عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 06:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّاتٍ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعضٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليمٌ حكيمٌ (58) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ (59) والقواعد من النّساء اللاتي لا يرجون نكاحًا فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجاتٍ بزينةٍ وأن يستعففن خيرٌ لهنّ واللّه سميعٌ عليمٌ (60)}
هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعضٍ. وما تقدّم في أوّل السّورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعضٍ. فأمر اللّه تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم ممّا ملكت أيمانهم وأطفالهم الّذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوالٍ: الأوّل من قبل صلاة الغداة؛ لأنّ النّاس إذ ذاك يكونون نيامًا في فرشهم {وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة} أي: في وقت القيلولة؛ لأنّ الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، {ومن بعد صلاة العشاء} لأنّه وقت النّوم، فيؤمر الخدم والأطفال ألّا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال، لما يخشى من أن يكون الرّجل على أهله، ونحو ذلك من الأعمال؛ ولهذا قال: {ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهنّ} أي: إذا دخلوا في حالٍ غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إيّاهم من ذلك، ولا عليهم إن رأوا شيئًا في غير تلك الأحوال؛ لأنّه قد أذن لهم في الهجوم، ولأنّهم {طوّافون} عليكم، أي: في الخدمة وغير ذلك، ويغتفر في الطّوّافين ما لا يغتفر في غيرهم؛ ولهذا روى الإمام مالكٌ وأحمد بن حنبلٍ وأهل السّنن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في الهرّة: "إنّها ليست بنجس؛ إنّها من الطّوّافين عليكم -أو -والطّوّافات".
ولـمّا كانت هذه الآية محكمةً ولم تنسخ بشيءٍ، وكان عمل النّاس بها قليلًا جدًّا، أنكر عبد اللّه بن عبّاسٍ ذلك على النّاس، كما قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكير، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عبّاسٍ: ترك النّاس ثلاث آياتٍ فلم يعملوا بهنّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم [منكم ثلاث مرّاتٍ]} إلى آخر الآية، والآية الّتي في سورة النّساء: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} [النّساء: 8]، والآية الّتي في الحجرات: {إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم} [الحجرات: 13]
وروي أيضًا من حديث إسماعيل بن مسلمٍ -وهو ضعيفٌ -عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عبّاسٍ قال: غلب الشّيطان النّاس على ثلاث آياتٍ، فلم يعملوا بهنّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم} إلى آخر الآية.
وقال أبو داود: حدّثنا ابن الصّبّاح بن سفيان وابن عبدة -وهذا حديثه -أخبرنا سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، سمع ابن عبّاسٍ يقول: لم يؤمن بها أكثر النّاس -آية الإذن -وإنّي لآمر جاريتي هذه تستأذن عليّ.
قال أبو داود: وكذلك رواه عطاءٌ، عن ابن عبّاسٍ يأمر به.
وقال الثّوريّ، عن موسى بن أبي عائشة سألت الشّعبيّ: {ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم}، قال: لم تنسخ. قلت: فإنّ النّاس لا يعملون بها. فقال: اللّه المستعان.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الرّبيع بن سليمان، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرنا سليمان بن بلالٍ، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رجلين سألاه عن الاستئذان في الثّلاث عوراتٍ الّتي أمر اللّه بها في القرآن، فقال ابن عبّاسٍ: إنّ اللّه ستّير يحبّ السّتر، كان النّاس ليس لهم ستورٌ على أبوابهم ولا حجال في بيوتهم، فربّما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره، وهو على أهله، فأمرهم اللّه أن يستأذنوا في تلك العورات الّتي سمّى اللّه. ثمّ جاء اللّه بعد بالسّتور، فبسط [اللّه] عليهم الرّزق، فاتّخذوا السّتور واتّخذوا الحجال، فرأى النّاس أنّ ذلك قد كفاهم من الاستئذان الّذي أمروا به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ، ورواه أبو داود، عن القعنبيّ، عن الدّراورديّ، عن عمرو بن أبي عمرو به.
وقال السّدّي: كان أناسٌ من الصّحابة، رضي اللّه عنهم، يحبّون أنّ يواقعوا نساءهم في هذه السّاعات ليغتسلوا ثمّ يخرجوا إلى الصّلاة، فأمرهم اللّه أن يأمروا المملوكين والغلمان ألّا يدخلوا عليهم في تلك السّاعات إلّا بإذنٍ.
