عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 ذو الحجة 1438هـ/9-09-2017م, 11:17 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)
الباب الثالث: في الحروف الثلاثية
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الثالث: في الحروف الثلاثية، ولما كان بعضها حرفًا محضًا وبعضها مشتركًا بين الأسماء والحروف كان هذا الباب ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الحروف المحضة، وهي خمسة عشر حرفًا: "أيا"، و"هيا"، و"آأي"، و"ألا"، و"أما"، و"إذن"، و"إلى"، و"إن" المكسورة "الهمزة" المشددة "النون"، و"أن" المفتوحة "الهمزة" المشددة "النون"، و"ليت"، و"نعم"، و"بلى"، و"ثم"، و"رب"، و"سوف"). [جواهر الأدب: 165]

الفصل السابع: حرف "إن" المكسورة "الهمزة" المشددة "النون"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل السابع: من النوع الأول من الحروف الثلاثية المحضة «حرف "إن"» المكسورة "الهمزة" المشددة "النون" هو من الحروف المشبهة بالفعل، وهي عند الجمهور ستة، قال في الأغراب: عدها القدماء خمسة، والمتأخرون ستة بإضافة "أن" المفتوحة، وقيل: هي المكسورة فتحت لعارض، فلا يوجب تكثيرًا، كما لا يوجبه تعدد لغات لعل، قالوا: فإذن يجب طرح كأن؛ لأنها "إن" المكسورة دخلت عليها كاف التشبيه إذا أصلها في كان زيدًا أسد "أن" زيدًا كالأسد، قدمت "الكاف" لتنويع الكلام كالتمني وغيره، فيعلم ابتداء أنه تشبيه كما سيأتي في فصله، وأجيب بالفرق، وذلك أن فرعية كأن نسخت وصارت بجملتها أصلًا للتشبيه، ولذه استغنى "الكاف" عما يتعلق به بخلاف المفتوحة، فإن تفريعها حكمه باق، ولذلك عطفت على اسمها بالرفع كالمكسورة، وسيأتي مفصلًا، وإنما عملت هذه الحروف لمشابهتها الفعل لفظًا بكونها مبنية على الفتح، ولحوق "نون" الوقاية بها عند دخولها على "ياء" المتكلم وبناء صيغتها من ثلاثة أحرف فصاعدًا، ولزومها الأسماء والمتعدي معنى، لأن معنى "أن" و"إن" أكدت وكان شبهت، ولكن استدركت وليت تمنيت، ولعل ترجيت، ولقوة انعقاد الشبه بينهما اقتضت معمولين منصوبًا و"بأو" مرفوعًا، قال في المفصل: فشبه منصوبها بالمفعول ومرفوعها بالفاعل، وقدم المنصوب على المرفوع عكس معمول الفعل، قيل: حطا للفرع عن أصله.
قلت: فهذا يقتضي وجوب تقديم المنصوب "بما" الحجازية على مرفوعها بالأولى، بل العلة أنها بشدة المشابهة قويت على التصرف بالتقديم والتأخير دون "ما" لضعف شبهها بالفعل بالنسبة إلى هذه الأحرف.
وسيأتي البحث عن كل في فصله واستقصاء البحث عن جملتها في لكن ليكون خاتمًا لمباحث الأبواب الخمسة، وليعلم أن "أن" هذه لا تغير معنى الجملة فلا تنقلها من الإخبار إلى الإنشاء، كما "ما" عدا باقي أخواتها، ولا من التركيب إلى الإفراد "كأن"، وإنما تدخل على الأخبار الساذجة والجمل الابتدائية لتأكيد مضمونها لا غير، فتقول في زيد قائم: "إن" زيدًا قائم، ليرتفع الكلام، ويتأكد، ولذلك يتلقى بها القسم ويتعين كسر "همزتها" في اثني عشر موضعًا:
أحدها: إذا وقعت مبتدأ بها سواء كانت في أول كلام المتكلم، كقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، أو وسطه إذا كان ابتداء كلام آخر نحو: أكرم زيدًا "إنه" فاضل، فقولك: "إنه" فاضل، كلام مستأنف وقع علة لما تقدمه، ومنه قوله تعالى: {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعًا}.
