الموضوع: أمَّا وإمَّا
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 08:20 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح ابن نور الدين الموزعي(ت: 825هـ)

"أمَّا" المفتوحة المشددة
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "أمَّا" المفتوحة المشددة فإنها قد تبدل "ميمها" "ياء" استثقالًا للتضعيف كقول عمر بن أبي ربيعة.
رأت رجلًا أيما إذا الشمس عارضت .... فيضحى وأما بالعشي فيخصر
وهي على ضربين مفردة ومركبة:
"فأما" المفردة فإنها كلمة إخبار لابد في جوابها من "فاء" لما فيها من معنى الجزاء، وترتفع بعدها الجملة على الابتداء والخبر، ولا تدخل "الفاء" على خبر الابتداء إلا بعد "أمَّا" أو ما كان فيه معنى الجزاء كقولك: الذي يقوم فله درهم، وقد تحذف "الفاء" في الضرورة قال الشاعر:
أما القتالُ لا قتال لديكم .... ولكن سيرًا في عراض المواكب
وقد تحذف في الندور أيضًا كما ورد: «"أما" بعد "ما" بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله».
وتدل على ثلاثة معان: الشرط، والتفصيل، والتوكيد.
"أما" الشرط فلملازمة "الفاء" جوابها.
و"أما" التفصيل: وهو غالب أحوالها، كقول الله سبحانه: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلًا}، وكقوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر}، {وأما الغلام}، {وأما الجدار}.
وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر، كقوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربكم وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضلٍ ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا}، و"أما" الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا.
و"أما" التوكيد: فقال ابن هشام: «لم أر أحدًا أحكم شرحه غير الزمخشري فإنه قال: "أمَّا" في الكلام تعطيه فضل توكيد، تقول: زيدٌ ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب قلت: "أما" زيد فذاهب».
وزعم أنه مستخرج من كلام سيبويه ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التفسير يدل على فائدتين:
بيان كونه توكيدًا وأنه في معنى الشرط.
و"أما" المركبة: فهي التي في نحو قولك: "أمَّا" أنت منطلقًا انطلقت معك، فإنها مركبة من حرفين "أن" و"ما"، أدغمت "النون" في "الميم".
قال سيبويه: تقديره لأن كنت سائرًا سرت معك، فحذفت كان من اللفظ اختصارًا وأضمرت فانفصل الضمير فزيدت ما عوضًا منها وأنشد سيبويه:
أبا خراشة أما أنت ذا نفرٍ .... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
وهذه المركبة لا تكون بهذا المعنى إلا وهي مفتوحة، والفعل واجب الحذف بعدها في قول سيبويه بخلاف "إمَّا" المكسورة المركبة فإنه لا بد من ذكر الفعل بعدها لأنها شرطية، ولابد من ذكر الفعل في الجزاء.
والمبرد يُجوز ذكر الفعل فيقول: "أما" كنت منطلقًا انطلقت، كما كان قبل "ما" وأما "أمّا" في قوله تعالى: {أماذا كنتم تعملون} فإنها "أم" المنقطعة أدغمت "الميم" في مثلها من "ما" الاستفهامية وليست مما مضى). [مصابيح المغاني: 137-140]

