عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:52 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وكلمته ألقها إلى مريم قال هو قوله كن فكان). [تفسير عبد الرزاق: 1/177]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه}
- أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، عن حمّادٍ، حدّثنا معبد بن هلالٍ، قال: اجتمع رهطٌ من أهل البصرة فانطلقنا إلى أنس بن مالكٍ فانتهينا إليه وهو يصلّي الضّحى، فانتظرنا حتّى فرغ فدخلنا عليه، فأجلس ثابتًا على سريره، فقال له: يا أبا حمزة، إنّ إخواننا يسألونك عن حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الشّفاعة، قال أنسٌ: حدّثنا محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم: " إذا كان يوم القيامة ماج النّاس بعضهم في بعضٍ، فيؤتى آدم فيقال له: يا آدم اشفع لذرّيّتك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فهو خليل الرّحمن، فيؤتى إبراهيم، فيقول: يعني: لست لها، ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله، فيؤتى موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فهو روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى عليه السّلام فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فأوتى فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربّي فيؤذن لي عليه، فأقوم بين يديه فيلهمني محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقول: يا محمّد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعط، واشفع تشفّع، فأقول: أي ربّ، أمّتي أمّتي، فيقال: انطلق، فمن كان في قلبه - إمّا قال: مثقال برّةٍ أو شعيرةٍ من إيمانٍ فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثمّ أعود فأحمد بتلك المحامد، ثمّ أخرّ له ساجدًا، فيقال: يا محمّد، ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفّع، فأقول: يا ربّ أمّتي أمّتي، فيقال: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبّة خردلٍ من إيمانٍ فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثمّ أعود فأحمده بتلك المحامد، ثمّ أخرّ له ساجدًا فيقال لي: يا محمّد، ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفّع، فأقول: يا ربّ، أمّتي أمّتي، فيقال: انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبّة خردلٍ فأخرجه من النّار، فأنطلق " حديث أنسٍ إلى منتهاه
- أخبرني محمود بن خالدٍ، حدّثنا عمر يعني ابن عبد الواحد، عن الأوزاعيّ، عن عمير بن هانئٍ، حدّثني جنادة بن أبي أميّة، عن عبادة بن الصّامت، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأنّ الجنّة حقٌّ، وأنّ النّار حقٌّ، أدخله الله الجنّة على ما كان منه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/76-77]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلاّ الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثةٌ انتهوا خيرًا لكم إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكون له ولدٌ له ما في السّموات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {يا أهل الكتاب} يا أهل الإنجيل من النّصارى {لا تغلوا في دينكم} يقول: لا تجاوزوا الحقّ في دينكم فتفرطوا فيه، ولا تقولوا في عيسى غير الحقّ، فإنّ قيلكم في عيسى إنّه ابن اللّه قولٌ منكم على اللّه غير الحقّ، لأنّ اللّه لم يتّخذ ولدًا، فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنًا {ولا تقولوا على اللّه إلاّ الحقّ}.
وأصل الغلوّ في كلّ شيءٍ: مجاوزة حدّه الّذي هو حدّه، يقال منه في الدّين قد غلا فهو يغلو غلوًّا، وغلا بالجارية عظمها ولحمها: إذا أسرعت الشّباب، فجاوزت لداتها، يغلو بها غلوًّا وغلاءً؛ ومن ذلك قول الحارث بن خالدٍ المخزوميّ:.
خمصانةٌ قلقٌ موشّحها = رؤد الشّباب غلا بها عظم.
- وقد حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: صاروا فريقين: فريقٌ غلوا في الدّين، فكان غلوّهم فيه: الشّكّ فيه والرّغبة عنه، وفريقٌ منهم قصروا عنه ففسقوا عن أمر ربّهم). [جامع البيان: 7/700-701]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّما المسيح عيسى ابن مريم} ما المسيح أيّها الغالون في دينهم من أهل الكتاب بابن اللّه كما تزعمون، ولكنّه عيسى ابن مريم دون غيرها من الخلق، لا نسب له غير ذلك. ثمّ نعته اللّه جلّ ثناؤه بنعته ووصفه بصفته، فقال: هو رسول اللّه، أرسله اللّه بالحقّ إلى من أرسله إليه من خلقه
وأصل المسيح: الممسوح، صرف من مفعولٍ إلى فعيلٍ، وسمّاه اللّه بذلك لتطهيره إيّاه من الذّنوب؛ فقيل: مسح من الذّنوب والأدناس الّتي تكون في الآدميّين، كما يمسح الشّيء من الأذى الّذي يكون فيه فيطهّر منه، ولذلك قال مجاهدٌ ومن قال مثل قوله: المسيح: الصّدّيق.
