عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 10:29 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني حفص بن عمر، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: قراءة {قل يا أيها الكافرون}، {إذا جاء نصر الله والفتح}، فإنهما يغنيان من الفقر). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 36]
‌‌‌ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لنبيِّه محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانَ المُشْرِكونَ مِن قوْمِه فيما ذُكِرَ عَرَضُوا عَلَيه أن يَعْبُدوا اللهَ سَنَةً، على أن يَعْبُدَ نبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلِهَتَهُم سنَةً، فأنْزَلَ اللهُ مُعَرِّفَهُ جوابَهم في ذلك: {قُلْ} يَا محمدُ لهؤلاءِ المشركين الذين سأَلُوك عبادَةَ آلِهَتِهم سنَةً، على أن يَعْبُدوا إلَهَكَ سنةً: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} باللهِ). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {لا أعبد ما تعبدون} : «الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري»). [صحيح البخاري: 6 / 178]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (وقَالَ غَيرُهُ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلخ سَقَطَ: وقَالَ غَيرُهُ لأبِي ذَرٍّ، والصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأنَّه لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلامِ الفَرَّاءِ، بل هُو كلامُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ في قَولِهِ تَعَالَى: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}: كَأَنَّهُمْ دَعَوْهُ إلى أنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ ويَعْبُدُونَ إِلَهَهُ فقالَ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ في الجَاهِلِيَّةِ والإسلامِ، ولا أنا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمُ الآنَ أي: لا أَعْبُدُ الآنَ مَا تَعْبُدُونَ، ولا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ وتَعْبُدُونَ مَا أَعْبُدُ. انْتَهَى). [فتح الباري: 8 / 732]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي {ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا})، لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لَفْظُ: "وَقَالَ غَيْرُهُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلاَمِ الْفَرَّاءِ بَلْ هُوَ كَلاَمُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قُلْتُ: الصَّوَابُ حَذْفُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى يُقَالَ بَعْدَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَاصِلٌ.
قَوْلُهُ: {لاَ أَعْبُدُ} إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمُ الَّذِينَ؛ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ فِي الْحَالِ وَلاَ فِي الاسْتِقْبَالِ مَا تَعْبُدُونَ، إِنَّمَا قَالَ: "مَا" وَلَمْ يَقُلْ: "مَنْ" لأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَةُ كَأَنَّهُ قَالَ: لاَ أَعْبُدُ الْبَاطِلَ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْبُدُونَ الْحَقَّ. وَقِيلَ: "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ وَلاَ تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي ثُمَّ وَجْهُ التَّكْرَارِ فِيهِ التَّأْكِيدُ؛ لأَنَّ مِنْ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ التَّكْرَارَ إِرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَالإِفْهَامِ، كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الاِخْتِصَارَ إِرَادَةَ التَّخْفِيفِ وَالإِيجَازِ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ إِمَّا لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَلِِلاسْتِقْبَالِ مَجَازًا أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَكَيْفَ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ قُلْتُ: الشَّافِعِيَّةُ جَوَّزُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَجَوَّزُوهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ.
قَوْلُهُ: وَهُمُ الَّذِينَ أَيِ: الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: أَنْتُمْ.
هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ}. إِلَى آخِرِهِ). [عمدة القاري: 20 / 4-5]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْفَرَّاءِ -وَسَقَطَ ذَا لأَبِي ذَرٍّ-: وَهُوَ الصَّوَابُ لأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ في كَلاَمِ الْمُصَنِّفِ عَزْوٌ، فَتَصْوِيبُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لإِثْبَاتِهِ فِيهِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى. (لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الآنَ وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي) أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ). [إرشاد الساري: 7 / 435]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} مِن الآلهةِ والأوثانِ الآنَ). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3]: وهم الّذين قال: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} [المائدة: 64]). [صحيح البخاري: 6 / 178]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (وقَالَ غَيرُهُ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلخ سَقَطَ: وقَالَ غَيرُهُ لأبِي ذَرٍّ، والصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأنَّه لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلامِ الفَرَّاءِ، بل هُو كلامُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ في قَولِهِ تَعَالَى: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}: كَأَنَّهُمْ دَعَوْهُ إلى أنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ ويَعْبُدُونَ إِلَهَهُ فقالَ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ في الجَاهِلِيَّةِ والإسلامِ، ولا أنا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمُ الآنَ أي: لا أَعْبُدُ الآنَ مَا تَعْبُدُونَ، ولا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ وتَعْبُدُونَ مَا أَعْبُدُ. انْتَهَى). [فتح الباري: 8 / 732] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي {ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا})، لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لَفْظُ: "وَقَالَ غَيْرُهُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلاَمِ الْفَرَّاءِ بَلْ هُوَ كَلاَمُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قُلْتُ: الصَّوَابُ حَذْفُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى يُقَالَ بَعْدَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَاصِلٌ.
قَوْلُهُ: {لاَ أَعْبُدُ} إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمُ الَّذِينَ؛ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ فِي الْحَالِ وَلاَ فِي الاسْتِقْبَالِ مَا تَعْبُدُونَ، إِنَّمَا قَالَ: "مَا" وَلَمْ يَقُلْ: "مَنْ" لأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَةُ كَأَنَّهُ قَالَ: لاَ أَعْبُدُ الْبَاطِلَ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْبُدُونَ الْحَقَّ. وَقِيلَ: "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ وَلاَ تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي ثُمَّ وَجْهُ التَّكْرَارِ فِيهِ التَّأْكِيدُ؛ لأَنَّ مِنْ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ التَّكْرَارَ إِرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَالإِفْهَامِ، كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الاِخْتِصَارَ إِرَادَةَ التَّخْفِيفِ وَالإِيجَازِ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ إِمَّا لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَلِِلاسْتِقْبَالِ مَجَازًا أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَكَيْفَ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ قُلْتُ: الشَّافِعِيَّةُ جَوَّزُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَجَوَّزُوهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ.
قَوْلُهُ: وَهُمُ الَّذِينَ أَيِ: الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: أَنْتُمْ.
هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ}. إِلَى آخِرِهِ). [عمدة القاري: 20 / 4-5] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَهُمُ الذِّينَ قَالَ) اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} وما في هَذِه السُّورَةِ بِمَعْنَى الَّذِي، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الأَصْنَامَ كَمَا فِي الآيةِ الأُولَى والثَّالثةِ فَوَاضِحٌ؛ لأَنَّهُم غيرُ عُقَلاَءَ، وَ"مَا" أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ الْعُقَلاَءِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا الْبَارِي تَعَالَى كَمَا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ وُقُوعَهَا عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، ومَنْ مَنَعَ جَعَلَهَا مَصْدَرِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ عِبَادَتِي أَيْ: مِثْلَ عِبَادَتِي. وَقَالَ أَبُو مُسْلمٍ: مَا فِي الأَوَّلَيْنِ بِمَعْنَى الَّذِي، والمقصودُ المعبودُ، وما في الأُخْرَى مَصْدَرِيَّةٌ أيْ: لاَ أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمُ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الشَّكِّ وَتَرْكِ النَّظَرِ، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مِثْلَ عِبَادَتِي الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّها كُلُّهَا بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، أَوِ الأُولَيَانِ بِمَعْنَى الَّذِي وَالأُخْرَيَانِ مَصْدَرِيَّتَانِ، وَهَلِ التَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ أَمْ لاَ). [إرشاد الساري: 7 / 435]
‌‌‌قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} الآنَ). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وَلاَ أَنَا عَابِدٌ} فيما أسْتَقْبِلُ {مَا عَبَدْتُمْ} فيما مضَى). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) }
‌‌‌ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ} فيما تَسْتَقْبِلُونَ أَبَداً {مَا أَعْبُدُ} أنا الآنَ، وفيما أسْتَقْبِلُ.
