الموضوع: حرف الكاف
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 09:18 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ

(حرف "الكاف")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "الكاف")
"الكاف" جارة وغير جارة، والجارة حرف واسم، والحرف له خمسة معان:
أحدها: التشبيه، نحو: زيد كالأسد.
والثاني: التعليل، أثبت ذلك قوم ونفاه الأكثرون، نحو: {كما أرسلنا فيكم رسولًا منكم} الآية، قال الأخفش: أي: لأجل إرسالي فيكم رسولًا منكم فاذكروني، وهو ظاهر في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم}، واختلف في قوله:
وطرفك أما جئتنا فاحبسنه ..... كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
فقال الفارسي: الأصل كيما، فحذف "الياء"؛ بدليل نصب المضارع بعدها، وقال ابن مالك: هذا تكلف، بل هي "كاف" التعليل، و"ما" الكافة، ونصب الفعل "بالكاف" لشبهها "بكى" في المعنى.
والثالث: مرادفة "على"، ذكره الأخفش والكوفيون نحو: كن كما أنت، أي: "على" ما أنت عليه.
والرابع: المبادرة، وذلك إذا اتصلت بما، نحو: سلم كما تدخل، ذكره ابن الخباز في النهاية وأبو سعيد السيرافي وغيرهما، وهو غريب جدًا.
والخامس: التوكيد، وهي الزائدة نحو: {ليس كمثله شيء}، قال الأكثرون: التقدير : ليس شيء مثله؛ إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى ليس شيء مثل مثله، فيلزم المحال، وهو مثل المثل.
وأما
"الكاف" الاسمية الجارة فمرادفة لمثل، ولا تقع كذلك عند سيبويه والمحققين إلا في الضرورة، كقوله: يضحكن عن كالبرد المنهم.
وقال كثير منهم الأخفش والفارسي: يجوز في الاختيار، وقال أبو البقاء: قد تكون
"الكاف" مقحمة للمبالغة، وهذا الاقتحام مطرد في عرف العرب، كنحو في الجمع بين أداتي التمثيل، ومن هذا القبيل قولهم: كالدار مثلًا، وفي مثل قولهم كالخل، ونحوه "الكاف" للتمثيل، والنحو للتشبيه، فالمعنى: مثاله الخل وما يشبهه، ويقال: سمع الكلام كما يجب سمعه، "فالكاف" فيه بمعنى المثل، و"ما" بمعنى شيء.
وقال في موضع آخر: و
"الكاف" مثل قولنا هو كالعسل والدبس، ونحو ذلك استقصائية.

أما "الكاف" غير الجارة فنوعان: مضمر منصوب أو مجرور، نحو: {ما ودعك ربك}، وحرف معنى لا محل له ومعناه الخطاب، وهي اللاحقة لأسماء الإشارة، نحو: ذلك، وتلك، وللضمير المنفصل المنصوب في قولهم: إياك إياكما، ولبعض أسماء الأفعال نحو: رويدك، وأرأيت بمعنى: أخبرني، نحو: {أرأيت هذا الذي كرمت علي}، "فالتاء" فاعل و"الكاف" حرف خطاب، هذا قول سيبويه، وهو الصحيح، وعكس ذلك الفراء، فقال: "التاء" حرف خطاب و"الكاف" فاعل، وقال الكسائي: "التاء" فاعل و"الكاف" مفعول.
ومن أغرب استعمالها مجيئها مع "ال"، نحو: النجاك بمعنى: انج، وأصله: مصدر نجا ينجو نجاء، ثم استعمل اسم فعل أمر بمعنى انج، وقالوا أيضًا: الدواليك، بمعنى: دواليك، ومعناه: تداول للأمر بعد تداول، كما في القاموس، وأورده أيضًا في د ل ك على أن "الكاف" أصلية، وكذا العباب أورده في الموضعين.

