الموضوع: الرب
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 22 شعبان 1438هـ/18-05-2017م, 10:40 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (
الرب


الربُّ: المصلح للشيء، يقال: «رببت الشيء أربه ربا وربابة»: إذا أصلحته وقمت عليه، ورب الشيء، مالكه، فالله عز وجل مالك العباد ومصلحهم. ومصلح شؤونهم. ومصدر الرب: الربوبية، وكل من ملك شيئًا فهو ربه، يقال: «هذا رب الدار ورب الضيعة». ولا يقال: «الرب» معرفًا بالألف واللام مطلقًا إلا لله عز وجل لأنه مالك كل شيء.
ويقال من غير هذا: رببت الغلام أربه ربا، فأنا راب وهو مربوب بمعنى ربيته سواء. ومنه قيل: ربيب الرجل لابن إمرأته لأنه يربيه، وغزال ربيب: أي مربوب من هذا. قال سلامة بن جندل:
ليس بأسفي ولا أقنى ولا سغل = يسقى دواء قفي السكن مربوب
أي مربى. ورب الرجل بالمكان، وأرب به: إذا أقام به، وربيت الأديم: دهنته بالرب، وأنشدنا ابن دريد:
فإن كنت مني أو تريدين صحبتي = فكوني له كالسمن ربت به الادم
وسقاء مربوب: إذا أصلح بالرب، والربابة: العبد، والمعاهدون: اربه قال الهذلي:
كانت اربتهم بهز وغرهم = عقد الجوار وكانوا معشرًا غدرا
والربابة أيضًا: الخريطة التي كانت تجعل فيها قداح الميسر. قال الهذلي:
فكأنهن ربابة وكأنه = يسر يفيض على القداح ويصدع
وقال الأصمعي: الربابة: رقعة تجمع فيها القداح، قداح الميسر، وسميت بذلك من قولهم: «فلان يرب أمره ويجمعه» ولذل سميت «الرباب» لاجتماعهم وتحالفهم وهم: ضبة بن أد، وتيم، وعدي، وعكل، وثور بنو عبد مناة بن أد.
قال: فأما الرباب في بيت أبي ذؤيب فالقداح نفسها سماها بالرقعة التي تضمها لأن العرب قد تسمى الشيء باسم الشيء إذا تعلق به أو جانسه أو ناسبه أو جاوره، فشبه أبو ذؤيب الاتن بالقداح لاجتماعهن، وشبه الحمار باليسر وهو صاحب الميسر وجمعه أيسار، وقوله: يفيض معناه: يدفع، ومنه الإفاضة من عرفات، وقوله: «يصدع» يقول: يفرق، وقوله: {فاصدع بما تؤمر}: أي أفرق به وأظهره، والرباب بالفتح: سحاب دون السحاب. قال الشاعر:
كأن الربة دوين السحاب = نعام يعلق بالارجل
والربة: ضرب من الشجر أو النبت، والربى: الشاة التي وضعت حديثًا، وإنما هي «فُعْلى» من ربيت بمعنى التربية.
ورب: حرف يقلل به وقوع الشيء.
