الموضوع: إذا
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 02:17 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("إذا"
لفظ مشترك؛ يكون اسماً وحرفاً.
فإذا كانت اسماً فلها أقسام:
الأول: أن تكون ظرفاً لما يستقبل من الزمان، متضمنة معنى الشرط. ولذلك تجاب بما تجاب به أدوات الشرط، نحو: "إذا" جاء زيد فقم إليه. وكثر مجيء لماضي بعدها، مراداً به الاستقبال.
ومع تضمنها معنى الشرط لم يجزم بها، إلا في الشعر، كقول الشاعر:
وإذا تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يعطي الرغائب، فارغب
وإنما لم يجزم بها، لمخالفتها "إن" الشرطية. وذلك لأن "إذا" لما تيقن وجوده أو رجح، بخلاف "إن" فإنها للمشكوك فيه، وقد تدخل على المتيقن وجوده "إذا" أبهم زمانه، كقوله تعالى: {أفإنمت فهم الخالدون}. وقد تدخل على المستحيل، كقوله تعالى: {قل: إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}. وأجاز الكوفيون الجزم "بإذا" مطلقاً.
ومذهب سيبويه أن "إذا" لا يليها إلا فعل ظاهر، أو مقدر. فالظاهر نحو {إذا جاء نصر الله والفتح}. والمقدر نحو {إذا السماء انشقت}. ولا يجيز غير ذلك. هذا هو المشهور، في النقل عن سيبويه. ونقل السهيلي أن سيبويه يجيز الابتداء بعد "إذا" الشرطية، وأدوات الشرط، "إذا" كان الخبر فعلاً. وأجاز الأخفش وقوع المبتدأ بعد "إذا". قال ابن مالك: وبقوله أقول، لأن طلب "إذا" للفعل ليس كطلب "إن". ومن ذلك قول الشاعر:
إذا باهلي تحته حنظلية ... له ولد، منها، فذاك المذرع
وأول بعضهم البيت على أن التقدير: استقرت تحته حنظلية. فحنظلية: فاعل وباهلي: مرفوع بفعل يفسره العامل في تحته.
ومذهب الجمهور أن "إذا" مضافة للجملة التي بعدها، والعامل فيها الجواب. وذهب بعض النحويين إلى أنها ليست مضافة إلى الجملة، بل هي معمولة للفعل الذي بعدها، لا لفعل الجواب.
قال الشيخ أبو حيان: ومذهب الجمهور فاسد، من وجوه:
أحدها: أن "إذا" الفجائية قد تقع جواباً "إذا" الشرطية، وما بعد "إذا" لا يعمل فيما قبلها.
والثاني: اقتران جوابها "بالفاء"، وما بعد "فاء" الجزاء لا يعمل فيما قبلها.
والثالث: أن جوابها جاء منفياً بما، نحو {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم}، وما بعد "ما" النافية لا يعمل فيما قبلها.
والرابع: اختلاف وقتي الشرط والجواب، في بعض المواضع، نحو: "إذا" جئتني غداً أجيئك بعد غد.
قلت: والجواب عن هذه الوجوه أن الجمهور إنما يقولون: إن العامل فيها جوابها، "إذا" كان صالحاً للعمل. فإن منع من عمله فيها مانع "كإذا" الفجائية، و"إن"، ونحوهما، فالعامل فيها "حينئذ"مقدر، يدل عليه الجواب هذا حاصل كلامهم. وصرح أبو البقاء، في إعرابه بأن "الفاء" الداخلة في جواب "إذا" لا تمنع من عمل ما بعدها في "إذا". وذكر الحوفي، والزمخشري، أن العامل في {إذا جاء نصر الله }: فسبح. وقد بسطت الكلام، على ذلك، في غير هذا الكتاب.

الثاني: أن تكون ظرفاً لما يستقبل من الزمان، مجردة من معنى الشرط. نحو قوله تعالى: {والليل إذا يغشى}، {والنجم إذا هوى}. والماضي بعدها في معنى المستقبل، كما كان بعد المتضمنة معنى الشرط. وقال الفراء: لا يكون بعدها الماضي إلا "إذا" كان فيها معنى الشرط والإبهام. ومنه قوله تعالى: {وقالوا لإخوانهم، إذاضربوا في الأرض}، كأنه قال: كلما ضربوا، أي: لا تكونوا كهؤلاء، "إذا" ضرب إخوانهم في الأرض.

الثالث: أن تكون ظرفاً لما مضى من الزمان، واقعة موقع "إذ"، كقوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا أجد}، وقوله {وإذا رأوا تجارة، أو لهواً، انفضوا إليها}. "فإذا"، في هذا ونحوه، بمعنى "إذا". هذا مذهب بعض النحويين، وبه قال ابن مالك. قال في التسهيل: وربما وقعت موقع "إذ" و"إذا" موقعها. والذي صححه المغاربة أن "إذا" لا تقع موقع "إذ"، ولا "إذ" موقعها. وتأولوا ما أوهم ذلك.

