عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 01:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك يحرّفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئًا أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ (41) سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرّوك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ اللّه يحبّ المقسطين (42) وكيف يحكّمونك وعندهم التّوراة فيها حكم اللّه ثمّ يتولّون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (43) إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا النّاس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون (44)}
نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر، الخارجين عن طاعة اللّه ورسوله، المقدّمين آراءهم وأهواءهم على شرائع اللّه، عزّ وجلّ {من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} أي: أظهروا الإيمان بألسنتهم، وقلوبهم خرابٌ خاويةٌ منه، وهؤلاء هم المنافقون. {ومن الّذين هادوا} أعداء الإسلام وأهله. وهؤلاء كلّهم {سمّاعون للكذب} أي: يستجيبون له، منفعلون عنه {سمّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك} أي: يستجيبون لأقوامٍ آخرين لا يأتون مجلسك يا محمّد. وقيل: المراد أنّهم يتسمّعون الكلام، وينهونه إلى أقوامٍ آخرين ممّن لا يحضر عندك، من أعدائك {يحرّفون الكلم من بعد مواضعه} أي: يتأوّلونه على غير تأويله، ويبدّلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا}
قيل: نزلت في أقوامٍ من اليهود، قتلوا قتيلًا وقالوا: تعالوا حتّى نتحاكم إلى محمّدٍ، فإن أفتانا بالدّية فخذوا ما قال، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه.
والصّحيح أنّها نزلت في اليهوديّين اللّذين زنيا، وكانوا قد بدّلوا كتاب اللّه الّذي بأيديهم، من الأمر برجم من أحصن منهم، فحرّفوا واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدةٍ، والتّحميم والإركاب على حمارٍ مقلوبين. فلمّا وقعت تلك الكائنة بعد هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا فيما بينهم: تعالوا حتّى نتحاكم إليه، فإن حكم بالجلد والتّحميم فخذوا عنه، واجعلوه حجّةً بينكم وبين اللّه، ويكون نبيٌّ من أنبياء اللّه قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرّجم فلا تتّبعوه في ذلك.
وقد وردت الأحاديث بذلك، فقال مالكٌ، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال: إنّ اليهود جاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكروا له أنّ رجلًا منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تجدون في التّوراة في شأن الرّجم؟ " فقالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد اللّه بن سلامٍ: كذبتم، إنّ فيها الرّجم. فأتوا بالتّوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرّجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللّه بن سلامٍ: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آية الرّجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرّجم! فأمر بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرجما فرأيت الرّجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.
وأخرجاه وهذا لفظ البخاريّ. وفي لفظٍ له: "فقال لليهود: ما تصنعون بهما؟ " قالوا: نسخّم وجوههما ونخزيهما. قال: {فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران:93] فجاءوا، فقالوا لرجلٍ منهم ممّن يرضون أعور: اقرأ، فقرأ حتّى انتهى إلى موضعٍ منها فوضع يده عليه، قال: ارفع يدك. فرفع، فإذا آية الرّجم تلوح، قال: يا محمّد، إنّ فيها آية الرّجم، ولكنّا نتكاتمه بيننا. فأمر بهما فرجما.
وعند مسلمٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أتى بيهوديٍّ ويهوديّةٍ قد زنيا، فانطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جاء يهود، فقال: "ما تجدون في التّوراة على من زنى؟ " قالوا: نسوّد وجوههما ونحمّلهما، ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما، قال: {فأتوا بالتّوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} قال: فجاءوا بها، فقرأوها، حتّى إذا مرّ بآية الرّجم وضع الفتى الّذي يقرأ يده على آية الرّجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها. فقال له عبد اللّه بن سلام -وهو مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-: مره فليرفع يده. فرفع يده، فإذا تحتها آية الرّجم. فأمر بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرجما. قال عبد اللّه بن عمر: كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه.
