عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12 صفر 1436هـ/4-12-2014م, 03:51 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

معالم التفسير في القرن الأول الهجري:

يمكن تقسيم القرن الأول الهجري إلى أربعة أقسام تاريخية مهمة:

1. العهد النبوي ( إلى شهر ربيع الأول سنة 11هـ)
وفي ذلك العهد كان القرآن يتنزّل على النبيّ صلى الله عليه وسلم منجّما، وكان الله تعالى يبيّن لرسوله صلى الله عليه وسلم ما أنزل عليه، ويأمره ببيانه للناس؛ فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم للمفسّرين، وكان يفسّر القرآن لأصحابه ويعلّمهم معانيه وأحكامه وآدابه كما يعلّمهم حروفه وأداءه، وقد سبق الحديث عن البيان الإلهي للقرآن (هنا) والبيان النبوي للقرآن (هنا).
وكان من المعلّمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري.
تنبيه في مسألة تاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

2. عهد الخلفاء الراشدين ( من عام 11هـ إلى عام 40هـ)
وكان أئمة المفسّرين فيه من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرّائهم وعلمائهم، ومنهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وعائشة.
وفي عهد عثمان وعليّ تصدّر ابن عبّاس في التفسير ، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر.
وكان الذين يتعلمون التفسير في ذلك العهد طبقة صغار الصحابة، وطبقة كبار التابعين.

وقد سبق الحديث عن دراسة التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم (هنا) وأعلام المفسّرين من الصحابة ( هنا )

3: منتصف القرن الأول الهجري ( من بدء خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة 41هـ إلى مقتل عبد الله بن الزبير سنة 74هـ)
وكان أئمة المفسّرين في ذلك العهد:
من الصحابة: زيد بن ثابت، وعائشة، وأبو هريرة، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن الزبير، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك.
ومن كبار التابعين: محمد بن الحنفية، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الأجدع، وعبيدة السلماني، وشريح القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وصلة بن زفر، ومرة بن شراحيل الهمداني، وزرّ بن حبيش، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وسعيد بن المسيب، وأسلم العدوي مولى عمر، وغيرهم.
وكان الذين يتعلمّون التفسير في ذلك العهد: الطبقة الوسطى من التابعين.

4. الربع الآخر من القرن الأول ( من سنة 75هـ إلى 99هـ).
وكان أئمة المفسّرين فيه:
من الصحابة: أنس بن مالك، وأبو أمامة الباهلي، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي.
ومن التابعين: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وأبو مجلز السدوسي، وأبو الجوزاء أوس الربعي، وأبو قلابة الجرمي، وسالم بن أبي الجعد الأشجعي، وعامر الشعبي، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دعامة السدوسي، والضحّاك بن مزاحم الهلالي.
فهؤلاء الأئمة المفسّرون لهم أقوال في التفسير، ولهم مرويات يروونها عن شيوخهم، وقد حُملت عنهم أقوالهم ومروياتهم.
وممن يغلب عليهم رواية التفسير من ثقات التابعين: أبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، وأبو مالك الغفاري، وأبو نضرة العبدي، وأبو تميمة الهجيمي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو المتوكل الناجي.
وهؤلاء مرويّاتهم في التفسير كثيرة، وتروى عنهم أقوال قليلة في التفسير.
ومن الرواة المتكلّم فيهم: أبو صالح مولى أمّ هانئ، وشهر بن حوشب، وعطية بن سعد العوفي.
وهؤلاء تغلب عليهم الرواة ولهم أقوال قليلة، وهم متكلّم فيهم من جهة ضعف الضبط، وكثرة الخطأ، ولذلك تُعتبر مروياتهم في التفسير، ويردّ منها ما كان فيه نكارة أو مخالفة.

وكان الذين يتعلمون التفسير في ذلك العهد: من طبقة صغار التابعين.

