الموضوع: لا
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 23 ذو الحجة 1438هـ/14-09-2017م, 08:01 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("لا"
حرف، يكون عاملاً وغير عامل، وأصول أقسامه ثلاثة: "لا" النافية، و"لا" الناهية، و"لا" الزائدة.

فأما "لا" النافية فلها ثلاثة أقسام:
الأول: العاملة عمل "إن". وهي "لا" النافية للجنس. و"لا" تعمل إلا في نكرة. فإن كان مفرداً بني معها على الفتح، تشبيهاً ب خمسة عشر، نحو {لا ريب فيه}. وذهب الزجاج، والسيرافي، إلى أن فتحته فتحة إعراب، وأن تنوينه حذف تخفيفاً. وهو ضعيف. وإن كان مضافاً، أو شبيهاً به، نصب، ولم يبن، لئلا يلزم تركيب أكثر من شيئين. نحو: "لا" طالب علم محروم، و"لا" خيراً من زيد حاضر.
وذكر الشلوبين أنه لا خلاف في أن الخبر مرفوع ب "لا"، عند عدم تركيبها مع اسمها. وأما إذا بني الاسم معها فمذهب سيبويه أن الخبر مرفوع، بما كان مرفوعاً به قبل التركيب، و"لا" واسمها في موضع رفع بالابتداء. وذهب الأخفش، وكثير من النحويين، إلى أنها رفعت الخبر، مع التركيب، كما ترفعه مع عدم التركيب.
ويتعلق باسم "لا" هذه وخبرها أحكام، مذكورة في موضعها، من كتب النحو.
فإن قلت: قد تقدم أن الأصل، في الحروف، التي تدخل على الاسم تارة، وعلى الفعل تارة أخرى، أنها لا تعمل، و"لا" النافية من هذا القبيل، فكان حقها ألا تعمل! قلت: الجواب أن "لا" هذه لما قصد بها التنصيص على العموم اختصت بالاسم، لأن قصد
الاستغراق، على سبيل التنصيص، يستلزم وجود من لفظاً، أو معنى. ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات. فوجب ل "لا" عند ذلك القصد عمل فيما يليها.
فإن قلت: فلم عملت عمل "إن"؟ قلت: لمشابهتها لها، في التوكيد. فإن "لا" لتوكيد النفي و"إن" لتوكيد الإثبات. وقيل: إنما "لم" تعمل الجر، لئلا يعتقد أنه ب من المنوبة، فإنها في حكم الموجودة، لظهورها في بعض الأحيان. كقول الشاعر:
فقام، يذود الناس عنها، بسيفه ... وقال: ألا، لا من سبيل إلى هند
الثاني: العاملة عمل "ليس". ولا تعمل أيضاً إلا في النكرة، كقول الشاعر:
تعز، فلا شيء، على الأرض باقيا ... ولا وزر، مما قضى الله، واقيا
وقول الآخر:
نصرتك، إذ لا صاحب غير خاذل ... فبوئت حصناً، بالكماة، حصينا
ومنع المبرد، والأخفش، إعمال "لا" عمل "ليس". وحكى ابن ولاد، عن الزجاج، أنها أجريت مجرى "ليس"، في رفع الاسم خاصى، ولا تعمل في الخبر شيئاً. والسماع المتقدم يرد عليهم.
تنبيه
أجاز ابن جني إعمال "لا" عمل "ليس" في المعرفة. ووافقه ابن مالك. وذكره ابن الشجري، في قول النابغة الجعدي:
وحلت سواد القلب، لا أنا باغياً ... سواها، ولا في حبها متراخيا
والبيت محتمل للتأويل. قال ابن مالك: وقد قاس عليه المتنبي، في قوله:
إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى ... فلا الحمد مكسوباً، ولا المال باقياً
الثالث: النافية غير العاملة. ولها ثلاثة أنواع: عاطفة، وجوابية، وغيرهما.
فالعاطفة: تشرك في الإعراب، دون المعنى، وتعطف بعد الإيجاب، نحو: يقوم زيد "لا" عمرو. وبعد الأمر، نحو: اضرب زيداً "لا" عمراً. وبعد النداء، نحو: يا زيد "لا" عمرو. نص عليه سيبويه. وزعم ابن سعدان أن العطف ب "لا" على منادى ليس من كلام العرب، ولا يعطف بها بعد نفي، ولا نهي.
