الموضوع: حرف الفاء
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 07:02 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب "الفاء" وما أوله "الفاء"
"الفاء"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب
"الفاء" وما أوله "الفاء"
أما "الفاء" فإنها تأتي على ثمانية أوجه:
الأول: تكون عاطفة، كقولك: قام زيد فعمرو، وتفيد ثلاثة أمور: التشريك والترتيب، والتعقيب.
فأما الترتيب فهو على أنواع:
معنوي، نحو: قام زيد فعمرو، وذكري: وهو عطف مفصل على مجمل، نحو قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}، ونحو قوله تعالى: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة}، وقوله تعالى: {ونادى نوحٌ ربه فقال رب إن ابني من أهلي}، الآية، وإخباري، نحو: مطرنا بمكان كذا ذكره جماعة، وخالف الأخفش في الترتيب وقال: "الفاء" تأتي بمعنى "الواو"؛ لأن "بين" إنما تقع معها "الواو" ولأنك إذا قلت: المال "بين" زيد "و" عمرو فقد احتويا عليه فهذا موضع "الواو" لأنها للاجتماع، فإن جئت "بالفاء" وقع التفريق وأنشد قول الشاعر:
.... بسقط اللوى بين الدخول فحومل ....
قال: ولولا أن "الفاء" بمعنى "الواو" لفسد المعنى؛ لأنه لا يريد أن يصيره "بين" الدخول أو لا، ثم "بين" حومل.
وأجيب بأن التقدير "بين" مواضع الدخول و"بين" مواضع حومل، ولم يرد "بين" الدخول وحومل، كما يجوز: جلست "بين" العلماء والزهاد، وقال بعض البغداديين: الأصل: "ما" "بين"، فحذف "ما" دون "بين" كما عكس ذلك من قال:
.... يا أحسن الناس ما قرنًا إلى قدم ....
أصله: "ما""بين"، قرن إلى قدم، فحذف "بين" وأقام قرنًا مقامها، وقال: "الفاء" نائبة عن "إلى"، قال ابن هشام: ويحتاج على هذا القول "إلى" أن يقال: وصحت إضافة "بين" إلى الدخول لاشتماله على مواضع أو لأن التقدير: "بين" مواضع الدخول، وكون "الفاء" للغاية بمنزلة "إلى" غريب.
وزعم الأصمعي أن الصواب روايته "بالواو"؛ لأنه لا يجوز: جلست "بين" زيد فعمرو، وقال الجرمي: "الفاء" لا تفيد الترتيب لا "في" البقاع ولا "في" الأمطار؛ بدليل قوله:
........ بين الدخول فحومل ....
وقولهم: مطر بمكان كذا فمكان كذا، وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.
وأجيب بأنه قد وقع ترتيب في الإخبار كما تقدم ذكره.
وأما التعقيب فهو في كل بحسبه، فيقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت مدة متطاولة، ونحو قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة}.
وقيل: إن "الفاء" تقع بمعنى "ثم" وإن منه قوله تعالى: {ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر}، وقد تأتي لمجرد الترتيب، نحو قوله تعالى: {فالزاجرات زجرًا فالتاليات ذكرًا}.

الوجه الثاني: تكون سببية عاطفة ،كقوله تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه}، وقوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه}.

الوجه الثالث: تكون للسبب المحض المجرد عن العطف، وذلك إذا نصبت بها في جواب الأشياء التي هي: الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض.
فجواب النفي والنهي كقول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون} «فتطردهم» جواب النفي، و«فتكون» جواب النهي، وكقوله: ما تأتينا فتحدثنا، ولك فيه معنيان:
أحدهما: توجيه النفي إلى الإتيان، أي: ما تأتينا فكيف تحدثنا.
الثاني: وهو تفسير سيبويه رحمه الله تعالى توجبه النفي إلى التحديث أي: ما تأتينا أبدًا إلا وتمسك عن تحديثنا، فيكون منك إتيان كثير ولا يكون منك حديث، هذا إذا نصبت "بالفاء".
وأما إذا رفعت «فتحدثنا» فيجوز أن تكون "الفاء" سببية عاطفة، كأنك قلت: ما تأتينا فما تحدثنا، كقوله تعالى: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون}.
ويجوز أن تكون "الفاء" استثنائية كأنك قلت: ما تأتينا فأنت تحدثنا على كل حال، كقول الشاعر:
.... أما تسأل الربع القواء فينطق ....
أي: فهو ينطق على كل حال، وكقوله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون} ومثال جواب الأمر قول الشاعر:
يا ناق سيري عنقًا فسيحًا .... إلى سليمان فنستريحا
وجواب التمني: {يا ليتني كنت معهم فأفوز}.
وجواب الاستفهام كقوله تعالى: {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا}.
وجواب العرض كقولك: ألا تنزل عندنا فتصيب خيرًا.
وجواب التحضيض: ألا تعبد إلا الله فتكون من المفلحين.
فإن رفعت الفعل بعد هذه الأشياء الستة فهي "فاء" الاستئناف، وسيأتي قريبًا بيانها إن شاء الله تعالى.

