الموضوع: حرف الكاف
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 09:02 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "الكاف"
"الكاف" المفردة
"الكاف" المفردة: جارة وغيرها، والجارة: حرف واسم.
والحرف له خمسة معان:
أحدها: التّشبيه، نحو: زيد كالأسد.
والثّاني: التّعليل، أثبت ذلك قوم ونفاه الأكثرون، وقيد بعضهم جوازه بأن تكون "الكاف"مكفوفة "بما" كحكاية سيبويه، كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه، والحق جوازه في المجرّدة من "ما" نحو: {ويكأنه لا يفلح الكافرون}، أي: أعجب لعدم فلاحهم، و"في" المقرونة "بما" الزّائدة كما في المثال، و"بما" المصدرية نحو: {كما أرسلنا فيكم} الآية.
قال الأخفش: أي لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم فاذكروني، وهو ظاهر في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم}.
وأجاب بعضهم بأنّه من وضع الخاص موضع العام، إذ الذّكر والهداية يشتركان في أمر واحد وهو الإحسان، فهذا في الأصل بمنزلة: {وأحسن كما أحسن الله إليك}، و"الكاف" للتشبيه، ثمّ عدل عن ذلك للإعلام بخصوصية المطلوب.
وما ذكرناه في الآيتين من أن "ما" مصدريّة قاله جماعة وهو الظّاهر، وزعم الزّمخشريّ، وابن عطيّة، وغيرهما أنّها "كافّة"، وفيه إخراج "الكاف" عمّا ثبت لها من عمل الجرّ لغير مقتض، واختلف في نحو قوله:
(وطرفك إمّا جئتنا فاحبسنه ... كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر)
فقال الفارسي: الأصل "كيما" فحذف "الياء"، وقال ابن مالك: هذا تكلّف بل هي "كاف" التّعليل، و"ما" "الكافة"، ونصب الفعل بها لشبهها "بكي" في المعنى، وزعم أبو محمّد الأسود في كتابه المسمّى نزهة الأديب أن أبا عليّ حرف هذا البيت وأن الصّواب فيه:
(إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا ... لكي يحسبوا البيت)
والثّالث: الاستعلاء، ذكره الأخفش، والكوفيون، وأن بعضهم قيل له: "كيف" أصبحت؟ فقال: كخير، أي: "على" خير، وقيل المعنى بخير، ولم يثبت مجيء "الكاف" بمعنى "الباء"، وقيل هي للتشبيه على حذف مضاف، أي :كصاحب خير، وقيل في: كن كما أنت، إن المعنى: "على" ما أنت عليه، وللنحويين في هذا المثال أعاريب:
أحدها: هذا، وهو أن "ما" موصولة، وأنت مبتدأ حذف خبره.
والثّاني: أنّها موصولة، وأنت خبر حذف مبتدؤه، أي: كالّذي هو أنت، وقد قيل بذلك في قوله تعالى: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}، أي: كالّذي هو لهم آلهة.
والثّالث: أن "ما" زائدة ملغاة، و"الكاف" أيضا جارة كما في قوله:
(وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما النّاس مجروم عليه وجارم)
وأنت ضمير مرفوع أنيب عن المجرور، كما في قولهم: ما أنا كأنت، والمعنى: كن فيما يستقبل مماثلا لنفسك فيما مضى.
والرّابع: أن "ما" "كافّة"، وأنت مبتدأ حذف خبره، أي: عليه أو كائن، وقد قيل في: {كما لهم آلهة} إن "ما" "كافّة".
وزعم صاحب المستوفى أن "الكاف" لا تكف بما ورد عليه بقوله:
(وأعلم أنني وأبا حميد ... كما النشوان والرجل الحليم)
وقوله:
(أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه)
وإنّما يصح الاستدلال بهما إذا لم يثبت أن "ما" المصدرية توصل بالجملة الاسمية.
