عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:08 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عيسى بن عمر، عن عمرو بن مرة، أنه حدثهم، قال: قال ربيع ابن خثيم لجليس له: أيسرك أن تؤتى بصحيفة من النبي صلى الله عليه وسلم لم يفك خاتمها قال: نعم، قال: فأقرأ {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} [سورة الأنعام: 151] فقرأ إلى آخر الثلاث الآيات).[الزهد لابن المبارك: 2/ 201-202]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر في قوله تعالى: {لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: سرها وعلانيتها). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 221]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا أبو معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} - قال: {ما ظهر} : كانوا يمشون حول البيت عراةً، {وما بطن} الزنا). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 111]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام: 151]
- حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: «لا أحد أغير من اللّه، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من اللّه، ولذلك مدح نفسه» قلت: سمعته من عبد اللّه؟ قال: نعم، قلت: ورفعه؟ قال: نعم {وكيلٌ}[الأنعام: 102] : «حفيظٌ ومحيطٌ به» . {قبلًا} [الأنعام: 111] : " جمع قبيلٍ، والمعنى: أنّه ضروبٌ للعذاب، كلّ ضربٍ منها قبيلٌ ". {زخرف القول} [الأنعام: 112] : «كلّ شيءٍ حسّنته ووشّيته، وهو باطلٌ فهو زخرفٌ» ، {وحرثٌ حجرٌ} [الأنعام: 138] : " حرامٌ، وكلّ ممنوعٍ فهو حجرٌ محجورٌ، والحجر كلّ بناءٍ بنيته ، ويقال للأنثى من الخيل: حجرٌ، ويقال للعقل: حجرٌ وحجًى، وأمّا الحجر فموضع ثمود، وما حجّرت عليه من الأرض فهو حجرٌ، ومنه سمّي حطيم البيت حجرًا، كأنّه مشتقٌّ من محطومٍ، مثل: قتيلٍ من مقتولٍ، وأمّا حجر اليمامة فهو منزلٌ "). [صحيح البخاري: 6/ 57-58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
ذكر فيه حديث بن مسعودٍ لا أحد أغير من اللّه وسيأتي شرحه في كتاب التّوحيد إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/ 296]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (7 - (باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش} الآية اختلف المفسّرون في هذه الآية، فعن ابن عبّاس والحسن والسّديّ: أنهم قالوا: كانوا يستقبحون فعل الزّنى علانية ويفعلونه سرا فنهاهم الله عز وجل عنهما. وقيل: ما ظهر الخمر وما بطن الزّنا. قاله الضّحّاك وقال الماورديّ: الظّاهر فعل الجوارح، والباطن اعتقاد القلب، وقيل: هي عامّة في الفواحش ما أعلن منها ما ظهر وما بطن فعل سرا. وقيل: ما ظهر ما بينهم وبين الخلق، وما بطن ما بينهم وبين الله تعالى، وقيل: ما ظهر العناق والقبلة، وما بطن النّيّة.

- حدّثنا حفص بن عمر حدّثنا شعبة عن عمرو عن أبي وائلٍ عن عبد الله رضي الله عنه قال لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحبّ إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه قلت سمعته من عبد الله قال نعم قلت ورفعه قال نعم.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعمرو هو ابن مرّة المرادي الكوفي الأعمى، وأبو وائل شقيق بن سلمة وعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه مسلم في التّوبة عن محمّد بن المثنى ومحمّد بن يسار، وأخرجه التّرمذيّ في الدّعوات عن محمّد بن يسار، وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن بشار ومحمّد بن المثنى.
قوله: (أغير) ، أفعل التّفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي: الأنفة والحمية. وقال النّحاس: هو أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهنّ أو يراهن غير ذي محرم، والغيور ضد الديوث، والقندع، بضم الدّال وفتحها: الديوث وفي (الموعب) لابن التياني، رجل غيران من قوم غيارى، وغيارى بفتح الغين وضمّها وقال ابن سيّده غار الرجل غيرة وغيرا وغارا وغيارا وحكى البكريّ عن أبي جعفر البصريّ: غيرة، بكسر الغين، والمغيار الشّديد الغيرة، وفلان لا يتغيّر على أهله أي: لا يغار. وقال الزّمخشريّ: أغار الرجل امرأته إذا حملها على الغيرة، يقال رجل غيور وامرأة غيور هذا كله في حق الآدميّين وأما في حق الله فقد جاء مفسرًا في الحديث، وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه أي: إن غيرته منعه وتحريمه، ولما حرم الله الفواحش، وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم، بالغيرة. وقال صلى الله عليه وسلم: من غيرته أن حرم الفواحش. قوله: (ولذلك) ، أي: ولأجل غيرته. قوله: (ولا شيء أحب إليه المدح) ، يجوز في: أحب، الرّفع والنّصب، وهو أفعل التّفضيل بمعنى المفعول. وقوله: المدح، بالرّفع فاعله، وهو كقولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد، وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح، وإنّما الرب أحب الطّاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك، فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح، ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا فظهر من غلط العامّة قولهم: إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن؟ فافهم. قوله: (قلت سمعته) ، القائل هو عمرو بن مرّة يقول لأبي وائل: هل سمعت هذا الحديث من عبد الله بن مسعود؟ ورفعه إلى النّبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو وائل: نعم سمعته منه، ورفعه). [عمدة القاري: 18/ 228]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (7 - باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
(باب قوله) تعالى: {ولا تقربوا الفواحش} الكبائر أو الزنا {ما ظهر منها وما بطن} في محل نصب بدل اشتمال من الفواحش أي لا تقربوا ظاهرها وباطنها وهو الزنا سرًا أو جهرًا أو عمل الجوارح والنية أو عموم الآثام ولفظ الباب ثابت لأبي ذر.
- حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه -رضي الله عنه- قال: «لا أحد أغير من اللّه ولذلك حرّم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحبّ إليه المدح من اللّه لذلك مدح نفسه». قلت سمعته من عبد اللّه قال: نعم. قلت: ورفعه قال: نعم. [الحديث 4634 - أطرافه في: 4637، 5220، 7403].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين بن مرة المرادي الكوفي الأعمى (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: لا أحد أغير من الله) أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية في حق المخلوق وفي حق الخالق تحريمه ومنعه أن يأتي المؤمن ما حرمه عليه. قال ابن جني: تقول لا أحد أفضل منك برفع أفضل لأنه خبر لا كما يرفع خبر إن وتقول لا غلام لك فإن فصلت بينهما بطل عملها تقول لا لك غلام، فإن وصفت اسم لا كان لك ثلاثة أوجه النصب بغير تنوين وبتنوين والرفع بتنوين، (ولذلك) أي ولأجل غيرته (حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه) بالرفع والنصب في أحب وهو أفعل تفضيل بمعنى المفعول والمدح فاعله نحو: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، ونقل البرماوي كالزركشي أن عبد اللطيف البغدادي استنبط من هذا جواز قول مدحت الله. قال: وليس صريحًا لاحتمال أن يكون المراد أن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبًا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح، ولذلك مدح نفسه لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره.
قال في المصابيح: وما اعترض به الزركشي على عدم الصراحة بإبداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره الشيخ بهاء الدين السبكي في أوّل شرح التلخيص اهـ.
وهذا الذي قاله عبد اللطيف هو في شرحه على الخطب النباتية وعبارة شرح التلخيص المذكور ومراد عبد اللطيف بقوله قد يطلق المدح على الله تعالى إنك تقول: مدحت الله وما ذكره هو ما فهمه النووي وليس صريحًا لاحتمال أن يكون المراد الخ. قال في المصابح: الظاهر الجواز ولذلك مدح نفسه شاهد صدق على صحته وحبه تعالى المدح ليثيب عليه فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح تعالى الله علوًّا كبيرًا.
قال عمرو بن مرة (قلت): لأبي وائل هل (سمعته) أي هذا الحديث (من عبد الله) بن مسعود (قال) أبو وائل (نعم). سمعته من عبد الله (قلت ورفعه) عبد الله إلى النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- (قال: نعم) رفعه إليه -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في التفسير والترمذي في الدعوات). [إرشاد الساري: 7/ 121-122]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الفضل بن الصّبّاح البغداديّ، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن داود الأوديّ، عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن عبد الله، قال: من سرّه أن ينظر إلى الصّحيفة الّتي عليها خاتم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فليقرأ هذه الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}، الآية إلى قوله، {لعلّكم تتّقون}.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/ 114]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش}
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت أبا وائلٍ، قال: سمعت عبد الله، يقول ورفعه قال: «لا أحد - يعني أغير - من الله، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما أحدٌ أحبّ إليه المدح من الله عزّ وجلّ ولذلك مدح نفسه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام، الزّاعمين أنّ اللّه حرّم عليهم ما هم محرّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا أيّها القوم أقرأ عليكم ما حرّم ربّكم حقًّا يقينًا، لا الباطل، تخرّصًا كخرصكم على اللّه الكذب والفرية ظنًّا، ولكن وحيًا من اللّه أوحاه إليّ، وتنزيلاً أنزله عليّ، ألاّ تشركوا باللّه شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا تعبدوا شيئًا سواه. {وبالوالدين إحسانًا} يقول: وأوصى بالوالدين إحسانًا، وحذف (أوصى) وأمر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السّامع بمعناه، وقد بيّنّا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب.
وأمّا (أن) في قوله: {ألاّ تشركوا به شيئًا} فرفع، لأنّ معنى الكلام: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم هو أن لا تشركوا به شيئًا.
وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: {تشركوا} وجهان: الجزم بالنّهي، وتوجيهه (لا) إلى معنى النّهي. والنّصب على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب (تشركوا) بـ (ألاّ) كما يقال: أمرتك أن لا تقوم.
وإن شئت جعلت (أن) في موضع نصبٍ ردًّا على (ما) وبيانًا عنها، ويكون في قوله: {تشركوا} أيضًا من وجهي الإعراب نحو ما كان فيه منه، و(أن) في موضع رفعٍ.
ويكون تأويل الكلام حينئذٍ: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم، أتل أن لا تشركوا به شيئًا.
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون قوله: {تشركوا} نصبًا بـ (أن لا)، أم كيف يجوز توجيه قوله: (ألاّ تشركوا به) على معنى الخبر وقد عطف عليه بقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} وما بعد ذلك من جزم النّهي؟
قيل: جاز ذلك كما قال تعالى ذكره: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم} فجعل (أن أكون) خبرًا و(أن) اسمًا، ثمّ عطف عليه (ولا تكوننّ من المشركين)، وكما قال الشّاعر:
حجّ وأوصى بسليمى الأعبدا ....... أن لا ترى ولا تكلّم أحدا.
ولا يزل شرابها مبرّدا
فجعل قوله: (أن لا ترى) خبرًا، ثمّ عطف بالنّهي فقال: (ولا تكلّم)، (ولا يزل) ). [جامع البيان: 9/ 656-657]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ}: ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإنّ اللّه هو رازقكم وإيّاهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجز عن أرزاقهم وأقواتهم.
والإملاق: مصدرٌ من قول القائل: أملقت من الزّاد، فأنا أملق إملاقًا، وذلك إذا فني زاده وذهب ماله وأفلس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} الإملاق: الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ}: أي خشية الفاقة.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} قال: الإملاق: الفقر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، قوله: {من إملاقٍ} قال: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، في قوله: {من إملاقٍ} يعني: من خشية فقرٍ). [جامع البيان: 9/ 657-659]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}.
يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظّاهر من الأشياء المحرّمة عليكم الّتي هي علانيةٌ بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطن منها الّذي تأتونه سرًّا في خفاءٍ لا تجاهرون به، فإنّ كلّ ذلك حرامٌ.
وقد قيل: إنّما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لأنّهم كانوا يستقبحون من معاني الزّنا بعضًا.
