الموضوع: مِن
عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 27 ذو الحجة 1438هـ/18-09-2017م, 05:11 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): ("مِن"
"من": تأتي على خمسة عشر وجها:
أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها حتّى ادّعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، وتقع لهذا المعنى في غير الزّمان، نحو: {من المسجد الحرام}،{إنّه من سليمان}.
قال الكوفيّون والأخفش والمبرد وابن درستويه وفي الزّمان أيضا بدليل: {من أول يوم}، وفي الحديث: «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة».
وقال النّابغة:
تخيرن من ازمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب
وقيل التّقدير: "من" مضيّ أزمان يوم حليمة، و"من" تأسيس أول يوم، ورده السّهيلي بأنّه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزّمان.
الثّاني: التّبعيض، نحو: {منهم من كلم الله}، وعلامتها إمكان سد بعض مسدها، كقراءة ابن مسعود:{حتّى تنفقوا ممّا تحبون}.
الثّالث: بيان الجنس، وكثيرًا ما تقع بعد و"ما" و"مهما" وهما بها أولى؛ لإفراط إبهامهما، نحو: {ما يفتح الله للنّاس من رحمة فلا ممسك لها}، {ما ننسخ من آية}،{مهما تأتنا به من آية}، وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال، ومن وقوعها بعد غيرهما: {يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق}، الشّاهد في غير الأولى، فإن تلك للابتداء، وقيل زائدة، ونحو: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}، وأنكر مجيء "من" لبيان الجنس، قوم وقالوا هي في:{من ذهب} و {من سندس} للتّبعيض، وفي {من الأوثان} للابتداء، والمعنى فاجتنبوا "من" الأوثان الرجس، وهو عبادتها وهذا تكلّف، وفي كتاب المصاحف لابن الأنباري أن بعض الزّنادقة تمسك بقوله تعالى: {وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات منهم مغفرة} في الطعن على بعض الصّحابة، والحق أن "من" فيها للتبيين ولا للتّبعيض، أي: الّذين آمنوا هم هؤلاء، ومثله {الّذين استجابوا لله والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم}، وكلهم محسن ومتق {وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسن الّذين كفروا منهم عذاب أليم}، فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار.
الرّابع: التّعليل، نحو: (ممّا خطاياهم).
وقوله:
وذلك من نبإ جاءني ...
وقول الفرزدق في عليّ بن الحسين:
يغضي حياء ويغضى من مهابته ...
الخامس: البدل، نحو: {أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة}،{لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}؛ لأن الملائكة لا تكون "من" الإنس، {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} أي: بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أي: لا ينفع ذا الحظ "من" الدّنيا حظه بذلك، أي: بدل طاعتك، أو بدل حظك، أي: بدل حظه "منك"، وقيل ضمن ينفع معنى يمنع، ومتى علقت "من" بالجد انعكس المعنى.

وأما: {فليس من الله في شيء}، فليس "من" هذا خلافًا لبعضهم، بل "من" للبيان أو للابتداء، والمعنى فليس في شيء "من" ولاية الله، وقال ابن مالك في قول أبي نخيلة:
ولم تذق من البقول الفستقا
المراد: بدل البقول، وقال غيره: توهم الشّاعر أن الفستق "من" البقول.
وقال الجوهري: الرّواية النقول "بالنّون"، و"من" عليهما للتعبيض، والمعنى على قول الجوهري أنّها تأكل النقول إلّا الفستق، وإنّما المراد أنّها
لا تأكل إلّا البقول لأنّها بدوية.
وقال الآخر يصف عاملي الزّكاة بالجور:
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ... ظلما ويكتب للأمير أفيلا
أي: بدل الفصيل والأفيل الصّغير؛ لأنّه يأفل بين الإبل، أي: يغيب، وانتصاب أفيلا على الحكاية، لأنهم يكتبون أدّى فلان أفيلا، وأنكر قوم مجيء"من" للبدل، فقالوا التّقدير في: {أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة}، أي: بدلا "منها"، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وأما هي فللابتداء، وكذا الباقي.