"كأن": حرف مركب من "كاف" التشبيه و"إن" المشددة عند أكثرهم، حتى ادعى بعضهم الإجماع عليه، وليس كذلك، قالوا: والأصل في كأن زيدًا أسد، أن زيدًا كأسد، ثم قدم حرف التشبيه اهتمامًا به ففتحت "همزة" "إن"، كما هو شأنها مع كل حرف جار، ولها أربعة معان:
أحدها: وهو الغالب عليها والمتفق عليه التشبيه نحو: كأن زيدًا أسد، وزعم جماعة منهم ابن السيد أنها لا تكون كذا إلا إذا كان خبرها اسمًا جامدًا كما في المثال، بخلاف: كأن زيدًا قائمًا، أو في الدار، أو عندك، أو يقوم، فإنها في ذلك كله للظن.
والثاني: الشك والظن، وحمل عليه ابن الأنباري: كأني بالشتاء مقبل، أي: أظنه مقبلًا.
والثالث: التقريب، قاله الكوفيون، وحملوا عليه: كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت، وكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل، وقول الحريري: كأني بك تنحط، ورواية بعضهم: ولم تكن، ولم تزل "بالواو"، وقال المطرزي: الأصل: كأني أبصر الدنيا لم تكن، وكأني أبصرك تنحط، ثم حذف الفعل وزيدت "الباء".
الرابع: التحقيق: ذكره الكوفيون والزجاجي، وأنشدوا عليه:
فأصبح بطن مكة مقشعرًا ..... كأن الأرض ليس بها هشام
أي: لأن الأرض لأن هشامًا لم يكن في الأرض حقيقة، فلم يكن تشبيهًا، وزعم قوم أن كأن تنصب الجزئين، وأنشدوا:
كأن أذنيه إذا تشوفا ..... قادمة أو قلما محرفا
وقيل: إن الخبر محذوف، أي: يحكيان، وقيل: إن الرواية تخال أذنيه، وقيل غير ذلك، والقادمة هنا: إحدى قوادم الطير، وهي عشر ريشات في مقدم كل جناح.

"كافة": قال الحريري: ونظير هذا الوهم في إدخال أداة التعريف قولهم: حضرت "الكافة"، قال الشارح: يعني: أنه لابد من تنكيره ونصبه على الحال، وذو الحال من العقلاء، وهذا مما اشتهر وإن لم يصف من الكدر، وتحريره بعد ذكر كلام النحاة وأهل اللغة فيه أنه قال في شرح اللباب: ومن الأسماء ما يلزم النصب على الحال، نحو: طُرًّا، وكافة، وقاطبة، واستهجنوا إضافتها في كلام الزمخشري والحريري كقوله في خطبة المفصل محيطًا بكافة الأبواب، وهو مما خطئ فيه، ومخطئه هو المخطئ، إلى أن قال: على أنه قد ورد في كلام البلغاء على خلاف ما ادعوه، كما في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لآل بني كاكلة: «قد جعلت هكذا لآل بني كاكلة على كافة بيت المسلمين لكل عام مائتي مثقال عينًا ذهبًا ابريزًا» كتبه عمر بن الخطاب وختمه: «كفى بالموت واعظًا يا عمر»، قال الفاضل المحقق سعد الملة والدين في شرح المقاصد: وهذا مما صح عنه، والخط موجود في آل بني كاكلة إلى الآن، فقد استعملها معرفة غير منصوبة لغير العقلاء، وقد سمعه عَليّ ولم ينكره، وهو واحد الأحدين، فأي إنكار واستهجان.

"كأين": بفتح "الهمزة" وتشديد "الياء" وكسرها وسكون "النون": اسم مركب من "كاف" التشبيه و"أي" المنونة، ولهذا جاز الوقف عليها "بالنون"؛ لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه "النون" الأصلية، ولهذا رسمت في المصحف "نونًا"، من وقف عليها بحذف "النون" اعتبر حكمه في الأصل، وهو الحذف في الوقف.
وتوافق كم في خمسة أمور: الإبهام، والافتقار إلى التمييز والبناء، ولزوم التصدير، وإفادة التكثير تارة، وهو الغالب نحو: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون}، والاستفهام أخرى، ولم يثبته إلا ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك، واستدل عليه بقول أبي بن كعب لابن مسعود رضي الله عنهما: «كأين تقرأ سورة الأحزاب، فقال: ثلاثًا وسبعين».