وليس ما قالوا من ذلك بمدفوعٍ، غير أنّ دليل الظّاهر من التّنزيل على النّهي عن ظاهر كلّ فاحشةٍ وباطنها، ولا خبر يقطع العذر بأنّه عني به بعضٌ دون جميعٍ، وغير جائزٍ إحالة ظاهر كتاب اللّه إلى باطنٍ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها.
ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال الآية خاصّ المعنى:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}: أمّا ما ظهر منها: فزواني الحوانيت، وأمّا ما بطن: فما خفي.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}: كان أهل الجاهليّة يستسرّون بالزّنا، ويرون ذلك حلالاً ما كان سرًّا، فحرّم اللّه السّرّ منه والعلانية، {ما ظهر منها} يعني: العلانية، {وما بطن} يعني: السّرّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسًا في السّرّ، ويستقبحونه في العلانية، فحرّم اللّه الزّنا في السّرّ والعلانية.
وقال آخرون في ذلك بمثل الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}: سرّها وعلانيتها.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، نحوه.
وقال آخرون: ما ظهر: نكاح الأمّهات وحلائل الآباء، وما بطن: الزّنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر: جمعٌ بين الأختين، وتزويج الرّجل امرأة أبيه من بعده، وما بطن: الزّنا.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني إسحاق بن زيادٍ العطّار البصريّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق البلخيّ، قال: حدّثنا تميم بن شاكرٍ الباهليّ، عن عيسى بن أبي حفصة، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما ظهر الخمر، وما بطن: الزّنا). [جامع البيان: 9/ 659-661]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}.
يقول تعالى ذكره: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}، {ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ}، يعني بالنّفس الّتي حرّم اللّه قتلها: نفس مؤمنٍ أو معاهدٍ.
وقوله: {إلاّ بالحقّ} يعني: بما أباح قتلها به من أن تقتل نفسًا فتقتل قودًا بها، أو تزني وهي محصنةٌ فترجم، أو ترتدّ عن دينها الحقّ فتقتل، فذلك الحقّ الّذي أباح اللّه جلّ ثناؤه قتل النّفس الّتي حرّم على المؤمنين قتلها به. {ذلكم} يعني: هذه الأمور الّتي عهد إلينا فيها ربّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الأمور الّتي أوصانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا به. {لعلّكم تعقلون} يقول: وصّاكم بذلك لعلّكم تعقلون ما وصّاكم به ربّكم). [جامع البيان: 9/ 661-662]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون (151)}
قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}
- حدّثنا الحسن بن عرفة العبديّ ثنا محمّد بن فضيلٍ عن داود الأوديّ عن عامرٍ عن علقمة عن عبد اللّه أنّه قال: من سرّه أن ينظر إلى وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي عليها خاتمه، فليقرأ: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم إلى قوله: لعلّكم تتّقون.
- حدّثنا أبو مقاتل بن محمّد الرّازيّ ثنا وكيعٌ عن عليّ بن صالحٍ عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن قيسٍ عن ابن عبّاسٍ قال: هنّ الآيات المحكمات: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ثلاث آياتٍ.
قوله: {ألا تشركوا به شيئاً}.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ الحمصيّ ثنا ابن أبي مريم أنا نافع بن يزيد حدّثني سيّار بن عبد الرّحمن عن يزيد بن قوذرٍ عن سلمة بن شريحٍ عن عبادة الصّامت قال:
أوصانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسبع خصالٍ، ألا تشركوا باللّه شيئاً وإن حرّقتم وقطّعتم وصلّبتم.
قوله تعالى: {وبالوالدين إحساناً}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرنا بكير بن معروف عن مقاتل ابن حيّان، في قول اللّه: وبالوالدين إحسانًا، قال: قولوا صدقًا فيما أمركم به، وفيما أمركم به من حقّ الوالدين.
قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ، نحن نرزقكم وإيّاهم}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} قال: الإملاق الفقر. قتلوا أولادهم خشية الفقر.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن قتادة: قوله:
{ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} قال: خشية الفاقة، وكان أهل الجاهليّة يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسّبي.
وروي عن الضّحّاك والسّدّيّ نحو ذلك.
قوله: {ولا تقربوا الفواحش}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة الدّمشقيّ ثنا محمّد بن بكّارٍ ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصينٍ أن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أرأيتم الزّاني والسّارق وشارب الخمر، ما تقولون فيهم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «هنّ فواحشٌ وفيهنّ عقوبةٌ».

- أخبرنا أبي ثنا أبو طاهرٍ ثنا ابن وهبٍ ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ عن محمّد بن عبيدٍ أنّ أبا حازمٍ الرّهاويّ حدّثه أنّه سمع مولاه يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «مسألة النّاس من الفواحش».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن المصفّى ثنا محمّد بن حربٍ حدّثني أبو سلمة يعني سليمان بن سليمٍ عن يحيى بن جابرٍ قال: بلغني أنّ من الفواحش الّتي نهى اللّه عنها في كتابه تزويج الرّجل المرأة، فإذا نفضت له ولدها طلّقها من غير ريبةٍ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ ثنا محمّد بن بكّارٍ ثنا أبو معشرٍ عن محمّد بن قيسٍ، في قول اللّه تعالى: {ولا تقربوا الفواحش}، قال: كانوا يمشون حول البيت عراةً.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة عن عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: الفواحش يعني: الزّنا.
قوله: {ما ظهر منها}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: كانوا في الجاهليّة لا يرون بالزّنا بأسًا في السّرّ، ويستقبحونه في العلانية، فحرّم اللّه الزّنا في السّرّ والعلانية وروي عن عطاءٍ عن عكرمة وأبي صالحٍ وعليّ بن حسينٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن ثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش ما ظهر منها قال: نكاح الأمّهات والبنات وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان ثنا قيسٌ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ: أمّا ما ظهر منها فقوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم، وقوله: وأن تجمعوا بين الأختين.