والمعطوف ب "لا" إما مفرد، وإما جملة لها محل من الإعراب، نحو: زيد يقوم "لا" يقعد. قال بعض النحويين: و"لا" يعطف بها فعل ماض على ماض، لئلا يلتبس الخبر بالطلب؛ لا تقول: قام زيد"لا" قعد. وقال غيره: ما جاء من نفي "لا" للماضي قليل، يحفظ، ولا يقاس عليه. وأجاز بعض النحويين: قام زيد "لا" قعد، إذا قرنت به قرينة تدل على أنه إخبار "لا" دعاء. ومنع قوم العطف ب "لا" على معمول فعل ماض، نحو: قام زيد "لا" عمرو. والصحيح جوازه؛ قال امرؤ القيس:
كأن دثاراً حلقت، بلبونه ... عقاب تنوفى، لا عقاب القواعل
وإذا وقع بعد "لا" جملة ليس لها محل من الإعراب لم تكن عاطفة. ولذلك يجب تكرارها، في نحو: زيد قائم "لا" عمرو قائم و"لا" بشر، لأن الجملة مستأنفة. ولذلك يجوز الابتداء بها.
والجوابية: نقيضة "نعم". كقولك "لا" في جواب: هل قام زيد؟ وهي نائبة مناب الجملة. وزعم ابن طلحة أن الكلمة الواحدة، وجوداً وتقديراً، تكون كلاماً، إذا نابت مناب الكلام. نحو "نعم" و"لا" في الجواب. وهو فاسد. وإنما الكلام هو الجملة المقدرة بعد "نعم" و"لا".
وأما النافية، غير العاطفة والجوابية، فإنها تدخل على الأسماء، والأفعال. فإذا دخلت على الفعل فالغالب أن يكون مضارعاً. ونص الزمخشري، ومعظم المتأخرين، على أنها تخلصه للاستقبال. وهو ظاهر مذهب سيبويه. وذهب الأخفش، والمبرد، وتبعهما ابن مالك، إلى أن ذلك غير لازم، بل قد يكون المنفي بها للحال.
قال ابن مالك: وهو لازم لسيبويه، وغيره من القدماء، لإجماعهم على صحة قام القوم "لا" يكون زيداً بمعنى: إلا زيداً. ومعلوم أن المستثني للاستثناء، والإنشاء لابد من مقارنة معناه للفظه، والاستقبال يباينه. وأجمعوا على إيقاعها في موضع ينافي الاستقبال. نحو: أتظن
ذلك كائناً أم "لا" تظنه؟ وما لك "لا" تقبل وأراك "لا" تبالي، وما شأنك "لا" توافق؟ وغر الزمخشري وغيره من المتأخرين قول سيبويه إذا قال: هو يفعل، أي: هو في حال فعل، فإن نفيه: ما يفعل. وإذا قال: هو يفعل، ولم يكن الفعل واقعاً، فإن نفيه: "لا" يفعل. وإنما نبه على الأولى، في رأيه، والأكثر في الاستعمال.
وقد تدخل "لا" النافية على الماضي قليلاً. والأكثر حينئذ أن تكون مكررة، كقوله تعالى: {فلا صدق، ولا صلى}. وقد جاءت غير مكررة، في قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}. وفي قول الشاعر: وأي شيء، منكر، لا فعله
وفي قوله: وأي عبد، لك، "لا" ألما قال الزمخشري: فإن قلت: قل ما تقع "لا" الداخلة على الماضي إلا مكررة - ونحو قوله: وأي أمر، سيئ، "لا" فعله "لا" يكاد يقع - فما بالها لم تكرر، في الكلام الأفصح. يعني قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}؟ قلت: هي مكررة في المعنى، لأن معنى "فلا" اقتحم العقبة: "فلا" فك رقبة، و"لا" أطعم مسكيناً؛ ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. وقال الزجاج: قوله {ثم كان من الذين آمنوا} يدل على معنى: "فلا" اقتحم العقبة، و"لا" آمن.
قلت: وذهب قوم إلى أن قوله تعالى "فلا" اقتحم تحضيض، بمعنى: "فألا". ذكره ابن عطية. وقيل: هو دعاء، والمعنى أنه ممن يستحق أن يدعى عليه بأنه "لا" يفعل خيراً.