وتخالف كم في خمسة أمور:
أحدها: أنها مركبة و"كم" بسيطة.
والثاني: أن مميزها مجرور "بمن" غالبًا حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك، ويرده قول سيبويه: وكأين رجلًا رأيت، زعم ذلك يونس، وكأين قد أتاني رجلًا، إلا أن أكث العرب لا يتكلمون به إلا مع "من"، ومن الغالب قوله تعالى: {وكأين من نبي}، {وكأين من دابة}، ومن النصب قول الشاعر:
أطرد اليأس بالرجا فكأين ..... ألما حم يسره بعد عسر
قال الشارح: ويروي البيت بمد الرجاء و"كأين" وقصرهما، وذلك لأنه يقال في "كأي": "كأين" على زنة اسم الفاعل، و"كئن" مقصور اسم الفاعل، و"كأين" "بهمز" ساكن "فباء" أي مكسورة، وعكسه "كيئن" اهـ.
وفي الصحاح: ويكتب تنوينه "نونًا"، وفيه لغتان: "كأين": مثل "كاعن"، و"كأين": مثل "كعين"، تقول: كان رجلًا لقيت تنصب ما بعدها على التمييز وتقول أيضًا "كاين" من رجل لقيت، وإدخال من بعد "كأين" أكثر من النصب بها وأجود، و"بكأين" تبيع هذا الثوب، أي: "بكم".
الثالث: أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور، وقد مضى.
الرابع: أنها لا تقع مجرورة خلافًا لابن قتيبة وابن عصفور فإنهما أجازا "بكأين" تبيع هذا الثوب.
الخامس: أن خبرها لا يقع مفردًا بل جملة، بخلاف "كم"، فإنك تقول: "كم" رجل قائم.

"كذا": ترد على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما، وهما "كاف" التشبيه، و"ذا" الإشارية، كقولك: رأيت زيدًا ورأيت عمرًا "كذا"، وكقوله:
واسلمني الزمان كذا ..... فلا طرب ولا أنس
أي: كهذا الأسلوب، وتدخل عليها "هاء" التنبيه، كقوله تعالى: {أهكذا عرشك}.
الثاني: أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيًا بها عن غير عدد، كقول أئمة اللغة، قيل لبعضهم: إما بمكان كذا وكذا، وجذ فقال: بل وجاذًا، فنصب وجاذًا بإضمار اعرف، والوجذ نقرة في الجبل، يجتمع فيها الماء، جمعه وجاذ.
وكما جاء في الحديث: «أنه يقال للعبد يوم القيامة: أتذكر يوم كذا وكذا، فعلت فيه كذا وكذا».
والثالث: أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنيًا بها عن العدد، فتوافق "كأي" في أربعة أمور: التركيب والبناء والإبهام والافتقار إلى تمييز، وتخالفها في ثلاثة أمور:
أحدها: أنها ليس لها الصدر، تقول: قبضت "كذا" و"كذا" درهمًا.
الثاني: أن تمييزها واجب النصب فلا يجوز جره "بمن" اتفاقًا، ولا بالإضافة خلافًا للكوفيين، وأجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال: "كذا" ثوب و"كذا" ثوب، قياسًا على العدد الصريح، كما تقول: ما ئثة ثوب، وثلاثة أثواب، ولهذا قال فقهاؤهم: إنه يلزم بقول القائل: له عندي "كذا" درهم مائة، وبقوله: "كذا" دراهم ثلاثة، وبقوله: "كذا" "كذا" درهمًا أحد عشر، وبقوله: "كذا" درهمًا عشرون، وبقوله: "كذا" و"كذا" درهمًا أحد وعشرون، حملًا على المحقق من نظائرهن من العدد الصريح، ووافقهم على هذا التفصيل غير مسألتي الإضافة المبرد والأخفش وابن كيسان والسيرافي وابن عصور.
