عرض مشاركة واحدة
  #58  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 02:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

هل تُعدُّ البسملة آية؟
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هل تُعدُّ البسملة آية؟
لا خلاف في أن البسملة بعض آية في سورة النمل في قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك، وهو عدّ البسملة في أول كل سورة عدا سورة براءة على أقوال:

القول الأول: لا تعدّ آيةً من سورة الفاتحة، ولا من أوّل كلّ سورة، وهذا قول أبي حنيفة والأوزاعي ومالك، وحُكي عن سفيان الثوري.
والقول الثاني: أنها آية في سورة الفاتحة دون سائر سور القرآن الكريم، وعليه العدّ الكوفي والمكي كما تقدّم، وهو رواية عن الشافعي.
والقول الثالث: أنها آية في أول كل سورة عدا سورة براءة، وهو قول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وأصحّ الروايات عن الشافعي، ورواية عن أحمد، ورجَّحه النووي.
- قال علي بن الحسن بن شقيق: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان الثوري، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور من السور). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

القول الرابع: أنها آية من الفاتحة، وجزء من الآية الأولى من كل سورة عدا سورة براءة، وهو رواية عن الشافعي، وقول لبعض الشافعية حكاه الرازي في تفسيره، وذكره شيخ الإسلام وابن كثير وابن الجزري، وهو قول ضعيف.
القول الخامس: أنها آية مستقلة في أول كل سورة وليست من السور ، فلا تعد مع آيات السور، وهو رواية عن أحمد، وقول لبعض الحنفية.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: (هو أوسط الأقوال وبه تجتمع الأدلة فإن كتابة الصحابة لها في المصاحف دليل على أنها من كتاب الله، وكونهم فصلوها عن السورة التي بعدها دليل على أنها ليست منها)ا.ه.
وأصل الخلاف في هذه المسألة راجع إلى اختيار كلّ إمام للقراءة التي يقرأ بها، ولا ريب أنَّ البسملة آية من الفاتحة في بعض القراءات دون بعض.
ولا ريب أيضاً أنها كانت يفصل بها بين السور، وأنّها من كلام الله تعالى، وقد صحّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) في غير ما سورة:
- فمن ذلك: ما في صحيح مسلم من حديث علي بن مسهر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله ، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله قال: «أنزلت علي آنفا سورة؛ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر} ».
- ومن ذلك: حديث أمّ سلمة رضي الله عنها في سورة الفاتحة، وقد تقدّم.
وقد تواتر النقل عن جماعة من القراء بقراءة البسملة في أوّل كلّ سورة عدا سورة براءة، والبسملة فيها رواية عن عاصم.
وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على تجريد المصحف مما سوى القرآن، وكتبوا {بسم الله الرحمن الرحيم} للفصل بين السور.
ولم يكتبوا (آمين) لأنها ليست قرآناً، مع أنَّ قول آمين بعد الفاتحة من السنن الثابتة.
فكلّ ذلك من الدلائل الدالة على أنّ {بسم الله الرحمن الرحيم} قرآن منزّل، ولا ينبغي الاختلاف في ذلك، وإنما الخلاف السائغ: الخلاف في العدد.
قالَ أبو بكرٍ البيهقيُّ (ت:458هـ): (لم يختلف أهل العلم في نزول {بسم الله الرحمن الرحيم} قرآنا، وإنما اختلفوا في عدد النزول).
قال: (وفي إثبات الصحابة رسمها حيثُ كتبوها في مصاحفهم دلالةٌ على صحةِ قولِ من ادَّعى نزولَها حيث كُتِبَت، والله أعلم)ا.هـ.
ولذلك كان الخلاف في العدد، وفي القراءة بالبسملة في الصلاة على ما سيأتي بيانه.
وقد استقرّت مذاهب العدّ على ستة مذاهب كما سبق بيانه في درس عدد آيات سورة الفاتحة، وهي المذاهب المعتبرة عند القرَّاء، وإن كان بعض الأقوال المأثورة عن بعض القراء الأوائل في الأعداد قد اضمحلّ القائلون بها كما اندثرت بعض المذاهب الفقهية فلم يكن لها أصحاب يحملونها قرناً بعد قرن كما للمذاهب الأربعة، وكذلك الأمر في مذاهب عدّ آي القرآن.

وبناء على ما استقرّت عليه المذاهب في العدّ؛ فإنّ هذه المسألة لها فرعان:
الفرع الأول: عدّ البسملة آية من سورة الفاتحة، وقد سبق البيان بأنها آية من الفاتحة في العدّ الكوفي والمكي، وليست آية منها عند باقي أهل العدد.
والفرع الثاني: عدّ البسملة الآية الأولى في كلّ سورة عدا براءة.
وقد اتّفقت مذاهب العدّ على عدم عدّ البسملة آية، وإن كانوا يقرأون بها في أوّل كلّ سورة غير براءة، لكنَّهم لا يعدّونها من آيات السورة.
قال علم الدين السخاوي(ت:643هـ): (وأما إثباتها آية في أول كل سورة فلم يذهب إليه أحدٌ من أهل العدد)ا.هـ.