وقد زعم بعض النّاس أنّ أصل هذه الكلمة عبرانيّةٌ أو سريانيّةٌ: مشيحا فعرّبت، فقيل المسيح، كما عرّب سائر أسماء الأنبياء الّتي في القرآن مثل إسماعيل وإسحاق وموسى وعيسى
قال أبو جعفرٍ: وليس ما مثّل به من ذلك للمسيح بنظيرٍ؛ وذلك أنّ إسماعيل وإسحاق وما أشبه ذلك، أسماءٌ لا صفاتٌ، والمسيح صفةٌ، وغير جائزٍ أن تخاطب العرب وغيرها من أجناس الخلق في صفة شيءٍ إلا بما يفهم عمّن خاطبها، ولو كان المسيح من غير كلام العرب ولم تكن العرب تعقل معناه ما خوطبت به. وقد أتينا من البيان عن نظائر ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية عن إعادته.
وأمّا المسيح الدّجّال، فإنّه أيضًا بمعنى الممسوح العين، صرف من مفعولٍ إلى فعيلٍ، فمعنى المسيح في عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم: الممسوح البدن من الأدناس والآثام، ومعنى المسيح في الدّجّال: الممسوح العين اليمنى أو اليسرى كالّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك.
وأمّا قوله: {وكلمته ألقاها إلى مريم} فإنّه يعني بالكلمة: الرّسالة الّتي أمر اللّه ملائكته أن تأتي مريم بها، بشارةً من اللّه لها الّتي ذكر اللّه جلّ ثناؤه في قوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ منه} يعني: برسالةٍ منه، وبشارةٍ من عنده
وقد قال قتادة في ذلك ما:
- حدّثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وكلمته ألقاها إلى مريم} قال: هو قوله: كن فكان.
وقد بيّنّا اختلاف المختلفين من أهل الإسلام في ذلك فيما مضى قبل مع البيان عن الصحيح من القول فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {ألقاها إلى مريم} يعني: أعلمها بها وأخبرها، كما يقال: ألقيت إليك كلمةً حسنةً، بمعنى أخبرتك بها، وكلّمتك بها.
وأمّا قوله: {وروحٌ منه} فإنّ أهل العلم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: {وروحٌ منه} ونفخةٌ منه، لأنّه حدث عن نفخة جبريل عليه السّلام في درع مريم بأمر اللّه إيّاه بذلك، فنسب إلى أنّه روحٌ من اللّه، لأنّه بأمره، كان، قال: وإنّما سمّى النّفخ روحًا لأنّها ريحٌ تخرج من الرّوح، واستشهدوا على ذلك من قولهم بقول ذي الرّمّة في صفة نارٍ نعتها:
فلمّا بدت كفّنتها وهي طفلةٌ = بطلساء لم تكمل ذراعًا ولا شبرا.
وقلت له ارفعها إليك وأحيها = بروحك واقتته لها قيتةً قدرًا.
وظاهر لها من يائس الشّخت واستعن = عليها الصّبا واجعل يديك لها سترا.
وقالوا: يعني بقوله: أحيها بروحك: أي أحيها بنفخك.
وقال بعضهم: يعني بقوله: {وروحٌ منه} أنّه كان إنسانًا بإحياء اللّه له بقوله: كن، قالوا: وإنّما معنى قوله: {وروحٌ منه} وحياةٌ منه، بمعنى: إحياء اللّه إيّاه بتكوينه.
وقال آخرون: معنى قوله: {وروحٌ منه} ورحمةٌ منه كما قال جلّ ثناؤه في موضعٍ آخر: {وأيّدهم بروحٍ منه}. قال: ومعناه في هذا الموضع: ورحمةٌ منه. قال: فجعل اللّه عيسى رحمةً منه على من اتّبعه وآمن به وصدّقه، لأنّه هداهم إلى سبيل الرّشاد.