علم رواية التفسير:
ذكرت فيما مضى من الدروس عناية الصحابة رضي الله عنهم بالتفسير تعلماً وتعليماً، وطرقهم في ذلك، وبيّنت أن التابعين لهم بإحسان سلكوا طريقتهم في تعلّم التفسير وتعليمه، حتى صار تعليم التفسير قائماً في مجمله على أصلين:
الأصل الأول: نقل التفسير عمّن تقدّم من أئمة المفسّرين.
ومن أمثلته: أن يُسأل بعض الصحابة عن مسائل في التفسير؛ فيجيبوا السائل بما سمعوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأل عنه، أو ما سمعه صغار الصحابة عن كبارهم، أو يبتدئوهم بشيء من ذلك.
وكذلك ما يُسأل عنه بعض التابعين فيجيبوا به من مروياتهم عن المفسّرين من الصحابة أو ما سمعه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم.
والأصل الثاني: ما يُقوله المفسّرون من الصحابة والتابعين في تفسير الآية بألفاظ من إنشائهم بما علموه من معاني الآيات، إما استنادا إلى علم مسموع، أو معرفة بحال النزول، أو فهم المعنى اللغوي للمفردات والأساليب، أو مما احتاجوا إلى الاجتهاد في تفسيره، أو بيان حكم لمسألة بدليل من القرآن، أو دفع إشكال عرض لبعض السائلين، وغير ذلك من الأوجه التي تدعو المفسّر إلى بيان معنى الآية.
وعلى هذين الأصلين قام علم رواية التفسير وتدوينه.
فالتفسير منه تفسير يرويه المفسّر عمّن أخذ منهم التفسير، ومنه تفسير يقوله بما تبيّن له من معرفته بمعاني الآيات.
وأكثر المفسّرين يجمعون بين الأمرين؛ فيروون في التفسير عمّن سبقهم، ويوضحون المعنى لأصحابهم بألفاظ ينشئونها فتحفظ منهم، وتروى عنهم.
وكانت أقوال المفسّرين في القرن الأول في مسائل التفسير على ثلاثة أصناف: منها أقوال متّفقة، ومنها أقوال متقاربة يعرف بمجموعها التفسير الصحيح، وهما أكثر ما يروى عنهم في التفسير، ومنها أقوال مختلفة، وللاختلاف أسبابه التي تبحث في طرق التفسير.

والمقصود في هذا المقام بيان أن كثرة رواية التفسير وتعليم معاني القرآن، ووجود أئمّة درسوا التفسير وخوفاً من ضياع ما عندهم من العلم كلّ ذلك كان من أسباب تدوين التفسير وضبط روايته حتى يحفظ علم التفسير، ويميّز الصواب من الخطأ، وما تصحّ روايته وما لا تصح. (1)

تدوين التفسير في القرن الأول:
وأوّل من علمتهم عنوا بكتابة التفسير أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما.
فممَّن نصّ العلماء على أنّ لهم تفاسير أو كتبا من أصحاب ابن عباس: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وأربدة التميمي، وأبو مالك الغفاري، وأبو صالح باذام.

1: سعيد بن جبير بن هشام الوالبي الأسدي (ت: 95هـ)
كان من أعلم أصحاب ابن عباس بالتفسير، وأكثرهم رواية له، وقد لزمه حتى أخذ عنه علماً غزيراً في التفسير وغيره، وكان كثير الكتابة عنه.
قال عثمان بن حكيمٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: (كنت أسير مع ابن عباسٍ في طريق مكة ليلاً، فكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه). رواه الدارمي.
وقال مندل بن علي العنزي: حدثني جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: (كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ..). رواه الدارمي.

