الموضوع: لا
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 01:44 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب: مواضع "لا"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "لا"
اعلم أن "لا" لها ثلاثة عشر موضعًا.
تكون: نهيًا، وخبرًا، وعطفًا، وتبرئة، ودعاءً، وجوابًا للقسم، وردًا في الجواب، وتوكيدًا للجحد، وصلة، ويقال: زائدة، وبمعنى
"لم" وبمعنى "غير" وبمعنى "ليس" ولتغيير الشيء عن حاله، وهي في كل ذلك حرف، إلا إذا كانت بمعنى "غير" فإنها اسم، لأن "غير" اسم.
فالنهي: «
"لا" تقم»، و«"لا" تقعد»، و«"لا" يقم زيدٌ»، و«"لا" يخرج عمرو»، وما أشبه ذلك.
والخبر: يكون للفعل المستقبل نحو قولك: «
"لا" أقوم و"لا" اذهب»، و«"لا" يقوم زيدٌ و"لا" يذهب»، و«"لا" تقوم و"لا" تذهب»، قال الله عز وجل: {لا يستأذنك الذين يؤمنون} بالرفع على الخبر، وقال: {سنقرئك فلا تنسى}، أي نزيل النسيان عنك، فلست تنسى على الخبر، وليس بنهي، ومثله قوله: {لا تنفذون إلا بسلطان}، رفع لأنه خبر وليس بنهي.
واعلم أن
"لا" نفي للفعل المستقبل، و"ما" نفي لفعل الحال والاستقبال جميعًا، فإذا قال القائل: «هو يفعل» يعني في المستقبل، قلت: «"لا" يفعل»، وإذا قال: «هو يفعل» يعني أنه في حال الفعل، قلت: «"ما" يفعل»، ولا تقول: «"لا" يفعل» لأن "لا" موضوعة لنفي الفعل المستقبل لا غير.
والعطف: كقولك: «قام زيدٌ
"لا" عمرو».
والتبرئة: كقولك: «
"لا" مال لزيدٍ»، ولا تدخل إلا على الاسم النكرة.
والدعاء: كقولك: «
"لا" قام زيد»، و«"لا" صنع الله لزيد»، و«"لا" يغفر الله لفلان»، و«"لا" يقطع ربي يدك»، فتجزم على الدعاء، وتقول: «"لا" نخرج معك أبدًا»، تريد: "لا" خرجنا معك أبدًا، وقال الفرزدق:
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد ..... لها أبدًا ما دام في الجراضم
فجزم «"فلا" نعد» على الدعاء، أراد "فلا" عدنا، و«الجراضم»: العظيم البطن.
وجواب القسم كقولك: «والله
"لا" أفعل كذا وكذا».
والرد في الجواب قولك:
"لا" كما تقول: "نعم" و"بلى"، و"لا" في الجواب ضدهما.
وتوكيد الجحد إنما يكون مع
"واو" النسق، كقولك: «"ما" قام زيدٌ "ولا" عمرو» فـ "لا" ها هنا توكيد للجحد، وليست بحرف عطف، إنما حرف العطف "الواو" وحدها، لأنه لا يجمع بين حرفي عطف، كما لا يجمع بين تأنيثين لأن أحدهما يغني عن الآخر.
والصلة كقوله عز وجل: {ما منعك أن لا تسجد}، معناه:
"ما" منعك أن تسجد، و"لا" صلة زائدة، قال: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}، معناه: "لا" تستوي الحسنة والسيئة، وقال: {لئلا يعلم أهل الكتاب}، معناه: لأن يعلم أهل الكتاب، و"لا" زائدة، وقال: {وحرام على قريةٍ أهلكناها أنهم لا يرجعون}، معناه أنهم يرجعون، و"لا" صلة، وقال: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}.
المعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، و
"لا" زائدة، ومن قرأها بكسر "إن" فإنه يجعل الكلام تامًا عند قوله: {وما يشعركم} ثم يبتدئ، {إنها إذا جاءت لا يؤمنون}، وتكون "لا" جحدًا.
وأما قوله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور}، فإن المعنى: و
"لا" الظلمات والنور و"لا" الظل والحرور، وكذلك قوله: {وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء} المعنى: و"ما" يستوي الأعمى والبصير، والذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء، وقد قال بعض النحويين: إن "لا" في قوله عز وجل: {لا جرم أن لهم النار} زائدة و«جرم» فعل ماضٍ معناه ثبت لهم وحق لهم، ويقول المفسرون هو بمعنى حقًا أن لهم النار، وقال الفراء: معناه "لا" بد، و"لا" محالة أن لهم النار، و«جرم» اسم منصوب بـ "لا" على التبرئة، وقال أبو العباس المبرد: إذا قلت: «"لا" محالة أنك ذاهب»، و«"لا"بد أنك ذاهب»، فـ "أن" في موضع رفع خبر الابتداء، كما تقول: «"لا" رجل أفضل من زيد».
فأما قوله عز وجل: {لا أقسم بيوم القيامة} و{لا أقسم بهذا البلد}، و{لا أقسم بالشفق}، {ولا أقسم برب المشارق والمغارب}، وما أشبه ذلك، فقال البصريون والكسائي وعامة المفسرين: إن معناه أقسم، و
"لا" زائدة، وأنكر الفراء هذا القول وقال: لا تكون "لا" زائدة في أول الكلام، وقال: إن "لا" في قوله: {لا أقسم بيوم القيامة}، رد لكلام من المشركين متقدم، كأنهم أنكروا البعث فقيل لهم: "لا"، ليس الأمر كما تقولون، ثم قال: {أقسم بيوم القيامة}، قال أبو بكرٍ بن الأنباري: فعلى مذهبه يحسن الوقف على "لا".