وقال آخرون: معنى ذلك: وروحٌ من اللّه خلقها فصوّرها، ثمّ أرسلها إلى مريم، فدخلت في فيها، فصيّرها اللّه تعالى روح عيسى عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ، قال: أخبرني أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أخذهم فجعلهم أرواحًا، ثمّ صوّرهم، ثمّ استنطقهم، فكان روح عيسى من تلك الأرواح الّتي أخذ عليها العهد والميثاق، فأرسل ذلك الرّوح إلى مريم، فدخل في فيها فحملت الّذي خاطبها، وهو روح عيسى عليه السّلام.
وقال آخرون: معنى الرّوح ههنا: جبريل عليه السّلام. قالوا: ومعنى الكلام: وكلمته ألقاها إلى مريم، وألقاها أيضًا إليها روحٌ من اللّه، ثمّ من جبريل عليه السّلام.
ولكلّ هذه الأقوال وجهٌ ومذهبٌ غير بعيدٍ من الصّواب). [جامع البيان: 7/701-705]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثةٌ انتهوا خيرًا لكم}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فآمنوا باللّه ورسله} فصدّقوا يا أهل الكتاب بوحدانيّة اللّه وربوبيّته، وأنّه لا ولد له، وصدّقوا رسله فيما جاءوكم به من عند اللّه، وفيما أخبرتكم به أنّ اللّه واحدٌ لا شريك له، ولا صاحبة له، ولا ولد له. {ولا تقولوا ثلاثةٌ} يعني: ولا تقولوا الأرباب ثلاثةٌ.
ورفعت الثّلاثة بمحذوفٍ دلّ عليه الظّاهر، وهو هم. ومعنى الكلام: ولا تقولوا هم ثلاثةٌ. وإنّما جاز ذلك لأنّ القول حكايةٌ، والعرب تفعل ذلك في الحكاية، ومنه قول اللّه: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم}وكذلك كلّ ما ورد من مرفوعٍ بعد القول لا رافع معه، ففيه إضمار اسمٍ رافعٍ لذلك الاسم.
ثمّ قال لهم جلّ ثناؤه متوعّدًا لهم في قولهم العظيم الّذي قالوه في اللّه: انتهوا أيّها القائلون اللّه ثالث ثلاثةٍ عمّا تقولون من الزّور والشّكّ باللّه، فإنّ الانتهاء عن ذلك خيرٌ لكم من قيله، لما لكم عند اللّه من العقاب العاجل لكم على قيلكم ذلك، إن أقمتم عليه ولم تنيبوا إلى الحقّ الّذي أمرتكم بالإنابة إليه والأجل في معادكم). [جامع البيان: 7/705-706]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكون له ولدٌ له ما في السّموات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلاً}
يعني بقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ما اللّه أيّها القائلون: اللّه ثالث ثلاثةٍ كما تقولون، لأنّ من كان له ولدٌ فليس بإلهٍ، وكذلك من كان له صاحبةٌ فغير جائزٍ أن يكون إلهًا معبودًا، ولكنّ اللّه الّذي له الألوهة والعبادة، إلهٌ واحدٌ ومعبودٌ، لا ولد له، ولا والد، ولا صاحبة، ولا شريك. ثمّ نزّه جلّ ثناؤه نفسه وعظّمها ورفعها عمّا قال فيه أعداؤه الكفرة به، فقال: {سبحانه أن يكون له ولدٌ} يقول: علا اللّه وجلّ وعزّ وتعظّم وتنزّه عن أن يكون له ولدٌ أو صاحبةٌ {له ما في السّموات وما في الأرض}
ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عباده أنّ عيسى وأمّه، ومن في السّموات ومن في الأرض عبيده، وملكه، وخلقه، وأنّه رازقهم وخالقهم، وأنّهم أهل حاجةٍ وفاقةٍ إليه، احتجاجًا منه بذلك على من ادّعى أنّ المسيح ابنه، وأنّه لو كان ابنه كما قالوا لم يكن ذا حاجةٍ إليه، ولا كان له عبدًا مملوكًا، فقال: {له ما في السّموات وما في الأرض} يعني: للّه ما في السّموات وما في الأرض من الأشياء كلّها، ملكًا وخلقًا، وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبّرهم، فكيف يكون المسيح ابنًا للّه وهو في الأرض أو في السّموات غير خارجٍ من أن يكون في بعض هذه الأماكن.
