الموضوع: مسائل في السحر
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:12 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

معنى السِّحر

قالَ الخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَاهِيدِيُّ (ت:170هـ): (السِّحْرُ: كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الشَّيطَانِ فيهِ مَعُونةٌ.
وَالسِّحْرُ: الأُخْذَةُ التي تَأخُذُ العينَ.
وَالسِّحْرُ: البَيانُ فِي الفِطْنَةِ .
والسَّحْرُ: فِعْلُ السِّحْرِ.
وَالسَّحَّارَةُ: شَيءٌ يَلْعَبُ بهِ الصِّبيانُ إِذا مُدَّ خَرَجَ على لَوْنٍ، وَإِذا مُدَّ مِن جَانِبٍ آخَرَ خَرَجَ على لونٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لِلأوَّلِ، وَمَا أَشْبَهَها فَهُوَ سَحَّارَةٌ). [العين: سحر ]
قالَ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَزْهَرِيُّ (ت: 370هـ): (قالَ اللَّيثُ: (السِّحْرُ: عَمَلٌ يُقْرَّبُ فيهِ إِلَى الشَّيطَانِ وَبمعونةٍ منهُ)، كلُّ ذلكَ الأمرِ كَيْنُونتُهُ السِّحْرُ.
وَمِنَ السِّحْرِ الأُخْذَةُ الَّتي تَأخُذُ العَينَ حَتَّى تَظُنَّ أنَّ الأمرَ كَمَا تَرَى، وَلَيسَ الأَصْلُ عَلَى مَا تَرَى.
وَفِي الحديثِ أنَّ قيسَ بنَ عاصِمٍ المِنْقَرِيَّ والزِّبرقانَ بن بدرٍ وَعمرَو بنَ الأهتمِ قَدِموا علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ النبيُّ عَمْراً عنِ الزِّبْرقانِ فأثنَى عليهِ خيراً، فلم يَرْضَ الزِّبْرقانُ بذلكَ، وَقالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَني أفضلُ مِمَّا قالَ، وَلَكِنَّهُ حَسَدَ مَكَانِي مِنكَ؛ فأثنى عَلَيْهِ عَمْرٌو شَرًّا، ثمَّ قالَ: وَاللهِ مَا كَذَبْتُ عليهِ فِي الأُولَى وَلا فِي الآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ أرضانِي فقلتُ بالرِّضا، ثمَّ أسْخَطَنِي فقلتُ بالسُّخْطِ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً)) .
قالَ أبو عُبيدٍ: كَأَنَّ المعنَى -واللهُ أَعْلَمُ - أنهُ يَبْلُغُ مِن بَيَانِهِ أنَّهُ يَمْدَحُ الإِنسَانَ فيُصَدَّقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قَوْلِهِ، ثمَّ يَذُمُّه فيُصَدَّقُ فيهِ حتَّى يَصْرِفَ القُلوبَ إِلَى قَولِهِ الآخَرِ؛ فَكأنهُ قد سَحَر السَّامِعِينَ بذلِكَ.
قلتُ: وأصلُ السِّحْرِ صَرْفُ الشَّيءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِلَى غَيرِهِ.
وَقالَ الفَرَّاءُ فِي قَولِ اللهِ: {فأنَّى تُسْحَرونَ (89)} [المؤمنون: 89] مَعْنَاهُ: فأنَّى تُصْرَفون، ومثله: {فأنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} [الأنعام: 95]، أُفِكَ وسُحِرَ سَواءٌ.
وَأخبرني المُنذريُّ عنِ ابنِ فَهْمٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ عَن يُونسَ فِي قولهِ: {فأنَّى تُسْحَرونَ (89)} [المؤمنون: 89] قالَ: تُصْرَفُون.
قالَ يونسُ: تقولُ العرَبُ للرَّجُلِ: مَا سَحَركَ عَن وَجْهِ كَذا وَكَذا، أَي مَا صَرَفكَ عنه.
وَقالَ شِمْرٌ: قالَ ابنُ عَائِشَةَ: العَرَبُ إِنَّمَا سَمَّتِ السِّحْرَ سِحْراً لأنه يُزيلُ الصِّحَّةَ إِلَى المرَضِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: سَحَرَهُ أَي أَزالَهُ عَنِ البُغْضِ إِلَى الحُبِّ، وقال ابن الكُمَيْت:
وقَادَ إليها الحُبَّ فانْقادَ صَعْبُه.....بحبٍّ من السِّحْرِ الحَلالِ التَّحَبُّبُ
يُرِيدُ أنَّ غَلَبَةَ حُبِّهَا كَالسِّحْرِ وَلَيْسَ بهِ، لأنه حُبٌّ حَلالٌ، وَالحَلالُ لا يَكُونُ سِحْرًا، لأنَّ السِّحْرَ فِيهِ كَالخِدْاع). [تهذيب اللغة: سحر]