"إمَّا" المكسورة المشددة
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "إمَّا" المكسورة المشددة:
فإنها تأتي على وجهين: مركبة وغير مركبة.
أما المركبة: فهي أن تكون مركبة من "إن" التي للجزاء ومن "ما"، وتليها "نون" التأكيد كقوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم} وقوله تعالى: {وإمَّا تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء}، وقد يأتي الجزاء بغير "نون"، قال الأعشى:
إمَّا ترينا حفاةً لا نعال لنا .... إنا كذلك ما نحفى وننتعل
وأما التي ليست بمركبة فنحو قولك: جاءني "إمَّا" زيد و"إمَّا" عمرو، وهي حرف عطف عند أكثر النحاة أعني الثانية، وأما الأولى فغير عاطفة بالاتفاق، وزعم يونس والفارسي وابن كيسان وابن برهان أنها غير عاطفة كالأولى ووافقهم ابن مالك لملازمتها "الواو" العاطفة غالبًا.
وفيها لغات: الكسر مع التشديد وهو أشهرها وقد تفتح "همزتها"، وقد تبدل "ميمها" الأولى "ياء" ... قال الأحوص:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ..... أيما إلى جنةٍ أيما إلى نار
فالبيت شاهد على فتح "الهمزة" وعلى إبدال "الميم" "ياء" وشاهد أيضًا على تجردها من "الواو" وإن كان الغالب مصاحبتها.
قالوا: وقد تحذف "ميمها"، قال النمر بن تولب يصف الوعل:
ولو كان من حتفه ناجيًا ..... لكان هو الصدع الأعصما
سقته الرواعد من صيفٍ ..... وإن من خريفٍ فلن يعدما
معناه: سقته الرواعد من مطر الصيف الذي هو قليل، وأما في الخريف العام فلن يعدم السقي، وقال الأصمعي: "إن" هنا بمعنى الجزاء أراد وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، واختاره المبرد وقال: لأن "إمَّا" تكون مكررة وهذه لم تتكرر، وضعف هذا بأنه إنما أراد وصفه بالري على كل حال، ولو كان للجزاء لعدم الري الذي قصده الشاعر.
وجعلها أبو عبيدة زائدة، ويضعفه عندي ما في "الفاء" من الدلالة على الربط والتعليق وعدم الإلغاء، والذي يظهر لي أنها بمعنى "أما" المفتوحة المشددة التي لا تكرار فيها، وفيها معنى التأكيد والعموم فيكون المعنى: ومهما يكن من خريف فلن يعدم الري.
وأما "إمَّا" المكسورة فليس شيء من معانيها يقتضي الجواب "بالفاء"، هذا ما ظهر لي ولعله مراد سيبويه، ولكن لم ينقله النحاة في الكلام على "إمَّا" المكسورة المكررة، فلينظر لذلك فليس كتاب سيبويه عندي فإن كان صوابًا فمن الله والحمد لله وإن كان خطأ فمني واستغفر الله الغفور الرحيم.

ولإمَّا المكسورة من المعاني خمسة أقسام:
الأول: الشك، نحو جاءني "إمَّا" زيد و"إمَّا" عمرو إذا لم تعلم الجائي منهما.
الثاني: الإبهام كقوله تعالى: {وآخرون مرجون لأمر الله إمَّا يعذبهم وإمَّا يتوب عليهم}.
الثالث: التخيير كقوله تعالى: {إمَّا أن تعذب وإمَّا أن تتخذ فيهم حسنًا}.
الرابع: الإباحة: تعلم "إمَّا" فقهًا و"إمَّا" نحوًا، ونازع في هذا المعنى جماعة مع إثباتهموه "لأو".
الخامس: التفصيل نحو قول الله سبحانه: {إنا هديناه السبيل إمَّا شاكرًا وإمَّا كفورًا}، وأجاز كون "إمَّا" هذه هي "إن" الشرطية و"ما" الزائدة هكذا ذكره ابن هشام عنهم، وكذا ذكر غيره في الآية أن الفراء قال: معناه: إنا هدينا السبيل "إن" شكر و"إن" كفر يكون للشرط و"ما" زائدة.
وقال غيره من البصريين أن "إمَّا" ههنا بمعنى التخيير، أراد: هديناه السبيل وخيرناه.
وقد يجوز أن تأتي "بأما" غير مكررة إذا كان في الكلام عوض من تكريرها
تقول: "إمَّا" أن تكلمني بخير و"إلا" فاسكت، المعنى: "إمَّا" أن تكلمني و"إمَّا" أن تسكت، قال المثقب العبدي يخاطب عمرو بن هند الملك:
فإما أن تكون أخي بصدقٍ..... فأعرف منك غثي من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني .... عدوًا أتقيك وتتقيني
قال الفراء: وقد حذفت العرب "إمَّا" السابقة وهي تعني بها "أو"، وأنشد:
تُلم بدارٍ قد تقادم عهدها .... وإمَّا بأمواتٍ ألم خيالها
أراد: "أو" بأموات.
والحاصل أنها بمنزلة "أو" في العمل على خلاف بين النحاة، وبمنزلتها في المعنى اتفاقًا، إلا من وجه فإن "إمَّا" تبني الكلام من أول الأمر على ما جيء به لأجله من شك وغيره، ولذلك وجب تكرارها، وعدم تكرارها قليل.
"واو" يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك أو غيره ولهذا لم تتكرر). [مصابيح المغاني: 140 - 146]


رد مع اقتباس