السّادس: مرادفة "عن"، نحو:{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله}،{يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا}، وقيل هي في هذه للابتداء؛ لتفيد أن ما بعد ذلك "من" العذاب أشد، وكأن هذا القائل يعلق معناها بويل، مثل: {فويل للّذين كفروا من النّار}، ولا يصح كونه تعليقا صناعيا للفصل بالخبر.
وقيل هي فيهما للابتداء، أو هي في الأولى للتّعليل، أي: "من" أجل ذكر الله؛ لأنّه إذا ذكر قست قلوبهم.
وزعم ابن مالك أن "من" في نحو: زيد أفضل "من" عمرو للمجاوزة، وكأنّه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل، قال وهو أولى من قول سيبويه وغيره إنّها لابتداء الارتفاع في نحو: أفضل "منه"، وابتداء الانحطاط في نحو: شرّ "منه"، إذ لا يقع بعدها "إلى" انتهى.
وقد يقال ولو كانت للمجاوزة لصحّ في موضعها "عن".
السّابع: مرادفة "الباء"، نحو: {ينظرون من طرف خفي}، قاله يونس والظّاهر أنّها للابتداء.
الثّامن: مرادفة "في"، نحو: {أروني ماذا خلقوا من الأرض}،{إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة}، والظّاهر أنّها في الأولى لبيان الجنس مثلها في:{ما ننسخ من آية}.
التّاسع: موافقة "عند"، نحو:{لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} قاله أبو عبيدة، وقد مضى القول بأنّها في ذلك للبدل.
العاشر: مرادفة "ربما"، وذلك إذا اتّصلت "بما"، كقوله:
وإنّا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللّسان من الفم
قاله السيرافي وابن خروف وابن طاهر والأعلم وخرجوا عليه قول سيبويه، واعلم أنهم ممّا يحذفون كذا، والظّاهر أن "من" فيهما ابتدائية، و"ما" مصدريّة، وأنّهم جعلوا كأنّهم خلقوا "من" الضّرب والحذف، مثل: {خلق الإنسان من عجل}.
الحادي عشر: مرادفة "على"، نحو:{ونصرناه من القوم}، وقيل "على" التّضمين، أي: منعناه "منهم" بالنصر.
الثّاني عشر: الفصل، وهي الدّاخلة على ثاني المتضادين، نحو: {والله يعلم المفسد من المصلح}،{حتّى يميّز الخبيث من الطّيب} قاله ابن مالك، وفيه نظر لأن الفصل مستفاد من العامل، فإن ماز وميز بمعنى فصل، والعلم صفة توجب التّمييز، والظّاهر أن "من" في الآيتين للابتداء، أو بمعنى "عن".
الثّالث عشر: الغاية، قال سيبويه، وتقول رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك، أي: محلا للابتداء والانتهاء، قال وكذا أخذته "من" زيد. وزعم ابن مالك أنّها في هذه للمجاوزة، والظّاهر عندي أنّها للابتداء؛ لأن الأخذ ابتدأ "من" عنده وانتهى إليك.
الرّابع عشر: التّنصيص على العموم، وهي الزّائدة في نحو: ما جاءني "من" رجل، فإنّه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس، ونفي الوحدة، ولهذا يصح أن يقال "بل" رجلان، ويمتنع ذلك بعد دخول "من".
الخامس عشر: توكيد العموم، وهي الزّائدة في نحو: ما جاءني "من" أحد، أو "من" ديار، فإن أحدا وديارا ضيغتا عموم، وشرط زيادتها في النّوعين ثلاثة أمور:
أحدها: تقدم نفي أو نهي أو استفهام "بهل"، نحو: {وما تسقط من ورقة إلّا يعلمها}، {ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور}، وتقول: لا يقم "من" أحد وزاد الفارسي الشّرط، كقوله:
ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وإن خالها تخفى على النّاس تعلم
وسيأتي فصل "مهما".
والثّاني: تنكير مجرورها.
والثّالث: كونه فاعلا أو مفعولا به أو مبتدأ.