الوجه الرّابع:
- ذكر عن روح بن عبادة ثنا عثمان بن غياثٍ عن عكرمة: ما ظهر منها: الظّلم ظلم النّاس.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا ابن المبارك عن يونس عن الزّهريّ، في قوله: الفواحش ما ظهر منها، قال: العري، وكانوا يطوفون بالبيت عراةً
قوله تعالى: {وما بطن}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام بن يوسف عن ابن جريجٍ حدّثني عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال: ما بطن السّرّ. وروي عن عكرمة وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمّد بن الحسن ثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال: ما بطن الزّنا. وروي عن الزّهريّ ومجاهدٍ ومحمّد بن قيسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي حدّثني محمّد بن سعيد بن الأصبهانيّ عن عمرو بن ثابتٍ عن أبيه عن عليّ بن حسينٍ: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: ما بطن: نكاح امرأة الأب.
الوجه الرّابع:
- ذكر عن روح بن عبادة ثنا عثمان بن غياثٍ عن عكرمة: وما بطن من الفواحش: الزّنا والسّرقة.
قوله: {ولا تقتلوا النّفس}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه تعالى: ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ، يعني: نفس المؤمن.
قوله: {الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم.
قتلها إلا بالحقّ.
قوله: {ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ ثنا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسينٍ عن الزّهريّ عن أبي إدريس الخولانيّ عن عبادة بن الصّامت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:« أيّكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثّلاث؟» ثمّ تلا:{ قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون}، حتّى فرغ من ثلاث آياتٍ، ثمّ قال: «ومن وفّى بهنّ آجره اللّه، ومن انتقص منهنّ شيئًا فأدركه اللّه في الدّنيا كانت عقوبةً، ومن أخّره إلى الآخرة كان أمره إلى اللّه إن شاء أخذه، وإن شاء عفا عنه».
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قال: وصيّة اللّه: دين اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1414-1418]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا بكر بن محمّدٍ الصّيرفيّ، بمرو، ثنا عبد الصّمد بن الفضل، ثنا مالك بن إسماعيل النّهديّ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن خليفة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، يقول: إنّ " في الأنعام آياتٍ محكماتٍ، هنّ أمّ الكتاب، ثمّ قرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} الآية «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 347]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الصّفّار، ثنا محمّد بن مسلمة الواسطيّ، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من يبايعني على هذه الآيات» ثمّ قرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} حتّى ختم الآيات الثّلاث، فمن وفّى فأجره على اللّه، ومن انتقص شيئًا أدركه اللّه بها في الدّنيا كانت عقوبته، ومن أخّر إلى الآخرة، كان أمره إلى اللّه، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» إنّما اتّفقا جميعًا على حديث الزّهريّ، عن أبي إدريس، عن عبادة «بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئًا» وقد روى سفيان بن حسينٍ الواسطيّ كلا الحديثين عن الزّهريّ فلا ينبغي أن ينسب إلى الوهم في أحد الحديثين إذا جمع بينهما واللّه أعلم "). [المستدرك: 2/ 348]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال: من سرّه أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، فليقرأ هؤلاء الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألّا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإيّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون. وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/ 137]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتما فليقرأ هؤلاء الآيات {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى قوله: {لعلهم يتقون}
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث» ثم تلا: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى ثلاث آيات ثم قال: «فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه».
- وأخرج عبد بن حميد وأبو عبيد، وابن المنذر عن منذرالثوري قال: قال الربيع بن خيثم: أيسرك أن تلقى صحيفة من محمد صلى الله عليه وسلم بخاتم قلت: نعم، فقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة الأنعام: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخر الآيات.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس، وابن المنذر عن كعب قال: أول ما نزل من التوراة عشر آيات وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخرها.
- وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: سمع كعب رجلا يقرأ: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} فقال كعب: والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخر الآيات.
- وأخرج ابن سعد عن مزاحم بن زفر قال: قال رجل للربيع بن خيثم: أوصني، قال: ائتني بصحيفة فكتب فيها {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} الآيات، قال: إنما أتيتك لتوصيني قال: عليك بهؤلاء.
- وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى منى وأنا معه وأبو بكر وكان أبو بكر رجلا نسابة فوقف على منازلهم ومضاربهم بمنى فسلم عليهم وردوا السلام وكان في القوم مفروق بن عمرو وهانى ء بن قبيصة والمثنى بن الحارثة والنعمان بن شريك وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق وكان مفروق قد غلب عليهم بيانا ولسانا فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكريظله بثوبه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تأووني وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدي حق الله الذي أمرني به فإن قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد»، قال له: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا} إلى قوله: {تتقون} فقال له مفروق: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90] الآية، فقال له مفروق: دعوت - والله - يا قرشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وقال هانى ء بن قبيصة: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش ويعجبني ما تكلمت به ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم - يعني أرض فارس
وأنهار كسرى - ويفرشكم بناتهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال له النعمان بن شريك: اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش»
- فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب: 45]، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يد أبي بكر.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق}، قال: من خشية الفاقة، قال: وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبا {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، قال: سرها وعلانيتها.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} قال: خشية الفقر {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها}، قال: العلانية {وما بطن} قال: السر.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« أرأيتم الزاني والسارق وشارب الخمر ما تقولون فيهم » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هن فواحش وفيهن عقوبة
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي حازم الرهاوي أنه سمع مولاه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مسئله الناس من الفواحش».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن جابر قال: بلغني من الفواحش التي نهى الله عنها في كتابه تزويج الرجل المرأة فإذا نفضت له ولدها طلقها من غير ريبة.