ولم يقتصر سعيد بن جبير على الأخذ عن ابن عباس؛ بل أخذ عن أصحاب أبيّ بن كعب في التفسير؛ كأبي العالية الرياحي وكانت بينهما مودّة، وعاش مدّة طويلة بالكوفة لقي فيها عددا من أصحاب عليّ وابن مسعود كأبي الصهباء البكري، وكان من أقران إبراهيم النخعي، ويثني كلّ منهما على الآخر، وقرأ قراءة ابن مسعود وقراءة زيد بن ثابت، وأخذ عن ابن عمر وكتب عنه، ولزمه مدّة حتى كان ابن عمر يوصي بعض من يسأله بسعيد بن جبير.
- قال وُهَيب: حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير قال: (كنا إذا اختلفنا بالكوفة في شيء كتبته عندي حتى ألقى ابن عمر فأسأله عنه). رواه ابن سعد.
- وقال عفّان: حدّثنا شعبة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: كنت أسأل ابن عمر في صحيفة، ولو علم بها كانت الفيصلَ بيني وبينه، قال: فسألته عن الإيلاء؛ فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر؟!
قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع.
قال: يقول في ذلك الأمراء). رواه ابن سعد.
- وقال إسماعيل بن عبد الملك: (كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد). ذكره الذهبي في معرفة القراء الكبار.
وقد لقي سعيد بن جبير نوف بن فضالة البكالي، وغيره من ممن قرأ كتب أهل الكتاب، وكان يأخذ عنهم بعض الإسرائيليات ولم يكن مكثراً من ذلك.
- عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري، حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت، فسألت ابن عباس، فقال: «قضى أكثرهما، وأطيبهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل» رواه البخاري.

وروي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان سأله أن يكتب له التفسير؛ فكتبه، وتفسيره هذا رواه عنه عطاء بن دينار (ت:126هـ) وجادة.
قال أبو حاتم لمّا سُئل عن عطاء بن دينار: (هو صالح الحديث إلا أن التفسير أخذه من الديوان؛ فإن عبد الملك بن مروان كتب يسأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن؛ فكتب سعيد بن جبير بهذا التفسير إليه؛ فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه؛ فأرسله عن سعيد بن جبير). رواه ابن أبي حاتم.

قال الحافظ أحمد بن صالح المصري: (عطاء بن دينار هو من ثقات أهل مصر، وتفسيره فيما يروى عن سعيد بن جبير صحيفة، وليست له دلالة على أنه سمع من سعيد بن جبير). رواه ابن أبي حاتم.
والمقصود أنّ سعيد بن جبير كان من أوّل من دوّن التفسير، والذي يظهر من سيرته العلمية ومما رواه عنه عطاء بن دينار أن التفسير الذي كتبه كان أكثره من قوله لا مما يرويه عن ابن عباس.
وكذلك فيما يروى عنه من التفسير من غير طريق عطاء بن دينار منه ما يسنده إلى ابن عباس، ومنه ما يسنده إلى غيره، ومنه ما يرسله، ومنه ما هو من قوله واجتهاده، وقد كان من العلماء المجتهدين، وهو من أوّل من أطلق عليهم وصف "الجهبذ" من العلماء.

قال أشعث بن إسحاق: (كان يقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.

2: مجاهد بن جبر المكي (ت:102هـ)
سبقت ترجمته، وأنه كان من أعلم الناس بالتفسير في زمانه، وأنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات يقفه عند كلّ آية ويسأله.
- محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال: (لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت، وفيم كانت؟). رواه الدارمي وابن جرير.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله). رواه ابن جرير.
وأكثر علمه في التفسير عن ابن عباس، لكنّه أخذ عن غيره كعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبيد بن عمير الليثي وكان عبيد قاصّا في مكة، وأخذ عن تبيع بن عامر الحميري ابن امرأة كعب الأحبار، وكان صاحبه في الغزو، وبينهما مودّة، فربما وافق تفسيره التفسير المروي عن كعب الأحبار؛ فيعلّ بذلك، وأخذ عن مغيث بن سميّ الأوزاعي، وكان ممن يقرأ الكتب.
وروى عن رجل يقال له يوسف بن الزبير المكي مولى آل الزبير، كان يهودياً فأسلم، وكان يقرأ الكتب.
قال أبو حاتم الرازي في شأن يوسف بن الزبير: (كان يقرأ الكتب، روى عن عبد الله بن الزبير، روى عنه مجاهد).
وقال البخاري في التاريخ الكبير: (روى منصور بن صفية عن يوسف صاحب الكتب، قال منصور: وكان رجلا يكون مع ابن الزبير، وكان يهوديا فأسلم).
وقال الحافظ المزي: (يوسف بن الزبير القرشي الأسدي المكي، مولى آل الزبير، وقيل: مولى عبد الله بن الزبير، وكان رضيعَ عبد الملك بن مروان، وكان يقرأ الكتب).
وقد قال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: (ما لهم يتقون تفسير مجاهد؟! قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب). رواه ابن سعد.
والإسرائيليات المروية عن مجاهد ليست كثيرة، وأكثر علمه بالتفسير كان عن ابن عباس،
وكان قد اجتهد رحمه الله في تعلّم التفسير اجتهاداً بالغاً، حتى روي عنه أنه قال: (استفرغ علمي القرآن).
وقد عُرف بالتفسير وأقبل عليه طلاب العلم؛ فكان يفسّر لهم القرآن، وكان منهم من يحفظ، ومنهم من يكتب.