تنبيه
قالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الجَصَّاصُ (ت: 370هـ): (الواجبُ أن نقدِّمَ القولَ فِي السِّحْرِ لخفائِهِ على كثيرٍ من أهلِ العلمِ فضلاً عنِ العامَّةِ، ثمَّ نعقبه بالكلامِ فِي حُكمِه في مقتضَى الآيةِ فِي المعَانِي وَالأحكامِ.
فنقول: إنَّ أهلَ اللغَةِ يذكرونَ أنَّ أَصْلَهُ في اللُّغَةِ لِمَا لَطُفَ وَخَفِيَ سَبَبُهُ). [أحكام القرآن: 1/50 ]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تَوَصَّلَ الجصَّاصُ بهذا التعريفِ إلى إنكارِ حقيقةِ السِّحْرِ على طريقةِ المعتزلةِ، وانظرْ تتمةَ كلامِه فِي مَسْألة: إنكارِ المعتزلةِ للسِّحرِ، وَقَرِيبٌ منهُ قولُ الجوهَرِيِّ صَاحِبِ الصَّحَاحِ: (وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُهُ ودَقَّ فهو سِحْرٌ).
وَقدِ اشتهَرَ تعريفُ الجصَّاصِ بَعْدَ أن ذكرَهُ ابنُ الجوزِيُّ وَغيرُهُ، وأورَدَهُ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتحِ ثمَّ تدَاوَلَهُ بعضُ الشُّرَّاحِ حتَّى راجَ هذا التعريفُ عِندَ بعضِ أهلِ السُّنَّةِ وَأورَدُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبهم.
وَهذا التعريفُ لا يُسَلَّم؛ فإنَّ لفظَ السِّحْرِ يطلقُ في اللغةِ علَى مَعَانٍ مَعْرُوفَةٍ كَمَا ذَكَرَ الخَلِيلُ، وَمِنهَا السِّحْرُ المعرُوفُ الذي هو عُقَدٌ وَرُقًى، وَلا يُحْتَاجُ فِي تَعْرِيفِهِ إِلا لِبَيَانِ حَقِيقَتِهِ، وَلِذلكَ لَمَّا أتى الصَّاحِبُ بنُ عَبَّادٍ فِي كِتَابهِ المحيطُ في اللغَةِ عَلَى مَادَّةِ سَحَرَ قالَ: (السِّحْرُ مَعْرُوفٌ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ، وَقَالَ ابنُ السِّكِّيتِ فِي إِصْلاحِ المنطِقِ: (السِّحْرُ: الَّذِي يُسْحَرُ بهِ) وَلَمْ يَزِدْ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذلِكَ.
وَعُلَمَاءُ اللغَةِ المتقدِّمينَ لا يَزيدُونَ في بَيَانِ مَعْنَى السِّحْرِ علَى ما تَعْرِفُه العَرَبُ مِن حَقِيقَتِهِ، بَلْ لِوُضُوحِ مَعْنَاهُ يُفَسِّرُونَ بهِ الألفاظَ الغَرِيبَةَ الَّتِي يُرَادُ بهَا مَعْنَاهُ كالأُخْذَةِ وَالجِبْتِ وَالعِضَهِ وَغَيرِهَا.
وَهَذا التَّعْرِيفُ الذي ذكره الجصَّاصُ لا يَسْتَقِيمُ طَرْدًا وَلا عَكْسًا، وَإِن كَان قَدْ يَصْدُقُ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ السِّحْرِ؛ فَمَا أَكْثَرَ مَا يَلْطُفُ ويخفَى سببُه ولا يُسَمَّى سِحْرًا، فَكَم من أنواعِ الحِيَلِ الخَفِيَّةِ وَالمَكْرِ وَالاختلاسِ وَالغِيلَةِ وَالسَّرِقَاتِ الخَفِيَّةِ وَالتَّعرِيضَاتِ وَنَحْوِهَا لا تُسَمَّى سِحْرًا، وَفِي المقَابلِ فَإنَّ خفَاءَ السِّحْرِ أَمْرٌ نِسْبيٌّ وَلَيْسَ عَدَمُ خَفَائِهِ بمخرِجِهِ عَنِ اسْمِ السِّحْرِ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ)).
وَقَدْ أَحْسَنَ من عرَّفَهُ مِنَ الفُقَهَاءِ بأنَّهُ عُقَدٌ وَرُقًى وَعَزَائِمُ يُتَوَصَّلُ بهَا إِلَى صَرْفٍ وَعَطْفٍ، فإنَّهُ قَصَدَ إِلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ السِّحْرِ وَأَثرِهِ وَمَا يَكُونُ بهِ، وَهُوَ مُوافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ اللغةِ المتقدِّمونَ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَعْنَاهُ فِي لِسَانِ العَرَبِ إِذ هُو مَعْهُودٌ لَدَيهِم مشتهِرٌ مَعْروفٌ بأنه عُقَدٌ وَرُقًى، وَلِذلكَ شَواهِد كثيرةٌ تدلُّ على هذا المعنَى، قَالَ المعافَى بنُ زكَرِيَّا: (وَمِنَ العِضَهِ السِّحْرُ، مَا أنشدَنِيهِ عُبَيدُ اللهِ بنُ محَمَّدِ بنِ جَعفرَ الأزدِيُّ، قالَ: أنشدَنا أحمدُ بنُ يَحْيَى:
أَعُوذ بربِّي مِنَ النَّافِثَا.....تِ في عُقَدِ العَاضِهِ المُعْضِهِ
وَقَالَ: يَعْنِي بهمَا السَّاحِرَ).
أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى هُو ثَعْلَبٌ إِمَامُ أَهْلِ الُّلغَةِ، وَقَالَ عُمَرُ بنُ أَبي رَبيعَةَ:
وَكأَنَّني أُسْقَى إذا ذُكِرَتْ.....صفوَ المدامِ على رُقَى السِّحْرِ