الثالث: أنها لا تستعمل غالبًا إلا معطوفًا عليها نحو:
عد النفس نعمى بعد بوساك ذاكرا ..... كذا وكذا لطفًا به نسي الجهد.
وزعم ابن خروف أنهم لم يقولوا "كذا" درهمًا من غير تكرار، ولا "كذا" "كذا" درهمًا من غير عطف، وذر ابن مالك أنه مسموع، ولكنه قليل.

"كل": اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو: {كل نفسٍ ذائقة الموت} والمعرف المجموع نحو: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}، ولا جزاء المفرد المعروف نحو: "كل" زيد حسن، فإذا قلت: أكلت "كل" رغيف لزيد، كانت لعموم الأفراد، فإن أضفت الرغيف إلى زيد، صارت لعموم أجزاء فرد واحد، وترد "كل" باعتبار "كل" واحد مما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه:
أحدها: باعتبار ما قبلها أن تكون نعتًا لنكرة أو معرفة، فتدل على كماله، ويجب حينئذٍ إضافتها إلى اسم ظاهر يمثله لفظًا ومعنى، نحو: أطعمنا شاة "كل" شاة، وكقول الشاعر:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ..... هم القوم كل القوم يا أم خالد
حانت هنا: بمعنى: سفكت، وفلج: موضع قرب البصرة.
الثاني: أن تكون توكيدًا لمعرفة، قال الأخفش والكوفيون: أو لنكرة محدودة، ويجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكد نحو: {فسجد الملائكة كلهم}.
قال ابن مالك: وقد يخلفه الظاهر قوله: يا أشبه الناس
"كل" الناس بالقمر.
وزعم أبو حيان أن
"كلاً " في البيت نعت مثل التي في: أطعمنا شاة، ومن توكيد النكرة بها قوله:
نلبث حولًا كاملًا كله ..... لا نلتقي إلا على منهج
أي: على قارعة الطريق مارين ولا نختلي ولا مرة. وأجاز الفراء والزمخشري أن يقطع "كل" المؤكد بها عن الإضافة لفظًا تمسكًا بقراءة بعضهم: أنا "كلاً " فيها، "فكلًا" توكيد لاسم "أن"، وهونًا، وقد قطع عن الإضافة لفظًا، والأصل "أنا" "كلنا".
والثالث: أن لا تكون تابعة بل تابعة تالية للعوامل، فتقع مضافة إلى الظاهر نحو: {كل نفسٍ بما كسبت رهينة}، وغير مضافة نحو: {وكلًا ضربنا له الأمثال}، "فكلًا" هنا منصوبة بفعل محذوف يفسره المذكور، أما باعتبار ما بعدها فحكمها أن تضاف إلى الظاهر، وقد مضت الإشارة إليه.
والرابع: أن تضاف إلى ضمير محذوف، ومقتضى كلام النحويين أن حكمها كالتي قبلها.
والخامس: أن تضاف إلى ضمير ملفوظ به نحو: {إن الأمر كله لله}، ونحو: {كلهم آتيه}.
واعلم: أن لفظ
"كل" الأفراد والتذكير وإن معناها بحسب ما تضاف إليه، فإن كانت مضافة إلى مذكر وجب مراعاة معناها، فلذلك جاء الضمير مفردًا مذكرًا في: {وكل شيء فعلوه في الزبر}، {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}، ومفردًا مؤنثًا في قوله تعالى: {كل نفسٍ بما كسبت رهينة}، و{كل نفسٍ ذائقة الموت}، ومثنى في قول الفرزدق:
وكل رفيقي كل رحل وإن هما ..... تعاطى القنا قومًا هما إخوان
وهذا البيت من المشكلات لفظًا وإعرابًا ومعنى، ومجموعًا مذكرًا في قوله تعالى: {كل حزبٍ بما لديهم فرحون}، ومؤنثًا في قول الشاعر:
وكل مصيبات الزمان وجدتها ..... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب.