والمراد بأهل العدد العلماء الذين عُنوا بعدّ آيات القرآن ومعرفة فواصله من قرّاء الأمصار الأوائل الذين تلقوا القراءة عن قُراء التابعين عن قُرّاء الصحابة رضي الله عنهم، واشتهر منها: العدّ المكي، والعدّ المدني الأول، والعدّ المدني الأخير، والعدّ الكوفي، والعدّ البصري، والعدّ الدمشقي، والعدّ الحمصي.
1. فالعدّ المكّي هو المروي عن عبد الله بن كثير المكّي مقرئ أهل مكّة عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهم.
2. والعدّ المدني الأول رواه نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصّاح، وهم من أشهر قراء المدينة، ثم أخذ به عامّة قُراء مصر وقد وصل إليهم من طريق ورش عن نافع كما ذكر لك أبو عمرو الداني في البيان.
3. والعدّ المدني الأخير رواه إسماعيل بن جعفر المدني وقالون واسمه عيسى بن مينا عن ابن جماز عن أبي جعفر وشيبة موقوفاً عليهما، وبين العدّ المدني الأوّل والأخير خلاف في بعض المواضع.
4. والعدّ الكوفي هو المروي عن أبي عبد الرحمن السُّلمي مقرئ أهل الكوفة عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
5. والعدّ البصري هو المروي عن عطاء بن يسار وعاصم الجحدري وهما من كبار قرّاء التابعين، وعاصم قرأ على سليمان ابن قَتَّة التيمي البصري، وقتّة هي أمّه، وسليمان عرض على ابن عباس، قال ابن الجزري في غاية النهاية في ترجمة سليمان ابن قتة: (ثقة، عرض على ابن عباس ثلاث عرضات، وعرض عليه عاصم الجحدري).
6. والعدّ الدمشقي ويُسمّى العدّ الشامي هو المرويّ عن عبد الله بن عامر اليحصبي أحد القراء السبعة، وقد أخذ القراءةَ عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وعن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، واشتهر العدد الشامي من رواية يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر، وكان يحيى إمام الجامع الأموي وشيخ القرّاء بدمشق، وقد أخذ عنه جماعة من الأئمة القراء.
7. ومن أهل العلم من أضاف العدّ الحمصي وهو المروي عن شريح بن يزيد الحمصي مقرئ أهل حمص، لكن العدد الحمصي اندثر ، ولم يُحكَم تدوينُه.

والمقصود أنّ هؤلاء كلّهم لم يعدّوا البسملة آيةً في أوّل كلّ سورة إلا ما تقدّم في الفاتحة، فعدّها أصحاب العدّ الكوفي والمكي آية من آيات سورة الفاتحة، ولم يعدّها الآخرون.

وفي اتفاق أهل العدد على عدم عدّها آية في أوّل كلّ سورة غير الفاتحة دليل على أنّ الآخذ بهذا القول آخذٌ بقولٍ صحيحٍ لا شكَّ فيه، مع قيام الاحتمال القويّ لأن تكون الأقوالُ المأثورةُ عن بعض أهل العلم في عدّها آية من كلّ سورةٍ صحيحةً عن بعض القراء الأوائل، وأنّها مما قد تختلف فيه الأحرف السبعة.
ومما يستدلّ به على صحة قول من لا يعدّها آية في أوّل كلّ سورة:
1. حديث شعبة عن قتادة عن عباس الجُشَميِّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن سورة من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: {تبارك الذي بيده الملك}). رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وغيرهم.
وهو حديث رجاله أئمة معروفون غير عباس الجشمي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول، ولهذا الحديث شاهد عن أنس رضي الله عنه، وقد حسّنه جماعة من أهل الحديث.
وسورة الملك ثلاثون آية من غير البسملة عند جمهور أهل العدد.
ومن قال بأنها إحدى ثلاثون آية فلم يعدّ البسملة وإنما عدّ {قد جاءنا نذير} آية، كما هو في العدّ المكي، والعد المدني الأخير.
2. وحديث حماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود عن زرّ بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب: (كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كأين تعدها؟)
قال: قلت له: (ثلاثا وسبعين آية)
فقال: (قط، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة) الحديث، رواه أحمد في مسنده، وتابع حماداً على هذه الرواية منصور بن المعتمر كما عند النسائي في الكبرى؛ فقولهما أرجح من قول من قال: (بضعاً وسبعين).
وسورة الأحزاب قد أجمع أهل العدد على أنها ثلاث وسبعون آية من غير البسملة، لا خلاف بينهم في ذلك). [تفسير سورة الفاتحة:123 - 127]


رد مع اقتباس