الرابع: أن تخرج عن الظرفية، فتكون اسماً، مجرورة بحتى كقوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها}. وهو في القرآن كثير. "فإذا"، في ذلك، فيها وجهان:
أحدهما أن تكون مجرورة بحتى، واختاره ابن مالك.
والثاني: أن تكون حتى ابتدائية، و"إذا" في موضع نصب على ما استقر لها. وبه جزم أبو البقاء. وجوز الزمخشري الوجهين. قلت: وأشار الفارسي في التذكرة إلى جواز الوجهين. وتقدير الغاية على الأول: {وسبق الذين كفروا إلى جهنم}، إلى وقت مجيئهم لها. وعلى هذا، فلا جواب لها. وعلى الثاني، تكون الغاية ما ينسبك من الجواب مرتباً على الشرط. والتقدير المعنوي: إلى تفتح أبوابها وقت مجيئهم، فينقطع السوق ويؤيد أنها بعد حتى شرطية، في موضع نصب، اتفاق النحويين على طلب جوابها، في قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت}، فقيل: "الواو" زائدة. وقيل: الجواب محذوف.
وذهب ابن جني إلى أن "إذا" قد تخرج عن الظرفية، وتكون مبتدأة، كقوله تعالى: {إذا وقعت الواقعة}. "فإذا" مبتدأ، و {إذا رجت} خبره، في قراءة من نصب {خافضة رافعة}. قال ابن مالك: وهو صحيح. زاد أنها تكون مفعولاً به، كقوله عليه السلام، لعائشة رضي الله عنها «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى». والظاهر أنها لا تكون مبتدأة، ولا مفعولاً، وأنها لا تخرج عن الظرفية، وما استدل به محتمل للتأويل.

وأما إذا الحرفية فقسم واحد، وهي الفجائية. والفرق بينها وبني "إذا" الشرطية من خمسة أوجه:
الأول: أن "إذا" الشرطية لا يليها إلا جملة فعلية، و"إذا" الفجائية لا يليها إلى جملة اسمية.

والثاني: أن "إذا" الشرطية تحتاج إلى جواب، و"إذا" الفجائية لا جواب هلا.

والثالث: أن "إذا" الشرطية للاستقبال، و"إذا" الفجائية للحال. قال سيبويه: وتكون للشيء توافقه في حال أنت فيها. يعني الفجائية. وقال الفراء: وقد يتراخى، كقوله تعالى: {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}.

والرابع: أن الجملة، بعد "إذا" الشرطية، في موضع خفض بالإضافة، والجملة بعد "إذا" الفجائية لا موضع لها.

والخامس: أن "إذا" الشرطية تقع صدر الكلام، و"إذا" الفجائية لا تقع صدراً. وقد جمعت هذه الفروق، في هذه الأبيات:
الفرق بين إذا لشرط، والتي ... لفجاءة من أوجه، لا تجهل
طلب التي للشرط فعلاً بعدها ... وجوابها، وأتت لما يستقبل
وتضاف للجمل التي من بعدها ... وتكون في صدر المقالة، أول