وقوله {وكفى باللّه وكيلاً} يقول: وحسب ما في السّموات وما في الأرض باللّه قيّمًا ومدبّرًا ورازقًا، من الحاجة معه إلى غيره). [جامع البيان: 7/706-707]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلّا الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه فآمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثةٌ انتهوا خيرًا لكم إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ سبحانه أن يكون له ولدٌ له ما في السّماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلًا (171)
قوله تعالى: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن خليد بن دعلجٍ، عن قتادة في قوله: لا تغلوا في دينكم قال: لا تبتدعوا.
- أخبرنا أبو يزيد يوسف بن يزيد القرطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه تعالى: لا تغلوا في دينكم قال: الغلوّ: فراق الحقّ وكان ممّا غلوا فيه أن دعوا للّه صاحبةً وولدًا سبحانه وتعالى.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن وهب بن عطيّة الدّمشقيّ، ثنا الوليد ثنا خليد ابن دعلجٍ، عن الحسن في قوله: لا تغلوا في دينكم قال: لا تعتدوا.
قوله تعالى: إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: المسيح: الصّدّيق.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو طاهرٍ، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث أنّ سعيد بن أبن هلالٍ حدّثه أنّ يحيى بن عبد الرّحمن الثّقفيّ حدّثه أنّ عيسى ابن مريم كان سائحًا، ولذلك سمّي المسيح. قال: يمشي بأرضٍ، ويصبح بأخرى.
قوله تعالى: عيسى ابن مريم رسول اللّه.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا إسرائيل، عن سماكٍ عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لم يكن من الأنبياء من له اسمين إلا عيسى ومحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
قوله تعالى: وكلمته ألقاها إلى مريم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة قال: قال له: كن فكان.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، قال: سمعت شاذّ بن يحيى يقول في قوله تعالى: وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه قال: ليس الكلمة صارت عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى.
قوله تعالى: وروحٌ منه فآمنوا باللّه ورسله.
[الوجه الأول]
- ذكر عن حكّامٍ، عن عنبسة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه قال: رسولٌ منه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا شاذّ بن يحيى قال: قلت ليزيد بن هارون أيّ شيءٍ أحلّها؟ قال: روح اللّه بين عباده. قال: تحابّ النّاس، ثمّ قرأ يزيد وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه قال: محبّةٌ.
قوله تعالى: ولا تقولوا ثلاثةٌ انتهوا خيرًا لكم إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ، عن ابن نجيحٍ، عن عطاءٍ قال: نزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة إلهٌ واحدٌ.
فقال كفّار قريشٍ بمكّة: كيف يسع النّاس إلهٌ واحدٌ؟ فأنزل اللّه: إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك إلى قوله: لآياتٍ لقومٍ يعقلون فبهذا تعلمون أنّه إلهٌ واحدٌ وأنّه إله كلّ شيءٍ وخالق كلّ شيءٍ.
قوله تعالى: سبحانه أن يكون له ولدٌ له ما في السماوات الآية.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ قال: سبحان اللّه، قال: تنزيه اللّه نفسه عن السّوء، قال: ثمّ قال عمر لعليٍّ وأصحابه عنده: لا إله إلا اللّه قد عرفناه فما سبحان اللّه؟ فقال له عليّ: كلمةٌ أحبّها اللّه لنفسه ورضيها وأحبّ أن تقال.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا النّضر بن عربيٍّ قال: سأل رجلٌ ميمون بن مهران عن سبحان اللّه، فقال: اسمٌ يعظّم اللّه به ويحاشا به من السّوء.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب حدّثني أبو الأشهب عن الحسن قال: سبحان اللّه: اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1122-1124]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله {لا تغلوا} قال: لا تبتدعوا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {وكلمته ألقاها إلى مريم} قال: كلمته إن قال: كن فكان.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابي موسى، أن النجاشي قال لجعفر: ما يقول صاحبك في ابن مريم قال: يقول فيه قول الله: روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء لم يقربها بشر فتناول عودا من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلا ومعنا جعفر بن أبي طالب وبعثت قريش عمارة وعمرو بن العاص ومعهما هدية إلى النجاشي فلما دخلا عليه سجدا له وبعثا إليه بالهدية وقالا: إن ناسا من قومنا رغبوا عن ديننا وقد نزلوا أرضك فبعث إليهم حتى دخلوا عليه فلم يسجدوا له فقالوا: ما لكم لم تسجدوا للملك فقال جعفر: إن الله بعث إلينا نبيه فأمرنا أن لا نسجد إلا لله، فقال عمرو بن العاص: إنهم يخالفونك في عيسى وأمه، قال: فما يقولون في عيسى وأمه قالوا: نقول كما قال الله: هو روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسسها بشر فتناول النجاشي عودا فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذه مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده فأنا أشهد أنه نبي ولوددت أني عنده فأحتمل نعليه فانزلوا حيث شئتم من أرضي.
