الموضوع: إلّا
عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 05:34 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



"إلا" بكسر "الهمزة" والتشديد
قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("إلا" بكسر "الهمزة" والتشديد
حرف استثناء. هذا معناها المشهور. وقد تكون بمعنى "غير"، وبمعنى "الواو" عند الأخفش، والفراء، وعاطفة تشرك في الإعراب، لا في الحكم، عند الكوفيين، وزائدة عند الأصمعي، وابن جني.

فهذه خمسة أقسام:
الأول: أن تكون حرف استثناء، نحو: قام القوم "إلا" زيداً. "إلا" هذه، التي يستثنى بها، أحكام كثيرة. ونذكر هنا ما تدعو الحاجة إلى ذكره، في سبع مسائل:
الأولى: في حد الاستثناء: وهو إخراج ب "إلا"، أو إحدى أخواتها، تحقيقاً أو تقديراً. فالإخراج جنس، و"بإلا" أو إحدى أخواتها مخرج للتخصيص بالنعت، ونحوه. والمراد بالمخرج تحقيقاً: المتصل، وبالمخرج تقديراً: المنقطع، نحو {ما لهم، من علم، إلا اتباع الظن}. فإن الظن، وإن لم يدخل في العلم، فهو في تقدير الداخل فيه. إذ هو مستخضر بذكره، لقيامه مقامه في كثير من المواضع. ولذلك لم يحسن استثناء الأكل والشرب بعد العلم، إذ لا يشعر بهما، بخلاف الظن. قال ابن السراج: إذا كان الاستثناء منقطعاً فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل "إلا" قد دل على ما يستثنى. فتأمله، فإنه يدق.
الثانية: في المستثنى منه: وهو المخرج منه، مذكوراً كان، نحو: قام القوم "إلا" زيداً، أو متروكاً، نحو: ما قام "إلا" زيد، أي: ما قام أحد. وشرطه "ألا" يكون مجهولاً؛ فلا يصح استثناء معلوم من مجهول، نحو: قام رجال "إلا" زيداً، ولا استثناء مجهول من مجهول، نحو قام رجال "إلا" رجلاً. لأن فائدة الاستثناء إخراج الثاني من الأول، لكونه لو لم يستثن لكان ظاهره أنه داخل فيما دخل فيه الأول. وإذا كان المستثنى منه مجهولاً لم يكن كذلك.
الثالثة: في المستثنى، وهو المخرج: وهو ضربان متصل، ومنقطع. لأنه إن كان بعض الأول فهو متصل، وإن لم يكن بعضه فهو منقطع. قال ابن مالك: وذكر البعضية أولى من ذكر الجنسية، لأن المستثنى قد يكون بعدما هو من جنسه، وهو منقطع، كقولك قام بنوك "إلا" ابن زيد.
الرابعة: في مقدار المستثنى: ذهب أكثر البصريين إلى أن ما دون النصف. فلا يجوز عندهم استثناء النصف، ولا استثناء الأكثر. وذهب بعضهم إلى جواز استثناء النصف. فيجيزون: عندي عشرة "إلا" خمسة. وذهب الكوفيون إلى جواز استثناء الأكثر. ووافقهم ابن مالك. والخلاف إنما هو في الاستثناء المتصل. واستدل من أجاز استثناء النصف، بقوله تعالى: {قم الليل إلا قليلاً، نصفه}، لأن نصفه بدل من قليلاً، والضمير عائد على الليل. وأطلق على النصف قليل، والمعنى: قم نصف الليل أو أقل أو أكثر. قاله ابن خروف. واستدل من أجاز استثناء الأكثر بقوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، إلا من اتعبك، من الغاوين}. ومعلوم أن الغاوين أكثر. وتأويل المانعون هاتين الآيتين ونحوهما وأجمع النحويون على أن المستثنى لا يكون مساوياً للمستثنى منه، ولا أزيد.
الخامسة: في معنى الإخراج: قال الكسائي: الإخراج من الاسم وحده. فإذا قلت: قلم القوم "إلا" زيداً، فكأنك قلت: قام القوم الذين بعض منهم زيد. ولم تتعرض للإخبار عن زيد بقيام ولا غيره. فيحتمل أن يكون قد قام، وأن يكون غير قائم. وذهب الفراء إلى أن الإخراج من الفعل فإذا قلت: قام القوم "إلا" زيداً لم تخرج زيداً من القوم، وإنما أخرجت "إلا" وصفه من القوم. وذهب سيبويه إلى أن "إلا" أخرجت الاسم من الاسم، والفعل من الفعل. إذ لم يقم دليل على حمل الاستثناء على أحدهما دون الآخر.