ويروى: و"كل" مصيبات تصيب، وهذا الذي ذكرنا من وجوب مراعاة المعنى مع النكرة، نص عليه ابن مالك، ورده أبو حيان بقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثرة ..... فتركن كل حديثة كالدرهم
فقال: تركن، ولم يقل: تركت، فدل على جواز "كل" رجل قائم وقائمون، والذي يظهر لي خلاف قولهما، وإن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى "كل" واحد وجب الإفراد نحو: "كل" رجل يشبعه رغيف، أو إلى المجموع وجب الجمع، كبيت عنترة، فإن المراد : "كل" فرد من الأعين جاد، وإن مجموعها تركن، وعلى هذا تقول: جاد "كل" محسن فأغناني، أو فأغنوني، بحسب المعنى الذي تريده، وربما جمع الضمير مع إرادة الحكم على "كل" واحد، كقوله: من "كل" كوماء كثيرات الوبر. فجمع كثيرات لأن الجمع على "كل" فرد يستلزم الحكم على الجمع فصح جمع الضمير، وعليه أجاز ابن عصفور في قول الشاعر:
وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ..... وما كل مؤت نصحه بلبيب
أن يكون مؤتيك جمعًا حذفت "نونه" للإضافة، وإن كانت "كل" مضافة إلى المعرفة، فقالوا: يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها نحو: "كلهم" قائم، أو قائمون.
وإن قطعت عن الإضافة لفظًا فقال أبو حيان: يجوز مراعاة اللفظ نحو: {قل كل يعمل على شاكلته}، {فكلًا أخذنا بذنبه}، ومراعاة المعنى نحو: {وكل كانوا ظالمين}، والصواب أن المحذوف في الآية الأولى لفظة أحد، وهو مفرد، فيجب الإفراد، والمحذوف في الآية الثانية ضمير الجمع، أصله:
"كلهم"، فيجب الجمع.
قال البيانيون: إذا وقعت
"كل" في خبر النفي كان النفي موجهًا إلى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد نحو: ما جاء "كل" القوم، ولم آخذ "كل" الدراهم، و"كل" الدراهم لم آخذ، وكقوله: ما "كل" ما يتمنى المرء يدركه.
وإن وقع النفي في خبرها اقتضى السلب عن كل فرد، كقوله عليه الصلاة والسلام: «لما قال له ذو اليدين: أنسيت أم قصرت الصلاة»،
"كل" ذلك لم يكن، وقد تتصل "ما" "بكل"، كقوله تعالى: {كلما رزقوا من ثمرة رزقًا} هي منصوبة على الظرفية باتفاق، وناصبها الفعل الذي هو جواب في المعنى، وهو: قالوا، في الآية، وجاءتها الظرفية من جهة "ما"، وهي تحتمل إن تكون حرفًا مصدريًا وأن تكون اسمًا نكرة بمعنى وقت.

"كلًا" و"كلتا": مفردان لفظيًا مثنيان معنى مضافان أبدًا لفظًا، ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالة على اثنين نحو: "كلاهما"، و"كلانا"، و"كلا" ذلك، وقولنا: كلمة واحدة احتراز من قوله: "كلا" أخي وخليلي وأجدى عضدًا، فإنه ضرورة نادرة، وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكريرها نحو: "كلاي" و"كلاك" محسنان.
وأجاز الكوفيون إضافتها إلى النكرة المختصة نحو: "كلا" رجلين عندك محسنان، فإن رجلين قد تخصصا بوصفهما بالظرف، وحكوا: "كلتا" جاريتين عندك مقطوعة يدها، أي: تاركة للغزل.
ويجوز مراعاة لفظ
"كلا" و"كلتا" في الإفراد نحو: {كلتا الجنتين آتت أكلها}، ومراعاة معناهما وهو قليل، وقد اجتمعا في قوله.