وَقَالَ جَرِيرٌ الخَطَفَىيَهْجُو رَجُلاً بأنَّ بَنَاتِهِ سَحَّارَاتٌ:
نَهَيْتُ بَنَاتِ المستَنِيرِ عَنِ الرُّقَى.....وَعَن مَشْيهِنَّ الليلَ بَيْنَ المزَارِعِ


وقَالَ الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ فِي (جَمْهَرةِ نَسَبِ قُرَيشٍ): حَدَّثني مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ قَالَ: اخْتُلَفَ مَا بَين أَبي بَكْرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مُصْعَبٍ، وَبينَ أَخِيهِ مُصْعَبِ بنِ عبدِ اللهِ، فَدَخَلْتُ يَومًا علَى مُصْعَبِ بنِ عبدِ اللهِ، فَوَجَدتُهُ يَقُولُ:
أيزْعُمُ أقوامٌ رمَوْهُ بظِنَّةٍ.....بأن سوفَ تأتيني عقاربُهُ تَسْرِي
ووَدّ رجالٌ لو تمادَتْ بنا الخُطَى.....إلى الغَيِّ أو تُلْقَ
ى
علانيةً تَجْرِي
أبتْ رَحِمٌ أطّتْ لَنَا م
ُرْجَحِنَّةٌ.....أمانِي العِدَى وَالكَاشِحَ الحَسِكَ
الصَّدْرِ
فقُلْ لوُشَاة النّاسِ لن تُذْهِبَ الرُّقَى.....ولا نافثاتُ السِّحْر وُدَّ أبي بَكْرِ



وَشَواهِدُ إِثباتِ أَنَّ السِّحْرَ عُقَدٌ وَرُقًى مِن كَلامِ العَرَبِ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْتُ كِفَايَةٌ لِلتَّنبيهِ عَلَى المرادِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ علَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَتَأثِيراً، وَأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لا يَجُوزُ، وَسَيَأتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِن شَاءَ اللهُ تَعَالَى).