وإنما قِيلَ ذلك كذلك؛ لأن الخِطابَ مِن اللهِ كانَ لرسولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أشخاصٍ بأعيانِهِم مِن المُشْرِكين، قد عَلِمَ أنهم لا يُؤْمِنُون أبداً، وسَبَق لهم ذلك في السابِقِ مِن عِلْمِهِ، فأمَرَ نَبِيَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُؤْيِسَهُم مِن الذي طَمِعُوا فيه، وحَدَّثُوا به أنفسَهم، وأن ذلك غيرُ كائِنٍ مِنه ولا مِنهم، في وقتٍ مِن الأوقاتِ، وآيَسَ نبيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الطمَعِ في إِيْمانِهم، ومِن أن يُفْلِحُوا أبداً، فكانُوا كذلك لم يُفْلِحُوا ولم يَنْجَحُوا، إلى أن قُتِلَ بعضُهم يومَ بَدْرٍ بالسيفِ، وهلَكَ بعضٌ قَبْلَ ذلك كافِراً.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ، وجاءَتْ به الآثارُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي محمدُ بنُ موسى الحَرَشِيُّ، قالَ: ثَنَا أبو خَلَفٍ، قالَ: ثَنَا داودُ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: إنَّ قُرَيْشاً وَعَدُوا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُعْطُوه مالاً، فيكونَ أغنَى رجلٍ بمكَّةَ، ويُزَوِّجُوه ما أرادَ مِن النساءِ، ويَطِئُوا عَقِبَه، فقالُوا له: هذا لكَ عندَنا يا محمدُ، وكُفَّ عن شَتْمِ آلِهَتِنَا، فلا تَذْكُرْهَا بسوءٍ، فإنْ لم تَفْعَلْ، فإِنَّا نَعْرِضُ عليك خَصْلَةً واحِدَةً، فهي لك ولنا فيها صلاحٌ. قالَ: «مَا هِيَ؟» قالُوا: تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سنةً: اللاتَ والعُزَّى، ونَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً. قالَ:«حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأْتِي مِنْ عِنْدِ رَبِّي».
فجاءَ الوَحيُ من اللوحِ المحفوظِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورةَ، وأنْزَلَ اللهُ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} إلى.... قوْلِهِ: {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قالَ: ثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، قالَ: ثَنِي سعيدُ بنُ مِينا مَوْلَى البَخْتَرِيِّ، قالَ: لَقِيَ الوليدُ بنُ المُغِيرَةِ والعاصُ بنُ وائِلٍ، والأسودُ بنُ المُطَّلِبِ، وأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ، رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالُوا: يا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فلْنَعْبُدْ ما تَعْبُدُ، وتَعْبُدْ ما نَعْبُدُ، ونُشْرِكَكُ في أمْرِنَا كلِّه، فإِنْ كانَ الذي جِئْتَ به خيراً مما بأَيْدِينا كنَّا قد شَرَكْنَاكَ فيه، وأخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنه, وإن كانَ الذي بأَيْدِينا خيراً مِمَّا في يَدَيْكَ، كُنْتَ قَدْ شَرَكْتَنَا في أَمْرِنَا، وأَخَذْتَ مِنه بِحَظِّكَ. فأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حتَّى انْقَضَتِ السورةُ). [جامع البيان: 24 / 702-704]

تفسير قوله تعالى: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: {لكم دينكم} : «الكفر» ، {ولي دين} : «الإسلام، ولم يقل ديني، لأنّ الآيات بالنّون، فحذفت الياء» ، كما قال: {يهدين} [الكهف: 24] و {يشفين} [الشعراء: 80] ). [صحيح البخاري: 6 / 178]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (يُقَالُ: {لَكُمْ دِينُكُمْ}: الكُفْرُ، {وَلِيَ دِينِ} الإسلامُ، ولم يَقُلْ: دِينِي؛ لأنَّ الآياتِ بالنُّونِ فحُذِفَتِ الياءُ كَمَا قَالَ: يَهْدِينِ ويَشْفِينِ). هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِ). [فتح الباري: 8 / 732]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( ({لَكُمْ دِينُكُمْ} الْكُفْرُ {وَلِيَ دِينِ} الإِسْلاَمُ وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي؛ لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ كَمَا قَالَ: {يَهْدِينِ} {وَيَشْفِينِ}).
