عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قالوا: {ربّنا إنّك من تدخل النّار فقد أخزيته} أي: أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع {وما للظّالمين من أنصارٍ} أي: يوم القيامة لا مجير لهم منك، ولا محيد لهم عمّا أردت بهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ربّنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان} أي: داعيًا يدعو إلى الإيمان، وهو الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم {أن آمنوا بربّكم فآمنّا} أي يقول: {آمنوا بربّكم فآمنّا} أي: فاستجبنا له واتّبعناه {ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا} أي: بإيماننا واتّباعنا نبيّك فاغفر لنا ذنوبنا، أي: استرها {وكفّر عنّا سيّئاتنا} أي: فيما بيننا وبينك {وتوفّنا مع الأبرار} أي: ألحقنا بالصّالحين). [تفسير القرآن العظيم: 2/186]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ربّنا وآتنا ما وعدتّنا على رسلك} قيل: معناه: على الإيمان برسلك. وقيل: معناه: على ألسنة رسلك. وهذا أظهر.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن عمرو بن محمّدٍ، عن أبي عقال، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عسقلان أحد العروسين، يبعث اللّه منها يوم القيامة سبعين ألفًا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسين ألفًا شهداء وفودًا إلى اللّه، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقّطعة في أيديهم، تثجّ أوداجهم دمًا، يقولون: {ربّنا وآتنا ما وعدتّنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد} فيقول: صدق عبدي، اغسلوهم بنهر البيضة. فيخرجون منه نقاءً بيضًا، فيسرحون في الجنّة حيث شاؤوا".
وهذا الحديث يعد من غرائب المسند، ومنهم من يجعله موضوعا، والله أعلم.
{ولا تخزنا يوم القيامة} أي: على رؤوس الخلائق {إنّك لا تخلف الميعاد} أي: لا بدّ من الميعاد الّذي أخبرت عنه رسلك، وهو القيام يوم القيامة بين يديك.
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا الحارث بن سريج حدّثنا المعتمر، حدّثنا الفضل بن عيسى، حدّثنا محمّد بن المنكدر؛ أنّ جابر بن عبد اللّه حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "العار والتّخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي اللّه، عزّ وجلّ، ما يتمنّى العبد أن يؤمر به إلى النّار" حديثٌ غريبٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/186-187]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثوابًا من عند اللّه واللّه عنده حسن الثّواب (195)}
يقول تعالى: {فاستجاب لهم ربّهم} أي: فأجابهم ربّهم، كما قال الشّاعر: وداعٍ دعا:
يا من يجيب إلى النّدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
قال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة، رجلٌ من آل أمّ سلمة، قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، لا نسمع الله ذكر النّساء في الهجرة بشيءٍ؟ فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} إلى آخر الآية. وقالت الأنصار: هي أوّل ظعينةٍ قدمت علينا.
وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عيينة، ثمّ قال: صحيحٌ على شرط البخاريّ، ولم يخرّجاه.
وقد روى ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن أمّ سلمة قالت: آخر آيةٍ أنزلت هذه الآية: {فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى بعضكم من بعضٍ} إلى آخرها. رواه ابن مردويه.
ومعنى الآية: أنّ المؤمنين ذوي الألباب لمّا سألوا -ممّا تقدّم ذكره-فاستجاب لهم ربّهم -عقّب ذلك بفاء التّعقيب، كما قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} [البقرة:186].
وقوله: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} هذا تفسيرٌ للإجابة، أي قال لهم مجيبًا لهم: أنّه لا يضيع عمل عاملٍ لديه، بل يوفّي كلّ عاملٍ بقسط عمله، من ذكرٍ أو أنثى.
وقوله: {بعضكم من بعضٍ} أي: جميعكم في ثوابي سواء {فالّذين هاجروا} أي: تركوا دار الشّرك وأتوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والخلّان والإخوان والجيران، {وأخرجوا من ديارهم} أي: ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم؛ ولهذا قال: {وأوذوا في سبيلي} أي: إنّما كان ذنبهم إلى النّاس أنّهم آمنوا باللّه وحده، كما قال تعالى: {يخرجون الرّسول وإيّاكم أن تؤمنوا باللّه ربّكم} [الممتحنة:1]. وقال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج:8].
وقوله: {وقاتلوا وقتلوا} وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل اللّه، فيعقر جواده، ويعفّر وجهه بدمه وترابه، وقد ثبت في الصّحيح أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، أرأيت إن قتلت في سبيل اللّه صابرًا محتسبا مقبلا غير مدبر، أيكفّر اللّه عنّي خطاياي؟ قال: "نعم" ثمّ قال: "كيف قلت؟ ": فأعاد عليه ما قال، فقال: "نعم، إلّا الدّين، قاله لي جبريل آنفًا".
ولهذا قال تعالى: {لأكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولأدخلنّهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} أي: تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب، من لبنٍ وعسلٍ وخمرٍ وماءٍ غير آسنٍ وغير ذلك، ممّا لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: {ثوابًا من عند اللّه} أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنّه عظيمٌ؛ لأنّ العظيم الكريم لا يعطي إلّا جزيلا كثيرًا، كما قال الشّاعر:
إن يعذب يكن غرامًا وإن يع = ط جزيلا فإنّه لا يبالي
وقوله: {واللّه عنده حسن الثّواب} أي: عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحًا.
قال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن دحيم بن إبراهيم: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، أخبرني حريز بن عثمان: أنّ شدّاد بن أوسٍ كان يقول: يا أيّها النّاس، لا تتهموا اللّه في قضائه، فإنّه لا يبغي على مؤمنٍ، فإذا نزل بأحدكم شيءٌ مما يحب فليحمد الله، وإذا أنزل به شيءٌ ممّا يكره فليصبر وليحتسب، فإنّ الله عنده حسن الثواب). [تفسير القرآن العظيم: 2/190-191]

رد مع اقتباس