عرض مشاركة واحدة
  #114  
قديم 1 صفر 1439هـ/21-10-2017م, 11:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الحكمة من سؤال المسلم الهداية:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحكمة من سؤال المسلم الهداية:
اشتهر في كتب التفسير وغيرها السؤال عن الحكمة من سؤال المسلم الهداية إلى الصراط المستقيم وقد هداه الله إلى الإسلام، وكذلك الحكمة من تكرار هذا الدعاء في كلِّ ركعة، ولم أقف على ذكر أوّل من أثار هذا السؤال، والذي يظهر أنّ هذه المسألة لم تكن مشكلة عند السلف حتى يُسأل عنها، وإنما نشأ السؤال بعدهم،
وللمفسّرين كلام مشتهر في الجواب على هذا السؤال الكبير، وما تقدّم شرحُه من المسائل كافٍ بإذن الله تعالى في إيضاح الجواب، لكن تلخيص أقوال أهل العلم فيما أجابوا به على هذا السؤال نافع بإذن الله تعالى.
فذهب ابن جرير وأبو إسحاق الزجاج وأبو جعفر النحاس وجماعة من اللغويين إلى أنّ المعنى: ثبّتنا على الهدى.
قال الزجاج: (ومعنى {اهدنا} وهم مهتدون: ثبّتنا على الهدى، كما تقول للرجل القائم: قم لي حتى أعود إليك. تعني: اثبُتْ لي على ما أنت عليه)ا.ه.
وشيخ الإسلام ابن تيمية أطال بحث هذه المسألة في مواضع من كتبه، وله عناية بالجواب على هذا السؤال لاتّصاله بالردّ على بعض أهل الأهواء الذين أساؤوا فهم هذه المسألة.
ومما قاله في ذلك: (وهذا كما يقول بعضهم في قوله {اهدنا الصراط المستقيم} فيقولون: المؤمن قد هُدي إلى الصراط المستقيم؛ فأي فائدة في طلب الهدى؟
ثم يجيب بعضهم بأن المراد ثبتنا على الهدى كما تقول العرب للقائم: قم حتى آتيك.
- أو يقول بعضهم: أَلْزِم قلوبنا الهدى؛ فحذف الملزوم.
- ويقول بعضهم: زدني هدى.
وإنما يوردون هذا السؤال لعدم تصورهم الصراط المستقيم الذي يَطْلُب العبدُ الهداية إليه؛ فإنَّ المراد به العمل بما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه في جميع الأمور.
والإنسان وإن كان أقرَّ بأن محمداً رسول الله، وأن القرآن حقٌّ على سبيل الإجمال؛ فأكثر ما يحتاج إليه من العلم بما ينفعه ويضره وما أمر به وما نهى عنه في تفاصيل الأمور وجزئياتها لم يعرفْه، وما عرفه فكثير منه لم يعمله، ولو قدر أنه بلغه كلُّ أمرٍ ونهيٍ في القرآن والسنة؛ فالقرآن والسنة إنما تُذكر فيهما الأمور العامة الكلية لا يمكن غير ذلك، لا يذكر مايخصّ به كل عبد.

ولهذا أُمِرَ الإنسان في مثل ذلك بسؤال الهدى إلى الصراط المستقيم، والهدى إلى الصراط المستقيم يتناول هذا كله:
- يتناول التعريف بما جاء به الرسول مفصلاً.
- ويتناول التعريف بما يدخل في أوامره الكليات.
- ويتناول إلهام العمل بعلمه؛ فإن مجرد العلم بالحق لا يحصل به الاهتداء إن لم يعمل بعلمه.
ولهذا قال لنبيه بعد صلح الحديبية أوَّلَ سورة الفتح {إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} وقال في حق موسى وهارون {وآتيناهما الكتاب المستبين . وهديناهما الصراط المستقيم}).ا.هـ.
وله في مواضع أخرى من كتبه كلام حسنٌ في الجواب على هذا السؤال، ولتلميذه ابن القيّم رحمه الله عناية أيضاً بالجواب على هذا السؤال.

وتلخيص الجواب على هذا السؤال: أن دخول المسلم في الإسلام هو أصل الهداية؛ لكنّه يحتاج إلى هدايات كثيرة متنوّعة ومتجددة، وبيان ذلك من وجوه:
1. أن الهداية قائمة على العلم والعمل، وهما يتفاضلان؛ فيحتاج المؤمن إلى البصيرة في الدين، وإلى الإعانة على الطاعة، والعصمة من الضلالة في كلّ أمرٍ من أموره.
2. أنّ الهداية الإجمالية لا تغني عن الهداية التفصيلية.
3. أن القلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت والهداية دائمة متجددة.
4. أن الفتن التي تعترض المؤمن في يومه وليلته كثيرة متنوّعة ومن لم يهده الله ضلّ بها، وكم أصابت الإنسان المقصّر من فتنة تضرر بها وبعقوباتها ولو أنَّه أحسن الاستعاذة بالله منها وسؤاله الهداية لَسَلِم من شرّ كثير.
5. أنّ لكل عبد حاجات خاصّة للهداية، بما يناسب حاله، فهو محتاج إلى أن يمدّه الله بتلك الهدايات، وإن لم يهده الله لم يهتد). [تفسير سورة الفاتحة:207 - 210]


رد مع اقتباس