عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 10:28 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تقليب ورق المصحف بواسطة


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (اختلف القائلون بمنع المحدث من مس المصحف وهم الجمهور كما مر في موضعه من هذا البحث، أقول اختلفوا في حكم تقليب المحدث لأوراق المصحف بواسطة كقضيب أو قلم أو سكين أو من وراء كمه مثلا، وألحق بعضهم بمسألة التقليب بواسطة ما لو قلب ورق المصحف عضو صناعي كأصبع من ذهب، أو يد من ذهب أو فضة. وفرق جمع من أهل العلم بين التقليب بواسطة مستقلة وبين التقليب بواسطة تابعة للمصحف أو تابعة للشخص المقلب.
فذهب فريق من أهل العلم إلى المنع من ذلك كله، وسوى بين المس المباشر للمصحف وبين المس من وراء حائل في المنع.
وذهب فريق آخر إلى القول بجواز تقليب المحدث لورق المصحف بواسطة مطلقا.
قال القاضي أبو يعلي الحنبلي في كتابه الروايتين والوجهين: (مسألة: لا يختلف المذهب أنه يجوز حمل المصحف بالعلاقة والغلاف، وكذلك لا تختلف الرواية أنه يجوز التصفيح بالعود، واختلفت في جواز تقليب بكمه، فروي عنه أبو طالب أنه قال: "يقلب" الورقة بعود أو بشيء. قيل له: فبكمه؟ قال: لا، هو يمسه.
وكذلك نقل إبراهيم بن الحارث عنه، وقد سئل هل يدخل يده في كمه ويتصفحه ويتصفحه وبينه الثوب؟ فقال: أما أنا فيعجبني أن يتصفحه بشيء. فظاهر هذا المنع.
وروى عنه إسحاق بن إبراهيم والحسن بن ثواب: لا بأس أن يقلب الورق ويتصفحه بعود أو بطرف كمه. فظاهر هذا الجواز وهو أصح، لأن الكم لا يتبع المصحف في البيع فجاز أن يحول بينه وبين المصحف كالعود والعلاقة والغلاف، ويفارق الجلد لأنه يتبع المصحف في البيع فهو منه، فلهذا لم يجز أن يحول بينه وبينه.
ووجه الرواية الأولى مع ضعفها أنه تصفح الورقة بكمه فكأنه باشره بيده وإن لم
[444]
تكن مباشرة فوجب أن يكره لقرب مجاورة اليد له كما يقول في مصافحة المرأة).
وقال الماوردي في الحاوي: (فأما المحدث إذا أراد أن يتصفح أوراق المصحف بيده لم يجز، ولو تصفحها بعود في يده جاز، ولو تصفحها بكمه الملفوف على يده لم يجز، والفرق بين كمه والعود أنه لابس لكمه واضع ليده، فجرى مجرى المباشرة، والعود بائن منه، وهو غير منسوب إلى مماسته به).
قال النووي في التبيان: ( وإذا تصفح المحدث أو الجنب أو الحائض أوراق المصحف بعود أو شبهه ففي جوازه وجهان لأصحابنا. أظهرهما جوازه، وبه قطع العراقيون من أصحابنا، لأنه غير ماس ولا حامل، والثاني تحريمه لأنه يعد حاملا للورقة والورقة كالجميع، وأما إذا لف كمه على يده وقلب الورقة به فحرام بلا خلاف، وغلط بعض أصحابنا فحكى فيه وجهين، والصواب القطع بالتحريم، لأن القلب يقع باليد لا بالكم).
وذكر الهيتمي في تحفة المحتاج نفى حل قلب ورقة أو ورقة منه بعود مثلا من جانب إلى آخر ولو قائمة كما شمله إطلاقه في الأصح لانتقاله بفعله فصار كأنه حامله.
وقال أيضا: (قلت الأصح حل قلب ورقه مطلقا بعود أو نحوه، وبه قطع العراقيون والله أعلم،لأنه ليس بحمل ولا في معناه، ومن ثم لو انفصلت الورقة على العود حرم اتفاقا كما هو ظاهر، لأنه حمل كما لو لف على يده وقلب بها ورقة منه وإن لم تنفصل).
وقال الشرواني في حاوشيه على التحفة: (ولو قطعت أصبعه مثلا واتخذ أصبعا من ذهب نقل بالدرس عن بسط الأنوار للأشموني أنه استظهر عدم حرمة مس المصحف به، والمعتمد خلافه كما نقله الشارح م ر في شرح العباب عن والده ع ش). (قوله ولو لبياض ولو بغير أعضاء الوضوء ولو من وراء حائل كثوب رقيق لا يمنع وصول اليد إليه مغني). وقال الشرواني أيضا في موضع آخر: (ويحرم مسه بالسن والظفر أيضا حال الحدث بخلاف اليد المتخذة من الذهب أو الفضة). ولم يظهر لي وجه التفريق بين الأصبع الصناعية وبين اليد، فكيف حرم مس المصحف حال الحدث بالأولى دون الثانية على المعتمد؟.
والظاهر من كلام فقهاء المالكية أن القول بالمنع من تقليب ورق المصحف بواسطة حال الحدث محل وفاق عندهم إذ لم يحكوا فيه خلافا، فقد ذكر خليل في مختصره فيما يمتنع بالحدث مس المصحف وإن بقضيب. قال الخرشي: (أي وكما يمنع الحدث مس المصحف يمنع ما في حكمه كمسه بعود أو تقليب أوراقه به).
والقول بجواز تقليب ورق المصحف بواسطة حال الحدث هو المفتي به عند فقهاء الحنفية، ففي الهندية ما نصه: (المحدث إذا كان يقرأ القرآن بتقليب الأوراق بقلم أو بسكين لا بأس به كذا في الغرائب). على أن بعض فقهاء الحنفية قد علل منع المحدث من كتابة القرآن بكون الكتابة مسا للمكتوب بواسطة وهي القلم على ما سيأتي بيانه في مسألة الطهارة لكتابة المصحف.
وذهبت طائفة من فقهاء الحنفية إلى القول بكراهة المس من وراء الكم وكل ما هو متصل بالماس بين ما يتحرك بحركته وبين ما لا يتحرك اجتهادا من عنده .
وتأتي نصوصهم في ذلك في مسألتي الطهارة لكتابة المصحف، ومس المصحف من هذا البحث إن شاء الله تعالى.
[446]

رد مع اقتباس