عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23 رجب 1434هـ/1-06-2013م, 05:47 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] يعني من كان به شيءٌ من مرضٍ.
تفسير السّدّيّ.
وتفسير الكلبيّ: أنّ أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعزلون الأعمى والأعرج والمريض فلا يؤاكلونهم.
وكانت الأنصار فيهم تنزّهٌ وتكرّمٌ.
فقالوا: إنّ الأعمى لا
[تفسير القرآن العظيم: 1/461]
يبصر طيّب الطّعام، والأعرج لا يستطيع الزّحام عند الطّعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصّحيح، فاعزلوا لهم طعامهم على ناحيةٍ.
وكانوا يرون أنّ عليهم في مؤاكلتهم جناحًا.
وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون: لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم، فاعتزلوا مؤاكلتهم.
فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] ليس عليهم في ذلك ولا على الّذين تأثّموا من أمرهم عليهم في ذلك حرجٌ.
وبعضهم يقول: كان قومٌ من أصحاب النّبيّ يغزون ويخلّفون على منازلهم من يحفظها، فكانوا يتأثّمون أن يأكلوا منها شيئًا، فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
وقال بعضهم: كانوا يخلّفون عليها الأعرج والأعمى والمريض والزّمنى الّذين لا يخرجون في الغزو، فرخّص لهم أن يأكلوا منها.
سعيدٌ عن قتادة قال: منعت البيوت زمانًا.
كان الرّجل لا يتضيّف أحدًا ولا يأكل في بيت غيره تأثّمًا من ذلك.
قال يحيى: بلغني أنّ ذلك حين نزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] قال قتادة: فكان أوّل من رخّص اللّه له الأعمى، والأعرج، والمريض.
ثمّ رخّص لعامّة المؤمنين فقال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] ممّا تحبّون.
هكذا.
{أو صديقكم} [النور: 61] قال قتادة: فلو أكلت من بيت صديقك من غير مؤامرته لكان اللّه قد أحلّ لك ذلك.
قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61]
ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: كان النّاس يغزون على عهد رسول
[تفسير القرآن العظيم: 1/462]
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيخلّفون الضّمناء على خزائنهم، فكانوا يتحرّجون أن يصيبوا منها شيئًا، فأحلّ اللّه لهم أن يصيبوا منها.
وقال بعضهم: هم المملوكون الّذين هم خزنةٌ على بيوت مواليهم.
وقال الحسن: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] خزانته ممّا كنتم عليه أمناء.
وحدّثنا الحسن بن دينارٍ، عن الحسن أنّه سأله رجلٌ فقال: الرّجل يدخل على الرّجل، يعني صديقه، فيخرج الرّجل من بيته ويرى الآخر الشّيء من الطّعام في البيت، أيأكل منه؟ فقال: كل من طعام أخيك.
وقال الحسن بن دينارٍ: كنّا في بيت قتادة فأتينا ببسرٍ، فأخذ رجلٌ منّا بسراتٍ ثمّ قال: يا أبا الخطّاب، إنّي قد أخذت من هذا البسر.
فقال: هو لك حلالٌ وإن لم تذكره لي لأنّك مؤاخيّ.
قال يحيى: لم يذكر اللّه في هذه الآية بيت الابن، فرأيت أنّ النّبيّ عليه السّلام إنّما قال: «أنت ومالك لأبيك».
من هذه الآية، لأنّه قال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم} [النور: 61] ولم يقل: أو بيوت أبنائكم، ثمّ ذكر ما بعد ذلك من القرابة حتّى ذكر الصّديق ولم يذكر الابن.
قوله: {ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} [النور: 61] سعيدٌ عن قتادة قال: كان بنو كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أنّ محرّمًا عليه أن يأكل وحده في الجاهليّة، حتّى إن كان الرّجل ليسوق الذّود والحفّل وهو جائعٌ حتّى يجد من يؤاكله ويشاربه.
وكان الرّجل يتّخذ الخيال إلى جنبه إذا لم يجد من يؤاكل ويشارب، فأنزل اللّه هذه الآية.
قوله: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] يعني على أهل دينكم، تفسير السّدّيّ، بعضكم على بعضٍ.
{تحيّةً من عند اللّه مباركةً طيّبةً كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون} [النور: 61] لكي تعقلوا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/463]
سعيدٌ عن قتادة قال: إذ دخلت فسلّم على أهلك فهم أحقّ من سلّمت عليه.
فإذا دخلت بيتًا لا أحد فيه فقل: سلامٌ علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، فإنّه كان يؤمر بذلك.
حدّثنا أنّ الملائكة تردّ عليه.
وإن دخل على قومٍ سلّم عليهم، وإذا خرج من عندهم سلّم، وإن مرّ بهم أو لقيهم سلّم عليهم، وإن كان رجلًا واحدًا، سلّم عليهم، وقوله: {فسلّموا على أنفسكم} [النور: 61] على إخوانكم.