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها}، قال: نكاح الأمهات والبنات {وما بطن} قال: الزنا.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها}، قال: ظلم الناس {وما بطن} قال: الزنا والسرقة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا تقتلوا النفس} يعني نفس المؤمن التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
- وأخرج أحمد والنسائي، وابن قانع والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «ألا إنما هي أربع لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا فما أنا باشح عليهن مني» إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 6/ 250-256]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول في هذه الآية: {حتى إذا بلغ أشده}، قال ربيعة: الأشد الحلم؛ وتلا هذه الآية: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}، قال ربيعة: وقال الله: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}؛ فكان ربيعة يرى أن الأشد الحلم في هتين الآيتين). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 110] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}: ولا تقربوا ماله إلاّ بما فيه صلاحه وتثميره.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}، قال: التّجارة فيه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}: فليثمر ماله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ العنزيّ، عن سليط بن بلالٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: الّتي هي أحسن: أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل، قال اللّه: {ومن كان غنيًّا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}، قال: وسئل عن الكسوة فقال: لم يذكر اللّه الكسوة إنّما ذكر الأكل.
وأمّا قوله: {حتّى يبلغ أشدّه} فإنّ الأشدّ جمع شدٍّ، كما الأضرّ جمع ضرٍّ، وكما الأشرّ جمع شرٍّ. والشّدّ: القوّة، وهو استحكام قوّة شبابه وسنّه، كما شدّ النّهار ارتفاعه وامتداده، يقال: أتيته شدّ النّهار ومدّ النّهار، وذلك حين امتداده وارتفاعه، وكان المفضّل فيما بلغني ينشد بيت عنترة:
عهدي به شدّ النّهار كأنّما ....... خضب اللّبان ورأسه بالعظلم
ومنه قول الآخر:
يطيف به شدّ النّهار ظعينة ....... ٌ طويلة أنقاء اليدين سحوق
وكان بعض البصريّين يزعم أنّ الأشدّ اسمٌ مثل الآنك.
فأمّا أهل التّأويل فإنّهم مختلفون في الحين الّذي إذا بلغه الإنسان قيل بلغ أشدّه، فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمّي، قال: أخبرني يحيى بن أيّوب، عن عمرو بن الحارث، عن ربيعة، في قوله: {حتّى يبلغ أشدّه} قال: الحلم.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله.
قال ابن وهبٍ: وقال لي مالكٌ مثله.
- حدّثت عن الحمّانيّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مجاهدٍ، عن عامرٍ: {حتّى يبلغ أشدّه}، قال: الأشدّ: الحلم، حيث تكتب له الحسنات وتكتب عليه السّيّئات.
وقال آخرون: إنّما يقال ذلك له إذا بلغ ثلاثين سنةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {حتّى يبلغ أشدّه}، قال: أمّا أشدّه: فثلاثون سنةً، ثمّ جاء بعدها: {حتّى إذا بلغوا النّكاح}.
وفي الكلام محذوفٌ ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عمّا حذف. وذلك أنّ معنى الكلام: ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن، حتّى يبلغ أشدّه، فإذا بلغ أشدّه فآنستم منه رشدًا فادفعوا إليه ماله، لأنّه جلّ ثناؤه لم ينه أن يقرب مال اليتيم في حال يتمه إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه ويحلّ لوليّه بعد بلوغه أشدّه أن يقربه بالّتي هي أسوأ، ولكنّه نهاهم أن يقربوا حياطةً منه له وحفظًا عليه ليسلّموه إليه إذا بلغ أشدّه). [جامع البيان: 9/ 662-665]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}.
يقول تعالى ذكره: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا} وأن أوفوا الكيل والميزان، يقول: لا تبخسوا النّاس الكيل إذا كلتوهم، والوزن إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم، وإيفاؤهم ذلك: إعطاؤهم حقوقهم تامّةً بالقسط، يعني: بالعدل. كما.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بالقسط}: بالعدل.
وقد بيّنّا معنى القسط بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته.
وأمّا قوله: {لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}، فإنّه يقول: لا نكلّف نفسًا من إيفاء الكيل والوزن إلاّ ما يسعها، فيحلّ لها، ولا تحرج فيه. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه علم من عباده أنّ كثيرًا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجب عليها له، فأمر المعطي بإيفاء ربّ الحقّ حقّه الّذي هو له ولم يكلّفه الزّيادة لما في الزّيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر الّذي له الحقّ بأخذ حقّه ولم يكلّفه الرّضا بأقلّ منه، لما في النّقصان عنه من ضيق نفسه، فلم يكلّف نفسًا منهما إلاّ ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: {لا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها}.
وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 9/ 665-666]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}، وإذا حكمتم بين النّاس فتكلّمتم، فقولوا الحقّ بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا ولو كان الّذي يتوجّه الحقّ عليه والحكم ذا قرابةٍ لكم، ولا يحملنّكم قرابة قريبٍ أو صداقة صديقٍ حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحقّ فيما احتكم إليكم فيه. {وبعهد اللّه أوفوا}، يقول: وبوصيّة اللّه الّتي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنّة رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وذلك هو الوفاء بعهد اللّه.
وأمّا قوله: {ذلكم وصّاكم به}، يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل للعادلين باللّه الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور الّتي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء الّتي عهد إلينا ربّنا ووصّاكم بها ربّكم وأمركم بالعمل بها، لا بالبحائر والسّوائب والوصائل والحام وقتل الأولاد ووأد البنات واتّباع خطوات الشّيطان. {لعلّكم تذكّرون} يقول: أمركم بهذه الأمور الّتي أمركم بها في هاتين الآيتين ووصّاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكّروا عواقب أمركم بهذه الأمور الّتي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصّاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكّروا عواقب أمركم وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها وترتدعوا وتنيبوا إلى طاعة ربّكم.