ورواة التفسير عن مجاهد على خمس طبقات:
الطبقة الأولى: طبقة أصحابه الذين سمعوا منه في التفسير، وربما سألوه فأجابهم؛ ثمّ رووا عنه مسائله وما سمعوه منه في التفسير، ومن هؤلاء: عمرو بن دينار، ومنصور بن المعتمر، والقاسم بن أبي بزة، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير، وابن أبي نجيح، وعبيد المكتب، وإسحاق بن يحيى بن طلحة، وعبدة بن أبي لبابة، والعوام بن حوشب، وعثمان بن الأسود، وأبان بن صالح بن عمير، وعمر بن ذر، وخصيف، وغيرهم كثير.
ومن هؤلاء من كان يكتب عنه؛ وقد قال عبيدٌ المكتب: «رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهدٍ» رواه الدارمي.
وذكر ابن حبّان أنّ القاسم بن أبي بزّة سمع التفسير من مجاهد.
ومن المعلوم أنّ الطلاب إذا كان كلّ يكتب، ولم يُجمعوا على نسخة واحدة؛ فإنه لا بدّ أن يزيد بعضهم على بعض، ويكون بعضهم أكثر كتابة أو أحسن ضبطاً من بعض، ويظهر أثر التفاوت بسبب اختلافهم في طول الملازمة وقصرها، وتفاضلهم في الفهم والحفظ والعناية بالتفسير دراية ورواية.

والطبقة الثانية: الذين سمعوا منه شيئاً يسيراً؛ وهم على صنفين:
صنف مقلّ من الرواية عنه، ومنهم:
يونس بن أبي إسحاق، وأبو بشر اليشكري، والأعمش؛ وقد ذكر الترمذي عن البخاري في العلل الكبير أن الأعمش لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث.

وصنف مكثر: ومنهم ابن جريج، لم يسمع منه إلا شيئاً سيراً، وأكثر روايته عنه عن طريق أصحابه ابن أبي نجيح وغيره، ويرسل عنه كثيراً.

والطبقة الثالثة: الذين أرسلوا عنه وقد كان يمكنهم السماع منه؛ لكن روايتهم عنه منقطعة، ومن هؤلاء: قتادة، وسعيد بن أبي عروبة.
قال الجنيد: سئل يحيى بن معين وأنا أسمع: سمع قتادة من سعيد بن جبير؟ فقال يحيى بن معين: «لم يسمع من سعيد بن جبير، ولا من مجاهد، ولا من سليمان شيئًا، ربما أدخل بينهم رجلاً، وربما أرسل، وأكثر ذلك لا يدخل، يرسلها» .
وروى حرب بن إسماعيل عن الإمام أحمد نحوه، وذكر أن الواسطة أبو الخليل.

والطبقة الرابعة: الذين لم يسمعوا منه، ولم يدركوه لكنّهم وجدوا كتباً عنه لبعض أصحابه فرووا بعض ما فيها، أو سمعوا من بعض أصحابه ثم أرسلوا عنه، ومنهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعلي بن أبي طلحة، ومعمر بن راشد، وزهير بن محمد التميمي، ومقاتل بن سليمان.
وهؤلاء يرسلون عن مجاهد، ومنهم من يسمّي الواسطة أحيانا؛ فإذا سمّيت الواسطة انتفت علة الانقطاع.