وإذا دخل الرّجل بيته سلّم عليهم، وإذا دخل المسجد قال: بسم اللّه سلامٌ على رسول اللّه صلّى اللّه على محمّدٍ وسلّم.
اللّهمّ اغفر لي ذنبي وافتح لي باب رحمتك.
فإن كان مسجدًا كثير الأهل سلّم عليهم يسمع نفسه، وإن كانوا قليلًا أسمعهم التّسليم، وإن لم يكن فيه أحدٌ قال: السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، السّلام علينا من ربّنا.
وإن دخل بيتًا غير مسكونٍ ممّا قال اللّه: {فيها متاعٌ لكم} [النور: 29] وهي الفنادق ينزلها الرّجل المسافر ويجعل فيها متاعه، فإذا دخل البيت قال: السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
السّلام علينا من ربّنا.
- خالدٌ عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والرّاكب على القاعد، والصّغير على الكبير، والقليل على الكثير».
قال يحيى: يعني ويسلّم راكب الدّابّة على راكب البعير، ويسلّم الفارس على صاحب الحمار والبغل.
- خالدٌ، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللّه: «إذا سلّم رجلٌ على القوم فردّ رجلٌ منهم أجزأ عنهم، وإذا كانوا ناسًا فسلّم رجلٌ منهم على المجلس أجزأ عنهم».
وكان الحسن يقول: كنّ النّساء يسلّمن على الرّجال، ولا يسلّم الرّجال على النّساء.
وكان ابن عمر يسلّم على النّساء.
وحدّثني حيوة بن شريحٍ، عن زهرة بن معبدٍ أنّه سمع محمّد بن المنكدر وأبا حازمٍ يسلّمان على النّساء إذا مرّا عليهنّ.
- وحدّثني خداشٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ قال: انتهى رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/464]
صلّى اللّه عليه وسلّم إلينا ونحن غلمانٌ، فسلّم علينا.
- وحدّثنا قرّة بن خالدٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه عليه السّلام: «إنّ السّلام اسمٌ من أسماء اللّه».
وحدّثني الخليل بن مرّة أنّ مسعود قال: السّلام اسمٌ من أسماء اللّه وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم، فإنّ المرء المسلم إذا مرّ بالقوم فسلّم عليهم فردّوا عليه كانت له عليهم فضيلة درجةٍ بأنّه ذكّرهم السّلام، فإن لم يردّوا عليه ردّ عليه من هو خيرٌ منهم وأطيب: الملائكة.
- وحدّثني الحسن بن دينارٍ، عن معاوية بن قرّة، عن رجلٍ أنّه كان يمشي مع أبي هريرة قال: فمررنا بقومٍ فسلّمنا عليهم قال: فلا أدري أشغلهم الحديث أو ما منعهم من أن يردّوا السّلام.
فقال أبو هريرة بيده: سلام ربّي والملائكة أحبّ إليّ، سلام ربّي والملائكة أحبّ إليّ.
- وحدّثني المبارك والحسن، عن الحسن قال: قال رسول اللّه: «للمسلم على أخيه من المعروف ستّ خصالٍ يسلّم عليه إذا لقيه، ويشمّته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا تغيّب عنه، ويشهد جنازته إذا مات».
- وحدّثني عبد الرّحمن بن يزيد، عن مكحولٍ قال: " بينما رسول اللّه جالسٌ إذ دخل رجلٌ فقال: السّلام عليكم.
فقال رسول اللّه: وعليكم السّلام، عشرٌ، أي عشر حسناتٍ.
ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه، فقال رسول اللّه: وعليكم السّلام ورحمة اللّه، عشرون حسنةً.
ثمّ جاء آخر فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
فقال رسول اللّه: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، ثلاثون حسنةً.
ثمّ قال: هكذا يتفاضل النّاس، من قعد فليسلّم، ومن قام فليسلّم.
قال: ثمّ قام رجلٌ فلم يسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أسرع ما نسي هذا ".
- وحدّثني حمّادٌ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا لقيتم اليهوديّ أو النّصرانيّ فلا تبدءوه بالسّلام.
وإذا لقيتموه في طريقٍ فاضطرّوه إلى أضيقه».
- سعيدٌ عن قتادة أنّ رجلًا من اليهود مرّ على النّبيّ وهو في نفرٍ من أصحابه فقال: السّام عليكم.
فقال رسول اللّه: «وعليكم السّلام».
فجاء جبريل إلى النّبيّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/465]
فأخبره أنّه قال: السّام عليكم.
فقال رسول اللّه: " إذا سلّم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: وعليك ما قلت ".
