عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 29 محرم 1439هـ/19-10-2017م, 12:24 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الباب الثاني: بيان حاجة الأمة إلى علم التفسير

بيان حاجة الأمة إلى علم التفسير

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (بيان حاجة الأمة إلى علم التفسير

من المهمّ تنبيهُ طلابِ العلمِ إلى حاجة الأمّة إلى تفسير القرآن وبيان معانيه، ودعوتهم بالقرآن، وتذكيرهم به، وإنذارهم بما فيه من الوعيد، وتبشيرهم بما تضمنه من البشائر لمن آمن به واتّبع ما فيه من الهدى، وإرشادهم إلى ما بيّنه الله في كتابه من الهدى الذي جعله مخرجاً لهم من الظلمات إلى النور، وفرقاناً يفرّقون به بين الحق والباطل، والضلالة والهدى؛ كما قال الله تعالى:
{
الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}[إبراهيم].
- وقال تعالى: {
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}[الشورى].
- وقال تعالى: {
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}[المائدة].
- وقال تعالى: {
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)}[الحديد].
- وقال تعالى: {
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)}[الطلاق].
فحاجة الأمّة إلى فهم القرآن والاهتداء به ماسّة، وكم من فتنةٍ ضلَّت بها طوائف من الأمّة بسبب مخالفتها لهدى الله عز وجل الذي بيَّنه في كتابه، وقد قال الله تعالى: {
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ(115)}[التوبة].
وقال تعالى: {
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)}[طه]، وقال تعالى: { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}[البقرة].
فحاجة الناس إلى معرفة ما بيّنه الله في القرآن من الهدى، والحذر مما حذّرهم منه أشدّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب والنفس؛ لأن أقصى ما يصيب الإنسان بسبب انقطاع هذه الأمور أن يموت، والموت أمر محتّم على كل نفس.
وأما ضلاله عن هدى الله تعالى فيكون بسببه خسرانُ آخرتِه التي هي حياته الحقيقية كما قال الله تعالى: {
وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}[العنكبوت]، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)}[الفجر].
فكأن ما مضى من الحياة الدنيا لا يعدّ شيئا بالنسبة للحياة الآخرة الأبديّة.
وهذا له نظائر في القرآن الكريم كما في قول الله تعالى: {
نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} [الحجر]، وقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}[الزلزلة].
فإذا نسبت العذاب الدنيوي الذي يصيب الناس مهما عظم إلى عذاب الله؛ كان كأنّه لا شيء من عظمة عذاب الله وشدّته.
وكذلك ما أصاب الأرضَ من الزلازل على كثرتها وشدّتها إذا نسبته إلى الزلزلة العظيمة التي تكون عند قيام الساعة تبيّن أنها في حكم الذي لا يُذكر أمام عظمة ذلك الزلزال؛ فلذلك قال:
{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)}[الزلزلة]. فهو الزلزالُ الأعظمُ الذي يُنسي ذكرُهُ كلَّ ما دونه.
فكذلك قوله تعالى:
{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}[العنكبوت]؛ فهي الحياة الحقيقية التي لا فناء بعدها؛ ولا سبيل للناس إلى السعادة في تلك الحياة إلا باتّباع هدى القرآن؛ ولذلك كانت حاجة الأمة إلى فهم القرآن، ومعرفة معانيه، والاهتداء به حاجة ماسّة بل ضرورية؛ لأنهم لا نجاة لهم ولا فوز ولا سعادة إلا بما يهتدون به من هدى الله جل وعلا الذي بيّنه في كتابه.

ومن المهم أن يتعرّف طالب العلم على أنواع هذه الحاجات ليقوم بواجبه من الدعوة إلى الله بما تعلّم من تفسير القرآن وعرف من معانيه وهداياته؛ فيسهم في سدّ حاجة الأمة بما يسّره الله له وفتح به عليه، ولذلك كان على طالب علم التفسير أن يعي أن تحمّل أمانة هذا العلم تقتضي منه أن يأخذه بقوّة وعزيمة، وأن يتّبع فيه سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، فيتعلَّم معاني القرآن، ويتبصّر بهداه، ويعقل أمثاله، ويفقه مراد الله تعالى بما أنزله في هذا الكتاب العظيم؛ ويعمل بما تعلّم، ويدعو إلى الله عزّ وجلّ؛ فمن كمّل هذه المراتب كان من خاصّة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {
قُل هـذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّـهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّـهِ وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ (108) }[يوسف].
ولو لم يحصل للداعية إلا واو المعيّة هذه مع النبي صلى الله عليه وسلم لكفى بها شرفاً.
فمن عاش حياته بهذه المعيّة في الدنيا، وهي معيّة بالمحبة والاتّباع والدعوة إلى ما كان يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يكون في معيّة النبي صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة.

وعلم التفسير وبيان معاني القرآن الكريم علمٌ عزيز؛ يحمله حقّ حمله في كل قرن خِيرة أهله، يؤمنون به ويتدبّرونه ويدعون به الناس ويهدونهم إلى ما يخرجهم الله به من الظلمات إلى النور). [بيان فضل علم التفسير:21 - 24]

رد مع اقتباس