تنبيهات
أحدها: قد اجتمعت زيادتها في المنصوب والمرفوع في قوله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله}، ولك أن تقدر "كان" تامّة؛ لأن مرفوعها فاعل، وناقصة؛ لأن مرفوعها شبيه بالفاعل، وأصله المبتدأ.
الثّاني: تقييد المفعول بقولنا به، هي عبارة ابن مالك فتخرج بقيّة المفاعيل، وكأن وجه منع زيادتها في المفعول معه، والمفعول لأجله، والمفعول فيه، أنّهنّ في المعنى بمنزلة المجرور "بمع" و"باللام" و"بفي"، ولا تجامعهن "من"، ولكن لا يظهر للمنع في المفعول المطلق وجه، وقد خرج عليه أبو البقاء: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}، فقال "من" زائدة، وشيء في موضع المصدر، أي: تفريطا، مثل: {لا يضركم كيدهم شيئا}، والمعنى: تفريطا وضرا.
قال ولا يكون مفعولا به؛ لأن فرط، إنّما يتعدّى إليه "بفي"، وقد عدي بها إلى الكتاب، قال وعلى هذا فلا حجّة في الآية لمن ظن أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء صريحًا.
قلت: وكذا لا حجّة فيها لو كان شيء مفعولا به؛ لأن المراد بالكتاب اللّوح المحفوظ، كما في قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين}، وهو رأي الزّمخشريّ، والسياق يقتضيه.
الثّالث: القياس، أنّها لا تزاد في ثاني مفعول ظن، ولا ثالث مفعولات أعلم؛ لأنّهما في الأصل خبر، وشذت قراءة بعضهم: (ما كان ينبغي لنا أن نُتّخذ من دونك من أولياء) ببناء نتّخذ للمفعول، وحملها ابن مالك على شذوذ زيادة "من" في الحال، ويظهر لي فساده في المعنى؛ لأنّك إذا قلت: ما كان لك أن تتّخذ زيدا في حالة كونه خاذلا لك، فأنت مثبت لخذلانه، ناه "عن" اتّخاذه، وعلى هذا فيلزم أن الملائكة أثبتوا لأنفسهم الولاية.
الرّابع: أكثرهم أهمل هذا الشّرط الثّالث، فيلزمهم زيادتها في الخبر، في نحو: ما زيد قائما، والتمييز في نحو: ما طاب زيد نفسا، والحال في نحو: ما جاء أحد راكبًا، وهم لا يجيزون ذلك.
وأما قول أبي البقاء في:{ما ننسخ من آية}، إنّه يجوز كون آية حالا، و"من" زائدة، كما جاءت آية حالا في:{هذه ناقة الله لكم آية}،
والمعنى أي شيء ننسخ قليلا أو كثيرا ففيه تخريج التّنزيل على شيء إن ثبت فهو شاذ، أعني زيادة "من" في الحال، وتقدير ما ليس بمشتق ولا منتقل، ولا يظهر فيه معنى الحال حالا، والتنظير بما لا يناسب، فإن آية في:{هذه ناقة الله لكم آية} بمعنى علامة، لا واحدة الآي، وتفسير اللّفظ بما لا يحتمله هو قوله قليلا او كثيرا، وإنّما ذلك مستفاد من اسم الشّرط لعمومه لا من آية.
ولم يشترط الأخفش واحدًا من الشّرطين الأوّلين، واستدلّ بنحو:{ولقد جاءك من نبأ المرسلين}،{يغفر لكم ذنوبكم}،{يحلون فيها من أساور من ذهب}،(نكفر عنكم من سيّئاتكم)، ولم يشترط الكوفيّون الأول، واستدلّوا بقولهم: قد كان "من" مطر، وبقول عمر ابن أبي ربيعة:
وينمي لها حبها عندنا ... فما قال من كاشح لم يضر
وخرج الكسائي على زيادتها إن "من" أشد النّاس عذابا يوم القيامة المصورون، وابن جني قراءة بعضهم: (لما آتيتكم من كتاب وحكمة)، بتشديد "لما"، وقال أصله "لمن" "ما"، ثمّ أدغم، ثمّ حذفت "ميم" "من".
