الموضوع: الألف
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 03:51 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): («فصل»
تختص "الألف" من بين سائر الحروف بدخولها على مثلها من جنسها وذلك "كألف الاستفهام" تدخل على "ألف الوصل" وعلى "ألف القطع" وعلى "ألف لام التعريف"، فأما إذا دخلت على "ألف الوصل" فإنه تسقط "ألف الوصل" وتثبت "ألف الاستفهام" مفتوحة كما هي عليه؛ لأنه إنما أتي "بهمزة الوصل" توصلًا إلى النطق بالساكن فلما دخلت عليها "ألف الاستفهام" استغنى بها عنها نحو: ابن زيد أنت؟
قال الشاعر:
فقالت أين قيس ذا .... وبعض الشيب يعجبها
فقطع "الألف" لأنها "ألف استفهام"، وقال ذو الرمة:
أستحدث الركب عن أشياعهم خبرًا .... أم راجع القلب من أطرابه طرب
ومنه قوله جل جلاله: {أستكبرت أم كنت من العالين} {أتخذتم عند الله عهدًا} {أصطفى البنات على البنين} ونحو ذلك.
وأما إذا دخلت على "ألف لام التعريف" همزت الأولى ومددت الثانية لا غير وأشممت الفتحة بلا نبرة كقولك: الرجل قال هذا، قال معن بن أوس:
فوالله ما أدري ألحب شفه .... وسل عليه جسمه أم تعبدا
ومنه قوله جل جلاله: {آلله خيرٌ أما يشركون}، {آلذكرين حرم أم الأنثيين}، {آلآن وقد عصيت قبل}، وإنما أتوا بمدة هنا ولم يأتوا بها في الداخلة على "ألف الوصل"؛ لأن "ألف لام التعريف" مفتوحة و"ألف الاستفهام" مفتوحة أيضًا فلو لم يبدلوا منها مدة في الاستفهام لالتبس الاستفهام بالخبر ولم يحتاجوا أن يبدلوا منها مدة في الاستفهام لالتبس الاستفهام بالخبر ولم يحتاجوا أن يبدلوا من "همزة الوصل" مدة لأن أصلها الكسر فلما دخلت عليها "همزة الاستفهام" اكتفى بفتحها فارقًا ولم يحتج إلى فرق آخر.
وأما إذا دخلت على "ألف القطع" فلا تخلو "ألف القطع" إمَّا أن تكون مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة.
فإن كانت مفتوحة: نظرت فإن كانت مفتوحة ولا "ألف" بعدها ففيها ثلاث لغات: منهم يهمزها "همزتين مقصورتين"، ومنهم من يدخل "ألفًا" بين "الهمزتين" استثقالًا للجمع بينهما، ومنهم يهمز "همزة" واحدة مطولة وتقدير ذلك: أن تدخل بين "الهمزتين" "ألفًا" فتصير "الهمزة" الأولى مع "الألف" "همزة" بمد تلين "الهمزة" الثانية وتترك نبرتها وتشم حركتها بلا نبرة ومنه قوله تعالى: {آنذرتهم}، {آسلمتم}، {آرباب متفرقون} ونحوه وقد قرئ على هذه الوجوه كلها.
قال الأعشى:
أأن رأت رجلًا أعشى أضربه.... ريب المنون ودهر متبلٌ خبل
وقال ذو الرمة:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل .... وبين النقا آأنت أم أم سالم
وقال مزرد أخو الشماخ:
تضاللت فاستشرفته فعرفته .... فقلت له آأنت زيد الأراقم
فإن كان بعد "همزة القطع" ألف همزت "همزة" واحدة مطولة ولم تدخل بين "الهمزتين" "ألفًا" ولم تشم الفتحة وذلك كقولك: آمن بفلان؟ وآثرت فلانًا؟ ومنه قوله سبحانه: {قال فرعون آمنتم به} {وقالوا آلهتها خيرٌ أم هو} والفرق بين هذا وبين ما قبله أن "ألف القطع" في آمن ونحوه "ألف" أبدلت من "فاء" الفعل فلو أدخلوا بين "ألف الاستفهام" وبين "ألف" افعل "ألفًا" كما فعلوا في آنذرتهم ونحوه لاجتمع أربع "ألفات"، وذلك خروج عن كلام العرب.
وإن كانت مضمومة: ففيها أربع لغات: منهم من يهمزها جميعًا مقصورتين كقولك أأكرمك، أأعطيك؟
ومنهم من يدخل "ألفًا" فيقول: آأكرمك بهمزتين.
ومنهم من يبدل "ألف القطع" "واوًا" مع قصر "الهمزة" ومع مدها أي بترك نبرها وتليينها وبشمها حركة الضمة كما تقدم، ومنه قوله تعالى: {قل أؤنبئكم بخيرٍ من ذلكم}،{أألقي الذكر عليه من بيننا}،{أأنزل عليه الذكر}، وقد قرئ بالوجوه كلها.

