الموضوع: لَمَّا
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 12:15 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "لَمَّا"
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "لَمَّا"
اعلم أن "لَمَّا" المشددة لها في الكلام ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون جازمةً للفعل المضارع فتصير معناه للماضي كـ
"لم" المذكورة في الباب قبل هذا، وهي جوابٌ في التقدير لمن قال: قد فعل، ولذلك دخلت عليها "ما" كأنها عوضٌ من "قد" ولذلك تزيد على "لم" بالاستمرار في النفي، وتنفرد به دونها، ولذلك أيضًا يجوز الوقف عليها فتقول: شارف زيدٌ المدينة و"لما"، وتريد: يدخلها، فحذفت الفعل للدلالة عليه، وكأن "ما" عوض منه، ولمناظرتها لـ "قد" إذ يجوز الوقف عليها دون الفعل، نحو قوله:
.... .... .... .... .... لما تزل برحالنا وكأن قد
أي: زالت، ولا يجوز ذلك كله في "لم" قال الله عز وجل: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ}، وقال: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}، وقال الشاعر:
فإن أك مأكولًا فكن خير آكلٍ .... وإلا فأدركني ولما أُمزق
وحكمها في دخول "الهمزة" عليها في التقرير أو التوبيخ وحرف العطف بالتقديم والتأخير حكم "لا" فقس عليها.

الموضع الثاني: أن تكون بمعنى "إلا" كقولك: «إن ضربك "لما" زيدٌ»، أي: "إلا" زيد، قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ}، وقال تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} على قراءة من شدد "الميم" في جميعها وخفف "إن"، وقد قرئ ذلك كله أيضًا بالتخفيف، فيخرج عن هذا الباب.
وقد رد بعض النحويين "لما" من هذا الآيات إلى الموضع الأول، وأضمروا بعد [ها فعلا] فيكون من باب ما حذف بعده الفعل للعلم به، والتقدير: «يكن» وهذا التقدير يصح في بعض المواضع وقد لا يصح فيه، ففي قوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، «فتكون» مقدرة بعدها، و«حَافِظٌ» اسمها، وخبرها «عَلَيْهَا»، ويكون الحافظ هنا للملكين، فيكون ذلك للآدميين خاصة، والأظهرُ أن تكون "لما" بمعنى "إلا" ويكون المراد الآدميون وغيرهم والحافظ الله عز وجل.
وأما قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ}، فلا يصح تقدير "إلا" في موضع "لَمَّا" حتى يُقدر بعد "إن" فعلٌ، ينتصبُ "كل" به، التقدير: و"إن" ترى "كلًا" أو شبه ذلك، ويصح أن تكون "لَمَّا" من الباب قبل هذا، وتكون "إن" مخففة من الثقيلة، و"كلا" اسمها ويكون الفعل بعد
"لما" محذوفًا تقديره: «و"إن" "كلًا" "لما" ينقصون أعمالهم».
وأما قوله تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}، فلا يصح تقدير «يكون» [لـ] "لَمَّا" لبقائها بلا خبر ويختل السياق، وإنما يصح تقدير "لَمَّا" بمعنى "إلَّا" على أن تكون "إنْ" نافيةً، و«جَمِيعٌ» خبر "كل" و«مُحْضَرُونَ» خبر بعد خبر، ويكون المعنى: «و"ما" "كل" "إلا" محضرون جميعًا لدينا» ويصح أن تكون "إن" مخففة من الثقيلة، و"كل" مبتدأ، و"لَمَّا" على الباب قبل هذا ويُقدر بعدها فعل تقديره: «يترك» أو «يهمل» ويكون «جميع» خبر ابتداءٍ مضمر، أو مبتدأ خبره «محضرون»، وجاز الابتداء به لأنه في معنى العام.
فإن خُففت "الميم" من
"لما" فللآيات إعرابٌ آخر يطول ذكره، وقد استوعبه أبو علي الفارسي في «البصريات» وأبو محمد مكي في «مشكل إعراب القرآن».
وأما قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} فقرأه ابن مسعود «وَإن مِنَّا لمَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ»، فهذا نص على أن
"لما" بمعنى "إلا" وكذلك حكى اللغويون، ومثلوا: «"فلم" أر من القوم "لمَّا" زيدًا» بمعنى: "إلا" زيدًا، وإن يأتي من .... "لما"، وفي القرآن مواضع غيرُ ما ذكرت لك تحتمل التأويل، ولولا خوف التطويل لذكرتها هنا موضعًا موضعًا، لكن يُستدل بما ذكرت لك علم ما لم أذكره، إن شاء الله.

الموضع الثالث: أن تكون حرف وجوبٍ لوجوب نحو قولك: "لما" قمتُ أكرمتك و"لما" جئتني أحسنتُ إليك، هذا إذا كانت الجملتان بعدها موجبتين، فإن كانتا منفيتين كانت حرف نفي لنفيٍ نحو: "لمَّا" "لم" يقم زيدٌ "لم" يقم عمروٌ، وتكون حرف وجوبٍ لنفي إذا كانت الجملة الأولى منفية والثانية موجبة، نحو قولك: «"لما" "لم" يقم زيدٌ أحسنتُ إليك»، وبالعكس إذا كانت الأولى موجبة والثانية منفية نحو قولك «"لما" جاء زيدٌ "لم" أحسن إليك».
وفيها معنى الشرط أبدًا لا يفارقها ولا تدخل إلا على الماضي لفظًا أو معنًى، أو معنًى دون لفظٍ، نحو ما مُثل به.
وكونها حرفًا هو مذهب سيبويه وأكثر النحويين وأما أبو علي الفارسي فذهب إلى أنها اسمٌ بمعنى "حين"، وهي مبنيةٌ للزومها الجملة كـ "إذ" و"إذا" وكذلك قال فيها في قول الله تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا} أي: "حين" آمنوا، وكذلك قوله تعالى: {لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}، أي: "حين" رأوا بأسنا.
والأظهر مذهبُ الأكثرين لأن الاسمية فيها متكلفة والحرفية غير متكلفة، وككل مبنيٍ لازم للبناء فالحكم عليه بالحرفية إلا إن دلت دلائل مقوية له في حيز الأسماء، فـ
"لما" وإن كانت بمعنى "حين" لا يُخرجها هذا المعنى إلى الاسمية فإن من الحروف ما يتقدر بالأسماء وهو لازمٌ للحرفية، ومنها ما يتقدر بالفعلية وهو لازٌ للحرفية وقد تقدم منه شيء.
ومما يُضعف مذهب أبي علي الفارسي أنها لو كانت اسمًا بمعنى "حين" لكان الفعل الواقع جوابًا لها غير جزاء، وكان عاملًا فيها، ولزم من ذلك أن يكون الفعل واقعًا فيها، وأنت تقول: «
"لما" قمت أمس أحسنتُ إليك اليوم»، فدل على أنها ليست بمعنى "حين" فاعلمه.
وأما "إذ" و"إذا" فيتقوى فيهما طريقُ الاسمية من جهة طلب الفعل لهما طلب الظرفية، وبولايتهما تارةً للأسماء وتارةً للأفعال، وتحقيق الكلام عليهما ليس هذا موضعه). [رصف المباني:281 - 285]


رد مع اقتباس