وكان ابن عبّاسٍ يقول: هذه الآيات هنّ الآيات المحكمات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عليّ بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن قيسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: هنّ الآيات المحكمات، قوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيّوب، يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيبٍ، عن مرثد بن عبد اللّه، عن عبيد اللّه بن عديّ بن الخيار، قال: سمع كعب الأحبار، رجلاً يقرأ: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}، فقال: والّذي نفس كعبٍ بيده، إنّ هذا لأوّل شيءٍ في التّوراة: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروقٍ، عن رجلٍ، عن الرّبيع بن خيثم، أنّه قال لرجلٍ: هل لك في صحيفةٍ عليها خاتم محمّدٍ؟ ثمّ قرأ هؤلاء الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا إسحاق الرّازيّ، عن أبي سنانٍ، عن عمرو بن مرّة قال: قال الرّبيع: ألا أقرأ عليكم صحيفةً من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ لم يقل خاتمها، فقرأ هذه الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: جاء إليه نفرٌ فقالوا: قد جالست أصحاب محمّدٍ فحدّثنا عن الوحي، فقرأ عليهم هذه الآيات من الأنعام: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا}، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فما عندنا وحي غيره.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: هؤلاء الآيات الّتي أوصى بها من محكم القرآن.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}، قال: قولوا الحقّ). [جامع البيان: 9/ 666-669]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلّف نفسًا إلّا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون (152)}
قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم}
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}
عزلوا أموال اليتامى، حتّى جعل الطّعام يفسد واللّحم ينتن، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: وإن تخالطوهم فإخوانكم، واللّه يعلم المفسد من المصلح قال: فخالطوهم.
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ ثنا حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة، في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}
قال: ليس لوليّ اليتيم أن يلبس قلنسوةً ولا عمامةً من ماله، ولكن يده مع يده.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا حفصٌ عن فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: طلب التّجارة فيه والرّبح فيه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عبد اللّه بن عامر بن زرارة ثنا شريكٌ عن أبي إسحاق، في قوله:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} قال: لا يشتري منه شيئًا، أحسبه الوصيّ.
قوله: {إلا بالّتي هي أحسن}.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن فضيل بن مرزوقٍ عن سليطٍ عن الضّحّاك:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: يبتغي اليتيم في ماله. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن ابن زيد بن أسلم في قوله:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: الّتي هي أحسن أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل. قال اللّه: ومن كان غنيًّا فليستعفف، ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف. فسئل عن الكسوة، فقال: لم يذكر اللّه كسوةً، وإنّما ذكر الأكل.
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان ثنا حسن بن صالحٍ في هذه الآية:
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن}، قال: يبتغي له من فضل اللّه، ولا يكون للّذي يبتغي له فيه من شيءٍ.
قوله: {حتّى يبلغ أشده}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن إدريس عن عبد اللّه بن عثمان بن خيثمٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ: أشدّه، قال: ثلاثٌ وثلاثون. وروي عن مجاهدٍ وقتادة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا المنذر بن شاذان ثنا زكريّا بن عديٍّ أنا هشيمٌ عن منصورٍ عن الحسن: أشدّه، قال: أربعون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عمر بن رافعٍ أنبأ هشيمٌ عن مجالدٍ عن الشّعبيّ أنّه قال الأشدّ: الحلم، إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السّيّئات.
وروي عن ربيعة وزيد بن أسلم ومالكٍ، قالوا: الحلم.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {حتّى يبلغ أشدّه}، قال: ثماني عشرة سنةً.
الوجه الخامس:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{حتّى يبلغ أشدّه}، أما أشده فثلاثون سنة.
الوجه السادس:
- حدثي أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنا حفص بن عمر ثنا الحكم ابن أبان عن عكرمة، في قوله: {أشدّه}، قال: خمسٌ وعشرون سنةً.
والوجه السّابع:
- ذكر عن أبي معشرٍ عن محمّد بن قيسٍ: قوله: أشدّه
خمس عشرة سنةً.
قوله تعالى: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: بالقسط، قال: يعني بالعدل.
قوله تعالى: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} قال: هم المؤمنون، وسّع اللّه عليهم أمر دينهم فقال: ما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ.
قوله: {إلا وسعها}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه:
{إلا وسعها} يعني: إلا طاقتها.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن غيلان ثنا عبدان بن عثمان بن جبلة ثنا عبّاد بن العوّام عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن عامر الشّعبيّ: {لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} إلا ما عملت لها.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الزّبرقان ثنا فضيل بن عياضٍ عن سفيان، في قوله:
{لا نكلّف نفسًا إلا وسعها} قال: أداء الفرائض.
قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: وإذا قلتم فاعدلوا، قال: قولوا الحقّ.
قوله تعالى: {ولو كان ذا قربى}.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، يعني: ولو كان قرابتك فقل فيه الحقّ.
قوله: {وبعهد اللّه أوفوا}.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: وبعهد اللّه أوفوا
وقوله في النّحل: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم}، وقوله: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، يعني: بعد تغليظها وتشديدها.
قوله: {ذلكم وصّاكم به}.
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1418-1421]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: لمّا أنزل اللّه: {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن}، {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10] انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشّيء من طعامه، فيحبس له حتّى يأكله، أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم " فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ، وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطيه في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} قال: طلب التجارة فيه والربح فيه.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، قال: يبتغي لليتيم في ماله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، قال: التي هي أحسن أن يأكل بالمعروف إن افتقر وإن استغنى فلا يأكل، قال الله: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] فسئل عن الكسوة فقال: لم يذكر الله كسوة وإنما ذكر الأكل.
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة: {ولا تقربوا مال اليتيم} قال: ليس له أن يلبس من ماله قلنسوة ولا عمامة ولكن يده مع يده.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: {حتى يبلغ أشده}، قال: الأشد الحلم إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن قيس في قوله: {حتى يبلغ أشده}، قال: خمس عشرة سنة.
- وأخرج أبو الشيخ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه كان يقول في هذه الآية: الأشد الحلم لقوله: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6].
- وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: الأشد: الحلم.
- وأخرج ابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أوفوا المكيال والميزان بالقسط}، {لا نكلف نفسا إلا وسعها}، فقال: من أوفى على يديه في الكيل والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يؤاخذ وذلك تأويل وسعها.
- وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط}
يعني بالعدل، {لا نكلف نفسا إلا وسعها} يعني إلا طاقتها.
- وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {بالقسط}، قال: بالعدل.
- وأخرج الترمذي وضعفه، وابن عدي، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر التجار إنكم قد وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم: الميكال والميزان».
- وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقص قوم الميكال والميزان إلا سلط الله عليهم الجوع».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا}، قال: قولوا الحق.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}، يعني ولو كان قرابتك فقل فيه الحق). [الدر المنثور: 6/ 256-258]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن أبان بن أبي عياش أن رجلا سأل ابن مسعود ما الصراط قال تركنا محمد في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ على تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود: {وأن هذا صراطي مستقيما}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 223]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: خطّ لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، فقال: «هذا سبيل اللّه»، ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله فقال: «وهذه سبل، على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه»، ثمّ تلا: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 112]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}
- أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، قال: قال عبد الله: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا خطًّا، وخطّه لنا عاصمٌ فقال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ عن يمين الخطّ وعن شماله فقال: «هذا السّبيل، وهذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه» ثمّ تلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}للخطّ الأوّل، {ولا تتّبعوا السّبل} للخطوط {فتفرّق بكم عن سبيله} ذلكم {وصّاكم به لعلّكم تتّقون}
- أخبرنا الفضل بن العبّاس بن إبراهيم، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا أبو بكرٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد الله، قال: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، وخطّ عن يمين الخطّ وعن شماله خططًا ثمّ قال: «هذا صراط الله مستقيمًا، وهذه السّبل على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه»، ثمّ قرأ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 95]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}.
يقول تعالى ذكره: وهذا الّذي وصّاكم به ربّكم أيّها النّاس في هاتين الآيتين من قوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الّذي ارتضاه لعباده. {مستقيمًا} يعني: قويمًا لا اعوجاج به عن الحقّ. {فاتّبعوه}، يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه فاتّبعوه. {ولا تتّبعوا السّبل} يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه من اليهوديّة والنّصرانيّة والمجوسيّة وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل، فإنّها بدعٌ وضلالاتٌ. {فتفرّق بكم عن سبيله} يقول: فيشتّت بكم إن اتّبعتم السّبل المحدثة الّتي ليست للّه بسبلٍ ولا طرقٍ ولا أديانٍ، اتّباعكم عن سبيله، يعني: عن طريقه ودينه الّذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الّذي وصّى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم. {ذلكم وصّاكم به} يقول تعالى ذكره: هذا الّذي وصّاكم به ربّكم من قوله لكم: إنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل، وصّاكم به لعلّكم تتّقون يقول: لتتّقوا اللّه في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربّكم فيها فلا تسخطوه عليها فيحلّ بكم نقمته وعذابه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: البدع والشّبهات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تتّبعوا السّبل}: البدع والشّبهات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} وقوله: و{أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه} ونحو هذا في القرآن، قال: أمر اللّه المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنّه إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين اللّه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} يقول: لا تتّبعوا الضّلالات.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا خطًّا فقال: «هذا سبيل اللّه، ثمّ خطّ عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا» فقال: هذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليها، ثمّ قرأ هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل} فتفرّق بكم عن سبيله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل} فتفرّق بكم عن سبيله قال: سبيله الإسلام، وصراطه: الإسلام، نهاهم أن يتّبعوا السّبل سواه، {فتفرّق بكم عن سبيله}: عن الإسلام.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبان، أنّ رجلاً، قال لابن مسعودٍ: ما الصّراط المستقيم؟ قال: تركنا محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في أدناه، وطرفه في الجنّة، وعن يمينه جوادٌّ، وعن يساره جوادٌّ، وثمّ رجالٌ يدعون من مرّ بهم، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النّار، ومن أخذ على الصّراط انتهى به إلى الجنّة، ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا} الآية.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا}، فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: {وأنّ} بفتح الألف من (أنّ)، وتشديد النّون، ردًّا على قوله: {ألاّ تشركوا به شيئًا} بمعنى: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا، وأنّ هذا صراطي مستقيمًا.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: (وإنّ) بكسر الألف من (إنّ)، وتشديد النّون منها على الابتداء وانقطاعها عن الأوّل، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصيّة الّتي أوصى اللّه بها عباده دونه عندهم.
والصّواب من القول في ذلك عندي، أنّهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار وعوامّ المسلمين صحيحٌ معنياهما، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فهو مصيب الحقّ في قراءته. وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قد أمر باتّباع سبيله، كما أمر عباده بالأشياء، وإن أدخل ذلك مدخل فيما أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول للمشركين: {تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} وما أمركم به، ففتح على ذلك (أنّ) فمصيبٌ. وإن كسرها إذ كانت (التّلاوة) قولاً وإن كان بغير لفظ القول لبعدها من قوله: (أتل)، وهو يريد إعمال ذلك فيه فمصيبٌ. وإن كسرها بمعنى ابتداءٍ وانقطاعٍ عن الأوّل (والتّلاوة)، وأنّ ما أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بتلاوته على من أمر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك، فمصيبٌ.
وقد قرأ ذلك عبد اللّه بن أبي إسحاق البصريّ: (وأن) بفتح الألف من (أن)، وتخفيف النّون منها، بمعنى: قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئًا، وأن هذا صراطي فخفّفها، إذ كانت (أن) في قوله: {ألاّ تشركوا به شيئًا} مخفّفةً، وكانت (أن) في قوله: {وأن هذا صراطي} معطوفةً عليها، فجعلها نظيرة ما عطفت عليه. وذلك وإن كان مذهبًا، فلا أحبّ القراءة به لشذوذها عن قراءة قرّاء الأمصار وخلاف ما هم عليه في أمصارهم). [جامع البيان: 9/ 669-673]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون (153)}
قوله تبارك وتعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ ثنا أبو خالدٍ الأحمر قال: سمعت مجالدًا يذكره عن الشّعبيّ عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فخطّ خطًّا، وخطّ خطّين عن يمينه، وخطّ خطّين عن يساره، ثمّ وضع في الخطّ الأوسط فقال: هذا سبيل اللّه، ثمّ تلا هذه الآية: وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل
قوله: {ولا تتّبعوا السّبل}.
