الموضوع: حرف الواو
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 26 ذو الحجة 1438هـ/17-09-2017م, 07:00 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "الواو" وما أوله "الواو"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب "الواو" وما أوله "الواو"
"الواو" تنقسم إلى أحد عشر قسمًا:
الأولى: العاطفة، وهي لمطلق الجمع، ولا تدل على ترتيب ولا معية فإذا قلت جاء زيد "و" عمرو، احتمل أن يكون مجيء عمرو بعد زيد، ويحتمل أن يكون قبله، ويحتمل أن يكون معه، قال ابن مالك: وكونها للمعية راجح وللترتيب كثير ولعكسه قليل.
وقال الفراء، وقطرب، والربعي، وثعلب، وأبو عمر الزاهد، وهشام: تدل على الترتيب، ونسب ذلك إلى الشافعي.
وأكثر الناس على الأول، حتى ادعى السيرافي: أن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب.
قلت: ولم أعلم أحدًا من أهل اللسان والأصول قال: إنها للمعية إلا ما نقل عن إمام الحرمين في البرهان عن بعض الحنفية، نعم يحتمل الجمع والمعية في حال النفي، فإذا قلت: ما قام زيد "و" عمرو، احتمل نفي القيام عنها مطلقًا، واحتمل نفي القيام في حال اجتماعهما معًا، فإن أردت أن تخلصه للنفي أتيت بـ "لا" فقلت: ما قام زيد "و""لا" عمرو، ومنه قوله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم}.
وقولي: مطلق الجمع، أحسن من قول بعضهم: للجمع المطلق، فإنه قيد الجمع بالإطلاق وهو يخرج مثل قوله تعالى: {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}، فإن "الواو" لم تجمع بين الرج والرسالة جمعًا مطلقًا، ولو كان جمعًا مطلقًا لكانا معًا، بل بينهما أربعون سنة، وإنما أفادت مطلق الجمع.
وقد ترد العاطفة بعد ذلك لوجوه ثلاثة:
أحدها: أن تكون بمعنى: "مع"، كقولك: استوى الماء "و" الخشبة، وجاء البرد "و" الطيالسة، قال الشاعر:
فكنتُ وإياها كحران لم يفق .... عن الماء إذ لاقاه حتى تقددا
أي معها، ويلزم نصب الاسم المعطوف وحمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت والساعة كهاتين» وأشار إلى السبابة والإبهام.
الثاني: أن تكون بمعنى "أو"، إمَّا في التخيير أو في التقسيم أو في الإباحة، فأما التخيير فقاله بعضهم، وحمل عليه قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}، المعنى: "أو" ثلاث أو رباع، وقال الشاعر:
وقالوا نأت فاختر لها الصبر والبكا
قال: معناه: "أو" البكا؛ إذ لا يجتمع مع الصبر، وأجاب من رده: بأنه يحتمل أن يكون الأصل: فاختر من الصبر والبكا أحدهما، ثم حذف "من" كما في: {واختار موسى قومه}، ويؤيده أن أبا علي القالي رواه: بـ "من".
وأما التقسيم، فممن ذكره ابن مالك في التحفة، كقولك: الكلمة: اسم "و" فعل "و" حرف، وكقوله:
كما الناس مجروم عليه وجارم
قال ابن هشام: والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي؛ إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس.
وأما الإباحة، فقاله الزمخشري، وزعم أنه يقال: جالس الحسن "و" ابن سيرين أي أحدهما، وأنه لهذا قيل: {تلك عشرة كاملة}، بعد ذكر ثلاثة وسبعة لئلا يتوهم متوهم إرادة التخيير، وهذا فيه بعد.
الثالث: أن تكون بمعنى "الباء"، كقولهم: متى أنت "و" بلادي؟ والمعنى: متى عهدك ببلادك؟ وكقولك: بعت الشاء شاة "و" درهم، والمعنى: شاة بدرهم إلا أنك لما عطفته على المرفوع ارتفع بالعطف عليه.
الثانية: "واو" الاستئناف، فيرتفع ما بعدها على الاستئناف، كقوله تعالى:{لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء}، وكقوله تعالى:{واتقوا الله ويعلمكم الله}، ونحو: لا تأكل السمك "و" تشرب اللبن، إذا رفعت: تشرب، ومنه قول الشاعر:
على الحكم المأتي يومًا إذا قضى .... قضيته ألا يجور ويقصدُ
الثالثة: "واو" الحال، ويرتفع ما بعدها على الابتداء، وبعضهم يسميها "واو" الابتداء؛ لأن ما بعدها مبتدأ، والأقدمون يقدرونها بـ "إذ".