قال المبرد: ورب للشيء قليلاً، يقع بعدها الاسم [إلا] منكورًا [لأنه واحد] يدل على أكثر منه، وفيه سبع لغات: يقال: رب، ورب بالتشديد، ورب بالتخفيف، وربت، وربت، وتزاد فيه «ما» فيقال: ربما، وربما. أنشدنا ابن دريد:
وربت سائل عني حفي = أعارت عينه أم لم تعارا
وقال آخر:
................. أن = رب هيضل لجب لففت بهيضل
وقال آخر:
رب من أنضجت غيظًا قلبه = قد تمنى لي موتًا لم يطع
وقال المثقب العبدي:
أجدك ما يدريك أن رب بلدة = إذ الشمس في الأيام طال ركودها
مسألة في رب من النحو:
يُقال: إذا كانت حروف الخفض صلات للأفعال وما تضمن معانيها فلم صارت حروف تتقدم وتتأخر إلا رب وحدها فإنها لا تقع إلا أولاً أبدًا، ألا ترى أنك تقول: «مررت بزيد»، «وبزيد مررت»، «ودخلت إلى أخيك»، «وإلى أخيك دخلت»، وكذلك سائر الحروف تتقدم وتتأخر إلا رب فإنها تكون في أول الكلام كقولك: «رب رجل جاءني»، ولو قلت «جاءني رب رجل» لم يجز، فما العلة في ذلك؟
الجواب في ذلك أن يقال: إن حروف الخفض إنما جاز تقديمها وتأخيرها لأنها صلات للأفعال والأسماء المشتقة منها، وإذا تصرف العامل تصرف المعمول فيه وما اتصل به. ورب ليست بصلة فعل ولا شيء متضمن معناه فلذلك لزمت موضعًا واحدًا لأن تأويلها أن تدل على الشيء الذي يقل وقوعه ولا يكون بعدها إلا ما يدل على أكثر منه.
وليس وقوع الشيء قليلاً هو الشيء الواقع ألا ترى أنك إذا قلت: رب رجل مررت به، فليست رب صلة مررت إنما الموصل لمررت [إلى] ضمير الرجل الباء المتصلة بالهاء، ولا رب أيضًا صلة فعل مقدر قبلها ولا بعدها فلزمت مكانًا واحدًا لذلك، وخص بها أول الكلام كما خصصت حروف الجزاء وألف الاستفهام. وكذلك إذا قلت: «رب رجل قصدني» «ومر بي» فليس رب بموصلة للقصد والمرور إلى الرجل. ألا ترى أن المرور متصل بالباء، والقصد غير محتاج إلى حرف يوصله إلى الفعل. والدليل على ذلك وقوعها كما ترى قبل الأفعال التي لا تحتاج إلى حروف الخفض نحو «ضربت» و«قصدت» و«ظننت»، وما أشبه ذلك كقولك: «رب رجل ضربته»، «ورب رجل أعطيته درهمًا» وما أشبه ذلك.
وليست تقع حروف الخفض غير رب إلا بعد الأفعال المحتاجة إلى حروف الخفض لتوصلها إلى ما بعدها، وهذا بين واضح.
فإن قال قائل: فإذا لم تكن صلة فعل كسائر حروف الخفض فلم خفض بها؟.
قيل له: خفض بها لإضافتها المعنى الذي ذكرناه إلى المذكور بعدها ولم يجز رفع ما بعدها لأن رفع الاسم إنما يكون بمعنى الحديث عنه، وليس ما بعد رب بمحدث عنه إنما الحديث عن فاعل الفعل المذكور بعدها: «ورب» وما اتصلت به من تمام الحديث. ولم يجز نصب ما بعدها لمنع الإضافة من النصب، فلم يبق إلا الخفض فخفض بها.
فإن قال قائل: فقد قلت: إن «رب» تدل على الشيء الذي يقع مثله قليلاً، وقد قال الله عز وجل {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} فهذا لما [لا] يقع قليلاً.
فالجواب في ذلك: إن هذا إخبار عما يكون من الكافرين يوم القيامة من تمني كونهم في الدنيا مسلمين وهو تمن محال لأن تمنيهم يوم القيامة كونهم مسلمين في الدنيا غير نافع لهم، ولا جائز كونه لأنه قد فات. فكأنهم نبهوا على ذلك. وقيل لهم: كأن تمني مثل هذا في القيامة لا ينفعكم. وجائز أن يقع ذلك من بعضهم فيكون قليلاً بالإضافة إلى من لا يتمنى ذلك منهم لعلمه بإحالته. وجائز أن يكون إنما قلل على جهة التنبيه لهم. والله أعلم). [اشتقاق أسماء الله: 32-38]


رد مع اقتباس