الحكمة من تقدير ما يُستعاذ منه:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الحكمة من تقدير ما يُستعاذ منه:
وبما تقدّم تتبيّن لك بعض الحِكَم الجليلة من تقدير الله تعالى لما يُستعاذ منه، وخلق الأشياء المؤذية والضارة، مع ضمانه لعباده المؤمنين بإعاذتهم إذا أحسنوا الاستعاذة به؛ كما قال تعالى في حديث الوليّ المشهور: (ولئن استعاذني لأعيذنّه).
ولو قُدّر خلو العالم الدنيوي من الشرور التي يُستعاذ منها لفات على العباد فضيلة التعبد لله تعالى بالاستعاذة به، وفاتهم من المعارف الإيمانية الجليلة، والعبادات العظيمة ما يناسب ذلك.
والنفس البشرية إذا أمِنَت المضارّ ارتاحت إلى اتّباع الهوى وطول الأمل ودخل عليها من العلل والآفات ما يسوء به الحال والمآل؛ فكان من حكمة الله تعالى أن قدّر من أقدار الشرّ ما يحمل عباده على الاستعاذة به جلّ وعلا واتّباع هداه؛ فتتطهّر قلوبهم وتتزكّى نفوسهم وتصلح أحوالهم وتحسن عواقبهم، وقد قال الله تعالى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
فتقدير المشقّة والضرر لا يريد الله به أن يجعل على عباده المؤمنين حرجاً أو يكلّفهم ما لا يطيقون، وإنما يريد به أن يطهّرهم، وأن تتهيّأ نفوسهم لإنعامه الخاصّ الذي يختصّ به من يستجيب له ويتّبع هداه.
والمقصود أنّ الحوادث والابتلاءات مجال رحب يعرّف العباد بربّهم جلّ وعلا وبأسمائه وصفاته، ليجدوا ما أخبر الله به وما وعدهم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم صدقاً وحقاً). [تفسير سورة الفاتحة:93]