الموضوع: حرف النون
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 12:50 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)


(حرف "النون")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "النون")
"النون" المفردة تأتي على أربعة أوجه:
أحدها:
"نون" التوكيد، وهي خفيفة وثقيلة، قال الخليل: والتوكيد بالثقيلة أبلغ، وتختصان بالفعل.
الثاني: التنوين: وهو
"نون" ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد، وله أقسام:
الأول: تنوين الصرف، كزيد، ورجل، ورجال، وهو تنوين التمكن.
والثاني: تنوين التكثير، وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقًا بين معرفتها ونكرتها، ويقع سماعًا في باب اسم الفعل، "كصه"، و"مه"، و"إيه"، وفي العلم المختوم "بويه"، نحو: جاءني سيبويه وسيبويه آخر.
والثالث: تنوين المقابلة، وهو اللاحق لنحو: مسلمات، في مقابلة
"النون" في: مسلمين.
والرابع: تنوين العوض، وهو اللاحق عوضًا من حرف أصلي أو مضاف إليه مفرد أو جملة، فالأول كجوار وغواش، فإنه عوض من
"الياء" وفاقًا لسيبويه والجمهور.
والخامس: تنوين
"كل" و"بعض" إذا قطعا عن الإضافة نحو: {وكلًا ضربنا له الأمثال}، {وفضلنا بعضهم على بعض}، وقيل: هو تنوين التمكين.
والسادس: اللاحق
"لإذ"، في مثل: {وانشقت السماء فهي يومئذ واهية}، والأصل: فهي يوم "إذ" انشقت واهية.
والسابع: تنوين الترنم، وهو اللاحق للقوافي المطلقة، أي: المحركة الأواخر بدلًا من حرف الإطلاق، وهو "الألف" و"الواو" و"الياء"، وذلك في إنشاد بني تميم، كقوله وقولي: إن أصبت لقد أصابن.
وزاد الأخفش والعروضيون تنوينًا آخر سموه الغالي، وهو اللاحق لآخر القوافي المقيدة، كقول رؤبة: وقائم الأعماق خاوي المخترقن.
وجعله ابن يعيش من نوع الترنم، وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين البتة؛ لأنه يكسر الوزن، وزاد بعضهم آخر وهو تنوين الضرورة، وهو اللاحق لما لا ينصرف، كقوله: ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة.
وللمنادى المضموم، كقوله: سلام الله يا مطر عليها.
وزاد غيرهم: التنوين الشاذ، كقول بعضهم: هؤلاء قومك، حكاه أبو زيد.
الثالث: من أقسام
"النون": "نون" الإناث، وهي اسم في نحو: النسوة يذهبن، خلافًا للمازني، وحرف في، نحو: يذهبن النسوة، في لغة من قال: أكلوني البراغيث، خلافًا لمن زعم أنها اسم، وما بعدها بدل منها، أو مبتدأ مؤخر، والجملة قبله خبر.
الرابع:
"نون" الوقاية، وتسمى "نون" العماد أيضًا، وتلحق قبل "ياء" المتكلم المنصوبة بواحد من ثلاثة:
أحدها: الفعل متصرفًا، كان نحو: أكرمني، أو جامدًا نحو: عساني وقاموا ما خلاني، وما عداني، وأمر قوله: إذ ذهب القوم الكرام ليسي فضرورة، وفي نحو: تأمرونني، يجوز فيه الفك والإدغام والنطق
"بنون" واحدة، وقد قرئ بهن في السبع.
الثاني: اسم الفعل نحو: داركني، وتراكني، وعليكني، بمعنى: أدركني وأتركني وألزمني.
الثالث: الحرف، نحو: "أنني"، وهي جائزة الحذف مع "أن" و"إن" و"لكن" و"كأن"، وغالبة الحذف مع "لعل"، وقليلة مع "ليت"، وتلحق أيضًا قبل "الياء" المخفوضة "بمن" و"عن" إلا في ضرورة الشعر، وقبل المضاف إليها "لدن" و"قد" و"قط" إلا في قليل من الكلام، وقد تلحق في غير ذلك شذوذًا نحو: بجلني، بمعنى: حسبي، خلافًا للجوهري، وقوله: امسلمني إلى قومي شراحى، يريد: شراحيل، وزعم هشام أن
"النون" في امسلمني ونحوه تنوين لا "نون"، وبني ذلك على قوله في ضاربني أن "الياء" منصوبة، ويرده قول الشاعر: وليس الموافيني ليرفد خائبًا؛ لأنه لو كان تنوينًا لا "نون" وقياة لزم عليه الجمع بين "ال" والتنوين، فتعين أن "النون" للوقاية، و"الياء" في محل جر بالإضافة، وفي الحديث: «غير الدجال أخوفني عليكم»، الأصل: خوف غير الدجال أخوف أخوافي، أي: أشدها.
"نعم": بفتح "العين" وكنانة تكسرها، وبها قرأ الكسائي وبعضهم يبدلها "حاء"، وبها قرأ ابن مسعود، وبعضهم يكسر "النون" اتباعًا لكسرة "العين" تنزيلًا لها منزلة الفعل في قولك:
"نعم"، وشهد بكسرتين وهي حرف تصديق ووعد وإعلام.
فالأول: بعد الخبر كقام زيد، أو ما قام زيد، فتقول:
"نعم"، أي: قام، أو ما قام.
والثاني: بعد افعل ولا تفعل وما في معناهما، نحو: هلا تفعل، وهلا لم تفعل، وبعد الاستفهام، هل تعطيني؟ فتقول:
"نعم" سأعطيك، فهو وعد منك له.
