الموضوع: السلام
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (السلام
السلام والسلامة بمعنى واحد بمنزلة الراضع والرضاعة، واللذاذ واللذاذة فالله عز وجل السلام تأويله: ذو سلامة مما يلحق المخلوقين من الفناء والموت والنقص والعيب، فالله ذو السلامة من ذلك أي ذو السلامة منه، قال الشاعر:
تحيا بالسلام أم بكر = فهل لك بعد قومك من سلام؟
أي: هل لك بعدهم من سلامة مما أصابهم؟
وأخبرنا أبو إسحاق الزجاج قال: سمعت أبا العباس المبرد يقول: السلام في اللغة على أربعة أضرب، السلام: اسم من أسماء الله، والسلام: السلامة بمنزلة اللذاذا واللذاذاة. والسلام: التسليم، من قولهم: «سلام عليكم»، والسلام: ضرب من الشجر. قال الأخطل:
عفا واسط من آل رضوى فنبتل = فمجتمع الحرين فالصبر أجمل
فرابية السكران قفر فما بها = لهم شبح إلا سرم وحرمل
وكان الزجاج يذهب إلى أنه كله راجع إلى معنى السلامة، فالله عز وجل «السلام» تأويله: ذو السلامة مما يلحق المخلوقين كما ذكرنا، والسلام بمعنى السلامة بمنزلة الرضاع والرضاعة، والسلام في التسليم من ذلك أيضًا. وقد يقع السلام بمعنى المتاركة في التسليم في قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}.
قالوا: تأويله: تبرأنا منكم وتاركناكم متاركة لأنهم لم يؤمروا بالسلام حينئذ على المشركين وهذا راجع إلى معنى السلامة، لأن في متاركتهم السلامة، والسلام: ضرب من الشجر عظام سمي لسلامته مما يلحق ما دق من الشجر من الكسر والدق.
قال: وكذلك السلم الذي يصعد عليه إنما سمي بذلك لأنه يسلم المرتقي إلى مقصده. قال: وكذلك قيل للدلو التي لها عروة واحدة نحو دلو السقائين السلم لسلامتها مما يلحق غيرها لأحكام عملها.
وقيل للصلح سلم وسلم لما ينال به من السلامة في الأبدان والأموال بالصلح، والعرب تؤنث السلم، قال عز وجل: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}. يقال: سلم وسلم للصلح.
والسلم بفتح السين واللام: الاستسلام. وقالوا في قوله عز وجل: {والله يدعوا إلى دار السلام}. السلام: الله وداره الجنة، وجائز أن يكون التأويل: والله يدعو إلى دار السلامة لأن السلامة والسلام سواء كما ذكرنا فسمي الجنة دار السلامة لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من المرض والضعف والهرم والموت وما أشبه ذلك، وكذلك قوله عز وجل: {لهم دار السلام عند ربهم}.
وقولهم في التسليم: «السلام عليكم» تأويله: اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم، ويجوز أن يكون تأويله: السلامة عليكم ولكم، وإلى هذا المعنى ذهب من قال: «سلام الله عليكم». فأما قوله عز وجل: {وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين} فقيل: تأويله فسلامة لك منهم أي: يخبرك عنهم بسلامة وهو معنى قول المفسرين. وسمي الصواب من القول سلامًا لأنه سلم من العيب. وقالوا في قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
أقوالاً، قال أبو عبيدة: اسم السلام هو السلام فتأويله عنده ثم السلام عليكما، وقال: اسم الشيء هو الشيء كذلك يحكى عنه. وبعضهم يلزمه أن يكون اسم الشيء هو الشيء بعينه في كل شيء بقوله اسم السلام هو السلام وذلك غير لازم له لأن تأويله أنه ليس للسلام اسم آخر يعبر به عنه كما قال: عصا وقضيب وخشبة بمعنى واحد. فليس للسلام اسم آخر يعبر به عنه.
وقيل: معنى اسم السلام عليكما: إغراء منه لهما بذكر الله، وكأنه قال: إلى الحول أبكياني حولاً ثم اسم السلام عليكما: أي إلزما اسم الله عز وجل وذكره ودعا البكاء علي لأن من بكى ميتًا حولاً فقد بلغ النهاية في ذلك.
ورفع السلام في قوله: ثم اسم السلام عليكما، وهو في مذهب الإغراء على هذا لتأويل لما قدم على حرف الإغراء لضعفه ألا ترى أنك تقول: «عليك زيدًا» في الإغراء ولا يجوز أن تقول: «زيدًا عليك» فتنصبه مقدمًا بعليك كما كنت تنصبه مؤخرًا به لضعفه ولكنه جائز أن تقول: «زيدًا عليك» على أن تنصب زيدًا بفعل مضمر يدل عليه حرف الإغراء تقديره: «الزم زيدًا» أو «خذ زيدًا» ثم فسره بعليك. وكذلك قالوا في قوله:
يا أيها المائح دلوي دونكما = إني رأيت الناس يحمدونكما
جائز أن يكون قوله: «دلوي» في موضع رفع نصب على ما فسرنا وهو في الوجهين جميعًا إغراء.
وكذلك يجوز نصب بيت لبيد عند من ذهب إلى أنه في تأويل الإغراء فيقال: ثم اسم السلام عليكما على تأويل: ثم الزما اسم السلام، والسلام: هو الله على ما فسرنا.