قالَ الحُسَينُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ (ت: ق5 هـ):(سَحَرَ: السَّحْرُ طَرَفُ الحلقُومِ وَالرِّئَةُ، وَقِيلَ: انتَفَخَ سَحْرُهُ، وَبعِيرٌ سَحِرٌ عَظِيمُ السَّحْرِ، وَالسُّحَارَةُ مَا يُنزَعُ مِنَ السَّحْرِ عِندَ الذَّبحِ فَيُرْمَى بهِ، وَجُعِلَ بنَاؤُهُ بناءَ النُّفَايَةِ وَالسُّقَاطَةِ، وَقِيلَ: مِنهُ اشتقَّ السّحر، وَهو إِصابةُ السّحر.
وَالسِّحْرُ يُقَالُ علَى مَعَانٍ:
الأوَّلُ: الخِدَاعُ وَتَخْييلاتٌ لا حَقِيقَةَ لَهَا نحو مَا يَفْعَلُهُ المشَعْبِذُ بصَرْفِ الأبصَارِ عمَّا يفعلُه لِخِفَّةِ يدٍ، وَمَا يَفْعَلُهُ النَّمَّامُ بقَولٍ مُزَخْرَفٍ عَائِقٍ للأسْمَاعِ، وَعَلَى ذلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف: 116]، وَقَالَ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ} [طه: 66]، وَبهذا النَّظَرِ سَمَّوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ سَاحِرًا فَقَالَوا:{يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الزخرف: 49].
وَالثَّانِي: استِجلابُ مُعَاوَنَةِ الشَّيْطَانِ بضَرْبٍ مِنَ التَّقَرُّبَ إِليهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} [الشعراء: 221، 222] وَعَلَى ذلِكَ قَولُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].
وَالثَّالِثُ: مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الأَغْتَامُ، وَهُوَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِن قُوَّتِهِ يُغَيِّرُ الصُّوَرَ وَالطَّبَائِعَ؛ فَيَجْعَلُ الإِنسَانَ حِمَارًا، وَلا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ عِندَ المُحَصِّلِينَ.
وَقَدْ تُصُوِّرَ مِنَ السِّحْرِ تَارَةً حُسْنُه فَقِيلَ: إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، وَتَارَةً دِقَّةُ فِعْلِهِ حَتَّى قَالَتِ الأَطِبَّاءُ: الطَّبيعَةُ سَاحِرَةٌ، وَسَمَّوا الغِذَاءَ سِحْرًا مِن حيثُ إِنه يَدِقُّ وَيَلْطُفُ تَأثِيرُهُ، قالَ تَعَالَى: {بَل نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}[الحجر: 15] أَي مَصْرُوفُونَ عَن مَعْرِفَتِنَا بالسِّحْرِ.
وَعَلَى ذلِكَ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ (153)} [الشعراء: 153] قِيلَ: مِمَّن جُعِلَ لَهُ سَحْرٌ تَنبيهًا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الغِذَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَالِ هَذا الرَّسُولِ يَأكُلُ الطَّعَامَ} [الفرقان: 7]. وَنَبَّهَ أَنَّهُ بَشَرٌ كَمَا قَالَ: {مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 154] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مِمَّن جُعِلَ لَهُ سِحْرٌ يَتَوَصَّلُ بلُطْفِهِ وَدِقَّتِهِ إِلَى مَا يَأْتِي بهِ وَيَدَّعِيهِ.
وَعَلَى الوَجْهَينِ حُمِلَ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّبعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (47)} [الإسراء: 47]، وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)} [الإسراء: 101]، وَعَلَى المعنَى الثانِي دَلَّ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنْ هَذا إِلا سِحْرٌ مُبينٌ (7)} [الأنعام: 7]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَاءُوا بسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)} [الأعراف: 116]، وَقَالَ: {أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)} [يونس: 77] وَقَال: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)} [الشعراء: 38]، {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} [الشعراء: 46] ). [مفردات القرآن:225]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (قالَ بعضُ أهلِ العلمِ : السِّحْرُ : اسمٌ لِمَا لَطُفَ وَخَفِيَ سَبَبُهُ،وَالسِّحْرُ أنواعٌ، فَمِنْهُ شَعْبَذَةٌ؛ كَإِيهَامِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ أَنَّ العِصِيَّ حَيَّاتٌ، وَمِنْهُ عُقَدٌ وَنَفْثٌ وَرُقًى وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَثَّرَ فِي الماءِ وَالهَوَاءِ.
وَقَالَ ابنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابنَا: وَلا يُنكَرُ أنْ يُحْدِثَ اللهُ شَيْئًا عَقِيبَ شَيْءٍ مِنْ غَيرِ تَوَلُّدٍ مِن ذلكَ الشَّيءِ، كَمَا يُحْدِثُ الشفاءَ عِندَ التداوي، وَالجَرَبَ وَالجُذامَ عِندَ مُقَارَبَةِ أَصْحَابِ ذلكَ باطِّرَادِ العَادَةِ لا مِن طَرِيقِ العَدْوَى.
وَقَد نقَصَ قومٌ مِن رُتبَةِ السِّحْرِ فَقَالَتِ المعتزلَةُ: لَيْسَ السِّحْرُ إِلا الشعبَذَةَ وَالدَّهْشَةَ. وَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ يُكَذبُهُم؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنه يَأتِي أهلَهُ فَيَغْتَسِلُ.
وَقد رفَعَهُ قومٌ فجعلُوه زائدًا علَى المعجزاتِ، وَربما تَوَهَّمَ جَاهِلٌ أنَّ السَّاحِرَ يقلِبُ الصُّوَرَ فَيَجْعَلُ المرأَةَ طَائِرًا وَنَحْوَ ذلِكَ).[نزهة الأعين النواظر: 354]


رد مع اقتباس