وأخرج البخاري عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله.
وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء على ما كان من العمل). [الدر المنثور: 5/141-142]

تفسير قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: " يستنكف: يستكبر). [صحيح البخاري: 6/42] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: قال ابن عبّاسٍ يستنكف يستكبر وقع هذا في رواية المستملى والكشميهني حسب وقد وصله بن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته قال يستكبر وهو عجيبٌ فإنّ في الآية عطف الاستكبار على الاستنكاف فالظّاهر أنّه غيره ويمكن أن يحمل على التّوكيد وقال الطّبريّ معنى يستنكف يأنف وأسند عن قتادة قال يحتشم وقال الزّجّاج هو استفعالٌ من النّكف وهو الأنفة والمراد دفع ذلك عنه ومنه نكفت الدّمع بالإصبع إذا منعته من الجري على الخدّ). [فتح الباري: 8/237]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
قال ابن عبّاس يستنكف يستكبر قواما قوامكم من معايشكم لهنّ سبيلا يعني الرّجم للثيب والجلد للبكر وقال غيره مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثًا وأربعا ولا تجاوز العرب رباع
قال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله يستنكف قال يستكبر). [تغليق التعليق: 4/192]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ يستنكف يستكبر
لم يقع هذا إلاّ في رواية الكشميهني والمستملي، وأشار به إلى قوله تعالى: {ومن يستنكف عن عبادته} (النّساء: 172) وهذا التّعليق وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {ومن يستنكف عن عبادته} قال: يستكبر. فإن قلت: ما وجه ذلك وقد عطف يستكبر على يستنكف في الآية حيث قال: {ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر} والمعطوف غير المعطوف عليه؟ قلت: يجوز أن يكون عطفا تفسيريا. وقد تعجب بعضهم من صدور هذا عن ابن عبّاس بطريق الاستبعاد. ثمّ قال: ويمكن أن يحمل على التوكيد. قلت: الصّواب ما قلته، ومثل هذا لا يسمى توكيدا يفهمه من له إلمام بالعربيّة. وقال الطّبريّ: يعني يستنكف يأنف، وقال الزّجاج: هو استنكاف من النكف، وهو الأنفة). [عمدة القاري: 18/162]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (سورة النّساء
قال ابن عبّاسٍ: يستنكف: يستكبر، قوامًا: قوامكم من معايشكم لهنّ سبيلًا يعني الرّجم للثّيّب، والجلد للبكر، وقال غيره: مثنى وثلاث يعني اثنتين وثلاثًا وأربعًا ولا تجاوز العرب رباع.
سورة النّساء
مدنية. زاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم والمستملي والكشميهني.