الطبقة الخامسة: طبقة الضعفاء من أصحاب مجاهد، ومنهم: ليث بن أبي سليم، وأبي سعد روح بن جناج المدني، وثوير بن أبي فاختة، وجابر بن يزيد الجعفي، ويزيد بن أبي زياد الكوفي، والمثنّى بن الصباح اليماني.
أما أبو سعد المدني فيروي عنه عبد العزيز بن أبان القرشي، وهو متّهم بالكذب؛ فنسخة عبد العزيز بن أبان عن أبي سعد المدني عن مجاهد نسخة واهية الإسناد، وقد أخرج ابن جرير من هذا الطريق جملة من المرويات انتقاها.
وأما الباقون فيروي عنهم ثقات وضعفاء، ورواية الثقات عنهم كشعبة بن الحجاج ومنصور بن المعتمر أمثل من غيرها، ويخرج لهم أصحاب التفاسير المسندة كعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم.
ورواية أمثال هؤلاء الضعفاء في التفسير إذا كانت من غير طريق المتهمين بالكذب وكان الإسناد متصلاً؛ فإنّها تعتبر في التفسير؛ فإن كان المتن غير منكر تساهل المفسّرون في قبولها، وأما إن كان المتن منكراً أو مخالفاً لما صحّ عن مجاهد فتردّ.

ومما تقدّم نعلم أنّه لم تُحمل عن مجاهد نسخة في التفسير تامّة؛ بل كان لأصحابه الذين يكتبون صحائفهم ونُسَخهم، وتلك النسخ متعددة، وفي أصحابه ثقات وضعفاء.

وما قيل في تفصيل طبقات الرواة عن مجاهد وكتابة التفسير عنه يقال نظيره في غيره من المفسّرين الذين كان لهم أصحاب يكتبون التفسير في ذلك العهد؛ كأصحاب سعيد بن المسيب، وأصحاب نافع مولى بن عمر، وأصحاب سعيد بن جبير، وأصحاب عكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم.
وكان تدوين التفسير في القرن الأول على صحف صغيرة، إنما تفسّر فيها الآية بعد الآية، ولم تكن تعهد فيهم التفاسير المطوّلة، والكلام على جميع آيات السورة، بل ربما كانت الصحيفة الواحدة في نحو جزء صغير.

3: أربدة التميمي (ت:102هـ تقريباً).
أربدة التميمي تابعيّ كوفيّ، وثّقه العجلي وابن حبان، ولم أر فيه جرحاً، وكان يجالس ابن عباس والبراء ابن عازب، وروى التفسير عن ابن عباس.
روى عنه أبو إسحاق السبيعي أنه قال: (ما سمعت بأرض فيها علم إلا أتيتها).
وهو معروف في التراجم بأنه صاحب التفسير عن ابن عباس.
قال المزي عنه: (صاحب التفسير ، كان يجالس ابن عباس).
وتفسيره يرويه عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو ومحمد بن طلحة، وقد أخرج له أصحاب التفاسير المسندة كسفيان الثوري وعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم بأسانيدهم عنه عن ابن عباس.
ومما روي من تفسيره:
- أبو إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عباسٍ: {لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا} قال: سبيلا وسنة). رواه سفيان الثوري وابن وهب وعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم.
- قال ابن جرير: (حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنًا عليه} قال: مؤتمنًا عليه).
- وقال ابن أبي حاتم: (حدثنا أبو سعيدٍ الأشج ثنا وكيعٌ عن سفيان وإسماعيل عن أبي إسحاق عن التميمي واسمه أربد عن ابن عباسٍ قوله: {ومهيمنًا عليه} قال: مؤتمنًا عليه).
فالذي يظهر أن له صحيفة في التفسير، وقد أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة روايات مفرّقة على السور.

4: أبو مالك غزوان الغفاري (ت: 95هـ تقريباً ).
من ثقات التابعين أخذ التفسير عن ابن عباس، وعرف به؛ فكثير ممن يترجم له يعرّف بأنه صاحب التفسير.
وهو ثقة عالم بالتفسير إلا أنّه دون طبقة مجاهد وسعيد بن جبير في العلم وكثرة الرواية عنه، وله أقوال في التفسير رواها عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما.
- هشيم، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري في قوله: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} قال:"بكة": موضع البيت،"ومكة" ما سوى ذلك).
وقد روى عنه حصين بن عبد الرحمن، وسلمة بن كهيل، وإسماعيل بن خالد وغيرهم، وأكثر ما شاع عنه في التفاسير ما رواه السدّي الكبير عنه لكنّها رواية معلولة؛ لأن السديّ خلط فيها ما أخذه عن أبي مالك بما أخذه عن غيره ولم يميّز الثقة من الضعيف؛ فصعب تمييز ما رواه السدي عن أبي مالك.