وجوز الزّمخشريّ في:{وما أنزلنا على قومه} الآية، كون المعنى، و"من" الّذي كنّا منزلين، فجوز زيادتها مع المعرفة.
وقال الفارسي في:{وينزل من السّماء من جبال فيها من برد} يجوز، كون "من" و"من" الأخيرتين زائدتين، فجوز الزّيادة في الإيجاب.
وقال به بعضهم في: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين}.
وقال المخالفون التّقدير: قد كان هو، أي: كائن "من" جنس المطر، وفما قال هو، أي: قائل "من" جنس الكاشح، وإنّه "من" أشد النّاس، أي: إن الشّأن، ولقد جاءك هو، أي: جاء "من" الخبر كائنا "من" نبأ المرسلين، أو ولقد جاءك نبأ "من" نبأ المرسلين، ثمّ حذف الموصوف وهذا ضعيف في العربيّة؛ لأن الصّفة غير مفردة، فلا يحسن تخريج التّنزيل عليه.
واختلف في "من" الدّاخلة على قبل وبعد، فقال الجمهور لابتداء الغاية ورد بأنّها لا تدخل عندهم على الزّمان، كما مر، وأجيب بأنّهما غير متأصلين في الظّرفيّة، وإنّما هما في الأصل صفتان للزمان، إذ معن:ى جئت قبلك، جئت زمنا قبل زمن مجيئك، فلهذا سهل ذلك فيهما. وزعم ابن مالك أنّها زائدة، وذلك مبنيّ على قول الأخفش في عدم الاشتراط لزيادتها.

مسألة: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم}.
"من" الأولى للابتداء، والثّانية للتّعليل، وتعلقها بأرادوا أو بيخرجوا أو للابتداء، فالغم بدل اشتمال، وأعيد الخافض، وحذف الضّمير، أي: "من" غم فيها.
مسألة: {ممّا تنبت الأرض من بقلها}.
"من" الأولى للابتداء، والثّانية إمّا كذلك، فالمجرور بدل بعض، وأعيد الجار، وإمّا لبيان الجنس، فالظرف حال، والمنبت محذوف، أي: ممّا تنبته كائنا "من" هذا الجنس.
مسألة: {ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من الله}.
و"من" الأولى مثلها في: زيد أفضل "من" عمرو، و"من" الثّانية للابتداء، على أنّها متعلقة باستقرار مقدّر أو بالاستقرار الّذي تعلّقت به عند أي شهادة حاصلة عنده ممّا أخبر الله به.
قيل: أو بمعنى "عن"، على أنّها متعلقة بكتم على جعل كتمانه "عن" الأداء الّذي أوجبه الله كتمانه "عن" الله، وسيأتي أن كتم لا يتعدّى "بمن".
مسألة: {إنّكم لتأتون الرّجال شهوة من دون النّساء}.
"من" للابتداء، والظرف صفة لشهوة، أي: شهوة مبتدأة "من" دونهن قيل، أو للمقابلة كـ خذ هذا "من" دون هذا، أي: اجعله عوضا "منه"، وهذا يرجع إلى معنى البدل الّذي تقدم، ويرده أنه لا يصح التّصريح به، ولا بالعوض مكانها هنا.
مسألة: {ما يود الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}.
الآية فيها "من" ثلاث مرّات: الأولى: للتبيين؛ لأن الكافرين نوعان: كتابيون ومشركون، والثّانية: زائدة، والثّالثة: لابتداء الغاية.
مسألة: {لآكلون من شجر من زقوم}،{ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممّن يكذب}.
الأولى منهما للابتداء، والثّانية للتبيين.
مسألة: {نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشّجرة}.
"من" فيهما للابتداء، ومجرور الثّانية بدل "من" مجرور الأولى بدل اشتمال؛ لأن الشّجرة كانت نابتة بالشاطئ).
[مغني اللبيب: 4 / 136 - 194]


رد مع اقتباس