كلاهما حين جد الجري بينهما ..... قد اقلعا انفيهما رابي
قال ابن هشام: وقد سئلت قديمًا عن قول القائل: زيد وعمرو "كلاهما" قائم، و"كلاهما" قائمان، أيهما الصواب، فكتبت إن قدر "كلاهما" توكيدًا، قيل: قائمان، إنه خبر عن زيد وعمرو، وأن قدر: مبتدأ، فالوجهان والمختار الإفراد، وعلى هذا فإذا قيل: إن زيدًا وعمرًا، فإن قيل: "كليهما"، قيل قائمان أو "كلاهما"، فالوجهان، ويتعين مراعاة اللفظ في نحو: "كلاهما" محب لصاحبه؛ لأن معناه: "كل" "منهما"، فالمعنى مفرد، و"كذا" اللفظ، فيتعين الإفراد، وعليه قوله:
كلانا غني عن أخيه حياته ..... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
قال الحريري في درة الغواص: ونظيره أيضًا امتناعهم من أن يقولوا: اختصم الرجلان "كلاهما"، قال الشارح: قال في التسهيل: "كلا" و"كلتا" قد يؤكدان ما لا يصح في موضعه واحد خلافًا للأخفش، فيمنع اختصم الرجلان "كلاهما" لعدم الفائدة؛ إذ لا يحتمل الإفراد، وكذا قولك: المال بين الزيدين "كليهما"، ووافق الأخفش على المنع، الفراء وابن هشام، وأبو علي، ومذهب الجمهور الجواز، فرد المصنف مردود عليه.
وفي الكليات:
"كلا"، اسم مفرد معرفة، يؤكد به مذكران معرفتان، و"كلتا" اسم مفرد معرفة، يؤكد به مؤنثان معرفتان، ومتى أضيفا إلى اسم ظاهر بقي "ألفهما" على حاله في الأحوال الثلاثة، وإذا أضيف إلى مضمر يقلب في النصب والجر "ياء".

"كلا": هي عند ثعلب مركبة من "كاف" التشبيه و"لا" النافية، قال: وإنما شدت "لامها" لتقوية المعنى ولدفع توهم بقاء الكلمتين، وعند غيره بسيطة، وهي عند سيبويه، والخليل والمبرد والزجاج وأكثر البصريين حرف معناه الردع والزجر، لا معنى لها عندهم غير ذلك، حتى إنهم يجيزون أبدًا الوقف عليها والابتداء بما بعدها.
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أن معنى الردع والزجر ليس مستمرًا فيها، فزادوا معنى ثانيًا يصح عليه أن يوقف دونها ويُبتدأ بها، ثم اختلفوا في ذلك المعنى على ثلاثة أقوال:
أحدها: للكسائي ومتابعيه، قالوا: تكون بمعنى حقًا.
والثاني: لأبي حاتم ومتابعيه، قالوا: تكون بمعنى "إلا" الاستفتاحية.
والثالث: للنضر بن شميل والفراء ومن وافقهما، قالوا: تكون حرف جواب بمعنى "أي" و"نعم"، وحملوا عليه: {كلا والقمر}، فقالوا: معناه: "أي" والقمر، وقول أبي حاتم أولى من قولهما؛ لأنه أكثر اطرادًا، وأما قول مكي أن
"كلاً " على رأي الكسائي اسم إذا كانت بمعنى حقًا فبعيد؛ لأن اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية قليل ومخالف للأصل ومحوج لتكلف دعوى علة لبنائها.
وقد تتعين للردع أو الاستفتاح نحو: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة}؛ لأنها لو كانت بمعنى حقًا لما كسرت "همزة" "إن"، ولو كانت بمعنى "نعم" لكانت للوعد بالرجوع؛ لأنها بعد الطلب، كما يقال: أكرم فلانًا فتقول "نعم".
وفي الكليات: وليس معنى الردع مستمرًا فيها؛ إذ قد تجيء بعد الطلب لنفي إجابة الطلب، كقولك لمن قال لك افعل كذا:
"كلا"، أي لا يجاب إلى ذلك.

"كم": قال في الصحاح: "كم" اسم ناقص مبهم مبني على السكون، وله موضعان: الاستفهام، والخبر، تقول إذا استفهمت: "كم" رجلًا عندك فتنصب ما بعده على التمييز، وتقول إذا أخبرت "كم" درهم أنفقت، تريد: التكثير، فتخفض ما بعده كما تخفض "برب"، وإن شئت نصبت، وإن جعلته اسمًا تامًا شددت آخرها وصرفته، تقول: أكثرت من "الكم"، وهي الكمية.
