الموضوع: النور
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28 شعبان 1438هـ/24-05-2017م, 10:22 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)


قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (النور
{الله نور السموات والأرض} أي: يهتدي بنوره من في السموات ومن في الأرض، أي: بآياته وأعلامه الدالة عليه، والبراهين الواضحة النيرة، يهتدي أهل السموات والأرض إلى توحيده والإقرار بربوبيته وتنزيهه من الأنداد والأمثال عز وجل.
وقالوا في قوله: {الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار... إلى آخر الآية}. هذا مثل ضربه الله عز وجل لباين أمره ووضوح آياته الدالة عليه وعلى توحيده، وظهورها واهتداء المؤمنين بها فقال: {الله نور السموات والأرض} أي: يهتدي بنوره من في السموات ومن في الأرض أي بآياته وأعلامه الواضحة الدالة عليه. ثم قال: {مثل نوره} في قلب المؤمن – {كمشكاة} وهي الكوة غير نافذة، والمشكاة لفظة عربية فأما من قال هي حبشية فإنما أراد أنه وفاق وقع من العربية وغيرها لا أن في القرآن ما ليس بعربي، وإنما ذلك اتفاق في أحرف بين العربية وغيرها أو كلام معرب من غير العربية منقول إلى ألفاظ العربية. ثم قال: {فيها مصباح} أي: في المشكاة مصباح وهو السراج. ثم قال: {المصباح في زجاجة} ليكون أعظم لضوئه وأنور. ثم قال: {الزجاجة كأنها كوكب دري} فوصف بياض الزجاجة وصفائها وشدة ضيائها ليضاعف نور المصباح فيها فشبهها بالكوكب الدري وهو الأبيض المضيء منسوب إلى الدر لبياضه.
ومن قرأ «درئ» بكسر الدال والهمزة فإنه ذهب إلى الكواكب التي يدرأن عليك أي: يطلعن، وتقديره «فعيل» من درأت أي: دفعت.
ومن قرأ «درئ» بالضم والهمز فليس مذهبه بجيد في العربية لأنه ليس في العربية «فعيل» بضم الفاء والتشديد إنما هو «فعيل» بكسر الفاء والتشديد نحو صريع وفسيق وخريت وما أشبه ذلك. فأما مريق فذكر الفراء أنه فارسي معرب.
وقد ذكر سيبويه المريق من الأبنية ولم يذكر أنه فارسي، والقول ما قال الفراء.
ثم قال: {يوقد من شجرة مباركة} فمن قرأ هكذا «توقد» بالرفع أراد تتوقد ذهب إلى الزجاجة فحذف إحدى التاءين لاجتماعهما، والوجه أن تكون المحذوفة الثانية لأن الأولى دليل الاستقبال، وعلى ذلك إجماع النحويين إلا هشام بن معاوية فإنه قال: المحذوفة الأولى، وليس ذلك بشيء. ومن قرأ «توقد» على لفظ المضي أو «يوقد» بالياء ذهب إلى المصباح.
ثم بين الشجرة ما هي؟ فقال: «زيتونة» فجعلها بدلاً من شجرة فخفضها لذلك، ثم وصف الزيتونة فقال: {لا شرقية ولا غربية} أي ليست بشرقية أبدًا فالشمس تدوم عليها ولا يصيبها ظل، ولا هي غربية في مقنأة وهو موضع لا تصيبها فيه شمس، ولكنها شرقية غربية قد جمعت الأمرين فهي تصيبها الشمس في وقت والظل ليكون أجود لزيتونها وأصفى لدهنه، وإنما أراد بذلك صفاء الزيت الذي يتوقد منه المصباح، يقال: مقنوة للمكان الذي لا تناله الشمس.
ثم قال: {يكاد زيتها يضيء} لصفاته و[لو] لم تمسسه نار.
ثم قال: {نور على نور} أي: ذلك نور على نور المشكاة والمصباح والزجاجة والنار والزيت. وهذه أمثال ضربها الله عز وجل، وهكذا تفسيره في ظاهر العربية واللغة، والله أعلم ما أرد بذلك. فقد قيل فيه ضروب من القول.
ثم بين أنه أراد بهذا كله المثل بقوله: {يهدي الله بنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}.
وأصل النور الضياء، والنور والنار أصل واحد، فالنور: الضياء، والنار: المعروفة هي أيضًا ذات ضياء وإشراق.
والنور نور النبات وزهره، قال ابن الأعرابي: النور من النبات: الأبيض، والزهر الأصفر يكون أبيض قبل ثم يصفر.
والنور: النفر من الضباء وغيرها، يقال: نارت تنور نوارًا، وامرأة نوار: إذا كانت تنفر من الريبة. وانشد ابن السكيت:
أنورًا سرع ماذا يا فروق = وحبل الوصل منتكث حذيق
أراد أنوار أي أنوارً سرع ماذا: أراد سرع ذا فخفف وما زائدة، وتقديره: ما أسرع ذا !