- حدّثنا أبو هارون محمّد بن خالدٍ الخرّاز ثنا عبد اللّه بن الجهم ثنا عمرو بن أبي قيسٍ عن عاصمٍ عن أبي وائلٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطًّا، ثمّ خطّ يمينًا وشمالاً، ثمّ قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}، فقال: هذه السّبل مشتركٌ، وليس من هذه سبيلٍ إلا وعليه شيطانٌ يدعو إليه، ثمّ قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، يقول: لا تتّبعوا الضّلالات.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة عن شبلٍ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: البدع والشّبهات.
قوله تعالى: {فتفرّق بكم عن سبيله}.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: نهاهم أن يتّبعوا السّبل سوى الإسلام، فتتفرّق بهم عن سبيله، عن الإسلام.
قوله: {ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون}.
- حدّثنا عصام بن العسقلانيّ بها على شطّ البحر ثنا آدم ثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة عن يحيى أبي النّضر ثنا جويبرٌ عن الضّحّاك، في قوله: {لعلّكم تتّقون}، يقول: لعلّكم تتّقون النّار بالصّلوات الخمس.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ ثنا الفريانيّ ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {لعلّكم تتّقون}، قال: لعلّكم تطيعوه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1421-1422]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تتبعوا السبل يعني البدع والشبهات والضلالات).[تفسير مجاهد: 227]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبّار، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، ثنا عاصم بن أبي النّجود، وأخبرني الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، ثنا عاصمٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال خطّ لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، ثمّ خطّ عن يمينه، وعن شماله خطوطًا، ثمّ قال: " هذا سبيل اللّه وهذه السّبل على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه، ولا تتّبعوا السّبل، فتفرّق بكم عن سبيله} «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» وشاهده لفظًا واحدًا حديث الشّعبيّ، عن جابرٍ من وجهٍ غير معتمدٍ "). [المستدرك: 2/ 348]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه}.
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «خطّ لنا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - خطًّا، ثمّ قال: «هذا سبيل اللّه». ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال: « هذه سبلٌ متفرّقةٌ، على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه »، ثمّ قرأ: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} ».
رواه أحمد والبزّار، وفيه عاصم بن بهدلة، وهو ثقةٌ، وفيه ضعفٌ). [مجمع الزوائد: 7/ 22]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : أخبرنا إبراهيم بن عليّ بن عبد العزيز العمريّ بالموصل حدّثنا معلّى بن مهديٍّ حدّثنا حمّاد بن زيدٍ عن عاصمٍ عن أبي وائلٍ عن ابن مسعودٍ قال خطّ لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم خطًّا فقال: "هذا سبيل اللّه" ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: "وهذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه" ثمّ تلا {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه} إلى آخر الآية.
- أخبرنا عليّ بن الحسين بن سليمان المعدّل بالفسطاط حدّثنا الحارث بن مسكينٍ حدّثنا ابن وهب حدثنا حمّاد بن زيد.. فذكر نحوه). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 430-431]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أحمد بن عبدة، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا خطًّا، فقال: «هذا سبيل اللّه»، ثمّ خطّ خطوطًا، فقال: «هذه سبلٌ متفرّقةٌ، على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه»، وتلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} ، ثمّ وصف لنا ذلك عاصمٌ، ثمّ خطّ عن يمينه وعن شماله.
قلت: له حديثٌ في الصّحيح في الأمل والأجل، غير هذا.
- حدّثنا أبو موسى، ثنا محمّد بن خازمٍ، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قلت:...، فذكر نحوه.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، ثنا سفيان، عن أبيه، عن منذرٍ الثّوريّ، عن الرّبيع، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قلت:.... ، فذكر نحوه.
قال البزّار: قد روي عن عبد اللّه نحوه أو قريبًا منه من وجوهٍ). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/ 49]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- قال: "خطّ لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطّاً فقال:« هذا سبيل اللّه»، ثمّ خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله فقال: هذه سبلٌ على كلّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه. ثمّ تلا {وأنّ هذا صراطي مستقيماً ... } الآية".
قلت: رواه النّسائيّ في التّفسير من طريق أبي بكر بن عيّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه ... فذكره.
وفي التفسير، من طريق حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ به.
- ورواه ابن حبّان في صحيحه: أبنا إبراهيم بن علي بن عبد العزيزالعمري بالموصل، ثنا معلّى بن مهديٍّ، ثنا حمّاد بن زيد ... فذكره.
- قال: وأبنا عليّ بن الحسين بن سليمان المعدّل بالفسطاط، ثنا الحارث بن مسكينٍ، ثنا ابن وهبٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ ... فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 207-208]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ- رضي اللّه عنه- قال: "كنّا جلوسًا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فخطّ خطّا هكذا أمامه فقال: «هذا سبيل اللّه- عزّ وجلّ- وخطّين عن يمينه، وخطّين عن شماله فقال: هذا سبيل الشّيطان». ثمّ وضع يده في الخطّ الأوسط ثمّ تلا هذه الآية: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون} .
مجالد ضعيف.
- وقال إسحاق بن راهويه: أبنا أبو أسامة، عن بعض المكّيّين، عن مجاهدٍ "في قوله تعالى: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} قال: البدع والشّبهات".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 208]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أخبرنا (أبو) أسامة عن بعض المكّيّين، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى: {ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله}، قال: البدع والشّبهات). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 643]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :
- أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} قال: اعلموا إنما السبيل سبيل واحد جماعة الهدى ومصيره الجنة وإن إبليس اشترع سبلا متفرقة جماعها الضلالة ومصيرها النار.
- وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والنسائي والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
- وأخرج أحمد، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال كنا جلوسا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه فقال: «هذا سبيل الله وخطين عن يمينه وخطين عن شماله» وقال: «هذا سبيل الشيطان»، ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} الآية
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن مسعود أن رجلا سأله ما الصراط المستقيم قال:« تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} الآية».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {ولا تتبعوا السبل} قال: الضلالات.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولا تتبعوا السبل} قال: البدع والشبهات). [الدر المنثور: 6/ 258-260]


رد مع اقتباس