وقال أبو داود: حدّثنا أحمد بن سعيدٍ الهمداني، حدّثنا ابن وهب، حدّثنا هشام بن سعدٍ؛ أنّ زيد بن أسلم حدثه، عن ابن عمر قال: أتى نفرٌ من اليهود، فدعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى القفّ فأتاهم في بيت المدارس، فقالوا: يا أبا القاسم، إنّ رجلًا منّا زنى بامرأةٍ، فاحكم قال: ووضعوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسادةً، فجلس عليها، ثمّ قال: "ائتوني بالتّوراة". فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته، ووضع التّوراة عليها، وقال: "آمنت بك وبمن أنزلك". ثمّ قال: "ائتوني بأعلمكم". فأتي بفتًى شابٍّ، ثمّ ذكر قصّة الرّجم نحو حديث مالكٍ عن نافعٍ.
وقال الزّهريّ: سمعت رجلًا منّ مزينة، ممّن يتبع العلم ويعيه، ونحن عند ابن المسيّب، عن أبي هريرة قال: زنى رجلٌ من اليهود بامرأةٍ، فقال بعضهم لبعضٍ: اذهبوا إلى هذا النّبيّ، فإنّه بعث بالتّخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرّجم قبلناها، واحتججنا بها عند اللّه، قلنا: فتيا نبيٍّ من أنبيائك، قال: فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا؟ فلم يكلّمهم كلمةً حتّى أتى بيت مدارسهم، فقام على الباب فقال: "أنشدكم باللّه الذي أنزل التّوراة على موسى، ما تجدون في التّوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمّم، ويجبّه ويجلد. والتّجبية: أن يحمل الزّانيان على حمارٍ، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما. قال: وسكت شاب منهم، فلمّا رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سكت، ألظّ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّشدة، فقال: اللّهمّ إذ نشدتنا، فإنّا نجد في التّوراة الرّجم. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فما أوّل ما ارتخصتم أمر اللّه؟ " قال: زنى ذو قرابةٍ من ملكٍ من ملوكنا، فأخّر عنه الرّجم، ثمّ زنى رجلٌ في أثره من النّاس، فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتّى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فإنّي أحكم بما في التّوراة" فأمر بهما فرجما. قال الزّهريّ: فبلغنا أنّ هذه الآية نزلت فيهم: {إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا} فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم منهم.
رواه أحمد، وأبو داود -وهذا لفظه-وابن جريرٍ
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء بن عازبٍ قال: مرّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهوديٌّ محمّم مجلودٌ، فدعاهم فقال: "أهكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟ " فقالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم فقال: "أنشدك بالّذي أنزل التّوراة على موسى، أهكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟ " فقال: لا واللّه، ولولا أنّك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حدّ الزّاني في كتابنا الرّجم، ولكنّه كثر في أشرافنا، فكنّا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضّعيف أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالوا حتّى نجعل شيئًا نقيمه على الشّريف والوضيع، فاجتمعنا على التّحميم والجلد. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ إنّي أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه". قال: فأمر به فرجم، قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه} يقولون: ائتوا محمّدًا، فإن أفتاكم بالتّحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرّجم فاحذروا، إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} قال: في اليهود إلى قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الظّالمون} قال: في اليهود {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الفاسقون} قال: في الكفّار كلّها.
انفرد بإخراجه مسلمٌ دون البخاريّ، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجه، من غير وجهٍ، عن الأعمش، به.