والثالث: للإعلام نحو: هل جاءك زيد، ونحو: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا}. قيل: وتأتي للتوكيد إذا وقعت صدرًا نحو:
"نعم" هذه أطلالهم، والحق أنها في ذلك حرف إعلام، وأنها جواب لسؤال مقدر، ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام البتة.
وإذا قيل: قام زيد، فتصديقه
"نعم" وتكذيبه "لا"، ويمتنع دخول "بلى" لعدم النفي، وإذا قيل: ما قام زيد فتصديقه "نعم" وتكذيبه "بلى"، ومنه: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قبل بلى}، ويمتنع "لا" لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي.
وإذا قيل: أقام زيد، فهو مثل: قام زيد، أعني: أنك تقول في الإثبات
"نعم" وفي النفي "لا"، ويمتنع دخول "بلى".
وإذا قيل: ألم يقم زيد، فهو مثل: لم يقم زيد، فتقول: إن أثبت القيام:
"بلى"، ويمتنع دخول "لا"، وإن نفيته قلت: "نعم"، قال الله تعالى: {ألم يأتكم نذير}، {ألست بربكم قالوا بلى}، {أولم تؤمن قال بلى}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنه لو قيل: نعم في: {ألست بربكم} كان كفرًا ».
فتلخص أن
"بلى" لا تأتي إلا بعد نفي، وأن "لا" لا تأتي إلا بعد إيجاب، وأن "نعم" تأتي بعدهما.
ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب
"بنعم"، الإيجاب رعيًا لمعناه، كما حكى عن سيبويه في باب النعت في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين، قال: فيقال: ألست تقول كذا، فإنه لا يجد بدًا من أن يقول: "نعم".
وحاصل الكلام أن
"نعم" تقرر ما قبلها، فإن كان إثباتًا صيرته إثباتًا، وإن كان نفيًا صيرته نفيًا، لكن كلام سيبويه يقتضي أن "نعم" بعد النفي تفيد الإيجاب.
وزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن من سيبويه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصاري: «ألست ترون ذلك، فقال له أحدهم: نعم»، وقال جحدر:
أليس الليل يجمع أم عمرو .... وإيانا فذاك بنا تدان
نعم وأرى الهلال كما تراه .... ويعلوها النهار كما علاني
وعلى ذلك جرى كلام سيبويه وجاز ذلك في الحديث والبيت لا من اللبس.
"نعم": فعل موضوع للمدح نحو: "نعم" الرجل، و"نعم" الرجل زيد و"نعم" المرأة هند، وإن شئت قلت: "نعمت" المرأة هند، فالرجل فاعل نعم، وزيد مخصوص بالمدح.
ولا يكون فاعل نعم إلا معرفة "بالألف" و"اللام"، وأما ما يضاف إلى ما فيه "الألف" و"اللام"، أو نكرة منصوبة نحو:
"نعم" رجلًا ، فيكون تفكيرًا للرجل المقدر، ولا يليها علم ولا غيره، ولا يتصل بها الضمير، فلا تقول: الزيدون نعموا.
قال الحريري في درة الغواص: ويقولون في جواب من مدح رجلًا أو ذمه:
"نعم" من مدحت، و"بئس" من ذممت، والصواب أن يقال: "نعم" الرجل من مدحت، و"بئس" الرجل من ذممت، كما قال عمرو بن معدي كرب، وقد سئل عن قومه: "نعم" القوم قومي عند السيف المسلول والمال المسؤول، ويكون تقدير الكلام في قولك: "نعم" الرجل زيد، أي: الممدوح بين الرجل زيد، ويجوز أن يقتصر على ذكر الجنس، ويضمر المقصود بالمدح والذم اكتفاء بتقدم ذكره، فيقال: "نعم" الرجل و"بئس" العبد، ومنع أهل العربية أن يكون فاعل "نعم" و"بئس" مخصوصًا، ولهذا لم يجيزوا: "نعم" زيد، ولا "نعم" أبو علي، وكذلك امتنعوا أن يقولوا: "نعم" هذا الرجل؛ لأن الرجل ههنا صفة لهذا، و"اللام" فيه لتعريف الإشارة والخصوص، ومن شريطة "لام" الترعيف الداخلة على فاعل "نعم" و"بئس" أن تكون للجنس. اهـ.
قال الشارح: قال في شرح التسهيل: لا يمتنع عند المبرد والفارسي إسناد
"نعم" و"بئس" إلى الذي للجنسية نحو: "نعم" الذي يأمر بالمعروف زيد، أي: الأمر بالمعروف على قصد الجنس، ومنع الكوفيون وجماعة من البصريين منهم ابن السراج والجرمي كون الذي فاعل "نعم" و"بئس"، وأجاز قوم من النحويين ذلك في "من" و"ما" الموصولين مقصودًا بهما الجنس، وعليه ابن مالك، واستشهد لجوازه بقوله:
فنعم مذكاء من ضاقت مذاهبه ..... ونعم من هو في سر وإعلان
ولو لم يصح الإسناد إليه لم يصح إلى ما أضيف إليه، والمراد بأهل القرية: أهل البصرة، قلت: الذي في نسختي أهل العربية كما تقدم إلى أن قال: وعندي أن "نعم" بحسب الوضع تفيد المبالغة، وبحسب العرف ليست كذلك، حتى لو قال أحد لآخر: "نعم" أنت وبخه. اهـ، و"نعما" تقدمت في ما فراجعها هناك.
"نيف": النيف: الزيادة، يخفف ويشدد على حد قولهم: هين ولين، وأصله من "الواو"، يقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني). [غنية الطالب: 255 - 260]


رد مع اقتباس