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ} أَيْ: لَكُمْ دِينُ الْكُفْرِ وَلِيَ دِينُ الإِسْلاَمِ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْفَرَّاءُ وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ وَهِشَامٌ {وَلِيَ} بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا وَهَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقُلْ دِينِيِ). إِلَى آخِرِهِ، حَاصِلُهُ أَنَّ النُّونَاتِ أَيِ الْفَوَاصِلَ كُلَّهَا بِحَذْفِ الْيَاءِ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} فَإِنَّ الْيَاءَ حُذِفَتْ فِي كُلِّهَا رِعَايَةً لِلْفَوَاصِلِ وَالتَّنَاسُبِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ). [عمدة القاري: 20 / 4]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يُقَالُ: لَكُمْ دِينُكُمْ) أَيِ (الْكُفْرُ، وَلِيَ دِينِ) أَيِ (الإِسْلاَمُ) وَهَذَا قَبْلَ الأَمْرِ بِالْجِهَادِ. وَقَالَ في الأَنْوَارِ: لَكُمْ دِينُكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ لا تَتْرُكُونَهُ، وَلِيَ دِينِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لا أَرْفُضُهُ، فَلَيْسَ فِيهِ إِذْنٌ فِي الْكُفْرِ، وَلاَ مَنْعٌ عَنِ الْجِهَادِ لِيَكُونَ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْقِتَالِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ إِذَا فُسِّرَ بِالْمُتَارَكَةِ وَتَقْرِيرِ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى دِينِهِ. (وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي) بِالْيَاءِ بَعْدَ النُّونِ؛ (لأَنَّ الآياتِ) الَّتِي قَبْلَهَا (بِالنُّونِ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ) رِعَايَةً لِتَنَاسُبِ الْفَوَاصِلِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ (كَمَا قَالَ) فَهُوَ (يَهْدِينِ وَيَشْفِينِ) بِحَذْفِ الْيَاءِ فِيهِمَا لِذَلِكَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ). [إرشاد الساري: 7 / 435]
‌‌‌ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَكُمْ دِينُكم فَلاَ تَتْرُكونه أبداً؛ لأنه قد خُتِمَ عليكم، وقُضِيَ ألا تَنْفَكُّوا عنه، وأنكم تَمُوتُون عليه، ولي دِينِي الذي أنا عليه، لا أَتْرُكُه أبداً؛ لأنه قد مَضَى في سابِقِ عِلْمِ اللهِ أَنِّي لا أَنْتَقِلُ عنه إلى غَيْرِهِ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِ اللهِ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} قالَ: لِلْمُشْرِكِينَ, قالَ: واليهودُ لا يَعْبُدُونَ إلاَّ اللهَ ولا يُشْرِكُون، إِلاَّ أنهم يَكْفُرونَ ببعضِ الأنبياءِ، وبما جاؤُوا به مِن عندِ اللهِ، ويَكْفُرونَ برسولِ اللهِ، وبما جاءَ به مِن عندِ اللهِ، وقَتَلُوا طوائِفَ الأنبياءِ ظُلماً وعُدواناً، قالَ: إلا العِصابَةُ التي بَقُوا، حتى خَرَجَ بُخْتَنَصَّرَ، فقالوا: عُزَيْرٌ ابنُ اللهِ، دَعِيُّ اللهَ ولم يَعْبُدُوه ولم يَفْعَلُوا كما فَعَلَت النصارَى، قالوا: المسيحُ ابنُ اللهِ وَعَبَدُوه.
وكانَ بَعْضُ أهْلِ العربِيَّةِ يقولُ: كَرَّرَ قَوْلَه: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وما بعدَه على وَجْهِ التوكيدِ، كما قيلَ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} وكقولِه: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}). [جامع البيان: 24 / 704]


رد مع اقتباس