قال ابن هشام: ولا يريدون أنها بمعنى "إذ"؛ لئلا يرادف الحرف الاسم، بل إنها وما بعدها قيد للفعل السابق، كما أن "إذ" كذلك.
قلت: ويدل له كلام سيبويه فإنه قال: "الواو" ها هنا في موضع "إذ"، ولم يكن في معنى "إذ"، وذلك كقوله تعالى: {وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم}.
وقول الشاعر:
بأيدي رجالٍ لم يشيموا سيوفهم .... ولم تكثر القتلى بها حين سُلت
ولو قدرت عاطفة لانقلب المدح ذمًا.
ووهم مكي وأبو البقاء فقالا في الآية: "الواو" للحال، وقيل: بمعنى "إذ".
وزاد مكي: وقيل للابتداء، والثلاثة كلها بمعنى واحد.
الرابعة: "واو" الصرف، وهي الناصبة للفعل المضارع المعطوف على اسم قبله، كقول الشاعر:
للبس عباءة وتقر عيني .... أحب إلي من لبس الشفوف
وقوله تعالى: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}، وسماها الكوفيون "واو" الصرف: لصرفها المضارع عن جهة الأول.
والنصب "بأن" مضمرة بعدها لا بها عند البصريين خلافًا للكوفيين.
الخامسة: "واو" القسم، وينجر الاسم بعدها، كقوله تعالى: {والليل إذا يغشى}.
السادسة: "وا" "ورب"، وينجر الاسم بعدها أيضًا كقول امرئ القيس:
ومثلك حُبلى قد طرقت ومرضعا .... فألهيتها عن ذم تمائم محول
السابعة: الزائدة المقحمة، كقوله تعالى: {فاضرب به ولا تحنث}، أي: اضرب به لا تحنث، وهو أجود من حمله على النهي، وكقوله تعالى: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث}.
أثبتها الكوفيون والأخفش وجماعة، قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو: قولهم: ربنا "و" لك الحمد، فقال: يقول الرجل للرجل: بعني هذا الثوب فيقول: هو لك، وأظنه أراد: هو لك، انتهى.
وحمل على ذلك قوله تعالى:{حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} بدليل الآية الأخرى، وقيل: هي عاطفة، والزائدة "الواو" في:{وقال لهم خزنتها}، وقيل: هما عاطفتان، والجواب محذوف، أي: كان كيت وكيت، وكذا البحث في قوله تعالى:{فلما أسلما وتله للجبين وناديناه}، وقوله تعالى:{فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب}، ومن ذلك قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى .... بنا بطن خبت ذي قفافٍ عقنقل
"الواو" مقحمة في قوله: "و" انتحى، والتقدير: فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا فيكون جواب: فلما.
وكان أبو العباس محمد بن يزيد، ينكر أن يكون الشيء زائدًا مقحمًا لغير معنى في شيء من الكلام، ويقدر الجواب محذوفًا في الآيات وفي بيت امرئ القيس.
وقال أبو عبيدة: هو نسق، والجواب في قوله: هصرت، في البيت الثاني وهو:
هصرتُ بفودي رأسها فتمايلت .... علي هضيم الكشح ريّا المخلخل
وأنشد الفراء:
حتى إذا امتلأت بطونكم .... ورأيتم أبناءكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن لنا .... إن اللئيم الفاجر الخب
قلبتم: جواب "حتى" وأنشد الأخفش:
فإذا وذلك يا كبيشةُ لم يكن .... إلا كلمة حالمٍ بخيال
والثامنة: "واو" الثمانية، قال ابن هشام: ذكرها جماعة من الأدباء كالحريري ومن النحويين كابن خالويه، ومن المفسرين كالثعلبي، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا: ستة، سبعة، "و" ثمانية، إيذانًا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف، واستدلوا على ذلك بآيات من القرآن الكريم.
احداهن: قوله تعالى:{سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم} إلى قوله تعالى:{وثامنهم كلبهم}.
الثانية: قال في آية النار: {فُتحت}؛ لأن أبوابها سبعة، وفي الجنة:{وفتحت}؛ لأن أبوابها ثمانية.
الثالثة: قوله تعالى:{والناهون عن المنكر}؛ لأنه الوصف الثامن.
الرابعة: قوله تعالى:{وأبكارًا} في آية التحريم؛ لأنه الوصف الثامن.
ورد هذه وأنكرها وأجاب عن الآيات بجوابات جيدة.