وقال مقاتل بن حيّان: بلغنا -واللّه أعلم -أنّ رجلًا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم طعامًا، فجعل النّاس يدخلون بغير إذنٍ، فقالت أسماء: يا رسول اللّه، ما أقبح هذا! إنّه ليدخل على المرأة وزوجها وهما في ثوبٍ واحدٍ، غلامهما بغير إذنٍ! فأنزل اللّه في ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم [ثلاث مرّاتٍ]} الآية.
وممّا يدلّ على أنّها محكمةٌ لم تنسخ، قوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليمٌ حكيمٌ}). [تفسير ابن كثير: 6/ 81-83]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم} يعني: إذا بلغ الأطفال الّذين إنّما كانوا يستأذنون في العورات الثّلاث، إذا بلغوا الحلم، وجب عليهم أن يستأذنوا على كلّ حالٍ، يعني بالنّسبة إلى أجانبهم وإلى الأحوال الّتي يكون الرّجل على امرأته، وإن لم يكن في الأحوال الثّلاث.
قال الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ: إذا كان الغلام رباعيًّا فإنّه يستأذن في العورات الثّلاث على أبويه، فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كلّ حالٍ. وهكذا قال سعيد بن جبيرٍ.
وقال في قوله: {كما استأذن الّذين من قبلهم} يعني: كما استأذن الكبار من ولد الرّجل وأقاربه). [تفسير ابن كثير: 6/ 83]

تفسير قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والقواعد من النّساء} قال سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيّان، وقتادة، والضّحّاك: هنّ اللّواتي انقطع عنهنّ الحيض ويئسن من الولد، {اللاتي لا يرجون نكاحًا} أي: لم يبق لهنّ تشوّف إلى التّزويج، {فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجاتٍ بزينةٍ} أي: ليس عليها من الحرج في التّستّر كما على غيرها من النّساء.
قال أبو داود: حدّثنا أحمد بن محمّدٍ المروزيّ حدّثني عليّ بن الحسين بن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ} الآية [النّور: 31] فنسخ، واستثنى من ذلك {والقواعد من النّساء اللاتي لا يرجون نكاحًا} الآية
قال ابن مسعودٍ [في قوله]: {فليس عليهنّ جناحٌ أن يضعن ثيابهنّ} قال: الجلباب، أو الرّداء: وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وابن عمر، ومجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبي الشّعثاء وإبراهيم النّخعيّ، والحسن، وقتادة، والزّهريّ، والأوزاعيّ، وغيرهم.
وقال أبو صالحٍ: تضع الجلباب، وتقوم بين يدي الرّجل في الدّرع والخمار.
وقال سعيد بن جبير وغيره، في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: "إن يضعن من ثيابهنّ" وهو الجلباب من فوق الخمار فلا بأس أن يضعن عند غريبٍ أو غيره، بعد أن يكون عليها خمارٌ صفيق.
وقال سعيد بن جبيرٍ: {غير متبرّجاتٍ بزينةٍ} يقول: لا يتبرّجن بوضع الجلباب، أن يرى ما عليها من الزّينة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عبيد اللّه، حدّثنا ابن المبارك، [حدّثني سوّار بن ميمونٍ، حدّثتنا طلحة بنت عاصم، عن أم المصاعن، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّها قالت: دخلت عليّ] فقلت: يا أمّ المؤمنين، ما تقولين في الخضاب، والنّفاض، والصّباغ، والقرطين، والخلخال، وخاتم الذّهب، وثياب الرّقاق؟ فقالت: يا معشر النّساء، قصّتكنّ كلّها واحدةٌ، أحلّ اللّه لكنّ الزّينة غير متبرّجاتٍ. أي: لا يحلّ لكنّ أن يروا منكنّ محرّمًا.
وقال السّدّيّ: كان شريكٌ لي يقال له: "مسلمٌ"، وكان مولًى لامرأة حذيفة بن اليمان، فجاء يومًا إلى السّوق وأثر الحنّاء في يده، فسألته عن ذلك، فأخبرني أنّه خضب رأس مولاته -وهي امرأة حذيفة -فأنكرت ذلك. فقال: إن شئت أدخلتك عليها؟ فقلت: نعم. فأدخلني عليها، فإذا امرأةٌ جليلةٌ، فقلت: إنّ مسلمًا حدّثني أنّه خضّب رأسك؟ فقالت: نعم يا بنيّ، إنّي من القواعد اللّاتي لا يرجون نكاحًا، وقد قال اللّه في ذلك ما سمعت.
وقوله: {وأن يستعففن خيرٌ لهنّ} أي: وترك وضعهنّ لثيابهنّ -وإن كان جائزًا -خيرٌ وأفضل لهنّ، واللّه سميعٌ عليمٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 83-84]

رد مع اقتباس