عرض مشاركة واحدة
  #98  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 01:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

ائتلاف الألفاظ والمعاني عند أهل البديع
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (ائتلاف الألفاظ والمعاني عند أهل البديع
مما ينبغي التنبّه له أنّ أهل البديع لهم عناية بما يقارب هذا العلم في اسمه ويخالفه في بحث مسائله؛ ففي عدد من كتب البديع باب في "ائتلاف اللفظ والمعنى"، وأوّل من ذكر هذا الباب قدامة بن جعفر في كتابه "نقد الشعر" وجعل له أنواعاً، ثمّ تبعه جماعة من أهل البديع، فزادوا عليه فيها، وضمّ بعضهم إلى أنواعه أنواعاً أخرى، ومنهم من يسمّيها "التهذيب والتأديب"

وكلّ تلك المباحث غير داخلة فيما نحن بصدده من ذكر مناسبة الألفاظ في صفات حروفها وترتيبها وحركاتها وطريقة نطقها للمعاني الدالة عليها وإن لم تكن في جمل مفيدة.
وسألخّص ما ذكره أهل البديع في باب "ائتلاف اللفظ والمعنى" حتى يحصل تصوّر ما يريده أهل البديع، ويُعرف اختلافُه عن موضوع علم التناسب بين الألفاظ والمعاني.
فما ذكره أهل البديع في "ائتلاف اللفظ والمعنى" راجع إلى الموازنة بين الألفاظ والمعاني من جهة مقدار الدلالة فيهما، ولذلك يقسّمونها إلى إيجاز ومساواة وإطناب، ويتفرّع على هذه الدرجات أنواع أخرى: كالإشارة والإرداف والمقابلة وغيرها.
أ. فأمّا الإشارة، فهي أن تدلّ بألفاظ قليلة على معنى كثير لا تقتضيه دلالة الألفاظ بوضعها، ولكن بتنبيهها وإشارتها.
ومثاله قوله تعالى: {كانا يأكلان الطعام} فأشارت هذه الألفاظ اليسيرة إلى معانٍ كثيرة، ودلّت على حجج بليغة في الردّ على النصارى الذين غلوا في عيسى وأمّه وادّعوا فيهما الألوهية:
- منها: احتياجهما إلى الطعام كسائر البشر، والمحتاج لا يصلح أن يكون إلهاً.
- ومنها أن لهما مالآكل الطعام من الجوف والقنوات التي يتصرف فيها الطعام داخل الجسم، وأنّ الذي قَدّر لهما تصريف الطعام في أجسادهما إنما هو الله، وأنّ الذي لا يستطيع أن يدبّر تصريف الطعام الذي يأكله في جسده كيف يستطيع تدبير شؤون الخلق؟!!
- ومنها أنّ آكل الطعام عرضة للجوع والأمراض، وقد قيل: فإنّ الداء أكثر ما تراه .. يكون من الطعام أو الشراب
- ومنها: أن آكل الطعام محتاج إلى إخراج فضلاته، والإله الحقّ إنما هو القدوس السلام المتنزّه عما لا يليق بجلاله وعظمته.
فانظر كيف دلّت هذه الإشارة الوجيزة على معانٍ كثيرة وحجج بليغة.
ومثال هذا النوع في الشعر:
قول حجل بن نضلة: جاء شقيقٌ عارضاً رمحه .. إن بني عمّك فيهم رماح
فقوله: (عارضاً رمحه) وقوله: (فيهم رماح) فيهما إشارة إلى ما ورائهما من المعاني التي ترك الشاعرُ ذِكْرَها، واكتفى بالتنبيه عليها.
ب: وأمّا المساواة؛ فقد عرّفها أبو هلال العسكري بأن تكون المعاني بقدر الألفاظ، والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها على بعض، وهو المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب، ومثّل له بقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
ومثّل له قدامة بن جعفر بقول امرئ القيس:
فإن تكتمُوا الداءَ لا نخفهِ ... وإن تبعَثُوا الحربَ لا نقعدِ
وإن تقتلونَا نقتّلكمُ ... وإن تقصدُوا لدمٍ نقصدِ
ج: وأمّا الإرداف، فهو أن تدلّ على معنى بلفظ غير مباشر الدلالة عليه يكون كالمرادف للعبارة الأصلية، وقد مثّل له قدامة بن جعفر بقول عمر بن أبي ربيعة:
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل .. أبوها وإما عبد شمس وهاشم
فعبّر عن طول عنقها بلفظ مرادف، وهو بُعْد مهوى القرط.
د. وأمّا المقابلة فهي أن تُوائم بين لفظين لمناسبة معنوية على جهة المقابلة، ومثاله: قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار} فقابل الركون بالمسّ؛ وبينهما مناسبة معنوية من جهة أنّ الراكن إلى شيء أوّل ما يتحقق به ركونه إليه هو مماسّته له، وكان السامع يتوقّع الإخبار عمّا يحصل بهذا الركون؛ فناسب أنّ يكون جزاء الراكنِ أن تمسّه النار لا أن يمسّ هو ما يطمئنّ إليه، وفي الآية مقابلة أخرى بديعة وهي مقابلة الفعل بالفعل جزاء وفاقاً؛ فلما ابتدأوا الركون بكونهم الفاعلين في {تركنوا}، كان من جزائهم أن تبدأهم النار بالمسّ، ولذلك قال {فتمسّكم النار} ولم يقل [فتمسّوا النار].
ولأهل البديع في هذا الباب تفصيل طويل، ومما ذكروه في هذا الباب ما هو حَسَنٌ ظاهر الحسن، ومنه ما فيه نظر.
والمقصود التنبيه على الفرق بين ما أراده أهل البديع ببحثهم "ائتلاف اللفظ والمعنى" وبين علم تناسب الألفاظ والمعاني.
وإن كان بعضهم قد يُدخل فيه ما يَدخُل في هذا العلم كقول ابن أبي الإصبع المصري: (
ومن ائتلاف اللفظ مع المعنى أن يكون اللفظ جزلاً إذا كان المعنى فخماً، ورقيقاً إذا كان المعنى رشيقاً، وغريباً إذا كان المعنى غريباً بحتاً)). [طرق التفسير:277 - 280]

رد مع اقتباس