فيها من برد}، فإن سأل سائل فقال: قد ذكرت
"من" في ثلاثة مواضع فما معناها في كل موضعٍ فالجواب: أن الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض على معنى أن الجبال بردٌ ينزل بعضها، وأما الثالثة فعلى وجهين: التبعيض والتبيين، أما التبعيض فعلى معنى ينزل بعض البرد، وأما التبيين فعلى معنى أن الجبال من بردٍ، كما تقول: «الثياب "من" خز».
وأما قوله عز وجل: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خيرٍ من ربكم}، فإن
"من" الأولى لتبيين الجنس، والثانية زائدة للتوكيد، والثالثة لابتداء الغاية.
وأما قوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم}، فقال الكسائي وهشام وغيرهما:
"من" في هذا الموضع زائدة للتوكيد، والمعنى: يغفر لكم ذنوبكم، قالوا: وهو بمنزلة قوله: {ولهم فيها من كل الثمرات}، المعنى: ولهم فيها كل الثمرات، وقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، والمعنى: يغضوا أبصارهم، وقوله: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرًا عظيمًا}، قالوا: فـ "من" ها هنا ليست مبعضة، إنما المعنى: وعدهم الله كلهم مغفرة وأجرًا عظيمًا، فدخلت "من" ها هنا للتوكيد، وكقولك قوله: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}.
وقال الفراء: معنى قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم}، أي: يغفر لكم
"من" أجل وقوع الذنب منكم، كما تقول: «قد اشتكيت "من" دواء شربته»، أي: "من" أجل الدواء الذي شربته، وقال أبو إسحاق الزجاج: معناه: يغفر لكم ذنوبكم، ودخلت "من" لتختص الذنوب "من" سائر الأشياء، ولم تدخل لتبعيض الذنوب.
وأما ما جاء في الحديث: «إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون»، فإن تقديره: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، و
"من" زائدة للتوكيد، كما تقول: «ما جاءني "من" أحدٍ»، والمعنى: ما جاءني أحد.
واعلم أن
"من" الزائدة للتوكيد لا تدخل على المعرفة، ولا تدخل في الإيجاب، لا تقول: «ما جاءني "من" عبد الله»، لا تقول: «جاءني "من" رجلٍ»، ولا «جاءني "من" الرجل»، فأما قوله عز وجل: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين}، فـ "من" ها هنا للتبعيض، والفاعل محذوف، والمعنى – والله أعلم -: ولقد جاءك قصص "من" نبأ المرسلين، فاختصر لعلم المخاطب.
واعلم أنك إذا قلت: «ما جاءني
"من" رجلٍ» فإن فيه فائدة، ومعنى زائدًا على قولك: «ما جاءني رجل»، وذلك أنك إذا قلت: «ما جاءني رجل» احتمل أن يكون نافيًا لرجلٍ واحدٍ، وقد جاءك أكثر "من" رجلٍ واحدٍ، واحتمل أن يكون نافيًا لجميع جنس الرجال، وإذا أدخلت "من" فقلت: «ما جاءني "من" رجلٍ» كنت نافيًا لجميع الجنس، فـ "من" ها هنا توجب استغراق الجنس، وكذلك ما أشبهه).[الأزهية: 224 - 230]

"من"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (ومنها «من»
ولها خمسة مواضع:
تكون مكان
"عن"، وذلك قولك: «لهيت "من" فلانٍ» أي: "عنه".
وتكون بمعنى
"على"، قال الله عز وجل: {ونصرناه من القوم}، أي: "على" القوم.
وتكون في مكان
"في"، قال الله تعالى: {أروني ماذا خلقوا من الأرض}، أي "في" الأرض.
وتكون مكان
"الباء"، قال الله تعالى: {يحفظونه من أمر الله}، أي: بأمر الله، وقال: {يلقي الروح من أمره}، أي: بأمره، وقال: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر}، أي: بكل أمرٍ سلام.
وتكون مكان
"مذ"، قال زهير:
لمن الديار بقنة الحجر ..... أقوين من حججٍ ومن دهر
أراد: "مذ" حججٍ و"مذ" دهرٍ). [الأزهية: 282 - 283]


رد مع اقتباس