الموضوع: أمَّا وإمَّا
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 08:11 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "أمَّا" المفتوحة المشددة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "أمَّا" المفتوحة المشددة
اعلم أن "أمَّا" تكون بمعنى "مهما" الشرطية ولا تعمل عملها، ويكون فيها معنى التفصيل زائدًا لذلك، فتقول: "أما" زيدٌ فمنطلقٌ، و"أما" أخوك فشاخصٌ، والمعنى: "مهما" يكن من شيء فزيدٌ منطلق "أو" أخوك شاخصٌ، قال الله تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث}، فدخلت "الفاء" في جوابها كما تدخل في أجوبة الشرطة لما فيها من معنى "مهما" وفيها اختصاصٌ بالتفصيل كما ذكر.
وقولهم في ابتداء الكتب والرسائل: "أما" بعدُ، فمعناه: "مهما" يكن من شيء بعد حمد الله، فنابت "أما" مناب أداة الشرط وفعله، ولكن لما تغير سياق الكلام خرجت من محلها "الفاء" من ابتداء الجملة وصارت في الخبر، فقلت: «"أما" زيدٌ فمنطلق»، قال الشاعر:
أما الرحيل فدون بعد غدٍ .... فمتى تقول الدار تجمعنا
والمعنى: "مهما" يكن من شيء فالرحيل دون بعد غد.
ولا يلزم تكريرها خلافًا لبعضهم، فإنه يرى أن التفصيل لا يكون إلا بتكرار الفصل بينه وبين الأول، وهذا غير لازم، اللهم [إن كان في اللفظ معه، و"أما" في المعنى فلا يلزم]، ومنه «"أما" الرحل» البيت، وهي عند بعضهم فصلُ الخطاب الذي في قوله تعالى: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}؛ لأن داود عليه السلام أول من نطق بها.
ويجوز أن تقلب "ميمها" الأولى "ياءً" تخفيفًا كقوله:
رأت رجلًا أيما إذا الشمس عارضت .... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر
أراد "أما" فخفف، و"أما" قول الشاعر:
وما أنت أما ذكرها ربيعة .... يُخطُّ لها من ثرمداء قليب
فإنها "أم" المقطوعة دخلت على "ما" الاستفهامية، و"أما" قول الآخر:
أبا خُراشة أما أنت ذا نفرٍ .... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
فهي "أن" دخلت في المعنى على "كنت" فحذفت "كان" وعوِّض منها "ما" وانفصل الضمير فصار "أنت"، ولذلك انتصب «ذا نفر» بعده، فليسا من الباب). [رصف المباني: 97 - 99]

باب "إما" المكسورة المشددة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "إما" المكسورة المشددة
اعلم أن "إمَّا" حرفٌ من حروف العطف خلافًا لبعض النحويين كأبي علي الفارسي ومن تبعه، فإنه يذهب إلى أنها ليست حرف عطفٍ، لأن حرف العطف لا يخلو من أن يعطف مفردًا على مفرد أو جملةً على جملةٍ، وأنت إذا قلت: «ضربت "إما" زيدًا و"إما" عمرًا» تجدها أول، قبل المعطوف عليه عرية عن العطف، وتجد "الواو" ثانية قد دخلت عليها وهي حرفُ عطفٍ فلا يجتمع حرفا عطف.
والصحيح أنها حرف عطف وهو نص الصيمري في تبصرته لأنه قال: وإنما دخلت "إما" الأولى لتؤذن أن الكلام مبني على ما لأجله جيء بها، ودخلت "الواو" ثانية تنبئ بأن "إما" الثانية هي الأولى، قال: لا يصح أن تكون "الواو" عاطفة للكلام لأنه فاسد، لأن "الواو" مشتركة لفظًا ومعنى، والكلام الذي فيه "إما" ليس على ذلك بل على المخالفة من جهة المعنى.
وهو الذي ذكر الصيمري هو الحق، وهو ظاهرُ مذهب سيبويه ومذهب أئمة المتأخرين المحذقين كأبي موسى الجزولي وغيره، وفيه الردُّ على أبي علي وأتباعه ضرورةً.
ولها في الباب أربعة معانٍ: معنيان في الطلب ومعنيان في الخبر،
فاللذان في الطلب هما التخيير، كقول: «كل "إما" سمكًا و"إما" جبنًا»، والإباحة، كقولك: «خذ "إما" دينار ذهبٍ و"إما" نصفي دينار»، ومنه قوله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء}.
والفرق بينهما أن المأمور، "له" أن يجمع بين الشيئين في الإباحة وليس له ذلك في التخيير.
والمعنيان اللذان في الخبر الشك، كقول: قام "إما" زيدٌ و"إما" عمروٌ، وتمثيل الإبهام كذلك، إلا أن الفرق بينهما أن المخبر في الشك لا يعلم من فعل الفعل، وفي الإبهام يعلمه ويريد الاستبهام على السامع.
وأكثر "ما" تكون مكسورة "الهمزة" كما تقدم، وقد جاء فتحها كما قال الشاعر:
تنفحها أما شمال عرية .... وأما صبا جنح الظلام هبوب
هكذا روي بفتح "الهمزة" فيها، وقد جاء فيها قلب "ميمها" الأولى "ياءً" تخفيفًا كما فعل بـ "أما" في الباب [قبل هذا]، قال الشاعر:
.... .... .... ........ أيما إلى جنةٍ أيما إلى نار
وهو قليلٌ من جهة ما ذكرنا، ومن جهة [حذف] "الواو" قبل الثانية، كما جاء حذف "ما" منها ضرورةً، قال الشاعر.
.... .... .... .... .... فإن جزعا وإن إجمال صبر
والتقدير: "فإما" تجزع جزعًا ، و"إما" تتخذ إجمال صبرٍ، والأكثر أيضًا فيها أن تكرر، وقد جاءت دون تكرار، قال الشاعر:
تهاضُ بدارٍ قد تقادم عهدها .... وإما بأمواتٍ ألم خيالها
وقد نابت "إن" الشرطية و"لا" النافية مناب الثانية وهو قليل، قال الشاعر:
فإما أن تكون أخي بحقٍ .... فأعرف منك غثي من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني .... عدوًا أتقيك وتتقيني
و"أما" قول الشاعر:
فإما تريني ولي لمةُ ..... فإن الحوادث أودى بها
وقوله:
فإما تريني لا أغمض ساعةً .... من الليل إلا أن أكب فانعسا
وقوله تعالى: {فإما ترين من البشر أحدًا} فليست "إما" هذه من الباب وإنما هي التي للشرط دخلت عليها "ما" الزائدة للتوكيد ولذلك انجزم ما بعدها من ...، ودخلت "النون" على الفعل في الآية للتوكيد مشددةً، وحذفت في البيتين "النون" التي للرفع للجزم، وأُعل على ما يقتضيه تصريف «رأى» ويجوز حذف "ما" في هذه، وتبقى "إن" الشرطية، فليست من الباب فاعلمه). [رصف المباني: 100 - 103]


رد مع اقتباس