واختلف النحويون في "إذا" الفجائية، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها ظرف زمان. وهو مذهب الزجاج، والرياشي، واختاره ابن طاهر، وابن خروف، ونسب إلى المبرد. قيل: وهو ظاهر كلام سيبويه.
والثاني: أنها ظرف مكان. وهو مذهب المبرد، والفارسي، وابن جي، ونسب إلى سيبويه. واستدل القائلون، بأنها ظرف مكان،
بوقوعها خبراً عن الجثة، في نحو: خرجت "فإذا" زيد. وأجاب الأولون، بأنه على حذف مضاف، أي: حضور زيد.
والثالث: أنها حرف. وهو مذهب الكوفيين، وحكي عن الأخفش. واختاره الشلوبين، في أحد قوليه. وإليه ذهب ابن مالك، واستدل على صحته بثمانية أوجه ذكرتها والاعتراض على بعضها في غير هذا الكتاب.
وتقع "إذا" الفجائية في مواضع.
منها نحو قولهم: خرجت "فإذا" الأسد. وفي هذه "الفاء"، الداخلة عليها، أقول تقدمت في بابها.
ومنها جواب الشرط، بأربعة شروط: أولها أن يكون الجواب جملة اسمية. وثانيها أن تكون غير طلبية، احترازاً من نحو: "إن" عصى زيد فويل له. فهذا تلزمه "الفاء". وثالثها: ألا تدخل عليها أداة نفي. ورابعها ألا يدخل عليها "إن". مثال ذلك {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون}. "فإذا"، في ذلك، نائبة مناب "الفاء"، في ربط الجواب بالشرط وليست "الفاء" مقدرة قبلها، خلافاً لزاعمه. إذا لو كانت مقدرة لم يمتنع التصريح بها.
ومنها بعد بينا وبينما كقول الحرفة:
فبينا نسوس الناس، والأمر أمرنا ... إذا نحن، فيهم، سوقة، نتنصف
وقول الآخر:
بينما المرء في فنون الأماني ... فإذا رائد المنون موافي
وقال الأصمعي: "إذ" و"إذا" في جواب بينا وبينما لم يأت عن فصيح. والصحيح أنه عربي، ولكن تركها أفصح.
وقد جاءت "إذا" الفجائية في مواضع أخر. فقد جاءت جواب "إذا" الشرطية، كقوله تعالى: {فإذا أصاب به من يشاء، من عباده، إذا هم يستبشرون}. وقد جاءت بعد لما، كقوله تعالى: {فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون}. وهو دليل على حرفية "لما". "إذ" لو كانت ظرفاً لكان جوابها عاملاً فيها، و"إذا" الفجائية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
فإن قلت: ما العامل في "إذا" الفجائية، على القول باسميتها؟ قلت: خبر المبتدأ الواقع بعدها، نحو: خرجت "فإذا" زيد قائم. فقائم ناصب "لإذا". والتقدير: ففي المكان الذي خرجت فيه، أو في الزمان الذي خرجت فيه، زيد قائم. وإن لم يذكر بعدها خبر، نحو: خرجت "فإذا" زيد، أو نصب على الحال، نحو: خرجت "فإذا" زيد قائماً، كانت "إذا" خبر المبتدأ. "فإذا" كان جئة، وقلنا إنها ظرف زمان، كان الكلام على حذف مضاف، أي ففي الزمان حضور زيد.
فإن قلت ما تقرر، من أن العامل فيها خبر ما بعد، يشكل بوقوع "إن" المكسورة بعدها، في قوله: "إذا" إنه عبد القفا، واللهازم
على رواية من كسرها. ووجه الإشكال أن "إن" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها! قلت: هذا من أحسن أدلة القائلين بحرفيتها. وقد أجاب عنه بعض القائلين، باسميتها، "بأن" في الكلام حذف. فإذا قلت: خرجت "فإذا" "إن" زيداً منطلق فالتقدير "فإذا" انطلاق زيد، إنه منطلق. فتكون "إذا" خبر مبتدأ محذوف. والعامل فيها الكون المقدر والجملة المبدوءة "بإن" دليل على المحذوف.

تنبيه
ذكر الزمخشري في الكشاف أن التحقيق في "إذا" الفجائية
أنها بمعنى الوقت، وأنها طالبة ناصباً لها، وجملة تضاف إليها، خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً، وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير. وذكر أن التقدير في قوله تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه، من سحرهم، أنها تسعى}: ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيتهم. وهذا تمثيل، والمعنى: على مفاجأته حبالهم وعصيتهم مخيلة إليه السعي. وقال في قوله تعالى: {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}: ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين. وقال في قوله تعالى: {فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون}: فإن قلت: كيف جاز أن تجاب "لما" "بإذا" المفاجأة؟ قلت: لأن فعل المفاجأة معها مقدر، وهو عامل النصب في محلها. كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجؤوا وقت ضحكهم.
قال الشيخ أبو حيان: ولا نعلم نحوياً، ذهب إلى ما ذهب إليه
هذا الرجل، من أن "إذا" الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر، تقديره: فاجأب. بل هي منصوبة بالخبر، أو خبر على ما تقدم تقديره، وليست مضافة إلى الجملة، كما سبق. ثم إن المفاجأة التي ادعاها لا يدل المعنى على أنها تكون من الكلام، السابق. بل المعنى يدل على أن المفاجأة تكون من الكلام الذي فيه "إذا". تقول: خرجت فإذا الأسد. فالمعنى: ففاجأني الأسد. وليس المعنى: ففاجأت الأسد.
قلت: وقد قدر أبو البقاء العامل في "إذا" الفجائية فعلاً، في مواضع. منها قوله تعالى: {فإذا حبالهم}. قال: التقدير: فألقوا "فإذا". وإذا في هذا ظرف مكان، والعامل فيه ألقوا. ورد بأن "الفاء" تمنع من عمل ما قبلها فيما بعدها.
واعلم أنه قد بقي، م أقسام "إذا"، قسم آخر، وهو "إذا" الزائدة. وهذا قال به أبو عبيدة بعد بينا وبينما. وهو ضعيف. والله أعلم). [الجنى الداني:367 - 380]


رد مع اقتباس