وقد تجيء في كلام العرب أشياء منصوبة على الإغراء بغير حرف إغراء إلا بإضمار فعل وذلك شاذ. نشد ابن الأعرابي عن علي بن صالح عن المفضل:
ألا قالت حذام وجارتاها = كبرت ولا يليق بك النعيم
بنيك وهجمة كأشاء بس = غلاظ منابت القصرات كوم
تبك الحوض علاها ونهلي = وخلف ذيابها عطن منيم
إذا اصطكت بضيق حجرتاه = تلاقي العسجدية واللطيم
قال: «بنيك وهجمة» فنصبه على الإغراء بتقدير «عليك بنيك وهذه الهجمة». وهذا وإن كان على ما ذكرنا في التأويل ليس يجوز أن يضمر «عليك» لضعفها ولكن يضمر فعل في معناها كما ذكرت لك. وبس: موضع. الأشاء: معناه النخل، وتبك: تزدحم، وعلاها: أراد عللا، ومنيم: بيتها تسكن إليه. وقال ابن الأعرابي: العسجدية واللطيم منسوبة إلى محلين قال: وليس قولهم هو منسوب إلى الذهب بشيء.
وأنشد أيضًا ابن الأعرابي لعمرو بن ملقط الطائي، وأنشدناه أيضًا ابن دريد قال: أنشد أبو حاتم عن أبي زيد الأنصاري:
مه مالي الليلة مه ماليه = أودي بنعلي وسرباليه
أنك قد يكفيك بغي الفتى = ودرأه أن تركض العاليه
مطعنة يجري لها عاند = كالماء من غائلة الجابيه
يا أوس لو نالتك أرماحنا = كنت كمن تهوي به الهاويه
ألفيتا عيناك عند القفا = أولى فأولى لك ذا واقيه
ذاك سنان محلب نصره = كالجمل الأوطف بالراويه
بأيها الناصر أخواله = أأنت خير أم بنو ناجيه؟
أم أختكم أفضل أم أختنا = أم أختنا عن نصرنا وانيه؟
والخيل قد تجشم أربابها الشـ = ق وقد تعتسف الداوية
يأبى لي الثعلبتان الذي = قال ضراط الامة الراعية
ظلت بواد تجتني صمغة = واحتلبت لقحتها الآنيه
ثم غدت تنبض أحرادها = إن متغناة وإن حاديه
فقالوا في قوله: «أولى فأولى لك ذا واقيه»: تقديره: يا هذا عليك واقية فأضمر «عليك». وهذا إغراء لأنه قد أمره بالتقية، ألا تراه يتهدده بقوله: «لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية» فهذا وإن كان على ما ذكروا من تأويل الإغراء فسبيل المضمر أن يكون شيئًا في معنى «عليك» من نحو «إلزام» وما أشبه ذلك.
وفي هذا البيت أيضًا أنه حذف حرف النداء من المبهم في قوله: «ذا واقيه» وهو يريد: «يا هذا»، ولا يجيز النحويون حذف حرف النداء من الأسماء المبهمات لأنه لا دليل على ندائها إلا بحرف يلزمها لأنه لا يبين فيها لفظ بناء على الضم كما يبين ذلك في الأسماء الأعلام فيعلم أنه مناداة وهو شاذ جدًا.
وقوله: «تركض العاليه»: يريد تدفع، يعني عالية الرمح أعلاه، والعاند من الدم: المائل، والجابية: الحوض، وغائلته: ما انخرق منه، والأوطف: الكثير شعر العينين والأذنين فأراد أنه لا قلب له كالجمل الأوطف. والعرب تقول: «كل أزب نفور»، وبنو جارية: من طيء، والشق: المشقة والشدة، وقوله: «تنبض أحرادها»: أي تضطرب أمعاؤها، وأحرادها: أمعاؤها، ومتغناة: متغنية. هذا كله قول ابن الأعرابي ورواه أبو زيد: تنبذ أحرادها: من النبذ والالقاء، قال: «وواحد الأحراد وهو الغيظ والغضب». قال أبو زيد: سنان: اسم رجل، ومحلب: معين، والوانية: المبطئة.
وقال آخرون في قول لبيد: «إلى الحول ثم اسم السلام عليكما» تأويله: ثم تسميتي الله عز وجل عليكما من سوء يصيبكما بعدي على جهة الاستعاذة فوضع الاسم مكان التسمية.
وكذلك ذهب بعض الناس إلى أن قولهم: «بسم الله» في الافتتاح إنما معناه أبدأ بتسمية الله فوضع اسم موضع التسمية وهذا في اللغة سائغ مطرد.
وقال آخرون: تأويله: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما: أي حسبكما لأنه قال: إلى الحول والسلام: أي ابكياني حولا ثم حسبكما.
وقد جرت عادة العرب بأن السلام آخر كل شيء، ويستعمل في قطع الأشياء والمتاركة كقولهم: «قل فلان كذا وكذا والسلام»: أي لا تزد عليه شيئًا. وكما قال عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} إنما أراد قطع كلامهم ومتاركتهم، وهذا وجه حسن. وكان أبو العباس المبرد يقول: هو أحسن ما قيل فيه). [اشتقاق أسماء الله: 215-221]


رد مع اقتباس