(قال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عنه (يستنكف) يريد تفسير قوله تعالى: {ومن يستنكف عن عبادته} [النساء: 172] معناه (يستكبر) فالعطف للتفسير أي يأنف. وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه). [إرشاد الساري: 7/74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه ولا الملائكة المقرّبون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {لن يستنكف المسيح} لن يأنف ولن يستكبر المسيح {أن يكون عبدًا للّه} يعني: من أن يكون عبدًا للّه. كما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه ولا الملائكة المقرّبون} لن يحتشم المسيح أن يكون عبد اللّه ولا الملائكة
وأمّا قوله: {ولا الملائكة المقرّبون} فإنّه يعني: ولن يستنكف أيضًا من الإقرار للّه بالعبوديّة، والإذعان له بذلك رسله المقرّبون الّذين قرّبهم اللّه ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه
وروي عن الضّحّاك أنّه كان يقول في ذلك ما:
- حدّثني به، جعفر بن محمّدٍ البزوريّ، قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، عن الأجلح، قال: قلت للضّحّاك: ما المقرّبون؟ قال: أقربهم إلى السّماء الثّانية). [جامع البيان: 7/707-708]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعًا}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: ومن يتعظّم عن عبادة ربّه، ويأنف من التّذلّل والخضوع له بالطّاعة من الخلق كلّهم، ويستكبر عن ذلك {فسيحشرهم إليه جميعًا} يقول: فسيبعثهم يوم القيامة جميعًا، فيجمعهم لموعدهم عنده). [جامع البيان: 7/708]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه ولا الملائكة المقرّبون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعًا (172)
قوله تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه ولا الملائكة المقربون.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عطاء، عن ابن عباس قوله: ستنكف
قال: لن يستكبر.
وروي عن عطاء الخرساني نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه ولا الملائكة المقرّبون
يقول: لن يحتشم المسيح أن يكون عبدًا لله ولا الملائكة المقربين.
قوله تعالى: من يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعًا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن أبي سنانٍ عن الضّحّاك في قوله: ميعا
قال: البرّ والفاجر). [تفسير القرآن العظيم: 4/1124]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد الأصبهانيّ، ثنا أحمد بن مهران بن خالدٍ الأصبهانيّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي اللّه عنه، قال: أمرنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن ننطلق إلى أرض النّجاشيّ، فبلغ ذلك قريشًا فبعثوا إلى عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنّجاشيّ هدايا فقدمنا، وقدموا على النّجاشيّ فأتوه بهديّةٍ فقبلها، وسجدوا له، ثمّ قال عمرو بن العاص: إنّ قومًا منّا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك. فقال لهم النّجاشيّ: في أرضي؟ قال: نعم، قال: فبعث إلينا فقال لنا جعفرٌ: لا يتكلّم منكم أحدٌ أنا خطيبكم اليوم فانتهينا إلى النّجاشيّ وهو جالسٌ في مجلسه، وعمرو بن العاص عن يمينه، وعمارة عن يساره، والقسّيسون من الرّهبان جلوسٌ سماطين، فقال له عمرٌو وعمارة: إنّهم لا يسجدون لك فلمّا انتهينا إليه زبرنا من عنده من القسّيسين والرّهبان اسجدوا للملك، فقال جعفرٌ: لا نسجد إلّا للّه فقال له النّجاشيّ: وما ذاك؟ قال: إنّ " اللّه بعث فينا رسوله، وهو الرّسول الّذي بشّر به عيسى برسولٍ يأتي من بعده اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد اللّه ولا نشرك به شيئًا، ونقيم الصّلاة، ونؤتي الزّكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر قال: فأعجب النّاس قوله فلمّا رأى ذلك عمرٌو قال له: أصلح اللّه الملك، إنّهم يخالفونك في عيسى ابن مريم فقال النّجاشيّ لجعفرٍ: ما يقول صاحبك في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول اللّه: هو روح اللّه، وكلمته، أخرجه من البتول العذراء، لم يقربها بشرٌ، قال: فتناول النّجاشيّ عودًا من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسّيسين والرّهبان، ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه، مرحبًا بكم، وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنّه رسول اللّه وأنّه الّذي بشّر به عيسى ابن مريم ولولا ما أنا فيه من الملك، لأتيته حتّى أحمل نعليه، امكثوا في أرضي ما شئتم، وأمر لهم بطعامٍ وكسوةٍ، وقال: ردّوا على هذين هديّتهم «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه» وإنّما خرّجته في هذا الموضع اقتداءً بشيخنا أبي يحيى الخفّاف فإنّه خرّجه في قوله عزّ وجلّ {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه} [النساء: 172] "). [المستدرك: 2/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لن يستنكف} قال: لن يستكبر). [الدر المنثور: 5/142-143]

تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأمّا الّذين استنكفوا واستكبروا فيعذّبهم عذابًا أليمًا ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: فأمّا المؤمنون المقرّون بوحدانيّة اللّه، الخاضعون له بالطّاعة، المتذلّلون له بالعبوديّة، والعاملون الصّالحات من الأعمال، وذلك أن يردّوا على ربّهم، قد آمنوا به وبرسله، وعملوا بما أتاهم به رسله من عند ربّهم، من فعل ما أمرهم به، واجتناب ما أمرهم باجتنابه {فيوفّيهم أجورهم} يقول: فيؤتيهم جزاء أعمالهم الصّالحة وافيًا تامًّا. {ويزيدهم من فضله} يعني جلّ ثناؤه: ويزيدهم على ما وعدهم من الجزاء على أعمالهم الصّالحة والثّواب عليها من الفضل والزّيادة ما لم يعرّفهم مبلغه ولم يحدّ لهم منتهاه. وذلك أنّ اللّه وعد من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة الواحدة عشر أمثالها من الثّواب والجزاء، فذلك هو أجر كلّ عاملٍ على عمله الصّالح من أهل الإيمان المحدود مبلغه، والزّيادة على ذلك تفضّلٌ من اللّه عليهم، وإن كان كلّ ذلك من فضله على عباده؛ غير أنّ الّذي وعد عباده المؤمنين أن يوفّيهم فلا ينقصهم من الثّواب على أعمالهم الصّالحة، هو ما حدّ مبلغه من العشر، والزّيادة على ذلك غير محدودٍ مبلغها، فيزيد من شاء من خلقه على ذلك قدر ما يشاء، لا حدّ لقدره يوقف عليه.
وقد قال بعضهم: الزّيادة إلى سبعمائة ضعفٍ. وقال آخرون: إلى ألفين.
وقد ذكرت اختلاف المختلفين في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {وأمّا الّذين استنكفوا واستكبروا} فإنّه يعني: وأمّا الّذين تعظّموا عن الإقرار للّه بالعبودة والإذعان له بالطّاعة، واستكبروا عن التّذلّل لألوهته وعبادته وتسليم الرّبوبيّة والوحدانيّة له {فيعذّبهم عذابًا أليمًا} يعني: عذابًا موجعًا {ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا} يقول: ولا يجد المستنكفون من عبادته والمستكبرون عنها إذا عذّبهم اللّه الأليم من عذابه سوى اللّه لأنفسهم وليًّا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه. ولا نصيرًا: ولا ناصرًا ينصرهم، فيستنقذهم من ربّهم، ويدفع عنهم بقوّته ما أحلّ بهم من نقمته، كالّذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدّنيا في الدّنيا بسوءٍ من نصرتهم والمدافعة عنهم). [جامع البيان: 7/709-710]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأمّا الّذين استنكفوا واستكبروا فيعذّبهم عذابًا أليمًا ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا (173)
قوله تعالى: فأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن المصفّى، ثنا بقيّة، ثنا إسماعيل بن عبد اللّه الكنديّ عن الأعمش في قوله: فيوفّيهم أجورهم قال: أجورهم أن يدخلهم الجنة.
قوله تعالى: ويزيدهم من فضله.
- وبه عن الأعمش في قوله: ويزيدهم من فضله قال: الشّفاعة لمن وجبت له النّار ممّن صنع إليهم المعروف في الدّنيا.
قوله تعالى: وأمّا الذين استنكفوا واستكبروا الآية.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا إلا أن يتوب قبل موته فيتوب اللّه عليه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1124-1125]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فيوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} [النساء: 173]
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: {فيوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} [النساء: 173] قال: " أجورهم: يدخلهم الجنّة ويزيدهم من فضله، الشّفاعة لمن وجبت له النّار ممّن صنع إليهم المعروف في الدّنيا».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط والكبير، وفيه إسماعيل بن عبد اللّه الكنديّ، ضعّفه الذّهبيّ من عند نفسه فقال: أتى بخبرٍ منكرٍ، وبقيّة رجاله وثّقوا). [مجمع الزوائد: 7/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال {أجورهم} يدخلهم الجنة {ويزيدهم من فضله} الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا والله سبحانه أعلم). [الدر المنثور: 5/173]


رد مع اقتباس