الخامس: أن "ما" "كافّة" أيضا، وأنت فاعل، والأصل: كما كنت، ثمّ حذف كان فانفصل الضّمير وهذا بعيد، بل الظّاهر أن "ما" على هذا التّقدير مصدريّة.

تنبيه
تقع "كما" بعد الجمل كثيرا صفة في المعنى؛ فتكون نعتا لمصدر أو حالا، ويحتملهما قوله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده}،
فإن قدرته نعتا لمصدر؛ فهو إمّا معمول لـ (نعيده)، أي: نعيد أول خلق إعادة مثل ما بدأناه، أو: لـ (نطوي)، أي: نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل، وإن قدرته حالا؛ فذو الحال مفعول نعيده أي نعيده مماثلا للّذي بدأنا، وتقع كلمة كذلك أيضا كذلك؛ فإن قلت: فكيف اجتمعت مع "مثل" في قوله تعالى: {وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم}، و"مثل" في المعنى نعت لمصدر {قال} المحذوف "كما" أن (كذلك) نعت له ولا يتعدّى عامل واحد لمتعلقين بمعنى واحد، لا تقول: ضربت زيدا عمرا، ولا يكون "مثل" تأكيدًا لـ كذلك؛ لأنّه أبين منه، كما لا يكون زيد من قولك هذا زيد يفعل كذا توكيدا لهذا لذلك، ولا خبرا لمحذوف بتقدير الأمر، كذلك لما يؤدّي إليه من عدم ارتباط ما بعده بما قبله.
قلت: {مثل} بدل من (كذلك)، أو بيان أو نصب بـ {يعلمون}، أي: لا يعلمون اعتقاد اليهود والنّصارى، فمثل بمنزلتها في "مثلك"، لا يفعل كذا أو نصب بـ {قال}، أو "الكاف" مبتدأ، والعائد محذوف، أي: قاله.
ورد ابن الشجري ذلك على مكي بأن قال: قد استوفى معموله، وهو: "مثل" وليس بشيء؛ لأن "مثل" حينئذٍ مفعول مطلق، أو مفعول به ليعلمون، والضّمير المقدر مفعول به لقال.
والمعنى الرّابع: المبادرة، وذلك إذا اتّصلت "بما"، في نحو: سلم "كما" تدخل، وصل "كما" يدخل الوقت، ذكره ابن الخباز في النّهاية، وأبو سعيد السيرافي، وغيرهما، وهو غريب جدا.
والخامس: التوكيد، وهي الزّائدة نحو: {ليس كمثله شيء}.
قال الأكثرون: التّقدير ليس شيء مثله، إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى: ليس شيء "مثل" مثله، فيلزم المحال وهو إثبات المثل، وإنّما زيدت لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيًا قاله ابن جني، ولأنّهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا: مثلك لا
يفعل كذا، ومرادهم: إنّما هو النّفي عن ذاته، ولكنهم إذا نفوه عمّن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه.
وقيل "الكاف" في الآية غير زائدة، ثمّ اختلف، فقيل الزّائد "مثل"، كما زيدت في: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به}، قالوا: وإنّما زيدت هنا لتفصل "الكاف" من الضّمير انتهى.
والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم، بل زيادة الاسم لم تثبت.
