عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 04:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم * والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم * ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم}
قوله تعالى: {الذين كفروا} الآية، إشارة إلى أهل مكة الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {والذين آمنوا} الآية، إشارة إلى الأنصار أهل المدينة الذين آووه، وفي الطائفتين نزلت الآية، قاله ابن عباس، ومجاهد. ثم هي بعد تعم كل من دخل تحت ألفاظها.
وقوله تعالى: {وصدوا عن سبيل الله} يحتمل أن يريد الفعل المجاوز، فيكون المعنى: وصدوا غيرهم، ويحتمل أن يكون الفعل غير متعد، فيكون المعنى: وصدوا أنفسهم، و"سبيل الله": شرعه وطريقه الذي دعا إليه، وقوله تعالى: {أضل أعمالهم} أي:
أتلفها، ولم يجعل لها غاية خير ولا نفعا، وروي أن هذه الآية نزلت بعد بدر، وأن الإشارة بقوله: {أضل أعمالهم} هي إلى الإنفاق الذي أنفقوه في سفرتهم إلى بدر، وقيل: المراد بالأعمال أعمالهم البرة في الجاهلية، من صلة رحم ونحوه، واللفظ يعم جميع ذلك.
وقرأ الناس: "نزل" بضم النون وشد الزاي، وقرأ الأعمش: "أنزل" معدى بالهمزة، وقوله تعالى: {وأصلح بالهم}، قال قتادة: معناه: حالهم، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: أمرهم، وقال مجاهد: شأنهم، وتحرير التفسير في اللفظة أنها بمعنى الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب، فإذا صلح ذلك صلحت حاله، فكأن اللفظة مشيرة إلى صلاح عقيدتهم، وغير ذلك من الحال تابع، فقولك: "خطر في بالي كذا" وقولك: "أصلح الله بالك"، المراد بهما واحد، ذكره المبرد، و"البال": مصدر كالحال والشأن، ولا يستعمل منها فعل، وكذلك عرفه أن لا يثنى ولا يجمع، وقد جاء مجموعا لكنه شاذ; فإنهم قالوا: بالات). [المحرر الوجيز: 7/ 638-639]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "كذلك" إشارة إلى الاتباع المذكور من الفريقين، أي: كما اتبعوا على هذين السبيلين كذلك يبين أمر كل فرقة، ويجعل لها ضربها من القول وصنفا، وضرب المثل مأخوذ من الضريب والضرب الذي هو بمعنى النوع). [المحرر الوجيز: 7/ 639]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم * يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم * والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم * ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}
قال ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، والسدي، والضحاك: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف التي في (براءة): فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وإن الأسر والمن والفداء مرتفع، فمتى وقع أسر فإنما معه القتل ولا بد، وروي نحوه عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وقال ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وعطاء ما معناه: إن هذه الآية محكمة مبينة لتلك، والمن والفداء ثابت، وقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمامة بن أثال، وفادى أسرى بدر، وقاله الحسن، وقال: لا يقتل الأسير إلا في الحرب، يهيب بذلك على العدو، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يفادي رجلا برجل، ومنع الحسن أن يفادوا بالمال، وقد أمر عمر بن عبد العزيز بقتل أسير من الترك ذكر له أنه قتل مسلمين، وقالت فرقة: هذه الآية خصصت من الأخرى بأهل الكتاب فقط، ففيهم المن والفداء، وعباد الأوثان ليس فيهم إلا القتل.