وإذا دخلت على الأسماء فيليها المبتدأ، نحو: "لا" زيد في الدار و"لا" عمرة، والخبر المقدم، نحو {لا فيها غول، ولا هم عنها ينزفون}. ويجب تكرارها في ذلك. وكذلك يجب تكرارها إذا وليها خبر، نحو: زيد "لا" قائم و"لا" قاعد، أو نعت، نحو {زيتونة لا شرقية، ولا غربية}، أو حال، نحو: جاء زيد "لا" باكياً و"لا" ضاحكاً. وربما أفردت في الشعر، كقول الشاعر:
قهرت العدا، لا مستعيناً بعصبة ... ولكن بأنواع الخدائع، والمكر
وأما "لا" الناهية فحرف، يجزم الفعل المضارع، ويخلصه للاستقبال، نحو {لا تخافي، ولا تحزني}. وترد للدعاء، نحو {لا تؤاخذنا، إن نسينا، أو أخطأنا}. ولذلك قال بعضهم: "لا" الطلبية، ليشمل النهي وغيره، كما تقدم في "لام" الأمر.
وزعم بعض النحويين أن أصل "لا" الطلبية "لام" الأمر، زيد عليها "ألف"، فانفتحت. وزعم السهيلي أنها "لا" النافية، والجزم بعدها "بلام" الأمر مضمرة قبلها. وحذفت كراهة اجتماع "لامين" في اللفظ. وهما زعمان ضعيفان.

وأما "لا" الزائدة فلها ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون زائدة، من جهة اللفظ، فقط. كقولهم: جئت "بلا" زاد، وغضبت من "لا" شيء. ف "لا" في ذلك زائدة، من جهة اللفظ، لوصول عمل ما قبلها إلى ما بعدها. وليست زائدة، من جهة المعنى، لأنها تفيد النفي. ولكنهم أطلقوا عليها الزيادة لما ذكرنا.
وروي عن بعض العرب: جئت "بلا" شيء، بالفتح على تركيب الاسم مع "لا"، وجعلها عاملة. وهو نادر، لما فيه من تعليق حرف الجر عن العمل.
وحكى بعضهم، عن الكوفيين، أن "لا" في قولهم: جئت "بلا" زاد، اسم بمعنى "غير"، لدخول حرف الجر عليها، كما جعلت "عن" و"على" اسمين، إذا دخل حرف الجر عليهما. ورد بأن "عن" و"على" لم تثبت لهما الزيادة، فلذلك حكم باسميتهما، بخلاف "لا" فإنها قد ثبتت لها الزيادة.
الثاني: أن تكون زائدة، لتوكيد النفي. نحو: ما يستوي زيد و"لا" عمرو. وقد تقدم ذكر ذلك في الكلام على "الواو". ومنه قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم، ولا الضالين}، ف "لا" زائدة، لتوكيد النفي، قالوا: وتعين دخولها في الآية، لئلا يتوهم عطف الضالين على الذين.
الثالث: أن تكون زائدة، دخولها كخروجها. وهذا مما لا يقاس عليه. ومنه قول الشاعر:
تذكرت ليلى، فاعترتني صبابة ... وكاد ضمير القلب لا يتقطع
وأنشدوا، على ذلك، أبياتاً أخر. وأكثرها محتمل للتأويل. منها قول الشاعر:
أبى جوده لا البخل، واستعجلت به ... نعم من فتى، لا يمنع الجود قاتله
وقول الآخر:
ويلحينني، في اللهو، ألا أحبه ... وللهو داع، دائب، غير غافل
وقول الراجز:
ولا ألوم البيض، ألا تسخرا ... إذا رأين الشمط، المنورا
وتأول الزجاج قوله "لا" البخل، فقال: "لا" مفعولة، والبخل بدل منها. وروى عن يونس، عن أبي عمرو، أن الرواية فيه "لا" البخل، بخفض "اللام"، لأن "لا" قد تتضمن جوداً، إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات. وتأول قوله "ألا" أحبه على تقدير: إرادة "ألا" أحبه. قلت: وهو جار في البيت الثالث.
ومن زيادة "لا" قوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب}، أي: يعلم. نص على ذلك الأئمة. وجعل كثير منهم "لا" زائدة، في قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد}، وفي قوله تعالى: {وحرام على قرية، أهلكناها، أنهم لا يرجعون}. وتأول ذلك بعض المعربين، وهو أولى من دعوى الزيادة. والله أعلم). [الجنى الداني:290 - 303]


رد مع اقتباس