عرض مشاركة واحدة
  #139  
قديم 2 صفر 1439هـ/22-10-2017م, 12:25 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الحكمة من إبهام ذكر الغاضب في قوله: {غير المغضوب عليهم}
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحكمة من إبهام ذكر الغاضب في قوله: {غير المغضوب عليهم}
في قول الله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} أسند الفعل إليه جلّ وعلا، وقال هنا: {غير المغضوب عليهم} ولم يقل: ( الذين غضبت عليهم).

وهذا السؤال تكلّم في جوابه جماعة من المفسّرين وذكروا في أجوبتهم وجوها عديدة، والأظهر أنَّ ذلك لإفادة عظم شأن غضب الله عليهم، وأنه غضب الملك الجبّار الذي يغضب لغضبه جنوده في السماوات وفي الأرض، فيجد آثار ذلك الغضب في كلّ حال من أحواله.
وهذا نظير بغض الله تعالى لمن يبغض من عباده، كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض).
وكما في صحيح ابن حبان من حديث عثمان بن واقد العمري، عن أبيه، عن محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس».
والمقصود أنَّ إبهام ذكر الغاضب هنا من فوائده عموم الغاضبين وكثرتهم.
والتعبير بالاسم دون الفعل لما في الاسم من الدلالة على تمكّن الوصف منهم، وأنَّه ملازم لهم، ففيه من المعنى ما لا يفيده قول: (غضبت عليهم) لأنه قد يدلّ على وقوع الغضب مرّة واحدة.

وذكر ابن القيّم رحمه الله تعالى وجهين بديعين آخرين:
أحدهما: أنَّ ذلك جارٍ على الطريقة المعهودة في القرآن من أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله تعالى، وأفعال العدل والجزاء والعقوبة يُحذف ذكر الفاعل فيها أو يسند الفعل إلى من كان له سبب فيه؛ تأدّباً مع الله جلّ وعلا، ولئلا يقع في بعض النفوس ما لا يصحّ من المعاني التي يُنزّه الله عنها، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن الجنّ {وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشداً}
وقول إبراهيم الخليل: {الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين}.
فمن ذلك قوله تعالى: {الذين أنعمت عليهم} فأسند الضمير إليه جلَّ وعلا، وقوله: {المغضوب عليهم} حذف ذكر الفاعل، وقوله: {الضالين} أسند الفعل إلى من قام به، ولم يقل (الذين أضللتهم) لئلا يُفهم من ذلك نوع عذر لهم، مع أنّ ضلالهم بقضاء الله وقدره.
والآخر: أنّ ذلك أبلغ في تبكيتهم والإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم؛ بخلاف المنعم عليهم ففي إسناد فعل الإنعام إلى الله تعالى في قوله {أنعمت عليهم} ما يفيد عنايته بهم وتشريفهم وتكريمهم). [تفسير سورة الفاتحة:250 - 251]


رد مع اقتباس