الوجه الرابع: تكون رابطة بين الشرط والجزاء، نحو قوله تعالى: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، وكذا شبه الشرط، نحو قوله تعالى: {والذين كفروا فتعسًا لهم} لأنه جعل الكفر شرطًا فكأنه قال: فمن كفر فتعسًا له ففهم من ذلك أن مراد المتكلم ترتيب الذم على الكفر ولو لم يدخل "الفاء" احتمل ذلك واحتمل غيره، وهذه "الفاء" لازمة في الشرط وقد تحذف في الضرورة كقول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها .... والشر بالشر عند الله مثلان
ومنع المبرد ذلك مطلقًا وزعم أن الرواية:
.... من يفعل الحسنات فالرحمن يشكره ....
وعن الأخفش جواز وقوعه في النثر الفصيح وأن منه قوله تعالى: {إن ترك خيرًا الوصية للوالدين}، وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرًا وإن منه حديث اللقطة: «فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها».
وأما في شبه الشرط: فهي غير لازمة بل يجوز إثباتها وحذفها وقد قرئ بهما قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم}.
قال الجرمي وغيره من النحويين: «"الفاء" التي في خبر الذي يشبه الجزاء زائدة، ورُدَّ عليهم: بأنها إنما جيء بها لما فيها من معنى الجزاء، ولهذا لا يجوز: أريد منك فدرهم وما ذاك إلا لخلوه عن معنى الجزاء».
ويظهر أن معنى هذه "الفاء" كمعنى السببية المحضة.

الوجه الخامس: تكون زائدة للتوكيد، قال الشاعر:
أراني إذا ما بت بت على هوى .... فثم إذا أصبحت أصبحت عاديا
وقال آخر:
لا تجزعي إن منفسًا أهلكته .... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
وقال آخر:
لما اتقى بيد عظيم جرمها .... فتركت ضاحي جلدها يتذبذب
وزعم الأخفش أن "الفاء" تستعمل زائدة في الخبر مطلقًا وحكي: «أبوك فوجد» أي: أبوك وجد، وقيد الفراء وجماعة الجواز بكون الخبر أمرًا أو نهيًا، فالأمر كقول الله تعالى: {قل أفغير الله تأمروني}.
وكقول الشاعر:
.... وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم ....
وحمل عليه الزجاج: {هذا فليذوقوه}، والنهي نحو: فلا تضربه ومنه قول حاتم:
وحتى تركت العائدات يعدنه .... وقلن فلا تبعد، وقلت له ابعد
ومنع سيبويه زيادتها والتقدير عنده: هذه خولان فانكح، وأما الآية فالخبر «حميم» وما بينهما معترض، أو «هذا» منصوب لمحذوف يفسره «فليذوقوه».
وأما "الفاء" التي تصحب "إذا" الفجائية كقولك: خرجت "فإذا" الأسد، فقال الفارسي والمازني وجماعة: هي زائدة لازمة، وقال قوم: هي عاطفة، وقال بعضهم: هي سببية محضة "كفاء" الجواب، وحمل على هذا القول ابن هشام قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر فصل}.
وقال: إنه واجب متعين؛ إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر ولا العكس ولا يحسن إسقاطها فتسهل دعوى زيادتها.

الوجه السادس: تكون بمعنى "رب" قال امرؤ القيس:
فمثلك حُبلى قد طرقتُ ومرضع .... فألهيتها عن ذي تمائم محول

الوجه السابع: قال الفراء وغيره تكون للاستئناف كقول الشاعر:
.... ألم تسأل الربع القواء فينطق ....
إذ لا يجوز أن تكون عاطفة لعدم الجزم، ولا سببية لعدم النصب، وكقوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون}، وكقوله تعالى: {إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون}، وكقوله تعالى: {كن فيكون} على قراءة الرفع، وكقول الحطيئة:
الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سُلُّمُهْ .... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه .... يريد أن يعربه فيعجمه
ولا يجوز نصب «فيعجمه» لأنه لا يريد الإعجام، قال ابن هشام: والتحقيق أن "الفاء" في ذلك كله للعطف وأن المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل والمعطوف عليه في الشعر قوله «يريد» قال: وإنما يقدر النحويون «هو» ليبينوا أن الفعل ليس المعتمد بالعطف.

الثامن: تكون بمعنى "إلى" ذكره الهروي، كقولك: مطرنا بين الكوفة فالقادسية المعنى: "إلى" القادسية ولا يجوز أن تقولك: داري "بين" الكوفة فالقادسية كما تقول: المطر، وكذلك محال أن تقول: جلست "بين" زيد فعمرو، إلا أن يكون مقعده آخذًا للفضاء الذي بينهما وهذا المعنى استغربه ابن هشام، ولكنه ارتضاه وقرره وقد تقدم ذكره). [مصابيح المغاني: 303 - 314]


رد مع اقتباس