وفي الأشموني: "كم"، على قسمين: استفهامية بمعنى: أي عدد، وخبرية بمعنى: كثير، وكل منهما يفتقر إلى تمييز، فميز الاستفهامية كميز عشرين، وأخواته في الإفراد والنصب نحو: "كم" شخصًا سما، وأما الإفراد فلازم مطلقًا خلافًا للكوفيين، فإنهم يجيزون جمعه، وفصل بعضهم فقال: إن كان السؤال عن الجماعات نحو: "كم" غلمانًا لك، إذا أردت أصنافًا من الغلمان جاز، إلا فلا، وهو مذهب الأخفش، وأما النصب ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه لازم مطلقًا.
والثاني: ليس بلازم بل يجوز جره مطلقًا حملًا على الخبرية، وإليه ذهب الفراء والزجاج والسيرافي.
والثالث: أنه لازم إن لم يدخل على
"كم" حرف جر، وراجح على الجر إن دخل عليها حرف جر، وهذا هو المشهور، ولم يذكر سيبويه جره إلا إذا دخل عليه حرف جر، فيجوز في: "بكم" درهم اشتريت، النصب، وهو الأرجح، والجر أيضًا، وفيه قولان:
أحدهما: أنه
"بمن" مضمرة، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفراء وجماعة.
والثاني: أنه بالإضافة، وهو مذهب الزجاج.
وأما الخبرية فميزها يستعمل تارة كميز عشرة، فيكون جمعًا مجرورًا، وتارة كميز مائة فيكون مفردًا مجرورًا أيضًا.
فمن الأول قوله:
"كم" ملوك باد ملكهم.
ومن الثاني قوله: و
"كم" ليلة قد بتها غير آثم. وقوله:
كم عمة لك يا جرير وخالة ..... فدعاء قد حلبت على عشارى
ويروى هذا البيت بالنصب والرفع أيضًا، أما النصب فقيل: إن لغة تميم نصب تمييز الخبرية إذا كان مفردها، وقيل على تقديرها استفهامية استفهام تهكم، أي: أخبرني بعدد عماتك وخالاتك اللاتي كن يخدمنني فقد نسيته، وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ وإن كان نكرة؛ لأنها قد وصفت بلك.
وفي المغني: إن تمييز الخبرية واجب الخفض، وتمييز الاستفهامية منصوب، ولا يجوز جره مطلقًا خلافًا للفراء والزجاج وابن السراج وآخرين، بل يشترط أن يجر
"كم" بحرف جر، فحينئذ يجوز في التمييز وجهان: النصب، وهو الكثير، والجر خلافًا لبعض، وهو "بمن" مضمرة لا بالإضافة خلافًا للزجاج، وتلخص أن في جر مميزها أقوالًا: الجواز، والمنع، والتفصيل، وإن جرت هي بحرف جر نحو: "بكم" درهم اشتريت، جاز وإلا فلا.
وزعم قوم أن لغة تميم جواز نصب مميز
"كم" الخبرية إذا كان مفردًا.
وفي درة الغواص: ولا يفرقون بين قولهم:
"بكم" ثوبك مصبوغًا، و"بكم" ثوبك مصبوغ، وبينهما فرق يختلف المعنى فيه، وهو أنك إذا نصبت مصبوغًا كان انتصابه على الحال، والسؤال واقع عن ثمن الثوب وهو مصبوغ، وإن رفعت مصبوغًا رفعته على أنه خبر المبتدأ الذي هو ثوبك، وكان السؤال واقعًا عن أجرة الصبغ لا عن ثمن الثوب.