فإن قلت: قام القوم "إلا" زيداً، كنت قد استثنيت زيداً من القوم، وقيامه من قيامهم. وهذا هو الصحيح: والخلاف في المتصل.
السادسة: في إعراب المستثنى "بإلا": اعلم أن المستثنى "بإلا" له حالان: أحدهما أن يفرغ له العامل، والآخر أن يشغل العامل بغيره. ويسمى الأول التفريغ، والثاني التمام.
وحكمه، في التفريغ، كحكمه لو لم يوجد "إلا"، كقولك: ما قام "إلا" زيد. فزيد فاعل قام كقولك: ما قام زيد. ولا أثر "إلا" في ذلك. ولا يكون التفريغ "إلا" بعد نفي، أو شبهه. ويكون في جميع المعمولات، "إلا" المصدر المؤكد. وأما قوله {إن نظن إلا ظناً} فمتأول على حذف الصفة، أي: "إلا" ظناً ضعيفاً. وقد قيل فيه غير ذلك.
وأما في التمام فله أقسام:
قسم يب نصبه، وهو المستثنى بعد الإيجاب، نحو: قام القوم "إلا" زيداً.
وقسم يجوز نصبه، وإبداله من المستثنى منه، والإبدال أرجح. وهو المستثنى بعد النفي وشبهه، إذا كان متصلاُ، نحو {ما فعلوه إلا قليل منهم}.
وقسم يجوز نصبه وإبداله، والنصب أرجح. وهو المنقطع، إذا وقع بعد نفي أو شبهه، بشرط أن يصح إغناؤه من المستثنى منه. نحو {ما لهم به من علم، إلا اتباع الظن}. فهذا فيه لغتان: لغة الحجازيين أن نصبه واجب، ولغة بني تميم جواز نصبه وإبداله، ويقرؤون {إلا اتباع الظن} بالرفع. قال بعضهم: والنصب عندهم أرجح. فإن لم يصح إغناؤه عن المستثنى منه تعين نصبه عند الجميع. وهو كل استثناء منقطع، لا يجوز فيه تفريغ ما قبل "إلا" للاسم الواقع بعدها. نحو: ما زاد "إلا" ما نقص، وما نفع "إلا" ما ضر.
هذا كله حكم المستثنى، إذا كان مؤخراً. فإن تقدم على المستثنى منه وجب نصبه مطلقاً. وأما نحو: مالي "إلا" أخوك ناصر، فمؤول على التفريغ، وناصر بدل. وقد اختصرت هذا الفصل، لشهرة أحكامه.
السابعة: في ناصب المستثنى: اعلم أن في ناصب المستثنى أقوالاً كثيرة:
أحدها أن ناصبه "إلا". واختاره ابن مالك. قال: وهو مذهب سيبويه، والمبرد، والجرجاني. وقد خفي كون هذا مذهب سيبويه، على كثير من شراح كتابه.
وثانيها أن الناصب ما قبل "إلا" من فعل أو غيره، بتعدية "إلا". قال ابن عصفور: وهو مذهب سيبويه، والفارسي، وجماعة. وقال الشلوبين: هو مذهب المحققين.
وثالثها أن الناصب ما قبل "إلا" مستقلاً. وهو مذهب ابن خروف. واستدل على ما ذهب إليه بما فهمه من كتاب سيبويه.
ورابعها أن الناصب أستثني مضمراً بعد "إلا". حكاه السيرافي عن المبرد، والزجاج.
وخامسها أن الناصب "أن" مقدرة بعد "إلا". والتقدير: "إلا" أن زيداً لم يقم. حكاه السيرافي عن الكسائي.
وسادسها أن الناصب "إن" المكسورة المخففة، مركباً منها ومن "لا": "إلا". حكاه السيرافي أيضاً عن الفراء.
وسابعها: أن الناصب له مخالفته للأول. ونقل عن الكسائي.
وهذه أقوال، أكثرها ظاهر البعد. وأظهرها الأول والثاني. وقد بسطت الكلام عليها، في غير هذا الكتاب. وذكر بعض المتأخرين قولاً ثامناً، وهو أن المستثنى ينتصب عن تمام الكلام. فالعامل فيه ما قبله من الكلام، بدليل قولهم: القوم إخوتك "إلا" زيداً. وليس ههنا فعل، ولا ما يعمل عمله. قال: وهو مذهب سيبويه، وهو الصحيح.
فهذا ما يتعلق بالقسم الأول من أقسام "إلا" على سبيل الاختصار.

