الموضوع: حرف الفاء
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 06:44 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب: مواضع "الفاء"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: مواضع "الفاء"
اعلم أن "للفاء" عشرة مواضع:
تكون نسقًا: كقولك: «قام زيدٌ فعمروٌ».
وتكون جوابًا في الجزاء والأمر والنهي، وما أشبه ذلك.
وتكون استئنافًا، كقوله عز وجل: {فلا تكفر فيتعلمون}، رفع على معنى: فهم يتعلمون، ولم يجعل الثاني جوابًا للأول، لأنه لو كان كذلك لكان: «فلا تكفر فيتعلموا»؛ لأن جواب النهي
"بالفاء" منصوب، ولكنه ابتدأ فقال: {فيتعلمون}، أي: فهم يتعلمون، ومثله: {كن فيكون}، فمن رفع فإنما هو على الاستئناف، يعني: فهو يكون.
وقال الفراء في قوله عز جل: {عالم الغيب والشهادة فتعالى الله عما يشركون}: إن
"الفاء" في قوله: {فتعالى} للاستئناف، قال: والعرب قد تستأنف "بالفاء" كما تستأنف "بالواو".
وقال الحطيئة: «يريد أن يعربه فيعجمه».
رفع «فيعجمه» على الاستئناف والقطع عن الأول، بمعنى: فإذا هو يعجمه، لأنه لا يريد الإعجام.
وتكون جواب
"أما" كقولك: «"أما" زيدٌ فمنطلق».
وتكون مع
"إذا" التي للمفاجأة: كقولك: «خرجت "فإذا" زيدٌ قائم».
وتكون جواب
"إذا" التي بمعنى الجزاء، كقولك: «"إذا" قام زيدٌ فقم معه».
وتكون لجواب الجملة، كقولك: «زيدٌ قائم فقم إليه»، «وهذا أخوك فكلمه»، قال الشاعر:
وقائلةٍ: خولان، فانكح فتاتهم ..... وأكرومة الحيين خلو كما هيا
أراد: هذه خولان، فلذلك أدخل "الفاء".
وتكون بمعنى
"رب": كما قال امرؤ القيس.
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعٍ ..... فألهيتها عن ذي تمائم محول
أي: "رب" مثلك.
وتكون نسقًا بمعنى
"إلى" كقولك: «مُطرنا "بين" الكوفة فالقادسية»، المعنى: "إلى" القادسية.
ولا يجوز أن تقول: «داري
"من" الكوفة فالقادسية»، لأن دارك لا تكون آخذة ما "بين" الكوفة "إلى" القادسية، كما يكون المطر آخذً ما "بين" الكوفة"إلى" القادسية، وإنما تصلح "إلى" إذا كان ما "بين" الكوفة "و" القادسية كله من دارك، وكذلك محال أن تقول: «جلست "بين" زيدٍ فعمرو»، إلا أن يكون مقعدك آخذًا للفضاء الذي بينهما، فأما قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل ..... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فإنما جاز "بالفاء" لأن الدخول أماكن، وهو جمع لا واحد، فكأنه قال: "بين" مواضع الدخول فأهل حومل، كما تقول: هو "بين" البيوت فالدور، والمال "بين" جيرانك فأصدقائك.
ولو جئت
"بالواو" مكان "الفاء" فقلت: «داري "بين" الكوفة "و" المدينة»، و«ما "بين" الكوفة "و" المدينة»، و«جلست "بين" الكوفة "و" المدينة»، كان جائزًا حسنًا.
وكان الأصمعي يروي بيت امرئ القيس:
«بسقط اللوى بين الدخول وحومل».
ويقول: هذا كما يقال: «أنت "بين" زيدٍ "و" عمروٍ» ولا يقال: "بين" زيدٍ فعمروٍ.
وقال الأخفش:
"الفاء" في قوله: «"بين" الدخول فحومل»، بمعنى "الواو"، يريد: "و" حومل.
فأما قوله عز وجل: {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا}، فقال قومٌ: إن
"الفاء" ها هنا بمعنى "الواو" لأن البأس لم يأتها بعد الهلاك، وقال آخرون: معنى قوله: {أهلكناها}، أي: حكمنا عليها بالهلاك فجاءها بأسنا، فجيء البأس من قبل الهلاك.
وأما قوله عز وجل: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم}، فإن معناها إذا أردتم القيام
"إلى" الصلاة، وأنتم على غير وضوءٍ فاغسلوا، كما قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله}، يعني: إذا أردت القراءة فالاستعاذة قبل القراءة، وكذلك الغسل قبل القيام.
والوجه العاشر: تكون
"الفاء" زائدة للتوكيد في خبر كل شيءٍ يحتاج إلى صلة، كقولك: «الذي يقوم فله درهم»، و«أيهم يقوم فله درهم»، و«من يقوم فله درهم»، قال الله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}، {وما بكم من نعمة فمن الله}، {والذان يأتيانها منكم فآذوهما}، {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم}، فأدخل "الفاء" في خبر «الذين» للتوكيد.
وهذا قول أبي عمر الجرمي وكثير من النحويين، وقال بعضهم: إنما دخلت
"الفاء" في خبر "الذي" لشبه الجزاء، ألا ترى أنك تقول: «"الذي" يقوم فله درهم»، فمعناه أن له درهمًا من أجل قيامه ولو لم يأت "بالفاء" لجاز أن يكون له درهمٌ لا من أجل قيامه، ولا يجوز أن تقول: «"الذي" أريد منك فدرهم»، لأنه ليس فيه معنى الجزاء، وكذلك ما أشبهه.
وقد يدخلون
"الفاء" زائدة للتوكيد فيما لا يحتاج إلى صلةٍ، كما قال حاتم الطائي:
وحتى تركت العائدات يعدنه ..... يقلن: فلا يبعد، وقلت له: ابعد
فأدخل "الفاء" زائدة للتوكيد، ولو حذفت كان معنى الكلام صحيحًا.
وقال آخر:
لما اتقى بيدٍ عظيم] جرمها ..... فتركت ضاحي كفه يتذبذب
فأدخل "الفاء" للتوكيد، وقال آخر:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته ..... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
إحدى "الفاءين" زائدة، لأن "إذا" إنما تقتضي جوابًا واحدً ونصب منفسًا على تقدير: لا تجزعي إن أهلكت منفسا أهلكته، لأن الجزاء لا يكون إلا بالفعل). [الأزهية: 241 - 248]


رد مع اقتباس