قال الشارح: قال المبرد في كتابه المقتضب: تقول
"بكم" ثوبك مصبوغ؛ لأن التقدير: "بكم" فلسًا ثوبك مصبوغ، أو "بكم" درهمًا، كما تقول: "على" "كم" جذعًا بيتك مبني، إذا جعلت "على" "كم" ظرفًا لمبني فهذا على قول من قال: "في" الدار زيد قائم، ومن قال: "في" الدار زيد قائمًا، فجعل في الدار خبرًا، قال: "على" "كم" جذعًا بيتك مبينًا، فإذا نصب مبنيًا جعل "على" "كم" ظرفًا للبيت؛ لأنه لو قال لك على هذا المذهب: "على" "كم" جذعًا بيتك، لاكتفى بالكلام، كما أنه لو قال: في الدار زيد لاكتفى به.

"كي": تقدم بيانها في النواصب.
"كيت" و"كيت": قال في الصحاح: يقال: كان من الأمر "كيت" و"كيت" بالفتح، و"كيت" و"كيت" بالكسر، و"التاء" فيها "هاء" في الأصل.
وفي الكليات:
"كيت" و"كيت" حكاية عن الأحوال والأفعال، كما أن "ذيت" و"ذيت" حكاية عن الأقوال.

"كيف": ويقال فيها: "كي"، كما يقال في "سوف": "سو"، قال:
كي يجنحون إلى سلم وما ثئرت ..... قتلًا كم ولظى الهيجاء تضطرم
وهو اسم لدخول الجار عليه في قولهم: "على" "كيف" تبيع الأحمرين، وسمع أيضًا: انظر "إلى" "كيف" يصنع، وتستعمل على وجهين:
أحدهما: أن تكون شرطًا، فتقتضي فعلين متفقي اللفظ والمعنى غير مجزومين، نحو:
"كيف" تصنع أصنع، ولا يجوز: "كيف" تجلس أذهب، باتفاق، ولا "كيف" تجلس أجلس، بالجزم عند البصريين لمخالفتها لأدوات الشرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما مر.
وقيل: يجوز جزم الفعلين بها مطلقًا، وإليه ذهب قطرب والكوفيون، وقيل: يجوز بشرط اقترانها بما.
والثاني: وهو الغالب فيها أن تكون استفهاميًا نحو:
"كيف" زيد، و"كيف" أنت، و"كيف" كنت، وقوله تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم}، تقديره: "كيف" يكون لكم عهد وحالتهم كذا.
وعن سيبويه: أن
"كيف" ظرف، وعن السيرافي والأخفش: أنها اسم غير ظرف، وموضوعة عند سيبويه نصب دائمًا، وعندهما رفع مع المبتدأ ونصب مع غيره.
فإذا قلت:
"كيف" أنت، كان أنت مبتدأ مؤخرًا، و"كيف" : في موقع الخبر، وإذا قلت: "كيف" جاء زيد، كانت في موقع الحال.
وقال ابن مالك ما معناه: لم يقل احد أن
"كيف" ظرف؛ إذ ليست زمانًا ولا مكانًا، ولكنها لما كانت تفسر بقولها على أي حال لكونها سؤالًا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا؛ لأنها في تأويل الحال والمجرور، فاسم الظرف يطلق عليها مجازًا، انتهى، وهو حسن، ويؤيده الإجمال على أنه يقال في البدل: "كيف" أنت أصحيح أم سقيم، بالرفع، ولا يبدل المرفوع من المنصوب، وقال الرضي: أن "كيف" في قولهم: انظر "إلي" "كيف" يصنع، منسلخة عن الاستفهام لعدم صدارتها، ومعناها الحالة، أي: انظر إلى حالة صنعه فهي مضافة للجملة بعدها، قلت: ولعل هذا أصل لقول العامة ليس لفلان "كيف"، وزعم قوم أن "كيف" تأتي عاطفة، وأنشدوا عليه:
إذا قل مال المرء لانت قناته ..... وهان على الأدنى فكيف الأباعد
فيخمل أن الأباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف، أي: "فكيف" حال الأباعد، أو بتقدير: "فكيف" الهوان على الأباعد، أو بالعطف "بالفاء"، ثم أقحمت "كيف" بين العاطف والمعطوف). [غنية الطالب: 206 - 219]


رد مع اقتباس