وثانيها: بعد القول ومتصرفاته المجرد عن معنى الظن نحو: قال زيد "إن" عمرًا منطلق، وكقوله تعالى: {قل إنما أنا بشرٌ مثلكم}.
وثالثها: بعد الموصول، كقوله تعالى: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة}.
ورابعها: جوابًا للقسم، كقوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}.
وخامسها: إذا دخل "اللام" في خبرها، كقوله تعالى: {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}.
وسادسها: وقوعها مفعولًا ثانيًا لعلمت، نحو: علمت زيدًا "أنه" قائم.
وسابعها: وقوعها خبرًا "لكان"، نحو: كان زيد "أنه" منطلق.
وثامنها: وقوعها خبرًا عن نفسها، والاسم الذي قبله جثة نحو: "إن" زيدًا "إنه" قائم، وكقوله تعالى: {إن الذبن آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم}، وقوله: "إن" الخليفة "أن" الله سربله؛ إذ لو فتحت للزم الإخبار بالحدث عن الجثة.
وتاسعها: وقوعها في موضع الحال نحو: جاء زيد و"أنه" ضاحك، لا يقال: يجوز هنا الفتح بتأويل المصدر لوقوعه حالًا كوقوع المصدر الصريح حالًا دون المأول به لودود "الواو".
وعاشرها: وقوعها بعد "حتى" الابتدائية، نحو: جاء الحاج "حتى" "إن" المشاة قد قدموا.
وحادي عشرها: وقوعها بعد "ألا" للتنبيه، كقوله تعالى: {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم}، وقوله تعالى: {ألا إنهم هم السفهاء}.
وثاني عشرها: وقوعها بعد "أما"، كذلك نحو: "أما" "إن" زيدًا قائم، وإنما تعين كسر "الهمزة" في هذه المواضع المعدودة لوقوعها في الكل مبتدأ بها عند التحقيق.

تذنيب: قد تجيء "إن" بمعنى "نعم"، وهي أحد أحرف الإيجاب الستة، ومنه قوله:
قالوا: أغدرت فقلت إن وربما..... نال المنى وشفى الغليل الغادر
وقول ابن الزبير للأعرابي: "إن" وراكبها أي "نعم"، وأما قوله:
ويقلـــــــــــــن شيب قد عــــــــــــــــلا ...... ك وقد كبرت فقلت إنــــــــــــــــــــــه
فليس بنص في كونها بمعنى "نعم"، بل يحتمل أن تكون بمعناها الأصلي، و"الهاء" لبيان الحركة، و"أن" تكون على بابها و"الهاء" الاسم والخبر محذوف، أي "أنه" ذلك، واعلم أنها لم ترد بغير هذين المعنيين، والواردة بمعنى الماضي والأمر والنفي ليست من أنواعها؛ لأن مطابقتها لهذه في اللفظ بعد التغيير فلا يكون الأصل واحدًا وقد مر اشتراطه).[جواهر الأدب: 171 - 173]

الفصل الثامن: حرف "أن" المفتوحة "الهمزة" المشددة "النون"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الثامن: من النوع الأول من الحروف الثلاثية المحضة هو حرف "أن" المفتوحة "الهمزة" المشددة "النون" أيضًا، وهي من الحروف المشبهة بالفعل، ولها جهة شبه ليست لأخواتها، وهي موافقتها له لفظًا، نحو: "أن" زيد، من الأنين.
وفائدتها: التوكيد والتحقيق كالمكسورة، لكنها تقلب الجملة مفردًا، فيكون خبرها مصدرًا مضافًا إلى اسمها عند التأويل، فقولك: بلغني "أنك" قائم، في تقدير قيامك.