وعلى قول أكثر العلماء الآيتان محكمتان، وقوله تعالى هنا: {فضرب الرقاب} بمثابة قوله تعالى هناك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وصرح هنا بذكر المن والفداء، ولم يصرح به هناك وهو أمر مقرر، وهذا هو القول القوي.
وقوله تعالى: {فضرب الرقاب} مصدر بمعنى الفعل، أي: فاضربوا رقابهم، وعين من أنواع القتل أشهره وأعرفه فذكره، والمراد: اقتلوهم بأي وجه أمكن، وقد زادت آية أخرى: واضربوا منهم كل بنان، وهي من أنكى ضربات الحرب، لأنها تعطل من المضروب جميع جسده; إذ البنان أعظم آلة المقاتل وأصلها. وأثخنتموهم معناه: بالقتل. و"الإثخان" في القوم أن يكثر فيهم القتلى والجرحى، والمعنى: فشدوا الوثاق بمن لم يقتل ولم يترتب عليه إلا الأسر، و"منا" و"فداء" مصدران منصوبان بفعلين مضمرين. وقرأ جمهور الناس: "فداء"، وقرأ شبل عن ابن كثير: "فدى"، مقصورا.
وإمام المسلمين مخير في أسراه في خمسة أوجه: القتل أو الاسترقاق أو ضرب الجزية أو الفداء، ويترجح النظر في أسير أسر بحسب حاله من إذاية المسلمين أو ضد ذلك.
وقوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} معناه: حتى تذهب وتزول أثقالها، و"الأوزار" جمع وزر - الأثقال فيها والآلات لها، ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
وأعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالا وخيلا ذكورا
وقال الثعلبي: وقيل: الأوزار في هذه الآية الآثام، جمع وزر؛ لأن الحرب لا بد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين.
واختلف المتأولون في الغاية التي عندها تضع الحرب أوزارها، فقال قتادة: حتى يسلم الجميع فتضع الحرب أوزارها، وقال حذاق أهل النظر: حتى تغلبوهم وتقتلوهم، وقال مجاهد: حتى ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر الآية أنها استعارة يراد لها التزام الأمر أبدا، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها، فجاء هذا كما تقول: أنا أفعل كذا إلى يوم القيامة، فإنما ترد أن تفعله دائما.
وقوله تعالى: "ذلك" تقديره: الأمر ذلك، ثم قوله تعالى: {ولو يشاء الله لانتصر منهم} أي بعذاب من عنده يهلكهم به في حين واحد، ولكنه تعالى أراد اختبار المؤمنين، وأن يبلو بعض الناس ببعض. وقرأ جمهور القراء: "قاتلوا"، وقرأ عاصم، الجحدري - بخلاف عنه -: "قتلوا" بفتح القاف والتاء، وقرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، والأعرج، وقتادة، والأعمش: "قتلوا" بضم القاف وكسر التاء، وقرأ زيد بن ثابت، والحسن والجحدري، وعيسى، وأبو رجاء هكذا وشددوا التاء، والقراءة الأولى أعمها وأوضحها معنى.
وقال قتادة: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم أحد). [المحرر الوجيز: 7/ 639-642]

تفسير قوله تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "سيهديهم" أي: إلى طريق الجنة، وقد تقدم القول في إصلاح البال).[المحرر الوجيز: 7/ 642]

تفسير قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقد روى عباس بن المفضل عن أبي عمرو: "ويدخلهم" بسكون اللام، وفي التغابن يوم يجمعكم، وفي سورة الإنسان إنما نطعمكم بسكون الطاء والميم.
وقوله تعالى: {عرفها لهم}، قال أبو سعيد الخدري، وقتادة، ومجاهد: معناه: بينها لهم، أي: جعلهم يعرفون منازلهم منها، وفي نحو هذا المعنى هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا"، وقالت فرقة: معناه: سماها لهم ورسمها، كل منزل باسم صاحبه، فهذا نحو من التعريف، وقالت فرقة: معناه: شرفها لهم ورفعها وعلاها، وهذا من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها، ومنه أعراف الخيل، وقال مؤرج وغيره: معناه: طيبها، مأخوذ من العرف، ومنه طعام معرف، أي: مطيب، وعرفت القدر، أي: طيبتها بالملح والتوابل). [المحرر الوجيز: 7/ 642]

رد مع اقتباس