5: أبو صالح باذام (ت: 92 ه تقريباً)
كان مولى لأمّ هانئ بنت أبي طالب، وقد اختلف في سماعه من ابن عباس، ومن العلماء من يوثّقه، ومنهم من يضعّفه، لكنّه كان مشتغلاً بالتفسير، وله كتاب فيه، وكان معلّم صبيان في مكة.
وقد روى عنه شعبة بن الحجاج من طريق السدّي أقوالا يسيرة في التفسير؛ منها:
- شعبة، عن إسماعيل السدي، عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله: {والمرسلات عرفا} قال: هي الرياح). رواه ابن جرير.

وأكثر ما أساء إلى أبي صالح رواية الكلبي عنه؛ فإنّه قد روى عنه باطلاً كثيراً لا يصحّ عنه، وأسنده إلى ابن عباس؛ فما يرويه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فهو باطل.
قال أبو جناب الكلبي: (حلف أبو صالح أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئا). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
وهذا مما يدلّ على أنّ له كتاباً في التفسير، لكنّه لم يقرأه على الكلبي.
وقال مفضل بن مغيرة: ( كان أبو صالح صاحب الكلبي يعلم الصبيان، ويضعَّف تفسيره) قال: (كتبا أصابها .. نعجب ممن يروي عنه). رواه ابن عدي.

أنواع تدوين التفسير في القرن الأول:
وكان تدوين التفسير وروايته في النصف الثاني من القرن الأول على ثلاثة أضرب:
1: تدوين أحاديث التفسير المروية عن النبي صلى الله عليه، وتدوين أقوال الصحابة في التفسير وروايتها ، كما فعل أصحاب ابن عباس، وبعض تلاميذ أصحاب ابن مسعود، وبعض أصحاب أبي هريرة.
2: تدوين أقوال المفسّرين من التابعين ومروياتهم في التفسير؛ كما فعل أصحاب مجاهد وأصحاب سعيد بن جبير، وأصحاب عكرمة، وأصحاب زيد بن أسلم، وأصحاب نافع مولى بن عمر، وغيرهم.
3: تدوين أخبار بني إسرائيل المتلقاة عن أهل الكتاب، ومن يروي عنهم، فكتب بعض ما روي عن كعب الأحبار ووهب بن منبّه ومغيث بن سميّ ونوف البكالي وتبيع بن عامر، وغيرهم، ويُذكر أن سعيد بن المسيب كان ممن يأخذ عن كعب الأحبار، وأنّه كان يكتب.
وكتب وهب بن منبّه كتابه "المبتدأ" ودوّن فيه كثيراً من أخبار بني إسرائيل ، وكيف كان بدء الخلق، وقصص الأنبياء، واشتهر كتابه، وكان ممن يكتب في التفسير في ذلك الوقت من يدخل في صحيفته من الإسرائيليات المروية عن كعب الأحبار ووهب بن منبّه وغيرهما ما له مناسبة في التفسير.