وقال الإمام أبو بكرٍ عبد اللّه بن الزّبير الحميدي في مسنده: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن مجالد بن سعيدٍ الهمداني، عن الشّعبيّ، عن جابر بن عبد اللّه قال: زنى رجلٌ من أهل فدك، فكتب أهل فدك إلى ناسٍ من اليهود بالمدينة أن سلوا محمّدًا عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه، وإن أمركم بالرّجم فلا تأخذوه عنه، تسألوه عن ذلك، قال: "أرسلوا إليّ أعلم رجلين فيكم". فجاءوا برجلٍ أعور -يقال له: ابن صوريا-وآخر، فقال لهما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنتما أعلم من قبلكما؟ ". فقالا قد دعانا قومنا لذلك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لهما: "أليس عندكما التّوراة فيها حكم اللّه؟ " قالا بلى، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "فأنشدكم بالّذي فلق البحر لبني إسرائيل، وظلّل عليكم الغمام، وأنجاكم من آل فرعون، وأنزل المنّ والسّلوى على بني إسرائيل: ما تجدون في التّوراة في شأن الرّجم؟ " فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قطّ. قالا نجد ترداد النّظر زنيةً والاعتناق زنيةً، والقبل زنيةً، فإذا شهد أربعةٌ أنّهم رأوه يبدئ ويعيد، كما يدخل الميل في المكحلة، فقد وجب الرّجم. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو ذاك". فأمر به فرجم، فنزلت: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرّوك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ اللّه يحبّ المقسطين}
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث مجالد، به نحوه. ولفظ أبي داود عن جابرٍ قال: جاءت اليهود برجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا، فقال: "ائتوني بأعلم رجلين منكم". فأتوا بابني صوريا، فنشدهما: "كيف تجدان أمر هذين في التّوراة؟ " قالا نجد في التّوراة إذا شهد أربعةٌ أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: "فما يمنعكم أن ترجموهما؟ " قالا ذهب سلطاننا، فكرهنا القتل. فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالشّهود، فجاءوا أربعةً، فشهدوا أنّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم برجمهما.
ثمّ رواه أبو داود، عن الشّعبيّ وإبراهيم النّخعي، مرسلًا ولم يذكر فيه: "فدعا بالشّهود فشهدوا".
فهذه أحاديث دالّةٌ علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حكم بموافقة حكم التّوراة، وليس هذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون صحّته؛ لأنّهم مأمورون باتّباع الشّرع المحمّديّ لا محالة، ولكنّ هذا بوحيٍ خاصٍّ من اللّه، عزّ وجلّ إليه بذلك، وسؤاله إيّاهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم، ممّا تراضوا على كتمانه وجحده، وعدم العمل به تلك الدّهور الطّويلة فلمّا اعترفوا به مع عملهم على خلافه، بأنّ زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحّته من الكتاب الّذي بأيديهم، وعدولهم إلى تحكيم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما كان عن هوًى منهم وشهوةٍ لموافقة آرائهم، لا لاعتقادهم صحّة ما يحكم به لهذا قالوا {إن} أوتيتم هذا والتّحميم {فخذوه} أي: اقبلوه {وإن لم تؤتوه فاحذروا} أي: من قبوله واتّباعه.
قال اللّه تعالى: {ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئًا أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/113-116]

تفسير قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سمّاعون للكذب} أي: الباطل {أكّالون للسّحت} أي: الحرام، وهو الرّشوة كما قاله ابن مسعودٍ وغير واحدٍ أي: ومن كانت هذه صفته كيف يطهّر اللّه قلبه؟ وأنّى يستجيب له.
ثمّ قال لنبيّه: {فإن جاءوك} أي: يتحاكمون إليك {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرّوك شيئًا} أي: فلا عليك ألّا تحكم بينهم؛ لأنّهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتّباع الحقّ، بل ما وافق هواهم.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والسّدّي، وزيد بن أسلم، وعطاءٌ الخراسانيّ: هي منسوخةٌ بقوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل اللّه} [المائدة:49]، {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} أي: بالحقّ والعدل وإن كانوا ظلمةً خارجين عن طريق العدل {إنّ اللّه يحبّ المقسطين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/116-117]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى -منكرًا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزّائغة، في تركهم ما يعتقدون صحّته من الكتّاب الّذي بأيديهم، الّذي يزعمون أنّهم مأمورون بالتّمسّك به أبدًا، ثمّ خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره، ممّا يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم -فقال: {وكيف يحكّمونك وعندهم التّوراة فيها حكم اللّه ثمّ يتولّون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/117]

رد مع اقتباس