عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 12:49 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}
قال ابن عمر رضي الله عنهما: الذين ملكت أيمانكم يراد به الرجال خاصة، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: يراد به النساء خاصة، وسبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت، وحكى الزهراوي عن أبي عمر رضي الله عنهما ونحوه، وقيل: الرجال والنساء
[المحرر الوجيز: 6/406]
كلهم مراد، ورجحه الطبري. وقرأ الجمهور الناس: "الحلم" بضم اللام، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "الحلم" بسكون اللام، وكان أبو عمرو يستحسنها.
وهذه الآية محكمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تركها الناس، وكذلك ترك الناس قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فأبى الناس إلا أن الأكرم هو الأنسب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه العبارة بترك [الناس] إغلاظ وزجر، إذ لم تلتزم حق الالتزام، وإلا فما قال الله تعالى هو المعتقد في ذلك عند العلماء المكتوب في تواليفهم، أعني أن الكرم التقوى، وأما أمر الاستئذان فإن تغيير المباني والحجب أغنت عن كثير من الاستئذان، وصيرته على حد آخر، وأين أبواب المنازل اليوم من مواضع النوم؟ وقد ذكر المهدوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان العمل بهذه الآية واجبا إذ كانوا لا غلق ولا أبواب، ولو عادت الحال لعاد الوجوب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهي الآن واجبة في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحارى ونحوها.
ومعنى الآية عند جماعة من العلماء أن الله تعالى أدب عباده بأن يكون العبيد -إذ لا بال لهم- والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها، يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة، وهي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها وملازمة التعري في المضاجع، وهي: عند الصباح لأن الناس في ذلك الوقت عراة في مضاجعهم، وقد ينكشف النائم فمن مشى ودخل وخرج فحكمه أن يستأذن لئلا يطلع على ما يجب ستره، وكذلك في وقت القائلة -وهي الظهيرة- لأن النهار يظهر فيها إذا علا واشتد حره، وبعد العشاء لأنه وقت التعري للنوم والتبدل للفراش، وأما غير هذه الأوقات التي هي عروة، أي ذات انكشاف، فالعرف من
[المحرر الوجيز: 6/407]
الناس التحفظ والتحرز، فلا حرج في دخول هذه الصنيفة بغير إذن؛ إذ هم طوافون يمضون ويجيئون لا يجد الناس بدا من ذلك. وقرأ ابن أبي عبلة: "طوافين" بالياء، وقال الحسن: إذا أبات الرجل خادمه معه فلا استئذان عليه حتى في هذه الأوقات الثلاثة. وقوله تعالى: {بعضكم على بعض} بدل من قوله: "طوافون" وثلاث عورات نصب على الظرف لأنهم لم يؤمروا بالاستئذان ثلاثا، إنما أمروا بالاستئذان ثلاثة مواطن، فالظرفين في "ثلاث" بينة.
قرأ جمهور السبعة: "ثلاث عورات" برفع "ثلاث"، وكذا على الابتداء، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "ثلاث عورات" بنصب "ثلاث"، وهذه على البدل من الظرف في قوله: "ثلاث مرات"، وهذا البدل إنما يصح معناه بتقدير: أوقات ثلاث عورات، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، و"عورات" جمع عورة، وبابه في الصحيح أن يجيء على "فعلات" بفتح العين، كجفنة وجفنات ونحو ذلك، وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات وجوبة وجوبات ونحوه، لأن فتحه داع إلى اعتلاله فلم يفتح لذلك). [المحرر الوجيز: 6/408]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم}
المعنى أن الأطفال أمروا بالاستئذان في الأوقات الثلاثة المذكورة، وأبيح لهم الأمر في غير ذلك من الأوقات، ثم أمر الله تعالى في هذه الآية أن يكونوا -إذا بلغوا الحلم- على حكم الرجال في الاستئذان في كل وقت، وهذا بيان من الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 6/408]

تفسير قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "القواعد" يريد النساء اللائي قد أسنن وقعدن عن الولد، واحدتهن قاعد، وقال ربيعة: هي هنا التي تستقذر من كبرها، قال غيره: وقد تقعد المرأة عن الولد وفيها مستمتع، فلما كان الغالب من النساء أن ذوات هذا السن لا مذهب للرجل فيهن أبيح
[المحرر الوجيز: 6/408]
لهن ما لم يبح لغيرهن، وأزيل عنهن كلفة التحفظ المتعب؛ إذ علة التحفظ مرتفعة فيهن. وقرأ ابن مسعود: "أن يضعن من ثيابهن"، وهي قراءة أبي، وروي عن ابن مسعود أيضا: "من جلابيبهن"، والعرب تقول: "امرأة واضع" للتي كبرت فوضعت خمارها، ثم استثني عليهن في وضع الثياب ألا يقصدن به التبرج وإبداء الزينة، فرب عجوز يبدو منها الحرص على أن يظهر لها جمال ونحو هذا مما هو أقبح الأشياء وأبعده عن الحق.
والتبرج طلب البدو والظهور، ومنه: "بروج مشيدة"، وأصل ذلك بروج السماء والأسوار، والذي أبيح وضعه لهذه الصنيفة الجلباب الذي فوق الخمار والرداء، قاله ابن مسعود، وابن جبير، وغيرهما.
ثم ذكر تعالى أن تحفظ الجميع منهن واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلتزمه الشباب من الستر، أفضل لهن وخير، وقرأ ابن مسعود: "وأن يتعففن" بغير سين، ثم ذكر تعالى أنه سميع لما يقول كل قائل وقائلة، عليم بمقصد كل أحد في قوله، وفي هاتين الصفتين توعد وتحذير، والله الموفق للصواب برحمته). [المحرر الوجيز: 6/409]

رد مع اقتباس