عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 5 شوال 1435هـ/1-08-2014م, 10:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (94) ولا تكوننّ من الّذين كذّبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين (95) إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم (97)}
قال قتادة بن دعامة: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا أشكّ ولا أسأل"
وكذا قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن البصريّ، وهذا فيه تثبيتٌ للأمّة، وإعلامٌ لهم أنّ صفة نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم موجودةٌ في الكتب المتقدّمة الّتي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} الآية [الأعراف: 157]. ثمّ مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم، يلبسون ذلك ويحرّفونه ويبدّلونه، ولا يؤمّنون به مع قيام الحجّة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} أي: لا يؤمنون إيمانًا ينفعهم، بل حين لا ينفع نفسًا إيمانها؛ ولهذا لمّا دعا موسى، عليه السّلام، على فرعون وملئه قال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]، كما قال تعالى: {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 111] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 296]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثم قال تعالى: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ (98)}
يقول تعالى: فهلّا كانت قريةٌ آمنت بكمالها من الأمم السّالفة الّذين بعثنا إليهم الرّسل، بل ما أرسلنا من قبلك يا محمّد من رسولٍ إلّا كذّبه قومه، أو أكثرهم كما قال تعالى: {يا حسرةً على العباد ما يأتيهم من رسولٍ إلا كانوا به يستهزئون} [يس: 30]، {كذلك ما أتى الّذين من قبلهم من رسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ} [الذّاريات:52]، {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون} [الزّخرف:23] وفي الحديث الصّحيح: "عرض عليّ الأنبياء، فجعل النّبيّ يمرّ ومعه الفئام من النّاس، والنّبيّ معه الرّجل والنّبيّ معه الرّجلان، والنّبيّ ليس معه أحدٌ" ثمّ ذكر كثرة أتباع موسى، عليه السّلام، ثمّ ذكر كثرة أمّته، صلوات اللّه وسلامه عليه، كثرةً سدّت الخافقين الشّرقيّ والغربيّ.
والغرض أنّه لم توجد قريةٌ آمنت بكمالها بنبيّهم ممّن سلف من القرى، إلّا قوم يونس، وهم أهل نينوى، وما كان إيمانهم إلّا خوفًا من وصول العذاب الّذي أنذرهم به رسولهم، بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى اللّه واستغاثوا به، وتضرّعوا لديه. واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابّهم ومواشيهم، وسألوا اللّه تعالى أن يرفع عنهم العذاب الّذي أنذرهم به نبيّهم. فعندها رحمهم اللّه، وكشف عنهم العذاب وأخّروا، كما قال تعالى: {إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ}.
واختلف المفسّرون: هل كشف عنهم العذاب الأخرويّ مع الدّنيويّ؟ أو إنّما كشف عنهم في الدّنيا فقط؟ على قولين، أحدهما: إنّما كان ذلك في الحياة الدّنيا، كما هو مقيّدٌ في هذه الآية. والقول الثّاني فيهما لقوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون فآمنوا فمتّعناهم إلى حينٍ} [الصّافّات: 147، 148] فأطلق عليهم الإيمان، والإيمان منقذٌ من العذاب الأخرويّ، وهذا هو الظّاهر، واللّه أعلم.
قال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قريةً كفرت ثمّ آمنت حين حضرها العذاب، فتركت، إلّا قوم يونس، لمّا فقدوا نبيّهم وظنّوا أنّ العذاب قد دنا منهم، قذف اللّه في قلوبهم التّوبة، ولبسوا المسوح، وفرّقوا بين كلّ بهيمةٍ وولدها ثمّ عجّوا إلى اللّه أربعين ليلةً. فلمّا عرف اللّه منهم الصّدق من قلوبهم، والتّوبة والنّدامة على ما مضى منهم كشف اللّه عنهم العذاب بعد أن تدلّى عليهم -قال قتادة: وذكر أنّ قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل.
وكذا روي عن ابن مسعودٍ، ومجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وغير واحدٍ من السّلف، وكان ابن مسعودٍ يقرؤها: "فهلا كانت قريةٌ آمنت".
وقال أبو عمران، عن أبي الجلد قال: لمّا نزل بهم العذاب، جعل يدور على رءوسهم كقطع اللّيل المظلم، فمشوا إلى رجلٍ من علمائهم فقالوا: علّمنا دعاءً ندعوا به، لعلّ اللّه يكشف عنّا العذاب، فقال: قولوا: يا حيّ حين لا حيّ، يا محيي الموتى لا إله إلّا أنت. قال: فكشف عنهم العذاب.
وتمام القصّة سيأتي مفصّلًا في سورة الصّافّات إن شاء اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 297-298]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين (99) وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن اللّه ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون (100)}
يقول تعالى: {ولو شاء ربّك} -يا محمّد -لأذن لأهل الأرض كلّهم في الإيمان بما جئتهم به، فآمنوا كلّهم، ولكن له حكمةٌ فيما يفعله تعالى كما قال تعالى: {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} [هودٍ: 118، 119]، وقال تعالى: {أفلم ييأس الّذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا} [الرّعد: 31]؛ ولهذا قال تعالى: {أفأنت تكره النّاس} أي: تلزمهم وتلجئهم {حتّى يكونوا مؤمنين} أي: ليس ذلك عليك ولا إليك، بل [إلى] اللّه {يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ} [فاطرٍ: 8]، {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة: 272]، {لعلّك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين} [الشّعراء: 3]، {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص:56]، {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد: 40]، {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ لست عليهم بمصيطرٍ} [الغاشية: 21، 22] إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على أنّ اللّه تعالى هو الفعّال لما يريد، الهادي من يشاء، المضلّ لمن يشاء، لعلمه وحكمته وعدله؛ ولهذا قال: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن اللّه ويجعل الرّجس} وهو الخبال والضّلال، {على الّذين لا يعقلون} أي: حجج اللّه وأدلّته، وهو العادل في كلّ ذلك، في هداية من هدى، وإضلال من ضلّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 298]


رد مع اقتباس