قال الرضي: وكذلك إن كان الخبر جامدًا نحو: بلغني "أنك" زيد، في تقدير زيديتك؛ لأن "ياء" النسب إذا لحقت آخر الاسم وبعدها "التاء" أفادت معنى المصدر نحو: الفرعية والمضروبية والضاربية، وكذلك بلغني "أن" زيدًا في الدار، أي: حصول زيد في الدار؛ لأن الخبر في الحقيقة حاصل المقدر، وعلى هذا يتفرع فتح "همزتها" فيتعين في كل موضع احتاج فيه الكلام إلى مفرد،
وذلك في عشرة مواضع:
منها: أن يحتاج إلى فاعل كقوله تعالى: {أولم يكف بربك أنه على كل شيء قدير}، أو نائب عنه، كقوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفرٌ من الجن}.
ومنها: أن يحتاج إلى مفعول نحو: كرهت "أنك" جاهل.
ومنها: أن يحتاج إلى مبتدأ وأبدًا يتقدم الخبر عليه، كقوله تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة}.
ومنها: أن يحتاج إلى مضاف نحو: ما رأيته مذ "أن" الله خلقني.
ومنها: أن يقع بعد "لولا" الدالة على امتناع الشيء لوجود غيره، كقوله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين}، لوقوعها موقع المبتدأ وحده والخبر لا يظهر لسد الجواب مسده.
وقيل: فتحت بعد "لولا" لما أمن من دخول المكسورة عليه؛ لأن "أن" يقطع ما بعدها عما قبلها و"لولا" تفتقر إلى جواب فتنافيا فحصل الأمن، والمفهوم من فحوى كلام أبي علي رحمه الله أن ترفع "أن" هنا بالظرف المقدر خبرًا، كأنه يقول: "لولا" في الوجود "أنك" قائم.
وقال في التذكرة: في هذه المسألة دليل على صحة قول الأخفش في قولك: ظننت "أن" زيدًا قائم "أن" المفعول الثاني محذوف لأنا لو قلنا: إن "أن" مع ما بعدها سد مسد الخبر والمخبر عنه، لكان يؤدي إلى ظهور الخبر بعد "لولا"، وذلك لا يجوز.
قال والدي رحمه الله: ومنعه ابن الدهان، وليس منعه متوجهًا، بل جوابه منع أنه إذا سد مسده يدل على جواز ظهوره.
قلت: لا يخفى ضعف هذا أيضًا.
ومنها: أن تقع بعد "لو" الامتناعية، كقوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام}؛ لأنها في محل فاعل فعل محذوف دل عليه "لو".
ومنها: أنه إذا كانت معطوفة على اسم أو ما يأول به، كقوله تعالى: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}، ففتح "أنك" لكونه معطوفًا على {أن لا تجوع}.
ومنها: أنها إذا أبدلت من الاسم، كقوله تعالى: {وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين أنها لكم}، ففتح "الهمزة" بإبدال أنها لكم من إحدى الطائفتين، وقرئ قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} بفتح الأولى؛ لأنها بدل، وكسر الثانية على تقدير الجملة عن نافع وفتحهما الأولى لذلك، والثانية على أنها مبتدأ محذوف الخبر عن ابن عامر وعاصم، وكسرها على أنهما في صدري جملة عن الباقين.
منها: أنه إذا كانت خبر مبتدأ، كقوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} في قراءة من شدد.
ومنها: إذا وقعت بعد "ظننت" وأخواتها مجردة عن "اللام" نحو: ظننت "أن" زيدًا منطلق، وجعل الأخفش فتحها لوقوعها موقع المفعول الأول والثاني محذوف، وهذا يستلزم وجوب حذف الخبر من غير ضرورة، وسيبويه جعلها سادة مسد المفعولين، ولا يلزم كسرها لوقوعها في موضع الجملة المقتضية للكسر؛ لأن الجملة هنا في حكم المفرد لانتضاب جزئيها بالفعل، والجمل المستقبلية لا تغيرها العوامل.