القسم الثاني: التي بمعنى "غير": اعلم أن أصل "إلا" أن تكون استثناء، وأصل "غير" أن تكون صفة. وقد تحمل "إلا" على "غير"، فيوصف بها، كما حملت "غير" على "إلا" فاستثنى بها. وللموصوف "بإلا" شرطان: أحدهما أن يكون جمعاً أو شبهه، والآخر أن
يكون نكرة أو معرفاً "بأل" الجنسية، كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، فإن قلت: كيف يوصف "بإلا" وهي حرف؟ قلت: التحقيق أن الوصف إنما هو بها وبتاليها، لا بها وحدها. ولذلك ظهر الإعراب في تاليها. ومن قال: إن "إلا" يوصف بها، فقد تجوز في العبارة. وإنما صح أن يوصف بها وبتاليها لأن مجموعهما يؤدي معنى الوصف، وهو المغايرة.
واعلم أن "إلا" التي يوصف بها تفارق غيراً من وجهين:
أحدهما أن موصوفها لا يحذف وتقام هي مقامه؛ فلا يقال: جاءني "إلا" زيد، بخلاف "غير".
والآخر أنها لا يوصف بها "إلا" حيث يصح الاستثناء؛ فلا يجوز: عندي درهم "إلا" جيد، بخلاف "غير".

القسم الثالث: التي بمعنى "الواو". وهذا قسم نفاه الجمهور، وأثبته الفراء، والأخفش، وأبو عبيدة معمر بن المثنى. وجعلوا من ذلك قوله {لئلاً يكون للناس عليكم حجة، إلا الذين ظلموا منهم}، أي: و"لا" الذين ظلموا، وقول الشاعر:
ما بالمدينة دار، غير واحدة ... دار الخليفة، إلا دار مروانا
وقول الآخر:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك، إلا الفرقدان
أي: ودار مروان، والفرقدان. والمعنى أنهما يفترقان. ولا حجة فيما استدلوا به. وتأويله ظاهر.

القسم الرابع: التي هي عاطفة لا بمعنى "الواو"، بل تشرك في الإعراب لا في الحكم. هذا القسم لم يقل به "إلا" الكوفيون. فإنهم يجعلون "إلا" عاطفة، في نحو: ما قام أحد "إلا" زيد، مما وقع بعد النفي وشبهه. والبصريون يعربون ذلك بدلاً، كما سبق. ورد ثعلب قول البصريين، بان الأول منفي عن القيام، والثاني مثبت له، والبدل يكون على وفق المبدل منه، في المعنى.
ورد مذهب الكوفيين بأن "إلا" لو كانت عاطفة لم تباشر العامل، في نحو: ما قام "إلا" زيد. وأجيب، عما قاله ثعلب، بأن هذا من بدل البعض، وبدل البعض الثاني فيه مخالف للأول، في المعنى؛ "ألا" ترى أنك إذا قلت: رأيت القوم بعضهم، كان قولك أولاً رأيت القوم مجازاً، ثم بينت من رأيته منهم.

القسم الخامس: التي هي زائدة. هذا قسم غريب، قال به الأصمعي، وابن جني، في قول الشاعر:
حراجيح، ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف، أو نرمي بها بلداً، قفرا
أي: ما تنفك مناخة، و"إلا" زائدة، لأن ما زال وأخواتها لا تدخل "إلا" على خبرها. لأن نفيها إيجاب، فلا وجه لدخول "إلا" وهذا قول ضعيف، فإن "إلا" لم تثبت زيادتها. وقد خرج البيت على وجهين:
أحدهما أن تنفيك تامة، وهي مطاوع فكه إذا خلصه أو فصله. ومناخة حال.
والثاني أنها ناقصة والخبر قوله على الخسف، ومناخة حال من الضمير المستكين في الجار. وهذا قول الفراء.
ومن أغرب ما قيل في "إلا" أنها قد تكون بمعنى "بعد". وجعل هذا القائل من ذلك قوله تعالى: {إلا الذين ظلموا منهم}، وقوله {إلا ما قد سلف}، وقوله {إلا الموتة الأولى}.
وأما "إلا" في نحو قوله تعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض، وفساد كبير}، و {إلا تنصروه فقد نصره الله}، فهي مركبة من "إن الشرطية"، و"لا النافية". وهي حرفان، لا حرف واحد. وأمرها واضح. والله سبحانه وتعالى أعلم). [الجنى الداني:510 - 522]


رد مع اقتباس