تدوين الإسرائيليات في القرن الأول:
سبق الحديث عن الإسرائيليات في التفسير هنا
وينبغي التنبّه في شأن الإسرائيليات المدونة في صحف التفسير في ذلك القرن إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن أكثر من تروى عنهم الإسرائيليات كانوا ثقات في أنفسهم ككعب الأحبار ووهب بن منبّه، لكن ما ينقلونه من الأخبار يدخله الخطأ من جهات؛ منها أن ينقلوا ما هو محرّف، ومنها أن يخطئوا في الفهم فينقلون بالمعنى ما أخطؤوا في فهمه أو ترجمته من غير تعمّد، ومنه ما يكون الخطأ فيه من قبل بعض الرواة عنهم؛ فينقل عنهم ما لا يصحّ إسناده إليهم، وربما حذفت الواسطة، وربما كتب الخبر الإسرائيلي هكذا من غير أن يبيّن مصدره؛ كما يكون في بعض التفاسير المروية عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة.
الأمر الثاني: أنَّ تداول القُصَّاص لتلك الإسرائيليات كان من أسباب شهرتها ورواجها، والاختلاف في روايتها، وربما رووا أشياء بالمعنى، وأخطؤوا فيها، وربّما كان في بعض القصّاص ضعفاء في الضبط فيخلّطون في رواياتهم؛ فتكثر النكارة في تلك المرويات بما لا يصحّ عن كعب ووهب وأضرابهما.
الأمر الثالث: أنّ النكارة في رواية الإسرائيليات في ذلك القرن كانت أقلّ بكثير من النكارة فيمن أتى بعدهم؛ لأنّ بعض من تُروى عنهم الإسرائيليات قد ابتلوا برواة كذابين؛ في القرن الثاني والثالث؛ فزادت النكارة وعظمت، ومنهم من يغيّر الإسناد فيجعله عن بعض الصحابة؛ كما كان الكلبي يروي بعض تلك الإسرائيليات عن أبي صالح عن ابن عباس، وهي كذب على ابن عباس، ومنهم من يروي الإسرائيليات المنكرة ولا يسندها كمقاتل بن سليمان البلخي(ت: 150هـ).
وممن بيّن العلماء كذبه:
- عبد المنعم بن إدريس بن سنان اليماني (ت:228هـ)
وهو ابن بنت وهب بن منبّه، يروي عنه كثيراً، ويضع عليه، قال أحمد بن حنبل: (عبد المنعم بن إدريس يكذب على وهب بن منبه)، وقال البخاري: ذاهب الحديث، وقال ابن احبان: ( يروي عن أبيه عن وهب، روى عنه العراقيون، يضع الحديث على أبيه وعلى غيره من الثقات، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه)، وقال الذهبي: (مشهورٌ قَصَّاص، ليس يعتمد عليه، تركه غير واحد)، وكان العلماء يحذّرون من الرواية عن هؤلاء الكذابين كما روى عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه أنه قال في رجل من أهل الحديث: (لا تكتبوا عنه حتى لا يحدّث عن الكذابين، وذكر تفسير الكلبي وعبد المنعم، يعني أحاديث وهب بن منبه).

- موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني (ت: نحو 190هـ).
قال ابن عديّ: (يُعرف بأبي محمّد المفسّر).
قال فيه ابن حبان: (شيخ دجال يضع الحديث، روى عنه عبد الغني بن سعيد الثقفي، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير؛ جمعه من كلام الكلبي ومقاتل بن سليمان وألزقه بابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، ولم يحدث به ابنُ عباس، ولا عطاء سمعه، ولا ابن جريج سمع من عطاء، وإنما سمع ابن جريج من عطاء الخراساني عن ابن عباس في التفسير أحرفا شبيها بجزء، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس شيئا، ولا رواه، لا تحل الرواية عن هذا الشيخ، ولا النظر في كتابه إلا على سبيل الاعتبار).
وتفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي هذا من التفاسير التي اعتمد عليها الثعلبي في تفسيره.
وقد تجنّب أصحاب التفاسير المسندة الأوائل كعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم تجنبوا الرواية عن هؤلاء الكذابين؛ فلم يرووا عن مقاتل بن سليمان ولا عبد المنعم بن إدريس ولا موسى الصنعاني، وروى بعضهم من تفسير الكلبي ما يُنتقى من أقواله لا من بواطيله.
إلا أنّ ابن أبي حاتم روى شيئاً يسيراً عن أبي إلياس عن وهب بن منبه، وأبو إلياس هي كنية إدريس والد عبد المنعم، وهو ضعيف، لكن أخشى أن يكون تصحيفاً صوابه ابن أبي إلياس؛ لأنّه هو ابن بنت وهب بن منبّه، وقد روى عنه من طريق يوسف بن زياد البصري وهو متّهم بالكذب، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: مشهور بالأباطيل.