ومنها: أن يقع بعد جملتها مستثنى، وكلمة الاستثناء بيد فإنها لازمة للنصب على الظرفية مضافة إلى "أن" المفتوحة، ولا تقطع إلا ضرورة، ولا يستثنى بها إلا المنقطع، ومنه قوله عليه السلام: «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش».

فائدة: لتكميل العائدة يتفرع على وجوب كسر "الهمزة" عند اقتضاء الكلام جملة، وفتحها عند اقتضائه مفردًا أن الكلام إذا كان ذا جهتين على سبيل البدلية يقتضي بإحداهما جملة وبالأخرى مفردًا، يجوز في "الهمزة" الكسر والفتح وذلك في مواقع:
أحدها: إذا وقعت بعد "فاء" الجزاء، كقولك: من يكرمني "فإني" أكرمه، بكسرها نظرًا إلى دخولها على صدر الجملة تقديره، "فأنا" أكرمه، وبفتحها نظرًا إلى أنها مع جزئيها مبتدأ محذوف الخبر، أي: فإكرامي له ثابت.
وثانيها: بعد "إذا" الفجائية زمانية كانت أو مكانية نحو: رأيت زيدًا "فإذا" "إنه" جالس، ومنه قوله:
وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا .....إذا أنه عبدًا القفا واللهازم
الكسر على تأويل: "فإذا" هو جالس، و"إذا" هو عبدا القفا، والفتح على تأويل: "فإذا" جلوسه ثابت، و"إذا" عبوديته حاصلة، والعامل في "إذا" في البيت "ما" في عبد من معنى ذليل، ولا يلزم إعمال "ما" بعد "أن" فيما قبلها لتجرد الكلام عنها حينئذٍ.
وثالثها: إذا وليت "أن" "الواو" وذلك الدالين على تقرير الكلام السابق، كقوله: {هذا وإن للطاغين لشر مآب}، وقوله تعالى: {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين} فهذا خبر لمحذوف، أي: الأمر هذا، و"أن" بالفتح كذلك أي والأمر "أن" للطاغين بالكسر عطفًا للجملة المصدرة "بأن" على الجملة المحذوفة المبتدأ.
ورابعها: بعد "أما" نحو: "أما" "أنك" قائم، فالكسر على أنها للتنبيه، "كألا"، قال تعالى: {ألا إن عادًا كفروا ربهم}، والفتح على أنها بمعنى حقًا، قال في المسائل: إذا قلت: "أما" "إنك" منطلق، يجوز كسر "أن"؛ لأن "أما" يبتدأ بعدها، كما لو وقعت في ابتداء الكلام، ويجوز فتحها؛ لأنها تكون بمعنى "حقًا"؛ لأنه يستعمل للتأكيد، فكما تقول حقًا "إنك" منطلق بالفتح، فكذلك ههنا.
قلت: ومنه قوله: "أحقًا" "أن" أخطبكم هجاني.
قال الرضي: و"إن" قلنا: "إن" "أحقًا" في معنى الظرف، أي: أفي حق، كانت مبتدأ بها قال:
أفي حق مواساتي أخاكم ..... بمالي ثم يظلمني الشريس
وجعلها جماعة منهم ابن القواص فاعلًا، وكذا لو فصل بينهما بيمين نحو: "أما" والله "أنك" قائم، جاز الأمر أن الكسر على أنها استفهامية، والفتح على أنها بمعنى "حقًا".