أما الآية الأولى فقيل: "الواو" لعطف جملة على جملة؛ إذ التقدير: هم سبعة، ثم اختلف فقيل: الجميع كلامهم، وقيل: العطف من كلام الله تعالى، والمعنى: نعم هم سبعة "و" ثامنهم كلبهم، وأن هذا تصديق لهذه المقالة، كما أن{رجمًا بالغيب} تكذيب لتلك المقالة، ويؤيده قول ابن عباس رضي الله عنهما: «حين جاءت الواو انقطعت العدة» أي: لم تبق عدة يلتفت إليها.
وأما الآية الثانية: فلا دليل فيها؛ إذ ليس فيها ذكر عدد البتة وإنما فيها ذكر الأبواب، وهي جمع لا يدل على عدد خاص، ثم "الواو" ليست داخلة عليه، بل على جملة هو فيها، وقد مر أن "الواو" في: {وفتحت} مقحمة عند قوم وعاطفة عند آخرين، وقيل: هي "واو" الحال، أي: جاءوها مفتحة أبوابها كما جاء في:{جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب}، وهذا قول المبرد والفارسي وجماعة.
ويحتمل عندي أنها "الواو" الزائدة المؤكدة للوصف الثابت كقوله تعالى:{وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم}، قيل: وإنما فتحت لهم قبل مجيئهم إكرامًا لهم عن أن يقفوا حتى تفتح.
وأما الثالثة: فالظاهر أن العطف في هذا الوصف لخصوصية إنما كان من جهة أن الأمر والنهي من حيث هما متقابلان بخلاف بقية الصفات، أو لأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر، وهو ترك المعروف، والناهي عن المنكر آمر بالمعروف، فأشير إلى الاعتداد بكل من الوصفين وأنه لا يكتفى فيه بما يحصل في ضمن الآخر لدلالة "الواو" على المغايرة.
وأما الرابعة: فالصواب أن هذه "الواو" وقعت بين صفتين هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة، فلا يصح إسقاطها؛ إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة، و"واو" الثمانية عند القائل بها صالحة للسقوط، ثم إن{أبكارًا} صفة تاسعة لا ثامنة؛ إذ أول الصفات:{خيرًا منكن} لا مسلمات.
فإن أجاب بأن مسلمات وما بعده تفصيل لـ {خيرًا منكن}، فلم تعد قسمة لها.
قلنا: وكذلك {ثيباتٍ وأبكارًا} تفصيل للصفات السابقة فلا نعدهما معهن.
التاسعة: "الواو" الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها وإفادة أن اتصافه بها أمر ثابت.
وهذه "الواو" أثبتها أبو الحسن الهروي والزمخشري، كقولك: ما رأيت أحدًا إلا "و" عليه ثياب حسنة، وإن شئت قلت: إلا عليه ثياب حسنة، وكقول الله سبحانه:{وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم}.
وفي موضع آخر:{وما أهلكنا من قرية إلا ولها منذرون}، وقال الشاعر:
إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن .... سراجٌ لها إلا ووجهك أنور
فجاء "بالواو"، وقال آخر:
وما مس كفي من يدٍ طاب ريحها .... من الناس إلا ريح كفك أطيب
فحذف "الواو".
ورد هذا ابن هشام وزعم أنها "واو" الحال.
وليس كما زعم فبينهما فرق بيّن، "فواو" الحال لا يحسن سقوطها فلا تقول: جئتك الشمس طالعة ولا يجوز {يغشى طائفةً منكم وطائفة قد أهمتهم}، بخلاف هذه فإن لك أن تسقطها، والمعنى باقٍ مستقيم والله أعلم.
العاشرة: "واو" ضمير المذكور من الجمع السالم المرفوع، كالزيدون قاموا، وهي اسم، وقال المازني: حرف والفاعل مستتر، وتختص بجميع العقلاء، وقد تستعمل لغيرهم إذا نزلوا منزلتهم قول الله تعالى:{يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الهرة: «إنها من الطوافين عليكم والطوافات».
الحادية عشرة: "واو" علامة المذكورين في لغة طيء، أو أزد شنؤة، أو بلحارث، قال الشاعر:
يلومونني في اشتراء النخيل أهلي وكلهم ألوم
ومنه الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائة بالليل وملائكة بالنهار».
وهي عند سيبويه: حرف دال على الجماعة، كما أن "التاء" في قامت حرف دال على التأنيث، وقيل: هي اسم مرفوع على الفاعلية، ثم قيل ما بعده بدل منه، وقيل: مبتدأ والجملة خبر مقدم.
وهذا أمر مردود بنقل الأئمة أن ذلك لغة لقوم معينين، والبدل وتقديم الخبر لا يختص بالقوم المعينين). [مصابيح المغاني: 519 - 534]


رد مع اقتباس