وإن كانت مكسورة: ففيها أربع لغات أيضًا:
منهم من يهمزها جميعًا "همزتين" مقصورتين كقولك: أإنك ذاهب.
ومنهم من يقول: آإنك بهمزتين ومدة بينهما، ومنهم من يقلب "ألف القطع" "ياء" مكسورة بترك نبرتها وتليينها وبشمها مع قصر "الهمزة" ومدها، ومنه قوله تعالى: {أءذا متنا} {أءنا لمبعوثون} وقد قرئ ذلك بالوجوه كلها.
وأنشد أبو زيد:
حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة .... تفكر آإياه يعنون أم قردا
وهذا ما قدر الله سبحانه من تيسير هذه المقدمة النافعة.
وأما المعاني المتعلقة
"بالهمزة" فأقول:
"الهمزة" موضوعة لمعنيين:
أحدهما: نداء القريب دون البعيد، كقول الشاعر:
أفاطم مهلًا بعض هذا التدلل .... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وقد يزاد فيها مدة فتكون لنداء البعيد كقولك آزيد.
الوجه الثاني: الاستفهام الحقيقي وهي أصل أدوات الاستفهام ولذلك يستفهم بها عن التصور الذي هو طلب معرفة ماهية المسئول عنه نحو: أقائم زيد أم عمرو؟ ويستفهم بها عن التصديق الذي هو حكم على الماهية نحو: أزيد قائم؟ وليس ذلك لغيرها من الأدوات، فهل مختصة بالتصديق نحو: "هل" قام زيد؟ وبقية الأدوات مختصة بطلب التصور نحو: "من" جاءك؟ و"ما" صنعت؟ و"كم" مالك؟ و"أين" بيتك؟ و"متى" سفرك؟ ولأجل هذه الأصالة جاز حذفها مع بقاء معناها إذا دل عليها الخطاب، قال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا .... بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان
وقال آخر:
تروح إلي الحي أم تبتكر..... وماذا يضرك أن تنتظر
وعليه قراءة ابن محيصن: [سواءٌ عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم] بحذف "الهمزة" لأن "أم" تدل على "الهمزة"، وأما إذا لم يدل الخطاب فلا يجوز حذفها وقد أنكر على عمر بن أبي ربيعة قوله:
= ثم قالوا تحبها قلت: بهرًا =
فإن قيل: قد حذفها امرؤ القيس في قوله:
= أصاح ترى برقًا أريك وميضه =
فالجواب أن "ألف النداء" دلت على "همزة الاستفهام".
وقد ترد مع ذلك لمعان أخر بحسب مناسبة المقام،
أحدها: التسوية، وذلك في كل "همزة" يصح حلول المصدر محلها كقوله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم}،وكقول الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيسٌ .... أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم
الثاني: الإنكار والتكذيب، كقوله تعالى: {أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثًا}، وقوله تعالى: {فاستفهم ألربك البنات ولهم البنون}، وكقول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ..... ومسنونةٌ زرقٌ كأنياب أغوال
وجعل منه ابن هشام رحمه الله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده}، وقول الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا ..... وأندى العالمين بطون راح
ومثل قوله تعالى: {ألست بربكم}، وهذا غفلة منه وسهو، فإن معنى "الهمزة" في ذلك التقرير إذ المخاطب بالمدح لا ينكر ذلك في نفسه ولم يتقدم ما يقتضي النفي لفضلهم حتى ينكره الشاعر ويبطله وإنما أراد التقرير وحملهم على الإقرار بما قاله لهم، وكذا لا منكر لربوبية الله سبحانه ولا نافي لها حينئذٍ، ولهذا كان جوابهم: بلى، وإنما أراد حملهم على الإقرار بربوبيته جل جلاله، نعم يحتمل قوله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده} الإنكار عليهم فكأنهم لما خوفوه بغير الله جل جلاله أنكر عليهم فعلهم ونفاه وأبطله ولكنه في التقرير أظهر منه في الإنكار والتكذيب.
الثالث: اللوم والتوبيخ، كقول الله سبحانه: {أتعبدون ما تنحتون}، وقوله تعالى: {أتأتون الذكران من العالمين}، وكقول العجاج:
أطربًا وأنت قنسري .... والدهر بالإنسان دواري
أي: وأنت شيخ.
الرابع: التقرير، ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه كقول الله سبحانه: {ألست بربكم} وقوله تعالى: {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى}، وقوله تعالى: {أليس الله بأحكم الحاكمين}.
الخامس: التهكم، نحو: {أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا}.
السادس: الأمر، كقوله تعالى: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم}، أي: أسلموا، ذكره بعضهم.
السابع: التعجب، نحو قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}.
الثامن: الاستبطاء، كقوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}.
ووقع لي معنى تاسع ولم أره لأحد وهو الامتنان، كقوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} ). [مصابيح المغاني: 65 - 76]


رد مع اقتباس