قال الرضي: وكذا "حتى" إذا كانت ابتدائية وجب كسر "أن" بعدها، وإن كانت جارة أو عاطفة للمفرد فالفتح، نحو: عرفت أحوالك "حتى" "أنك" صائح وعجبت من أوضاعك "حتى" "أنك" تفاخر، وابن القواص وجماعة عدوها من جملة ما يجب الكسر بعدها، والحق عندي أن "حتى" "إن" كانت تحتمل الوجهين جاز الأمران، وإلا تعين الكسر أو الفتح؛ لأن التزام أن "حتى" تكون في كل تركيب ذات وجهين بعيد، وأنها للابتداء فقط أبعد، ولا يطرد هذا الجواب في الواقعة بعد مذ ومنذ وحيث، وإن وقع بعدها الجملة والمفرد؛ لأن الجملة بعدها أيضًا مجرورة المحل بالإضافة.
وخامسها: إذا وقعت بعد أول، نحو: أول قولي وأول كلامي.
قال الرضي رحمه الله: فالفتح على "أن" قولي مصدر مضاف إلى فاعله، وليس بمعنى المقول، والتقدير: أول قولي، أي أقوالي حمد الله، ولم يجمع؛ لأن المصدر لا يجمع إلا مع قصد الاختلاف، فيكون قد أخبر عن المصدر بالمصدر، والكسر على "أن" قولي بمعنى مقولي، أي: أول مقولاتي، ولم يجمع مع أنه بمعنى المفعول مراعاة لأصل المصدر، فالمعنى أول مقولاتي هذا القول، وهو "أني" أحمد لله، فيكون قد قال كلامًا أوله: "إني" أحمد الله، ثم أخبر عن ذلك كما تقول أول السورة: بسم الله الرحمن الرحيم، قال عليه السلام: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله» ولا يكون قوله: "إني" أحمد الله معمولًا للفظة قولي: "كيف"، و"ليس"، هو بمعنى المصدر، بل بمعنى المفعول، فهو كقولك: مضروبي زيد، فزيد مطلوب لمضروبي من حيث المعنى، وليس معمولًا له، وقال أبو علي رحمه الله: هو مصدر مضاف إلى الفاعل، و"إني" أحمد الله بالكسر مفعوله، وخبر المبتدأ محذوف، أي: أول قولي ونطقي بهذا الكلام ثابت، ورده المصنف- أي ابن الحاجب- أحسن رد، وذلك "أن" أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه، فيكون للفظه بهذا الاعتبار الحروف لفظ "الهمزة"، فيكون المعنى إذا صرحنا به تلفظي "بأني"، أو "بهمزة" "أني"، ثابت وهو خلف من الكلام، وغير مقصود للمتكلم إلى هنا لفظه بحسن تصرف.

تنبيه:
قد اختلفوا في: "لا جرم"، فالخليل وسيبويه على أن "لا رد" للكلام السابق، أو زائدة كما في: {لا أقسم} كما مر "لما" في جرم من معنى القسم، وجرم فعل ماض بمعنى حق، فإن بالفتح في نحو قوله تعالى: {لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة} فاعل، والفراء على أنها كلمة مفردة كانت في الأصل بمعنى: لابد ولا محالة، والجرم القطع، أي: لا قطع من هذا، كما أن لابد بمعنى: لا قطع، فكثرت وغلبت على ذلك حتى صارت بمعنى القسم لما فيها من التأكيد، ولذلك تجاب بما يجاب به القسم، فتقول: "لا جرم"، "لا انفك" و"لا حرم" لقد أحسنت إليك، و"لا جرم" "أنك" منطلق، و"لا جرم" "أنك" لقائم، واستشهد سيبويه رحمه الله في كتابه بقوله:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت .... فزارة بعدها أن يغضبوا
فجرمت مجردًا عن "لا"، بمعنى: حق، وفزارة فاعله، وأن يغضبوا بدل اشتمال منه، أي: حق غضب فزارة، وتمسك الفراء بأنه يروى عن العرب: "لا جرم"، والفعلان يشتركان في المصدر كالرشد والرشد، والبخل والبخل، فعلى ما تقرر يجوز فتح "همزة" "أن" بعد هذه الكلمة نظرًا إلى المعنى الأصلي وهو الأكثر، ومنه قوله تعالى: {لا جرم أن لهم النار} فإن فاعل، وجعل بعض المفسرين "أن" لهم مفعولًا تقديره "جرم" كفرهم "أن" لهم النار، كقوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} أي: "لا يجرمن" لكم، والكسر ملاحظة لمعنى القسم العارض، ولعروضه كان الكسر أقل من الفتح، وروى الكوفيون فيها لغات "لا جر" بإسقاط "الميم"، و"لا ذاجرم" بزيادة "ذا"، و"لا ذا جر" بزيادتها مع إسقاط "الميم"، و"لا أن ذا جرم" و"لا عن ذا جرم" بزيادة "إن" مع "ذا"، وبإبدال "همزة" "إن" "عينًا"، كما في قوله: "أعن" توسمت من خرقاء منزلة، أي: "أن".