ويقال «استنثار الشيء»: إذا أضاء وأشرق، ونارت النار: إذا وقدت، وتنورت النار: إذا نظرت إليها من بعيد وينشد لامرئ القيس:
تنورتها من أذرعات وأهلها = بيثرب أدنى دارها نظر عالي
قالوا: نظر إليها بقلبه. وينشد لابن حلزة اليشكري:
فتنورت نارها من بعيد = بخزاز هيهات منك الصلاء
أي: ما أبعد منك الصلاء لبعدها.
وهذه مسائل من التصريف في النور: إن قال لنا قائل: ما وزن نور؟ قلنا: «فعل» مثل قفل، وبرد.
فإن قال كيف تبني منه «فعل» مثل ضرب؟ قلنا: نار كما تقول قام، وأصله نور فانقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
فإن قال: كيف يبنى منه «فعل» مثل ظرف وشرف؟ قلنا: نار أيضًا وذلك أن أصله نور فتحركت الواو وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا.
فإن قال: كيف يبنى منه «فعل» مثل جهل وعلم؟ قلنا: نار أيضًا، والعلة واحدة.
فإن قال: كيف تبني منه فاعلاً مثل: ضارب وقاعد؟ قلنا: نائر بالهمز وأصله ناور لأن الواو عين الفعل فوقعت بعد ألف زائدة، ومن شأن الواو إذا تحركت وقبلها فتحة أن تنقلب ألفًا، فلما وقعت قبلها ألف كانت أقدر على القلب من الفتحة لأن الفتحة من الألف فقلبت الواو ألفًا، فاجتمعت ألفان ساكنتان، ولا يمكن الجمع بينهما فأبدلت الثانية همزة فقيل: نائر. ومثل ذلك قائم، ونائم وما أشبه ذلك، والباب واحد وتخفيف الهمزة بعد التحقيق جائز فيجعل بين بين.
فإن قال: فكيف يبني منه مثل «مفعل» نحو مكرم ومقبل؟ قيل له: منير، وأصله منور فنقلت حركة الواو إلى النون التي قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياء فقيل: منير كما قيل ميزان وميعاد، وميقات فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
فإن قال قائل: إذا قلت منور فما قبل الواو ساكن فهلا صححتها لأن الواو إذا سكن ما قبلها صحت كما يصح في لهو وغزو وعدو؟ قيل له: إن هذا من الاعلال الذي يتبع بعضه بعضًا، فلما اعتلت الواو في قولنا: نار ينور وأنار وجب إعلاها في ينير وفي منير فأعللناها لذلك، كما قيل: مستقيم، ومستعيذ، ونستعين، وأصله مستقوم، ومستعوذ، ونستعون فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، وقلبت ياء كذلك لزم في منير.
فإن قال: كيف يبني منه مثل «مستفعل» نحو مستخرج ومستضرب؟ قلنا: مستنير وأصله مستنور ففعلنا به ما فعلنا بمنير.
فإن قال: فكيف يبنى منه «مفتعل» نحو مقتدر ومكتسب قلنا: منتار كما ترى، وأصله منتور فقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
فإن قال قائل: فكيف يبني منه «مفعول» مثل مضروب ومقتول؟ قلنا: منور واصله منور بواوين الأولى عين الفعل، والثانية واو مفعول فنقلت حركة الواو الأولى إلى ما قبلها وأسكنت، فاجتمع واوان ساكنان فحذفت إحداهما فقيل: منور ومثل ذلك مفعول من قال ونام. يقول: مقول ومنوم. وإن كان من ذوات الياء نحو باع وكال قلت: مكيل ومبيع وأصله مكيول ومبيوع فأعل كما ذكرت لك. وفي هذا خلاف بين العلماء يطول شرحه، ليس هذا موضع ذكره.
فإن قال: فكيف يبني منه «استفعل» نحو استغرب؟ قلنا: استنار وأصله استنور فقلبت الواو ألفًا على ما مضى من الشرح.
فإن قال: فكيف يبني منه «تفاعل» نحو تضارب وتقاتل؟ قلنا: تناور فيصح الواو كما يصح في تناوم وتقاول لأنها لو أعلت انتقض البناء وفسد ولم يكن عليه دليل.
فإن قال: فكيف يبني منه «افتعلت» نحو اكتسبت؟ قلت: انترت بقلب الواو ألفًا ثم تحذف لسكون الراء بعدها.
فإن قال: فكيف يبني منه «تفعلت نحو تضربت؟ قلت: تنورت فتصح الواو لأنه لم يجئ أمر تغير له.
وهذا باب يتسع ويطول جدًا، وفي هذه المسائل دليل على ما يرد من أمثالها لمن تدبرها»). [اشتقاق أسماء الله: 182-187]


رد مع اقتباس