واحتج من قال بالمذهب الأول بقول العجاج:
في بئرٍ لا حورٍ سرى وما شعر.
قال: معناه في بئر حورٍ، أي: في بئر هلاك، و"لا" صلة.
وقال آخر:
وما ألوم البيض أن لا نسخرا ..... وقد رأينا الشمط القفندرا
معناه: أن تسخر، و"لا" زائدة، و«القفندر» القبيح المنظر.
وقال آخر: وهو الأحوص:
مخافة أن لا يجمع الله بيننا ..... ولا بينها أخرى الليالي الغوابر
معناه: أن "لا" يجمع الله بيننا وبينها، و"لا" زائدة ملغاة.
وقال الأحوص:
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه ..... وللهو داعٍ دائب غير غافل
معناه: أن أحبه، و"لا" زائدة، ومعنى «يلحينني» يلمنني، يقال: «لحاه يلحاه» إذا "لامه"، وقال الشماخ في مثله:
أعائش ما لأهلك لا أراهم ..... يضيعون الهجان مع المضيع
أراد: ما لأهلك أراهم يضيعون، و"لا" زائدة، ثم بينه بقوله:
وكيف يضيع صاحب مدفآت ..... على أثباجهن من الصقيع

لمال المرء يصلحه فيغني ..... مفاقره أعف من القنوع
وقد جاءت "لا" زائدة في الشعر كثيرًا.
وقد قرأ بعضهم: (لأقسم) فجعلها "لاًما" دخلت على «أقسم»، مثل: «لأحلف بالله ليكونن كذا وكذا».
وجواب القسم في (لأقسم) قوله: {إن علينا جمعه وقرآنه}.
وأما "لا" بمعنى "لم" فقوله عز وجل: {فلا صدق ولا صلى}، أي: "لم" يصدق و"لم" يصل، وكذلك قوله: {فلا اقتحم العقبة}، أي: "لم" يقتحم العقبة، ومن هذا قول القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل»، اي: من "لم" يأكل و"لم" يشرب، يعني الجنين، ومنه قول زهيرٍ:
وكان طوى كشحًا على مستكنة ..... فلا هو أبداها ولم يتقدم
أراد "فلم" يبدها و"لم" يتقدم، وقال آخر:
وأي خميس لا أفأنا نهابه ..... وأسيافنا يقطرن من كبشه دما
أي: "لم" نفئ نهابه.
قال أبو خراش الهذلي، وهو يطوف بالبيت:
إن تغفر اللهم تغفر جمًّا ..... وأي عبدٍ لك لا ألمَّا
أي: "لم" يلم بالذنوب.
وأما
"لا" بمعنى ليس فقولك: «"لا" رجل في الدار»، بالرفع والتنوين، بمعنى: "ليس" رجل في الدار، ومنه قوله تعالى: {ولات حين مناص}، أي: "ليس" حين فرار، و"التاء" زائدة في «لات».
وأما
"لا" بمعنى "غير" فقولك: «خرجت "بلا" زادٍ» أي بغير زادٍ، و«جئت "بلا" شيء»، و«غضبت من "لا" شيء»، و«أخذته "بلا" ذنب»، أي "بغير" ذنب، و"لا" ها هنا اسم لدخول حرف الخفض عليها، ومنه قوله تعالى: {إنها بقرة لا فارض ولا بكر}، معناه: "غير" فارضٍ و"غير" بكرٍ، وكذلك قوله: {زيتونة لا شرقية ولا غربية}، معناه: "غير" شرقية و"غير" غربية، وكذلك قوله: {وظل من يحموم لا بارد ولا كريم} معناه: "غير" باردٍ وغير كريم، وقال: {انطلقوا إلى ظلٍ ذي ثلاث شعب لا ظليل}، معناه: "غير" ظليل، وقال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، معناه: و"غير" الضالين، وهي قراءة بعض الصحابة.
وقال الأسود بن يعفر:
تحية من لا قاطعٍ حبل واصلٍ ..... ولا صارمٍ قبل الفراق قرينا
أراد تحية إنسان "غير" قاطعٍ حبل من يصله.
وتقول: «زيد
"لا" فارس و"لا" شجاع»، وتقول: «مررت برجلٍ "لا" فارسٍ ولا شجاعٍ»، و«"لا" فارس و"لا" شجاع» تريد "غير" فارس و"غير" شجاع، من خفضه جعله نعتًا لـ «رجل» والمعنى: "غير" فارسٍ و"غير" شجاعٍ، ومن رفع أضمر «هو» أراد "لا" هو فارسٌ و"لا" هو شجاع.
وتكون
"لا" بمعنى "ليس" إذا رفعت.
واعلم أنه قبيح أن تقول: «مررت برجلٍ
"لا" فارسٍ»، حتى تكرر "لا" فتقول: «"لا" فارسٍ و"لا" شجاعٍ» كذلك "لا" يحسن أن تقول: «زيدٌ "لا" فارسٌ» حتى تقول: «"لا" فارس و"لا" شجاع»، وقد يجوز على ضعفه في الشعر، قال الشاعر:
وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا ..... حياتك لا نفع وموتك فاجع
وأما "لا" لتغيير الشيء عن حاله فقولك: «"لو" جئتني لأكرمتك» فيكون معناها إن الإكرام انتفى لانتفاء المجيء، فإن زدت عليها "لا" فقلت: «"لولا" زيد لأكرمتك» تغير المعنى الأول فصار معناها أن الإكرام انتفى لحضور زيدٍ). [الأزهية: 149 - 162]


رد مع اقتباس