ومن أكثر ما أشاع تلك الإسرائيليات المنكرة في التفاسير المتأخرة: رواية المفسّرين الذين ليس لهم معرفة بالرجال وأحوال الرواة ولا يميزون الصحيح من الضعيف ولا يتفطّنون لعلل المرويات؛ كالثعلبي والواحدي وغيرهما؛ فهؤلاء أدخلوا في تفاسيرهم أشياء منكرة منها، ورووا من التفاسير التي حذّر منها العلماء كتفسير مقاتل وتفسير الكلبي وغيرهما.
ومنهم من ينقل منها دون ذكر الأسانيد كما فعل الماوردي، وكان يحكيها على أنها من أقوال ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وسعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغيرهم دون التثبّت من صحّة الإسناد إليهم.
وهذه التفاسير الثلاثة: تفسير الثعلبي والماوردي والواحدي من أكثر التفاسير التي اعتمد عليها من بعدهم؛ كابن الجوزي في زاد المسير، والرازي في التفسير الكبير، والقرطبي والخازن وابن عادل الحنبلي وغيرهم؛ فالإسرائيليات التي تضمنتها هذه التفاسير فيها من النكارة ما هو أكثر بكثير من التفاسير المسندة التي صنّفها الأئمة كعبد الرزاق ووكيع وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وأضرابهم.

والمقصود التنبيه على أن أصحاب القرن الأوّل كانوا في عافية من أكثر الكذب الذي زيد على الإسرائيليات.




(1) ولم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبون التفسير في حياته؛ لأنّه كان قد نهى أن يكتب عنه شيء غير القرآن في أوّل الأمر كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
قال جمهور العلماء: إن الحكمة من ذلك أن لا يختلط القرآن بغيره.
ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله بن عمرو أن يكتب عنه، ودعا لأبي هريرة بالحفظ؛ فكتب عبد الله بن عمرو في صحيفته التي سمّاها الصادقة حديثاً كثيراً، وأما أبو هريرة فلم ينس شيئا مما حفظه من رسول الله، وبثّ علماً كثيراً، وحفظ غيرهما من الصحابة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه ما كمل به رواية ما تحتاجه الأمة في دينها.
وكان من الصحابة المكثر من رواية الحديث والمقلّ، وكلّهم عدول مرضيون مصدّقون فيما يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن المصحف قد جمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان في صحف مكرّمة بأيدي القراء أصحابه؛ فلمّا مات النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، وأمن أن لا يُنسخ شيء من القرآن، وكثر القتل في القراء في وقعة اليمامة؛ اجتمع رأي أبي بكر وعمر على جمع المصحف؛ فأمروا زيد بن ثابت فجمعه على مشهد من قراء الصحابة؛ فكان يجمعه من صدورهم ومما كتبوه في الصحف حتى طابق المحفوظ المكتوب.
وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنّ من العلماء من ذهب إلى أن الإذن كان خاصا بعبد الله بن عمرو، ومنهم من ذهب إلى أنّ النهي عن الكتابة نسخ في مكة لحديث: (اكتبوا لأبي شاه) ، وفسّره الأوزاعي بأن تكتب له خطبته صلى الله عليه وسلم.
وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كتب بعض الصحابة صحفاً يسيرة للحاجة؛ فكتب أبو بكر لأهل البحرين صحيفة في مقادير الزكاة، وروي أنّ عمر استخار شهراً في كتابة السنن؛ ثمّ عدل عن ذلك خشية أن يشتغل بها عن كتاب الله ويختلف فيها كما اختلفت الأمم السابقة في كتبها، وكان لعلي بن أبي طالب صحيفة فيها العقل والديات، وكان لجابر بن عبد الله صحيفة، ولسمرة بن جندب صحيفة، وكان أنس يحضّ أصحابه على كتابة العلم وتقييده.
وكان لكبار التابعين صحف؛ من أشهرها صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة، وقد أخرجها الإمام أحمد في مسنده.
وفي آخر القرن الأول كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء). رواه البخاري في صحيحه.
ثمّ دوّن الزهري بأمر عمر بن عبد العزيز، وكثر التدوين بعد ذلك.


التوقيع :

رد مع اقتباس