عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 5 صفر 1440هـ/15-10-2018م, 07:44 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين}
ضرب المثل مأخوذ من الضرب أي المشبه في النوع، كما تقول: هذا ضرب هذا، واختلف، هل يتعدى فعل ضرب المثل إلى مفعولين أو إلى واحد، فمن قال إنه يتعدى إلى مفعولين جعل هذه الآية "مثلا" و"أصحاب" مفعولين لقوله: "اضرب"، ومن قال إنه يتعدى إلى مفعول واحد جعله "مثلا"، وجعل "أصحاب" بدلا منه. ويجوز أن يكون المفعول "أصحاب"، ويكون قوله "مثلا" نصب على الحال، أي: في حال تمثيل منك.
و"القرية" - على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والزهري أنطاكية. واختلف في المرسلين، فقال قتادة وغيره: كانوا من الحواريين الذين بعثهم عيسى عليه السلام حين رفع وصلب الذي ألقي عليه شبهه، فافترق الحواريون في الآفاق، فقص الله هنا قصة الذين نهضوا إلى أنطاكية. وقالت فرقة: هؤلاء أنبياء من قبل الله تبارك وتعالى. وهذا يرجحه قول الكفرة: {ما أنتم إلا بشر مثلنا}، فإنها محاورة إنما تقال لمن أدى الرسالة من الله، والآخر محتمل. وذكر النقاش في قصص هذه الآية شيئا يطول، وصحته غير متيقنة فاختصرته.
واللازم من الآية أن الله بعث إليها رسولين فدعوا أهل القرية إلى عبادة الله تعالى وحده وإلى الهدى والإيمان فكذبوهما، فشدد الله تعالى أمرهما بثالث، وقامت الحجة على أهل القرية، وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى، وقتلوه في آخر أمره وكفروا، فأصابتهم صيحة من السماء فخمدوا. وقرأ جمهور القراء: "فعززنا" بشد الزاي الأولى، على معنى: قوينا وشددنا، وبهذا فسر مجاهد وغيره، وقرأ عاصم - في رواية المفضل عن أبي بكر - بالتخفيف للزاي، على معنى: غلبناهم أمرهم وفي حرف ابن مسعود: "بالثالث" بألف ولام.
وهذه الأمة أنكرت النبوءة بقولها: {وما أنزل الرحمن من شيء}، وراجعتهم الرسل بأن ردوا العلم إلى الله وقنعوا بعلمه، وأعلموهم أنهم إنما عليهم البلاغ فقط، وما عليهم من هداهم وضلالهم، وفي هذا وعيد لهم).[المحرر الوجيز: 7/ 239-240]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون * وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون}
قال بعض المتأولين: إن أهل هذه القرية أسرع فيهم الجذام عند تكذيبهم المرسلين، فلذلك قالوا: إنا تطيرنا بكم، وقال مقاتل: احتبس عنهم المطر فلذلك قالوه، ومعناه: تشاءمنا بكم، مأخوذ من الحكم بالطير، وهو معنى متداول في الأمم، وقلما يستعمل "تطيرت" إلا في الشؤم، وأما حكم الطير عند مستعمليه ففي التيمن والشؤم، والأظهر أن تطير هؤلاء إنما كان بسبب ما دخل قريتهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وهذا على نحو تطير قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى نحو ما خوطب به موسى عليه السلام. وقال قتادة: إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم. و"لنرجمنكم" معناه: بالحجارة. قاله قتادة رضي الله عنه).[المحرر الوجيز: 7/ 240]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقولهم عليهم السلام: طائركم معكم معناه: حظكم وما صار إليه من شر أو خير معكم، أي: من أفعالكم وبكسباتكم، ليس هو من أجلنا ولا بسببنا، بل ببغيكم وكفركم، وبهذا فسر الناس. وسمي الحظ والنصيب طائرا استعارة، أي هو مما يحصل عن النظر في الطائر، وكثر استعمال هذا المعنى حتى قالت المرأة الأنصارية: "طار لنا حين اقتسم المهاجرون عثمان بن مظعون "، ويقول الفقهاء: طار لفلان في المحاصة كذا.
وقرأ ابن هرمز، والحسن، وعمرو بن عبيد: "طيركم"، وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم، وابن عامر: "أإن" بهمزتين الثانية مكسورة، على معنى: أإن ذكرتم تتطيرون؟ وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير بتسهيل هذه الهمزة الثانية وردها ياء "أين ذكرتم"، وقرأ الماجشون: "أن" بفتح الألف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "إن ذكرتم" بكسر الألف، وقرأ أبو عمرو - في بعض ما روي عنه - وزر بن حبيش أيضا: "أأن" بهمزتين مفتوحتين، وشاهده قول الشاعر:
أأن كنت ذا بردين أحوى مرجلا ... فلست براع لابن عمك محرما
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، والأعمش: "أين" بسكون الياء "ذكرتم" بتخفيف الكاف، فهي "أين" المقولة في الظرف، وهذه قراءة خالد، وطلحة، وقتادة، والحسن في تخفيف الكاف فقط. ثم وصفهم تعالى بالإسراف والتعدي). [المحرر الوجيز: 7/ 240-241]

رد مع اقتباس