تذنيب:
قال بعض الأفاضل، وتقول: شذ ما "أنك" ذاهب، وعزمًا "أنك" قائم بالفتح، فشذ، وعز فعلان مكفوفان "بما"، كقلما وطالما، وهما بمعنى حق، فمعنى شذ: ما "أنك" ذاهب حقًا "أنك"، أي في حق، إلا "أن" في لا تدخل على شذ وعز لكونهما في الأصل فعلين، ويجوز أن يكون مع "بئسما" معرفًا تامًا، كما هو مذهب سيبويه في "نعما" صنيعك، و"بئسما" عملك، لما تقرر أن جميع باب فعل يجوز استعماله استعمال "نعم" و"بئس"، وتقول: زيد فاسق كما "أن" عمرًا صالح، وليست "ما" هنا كافة كما هي في زيد صديقي، كما "أن" عمرًا صالح، وليست "ما" ههنا كافة، كما هي في: زيد صديقي، كما "أن" عمرًا أخي؛ إذ لو كانت كافة لوجب كسر "أن"، ولا يجوز إلا الفتح، فقال الخليل: "ما" زائدة و"أن" مجرورة "بالكاف"، ودليل زيادتها قولهم: هذا حق مثل "ما" "أنك" هنا، لكن التزموا هذه الزيادة كراهة أن يجيء لفظها مثل لفظ "كأن"، ومعنى زيد فاسق، كما "أن" عمرًا صالح، أي: هذا صحيح كصحة هذا، وتقول: حقًا "إنك" ذاهب، وجهد رأيي "أنك" قائم بالفتح لا غير؛ لأن المعنى في حق وفي جهد رأيي، وإذا جئت "بأما" فقلت "أما" حقًا "فإنك" ذاهب، و"أما" جهد رأيي "فإنك" قائم، فالكسر هو الوجه؛ لأنك تضطر مع "أما" إلى جعل الظرفين خبرين؛ لأن كما كنت مضطرًا إليه من دون "أما"، وذلك لأن معمول "ما" في خبران يتقدم عليها مع "أما" نحو: "أما" يوم الجمعة "فإنك" سائر، و"أما" زيدًا "فإنك" ضارب، ولا يتقدم عليها بدون "أما"، فاضطر إلى فتح "أن" مبتدأ وجعل الظرف المتقدم خبرًا، قال سيبويه: يجوز: "أما" في رأيي "فإنك" ذاهب، بالفتح، والوجه الكسر؛ لأنك غير مضطر إلى فتحها، وتقول: "أما" في الدار "فإنك" قائم بالكسر، إذا قصدت "أن" قيام المخاطب حاصل في الدار، و"أما" إذا أردت "أن" في الدار هذا الحديث، فإنه يجب الفتح، فتأمله، يحصل النجح والله أعلم). [جواهر الأدب: 174 - 179]


رد مع اقتباس