- حمّادٌ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما حسدكم اليهود على شيءٍ ما حسدوكم على السّلام وآمين»). [تفسير القرآن العظيم: 1/466]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:
{لّيس على الأعمى حرجٌ...}

إلى آخر الآية، كانت الأنصار يتنزّهون عن مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض، ويقولون: نبصر طيّب الطعام ولا يبصره فنسبقه إليه، والأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصحيح، والمريض يضعف عن الأكل. فكانوا يعزلونهم. فنزل: ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج. و(في) تصلح مكان (على) ها هنا تقول: ليس على صلة الرحم وإن كانت قاطعة إثم، وليس فيها إثم، لا تبالي أيّهما قلت.
ثم قال {ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} إلى آخر الآية. لمّا أنزل الله {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً} ترك الناس مؤاكلة الصّغير والكبير ممّن أذن الله في الأكل معه ومنه، فقال: وليس عليكم {في أنفسكم} في عيالكم أن تأكلوا منهم ومعهم إلى قوله {أو صديقكم} معناه: أو بيوت صديقكم،
وقبلها {أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مّفاتحه} يعني بيوت عبيدكم وأموالهم فذلك قوله (مفاتحه) خزائنه وواحد المفاتح مفتح إذا أردت به المصدر وإذا كان من المفاتيح التي يفتح بها - وهو الإقليد - فهو مفتح ومفتاح.
وقوله: {فسلّموا على أنفسكم} إذا دخل على أهله فليسلّم. فإن لم يكن في بيته أحد فليقل السّلام علينا من ربّنا، وإذا دخل المسجد قال: السلام على رسول الله، السّلام علينا وعلى خيار عباد الله الصالحين، ثم قال: {تحيّةً مّن عند اللّه} أي من أمر الله أمركم بها تفعلون تحيّة منه وطاعةً له. ولو كانت رفعاً على قولك: هي تحيّةٌ من عند الله (كان صواباً) ).
[معاني القرآن: 2/261]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ولا على المريض حرجٌ " وأصله الضيق). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أو ما ملكتم مفاتحه " أو ما ملكتم إنفاذه وإخراجه لا يزاحم في شيء منه). [مجاز القرآن: 2/69]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" أشتاتاً " شتى وشتات واحد). [مجاز القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أشتاتا}:متفرقين واحدهم شت وشت ويقال للإثنين شتان وللجميع شتى مثل تترى ولا يقال إلا للإثنين فما فوقهما). [غريب القرآن وتفسيره: 275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليس على الأعمى حرجٌ}: في مؤاكلة الناس. وكذلك الباقون: وإن اختلفوا فكان فيهم الرّغيب والزّهيد.
وقد بينت هذا في كتاب «المشكل»، واختلاف المفسرين فيه.
{ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} يريد: من أموال نسائكم ومن ضمّته منازلكم.
{أو ما ملكتم مفاتحه} يعني: بيوت العبيد. لأن السيد يملك منزل عبده.
{ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعاً} أي مجتمعين. {أو أشتاتاً} أي مفترقين. وكان المسلمون يتحرجون من مؤاكلة أهل الضّرّ -: خوفا من أن يستأثروا عليهم - ومن الاجتماع على الطعام: لاختلاف الناس في مأكلهم، وزيادة بعضهم على بعض. فوسّع اللّه عليهم.
{فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم}. قال ابن عباس: «أراد المساجد، إذا دخلتها فقل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين».
وقال الحسن: «ليسلم بعضكم على بعض. كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم}). [تفسير غريب القرآن: 309-308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وبعض المفسّرين يقول في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، أي على أهليكم، جعلهم أنفسهم على التّشبيه.
وقال: ابن عباس في تفسير ذلك: البيوت: المساجد، إذا دخلتها سلّمت على نفسك وعلى عباد الله الصالحين). [تأويل مشكل القرآن: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} أي إثم {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}، أي إثم). [تأويل مشكل القرآن: 484] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}.
كان المسلمون في صدر الإسلام حين أمروا بالنصيحة ونهوا عن الخيانة وأنزل عليهم: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}. أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق- أدقّوا النظر وأفرطوا في التوقّي، وترك بعضهم مؤاكلة بعض:
فكان الأعمى لا يؤاكل الناس، لأنه لا يبصر الطعام فيخاف أن يستأثر، ولا يؤاكله الناس يخافون لضرره أن يقصر.
وكان الأعرج يتوقّى ذلك، لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسّح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه.
وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض: من رائحة تتغيّر، أو جرح يبضّ، أو أنف يذنّ، أو بول يسلس، وأشباه ذلك.
فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس، وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح.
وأما عائشة رضي الله عنها، فإنها قالت: كان المسلمون يوعبون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضّمنى، وهم الزّمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقّون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية.