وأما {بمثل ما آمنتم به}، فقد يشهد للقائل بزيادة "مثل" فيها قراءة ابن عبّاس / بما آمنتم به / وقد تؤولت قراءة الجماعة على زيادة "الباء" في المفعول المطلق، أي: إيمانًا "مثل" إيمانكم به، أي: باللّه سبحانه، أو بمحمد عليه الصّلاة والسّلام، أو بالقرآن، وقيل: "مثل" للقرآن، و"ما" للتوراة، أي: فإن آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم، وفي الآية الأولى قول ثالث وهو أن "الكاف" و"مثلا" لا زائد منهما، ثمّ اختلف، فقيل: "مثل" بمعنى الذّات، وقيل: بمعنى الصّفة، وقيل: "الكاف" اسم مؤكد "بمثل "كما عكس ذلك من قال:
(فصيروا مثل كعصف مأكول ... )
وأما "الكاف" الاسمية الجارة فمرادفة "لمثل"، ولا تقع كذلك عند سيبويه والمحققين إلّا في الضّرورة كقوله:
(يضحكن عن كالبرد المنهم ... )
وقال كثير منهم الأخفش والفارسي: يجوز في الاختيار، فجوزوا في نحو: زيد كالأسد، أن تكون "الكاف" في موضع رفع، والأسد مخفوضا بالإضافة، ويقع مثل هذا في كتب المعربين كثيرا، قال الزّمخشريّ في: {فأنفخ فيه}، إن الضّمير راجع "للكاف" من: {كهيئة الطير}، أي: فأنفخ في ذلك الشّيء المماثل فيصير كسائر الطّيور انتهى.
ووقع مثل ذلك في كلام غيره، ولو كان كما زعموا لسمع في الكلام مثل: مررت بكالأسد.
وتتعين الحرفية في موضعين:
أحدهما: أن تكون زائدة، خلافًا لمن أجاز زيادة الأسماء.
والثّاني: أن تقع هي ومخفوضها صلة كقوله:
(ما يرتجى وما يخاف جمعا ... فهو الّذي كالليث والغيث معًا)
خلافًا لابن مالك في إجازته أن يكون مضافا ومضافا إليه على إضمار مبتدأ، كما في قراءة بعضهم: {تمامًا على الّذي أحسن}، وهذا تخريج للفصيح على الشاذ، وأما قوله:
(وصاليات ككما يؤثفين ... )
فيحتمل أن "الكافين" حرفان، أكد أولهما بثانيهما كما قال:
( ... ولا للما بهم أبدا دواء)
وأن يكونا اسمين، أكد أيضا أولهما بثانيهما، وأن تكون الأولى حرفا والثّانية اسما.

وأما "الكاف" غير الجارة فنوعان:
مضمر منصوب أو مجرور، نحو: {ما ودعك ربك}.
وحرف معنى لا محل له، ومعناه الخطاب، وهي اللاحقة لاسم الإشارة، نحو: ذلك وتلك وللضمير المنفصل المنصوب في قولهم: إياك وإياكما ونحوهما هذا هو الصّحيح، ولبعض أسماء الأفعال، نحو: حيهلك ورويدك والنجاءك ولأرأيت، بمعنى: أخبرني، نحو: {أرأيتك هذا الّذي كرمت عليّ}، "فالتاء" فاعل، و"الكاف" حرف خطاب هذا هو الصّحيح، وهو قول سيبويه، وعكس ذلك الفراء فقال: "التّاء" حرف خطاب، و "الكاف" فاعل، لكونها المطابقة للمسند إليه، ويرده صحة الاستغناء عن "الكاف" وأنّها لا تقع قطّ مرفوعة.
وقال الكسائي: "التّاء" فاعل و "الكاف" مفعول و،يلزمه أن يصح الاقتصار على المنصوب، في نحو: أرأيتك زيدا ما صنع؛ لأنّه المفعول الثّاني، ولكن الفائدة لا تتمّ عنده فلا يجوز الاقتصار.
وأما {أرأيتك هذا الّذي كرمت عليّ}، فالمفعول الثّاني محذوف، أي: لم كرمته عليّ وأنا خير منه.
وقد تلحق ألفاظا أخر شذوذا، وحمل على ذلك الفارسي قوله:
(لسان السوء تهديها إلينا ... وحنت وما حسبتك أن تحينا)
لئلّا يلزم الإخبار عن اسم العين بالمصدر، وقيل يحتمل كون أن وصلتها بدلا من "الكاف" سادًّا مسد المفعولين كقراءة حمزة: {ولا يحسبن الّذين كفروا أنما نملي لهم}، بالخطاب). [مغني اللبيب: 3 / 5 - 30]


رد مع اقتباس