وإلى هذا يذهب قوم، منهم الزّهري.
ثم قال الله عز وجل: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أراد: ولا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم.
وقال بعضهم: أراد: أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا:
أن الناس لا يتوقّون أن يأكلوا من بيوتهم، وأن الله سبحانه عدّد القرابات وهم أبعد نسبا من الولد، ولم يذكر الولد.
وقال المفسرون في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. أراد: ما أغنى عنه ماله وولده، فجعل الولد كسبا.
ثم قال: {أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ}، يعني العبيد، لأن السيد يملك منزل عبده. هذا على تأويل ابن عباس.
وقال غيره: أو ما خزنتموه لغيركم. يريد الزّمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا} من منازل هؤلاء إذا دخلتموها، وإن لم يحضروا ولم يعلموا، من غير أن تتزوّدوا وتحملوا، ولا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو فرادى، وإن اختلفتم: فكان فيكم الزّهيد، والرّغيب، والصحيح، والعليل.
وهذا من رخصته للقرابات وذوي الأواصر- كرخصته في الغرباء والأباعد لمن دخل حائطا وهو جائع: أن يصيب من ثمره، أو مرّ في سفر بغنم وهو عطشان: أن يشرب من رسلها، وكما أوجب للمسافر على من مرّ به الضيافة، توسعة منه ولطفا بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق، وضيق النظر). [تأويل مشكل القرآن: 334-332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم تحيّة من عند اللّه مباركة طيّبة كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون}
الحرج في اللغة الضيق، ومعناه في الدّين الإثم، وجاء في التفسير أن أهل المدينة قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يؤاكلون هؤلاء، فقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك خوفا من تمكن الأصحاء في الطعام، وقلّة تمكن هؤلاء، فقيل لهم ليس في مؤاكلتهم حرج، وقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك تقززا، وقيل أيضا إنّهم كانوا إذا خرجوا مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - خلّفوا هؤلاء فكانوا يتحوبون أن يأكلوا مما يحفظونه فأعلمو أنه ليس عليهم جناح، وقيل أيضا إنه كان قوم يدعونهم إلى طعامهم فربما صاروا إلى منازلهم فلم يجدوا فيها طعاما، فيمضون بهم إلي آبائهم.
وجميع ما ذكروا جيّد بالغ إلا ما ذكروا من ترك المؤاكلة تقززا، فإني لا أدري كيف هو.
وقوله: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}.
معنى {أشتاتا} متفرقين متوحّدين.
ونصب " جميعا " على الحال، ويروى أن حيا من العرب كان الرجل منهم لا يأكل وحده، وهم حيّ من كنانة، يمكث
الرجل يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا، وربما كانت معه الإبل الحفّل، وهي التي ملء أخلافها اللبن فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه.
وقوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم} معناه فليسلّم بعضكم على بعض، فالسلام قد أمر الله به، وقيل أيضا: إذا دخلتم بيوتا وكانت خالية فليقل الداخل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
وقوله عزّ وجلّ: (تحيّة من عند اللّه) معناه النصب على المصدر، لأن قوله فسلموا، معناه تحيوا، ويحيي بعضكم بعضا، تحيّة من عند اللّه.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن السلام مبارك طيّب). [معاني القرآن: 4/55-53]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان
المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} إلى آخر الآية
قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي
يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه
والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن
قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} ما بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك
ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله الآية: {ليس على الأعمى حرج}
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شيء
والقول الآخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله: {جميعا أو أشتاتا} وذلك لما أنزل الله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} فقال المسلمون إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج} إلى قوله: {أو ما ملكت مفاتحه} وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته
قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}
قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام
وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل مع غيرهم
وهذا معنى رواية صالح عنه). [معاني القرآن: 4/559-556]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( فأما قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم}
فقيل معناه من بيوت عيالكم
وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم
واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد
ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد
وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس أو ما ملكتم مفاتحه يعني العبيد
وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة
وقرأ سعيد بن جبير أو ما ملكتم مفاتحه بضم الميم وتشديد اللام
وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة
وقيل ليس على الأعمى حرج أي في الغزو وكذا الأعرج المريض
ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم
أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له
وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء
وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله: {أو بيوت إخوانكم} عام). [معاني القرآن: 4/561-595]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم}
روى عمر بن دينار عن ابن عباس فإذا دخلتم بيوتا قال المساجد
فسلموا على أنفسكم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وقال ماهان: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا
وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم}
قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم
قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر:
قد جعلت نفسي في الأديم
يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه
والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركة طيبة
ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة). [معاني القرآن: 4/563-562]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَشْتَاتًا}: متفرقين). [العمدة في غريب القرآن: 221]


رد مع اقتباس